(إِنَّالَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْتُنذِرْهُمْلاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَىسَمْعِهِمْوَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) وَمِنَالنَّاسِمَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمبِمُؤْمِنِينَ (8
الدرسالثاني:6 - 7 صفات الكافرينفأما الثانية فهي صورةالكافرين . وهي تمثل مقومات الكفر في كل أرض وفي كل حين:
(إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . ختم الله علىقلوبهموعلى سمعهم , وعلى أبصارهم غشاوة , ولهم عذاب عظيم). .
وهنانجد التقابل تاما بين صورة المتقين وصورة الكافرين . . فإذا كان الكتاببذاتههدى للمتقين , فإن الإنذار وعدم الإنذار سواء بالقياس إلى الكافرين . إنالنوافذالمفتوحة في أرواح المتقين , والوشائج التي تربطهم بالوجود وبخالق الوجود ,وبالظاهروالباطن والغيب والحاضر . . إن هذه النوافذ المفتحة كلها هناك , مغلقةكلهاهنا . وإن الوشائج الموصولة كلها هناك , مقطوعة كلها هنا:
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم)ختم عليها فلا تصل إليها حقيقة من الهدى ولاصدى .
(وعلى أبصارهم غشاوة). . فلا نور يوصوص لها ولا هدى . ! وقد طبع الله على قلوبهموعلىسمعهم وغشي على أبصارهم جزاء وفاقا على استهتارهم بالإنذار , حتى تساوى لديهمالإنذاروعدم الإنذار .
إنهاصورة صلدة , مظلمة , جامدة , ترتسم من خلال الحركة الثابتة الجازمة . حركةالختمعلى القلوب والأسماع , والتغشية على العيون والأبصار . .
(ولهم عذاب عظيم). . وهي النهاية الطبيعية للكفر العنيد , الذي لا يستجيب للنذير ; والذي يستوي عنده الإنذار وعدم الإنذار ; كما علم الله من طبعهم المطموس العنيد .
الدرسالثالث:8 - 16 صفات المنافقين
ثمننتقل - مع السياق - إلى الثالثة . أو إلى النموذج الثالث
إنهاليست في شفافية الأولى وسماحتها . وليست في عتامة الثانيةوصفاقتها . ولكنها تتلوى في الحس . وتروغ من البصر , وتخفى وتبين . . إنها صورةالمنافقين:
ومنالناس من يقول:آمنا بالله وباليوم الآخر , وما هم بمؤمنين . يخادعون اللهوالذينآمنوا , وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاولهمعذاب أليم بما كانوا يكذبون . وإذا قيل لهم:لا تفسدوا في الأرض , قالوا:إنمانحنمصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون . وإذا قيل لهم:آمنوا كما آمنالناس , قالوا:أنؤمن كما آمن السفهاء ? ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون . وإذالقواالذين آمنوا قالوا:آمنا . وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا:إنا معكم , إنما نحنمستهزئون . الله يستهزئ بهم , ويمدهم في طغيانهم يعمهون . أولئك الذين اشترواالضلالةبالهدى , فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين . .
لقدكانت هذه صورة واقعة في المدينة ; ولكننا حين نتجاوز نطاق الزمان والمكاننجدهانموذجا مكرورا في أجيال البشرية جميعا . نجد هذا النوع من المنافقين من عليةالناسالذين لا يجدون في أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الحق بالإيمان الصريح , أو يجدونفينفوسهم الجرأة ليواجهوا الحق بالإنكار الصريح . وهم في الوقت ذاته يتخذونلأنفسهممكان المترفع على جماهير الناس , وعلى تصورهم للأمور ! ومن ثم نميل إلىمواجهةهذه النصوص كما لو كانت مطلقة من مناسبتها التاريخية , موجهة إلى هذا الفريقمنالمنافقين في كل جيل . وإلى صميم النفس الإنسانية الثابت في كل جيل
إنهميدعون الإيمان بالله واليوم الآخر . وهم في الحقيقة ليسوا بمؤمنين . إنماهممنافقون لا يجرؤون على الإنكار والتصريح بحقيقة شعورهم في مواجهة المؤمنين .
يُخَادِعُونَاللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُموَمَايَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُمعَذَابٌأَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
وهميظنون في أنفسهم الذكاء والدهاء والقدرة على خداع هؤلاء البسطاء ;ولكنالقرآن يصف حقيقة فعلتهم , فهم لا يخادعون المؤمنين , إنما يخادعون الله كذلكأويحاولون:
(يخادعون الله والذين آمنوا). .
وفيهذا النص وأمثاله نقف أمام حقيقة كبيرة , وأمام تفضل من الله كريم . . تلكالحقيقةهي التي يؤكدها القرآن دائما ويقررها , وهي حقيقة الصلة بين الله والمؤمنين . إنه يجعل صفهم صفه , وأمرهم أمره . وشأنهم شأنه . يضمهم سبحانه إليه , ويأخذهم فيكنفه , ويجعل عدوهم عدوه , وما يوجه إليهم من مكر موجها إليه - سبحانه - وهذا هوالتفضلالعلوي الكريم . . التفضل الذي يرفع مقام المؤمنين وحقيقتهم إلى هذا المستوىالسامق ; والذي يوحي بأن حقيقة الإيمان في هذا الوجود هي أكبر وأكرم الحقائق ,والذييسكب في قلب المؤمن طمأنينة لا حد لها , وهو يرى الله - جل شأنه - يجعل قضيتههيقضيته , ومعركته هي معركته , وعدوه هو عدوه , ويأخذه في صفة , ويرفعه إلى جوارهالكريم . . فماذا يكون العبيد وكيدهم وخداعهم وأذاهم الصغير ?!
وهوفي ذات الوقت تهديد رعيب للذين يحاولون خداع المؤمنين والمكر بهم , وإيصالالأذىإليهم . تهديد لهم بأن معركتهم ليست مع المؤمنين وحدهم إنما هي مع الله القويالجبارالقهار . وأنهم إنما يحاربون الله حين يحاربون أولياءه , وإنما يتصدون لنقمةاللهحين يحاولون هذه المحاولة اللئيمة .
وهذهالحقيقة من جانبيها جديرة بأن يتدبرها المؤمنون ليطمئنوا ويثبتوا ويمضوا فيطريقهملا يبالون كيد الكائدين , ولا خداع الخادعين , ولا أذى الشريرين . ويتدبرهاأعداءالمؤمنين فيفزعوا ويرتاعوا ويعرفوا من الذي يحاربونه ويتصدون لنقمته حينيتصدونللمؤمنين . .
ونعودإلى هؤلاء الذين يخادعون الله والذين آمنوا بقولهم:آمنا بالله وباليومالآخر . ظانين في أنفسهم الذكاء والدهاء . . ولكن يا للسخرية ! يا للسخرية التيتنصبعليهم قبل أن تكتمل الآية:
(وما يخدعون إلا أنفسهم , وما يشعرون). .
إنهممن الغفلة بحيث لا يخدعون إلا أنفسهم في غير شعور ! إن الله بخداعهم عليم ;والمؤمنونفي كنف الله فهو حافظهم من هذا الخداع اللئيم . أما أولئك الأغفال فهميخدعونأنفسهم ويغشونها . يخدعونها حين يظنون أنهم أربحوها وأكسبوها بهذا النفاق ,ووقوهامغبة المصارحة بالكفر بين المؤمنين . وهم في الوقت ذاته يوردونها مواردالتهلكةبالكفر الذي يضمرونه , والنفاق الذي يظهرونه . وينتهون بها إلى شر مصير !
ولكنلماذا يحاول المنافقون هذه المحاولة ? ولماذا يخادعون هذا الخداع
(في قلوبهم مرض). .
فيطبيعتهم آفة . في قلوبهم علة . وهذا ما يحيد بهم عن الطريق الواضح المستقيم .ويجعلهميستحقون من الله أن يزيدهم مما هم فيه:
(فزادهم الله مرضا). .
فالمرضينشىء المرض , والانحراف يبدأ يسيرا , ثم تنفرج الزاوية في كل خطوةوتزداد . سنة لا تتخلف . سنة الله في الأشياء والأوضاع , وفي المشاعر والسلوك . فهمصائرونإذن إلى مصير معلوم . المصير الذي يستحقه من يخادعون الله والمؤمنين:
(ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون).