السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مراسلة «اليوم السابع» بقنا تروى ساعات الحزن والخوف بعد مجزرة القداس..المدينة تحولت إلى قطعة من جهنم فى لحظات والشباب المسلم والمسيحى حملوا الأسلحة البيضاء واحتلوا الشوارع مرددين هتافات طائفية
كنت الفتاة المسلمة الوحيدة فى الشارع بين مئات الغاضبين.. والأمن نصحنى بالابتعاد عن قلب الحدث
يوم عيد الميلاد، ولأن ما يقرب من نصف سكان نجع حمادى من المسيحيين، كان العيد لنا جميعا لأن الحياة تتوقف، ويتبادل جميعنا التهانى، وسارت الأمور على طبيعتها، فبعد غروب شمس يوم السادس من يناير الجارى، بدأ الأقباط يتوافدون على مطرانية نجع حمادى للمشاركة فى صلاة قداس عيد الميلاد، كان 6 من هؤلاء على موعد مع اللحظات الأخيرة فى عمرهم، بينما يتثاءب أفراد الحراسة الواقفة أمام الكنيسة، وهم يعلمون أنها ستكون ليلة طويلة فغداً عيد الميلاد ولن ينفض الأقباط عن الكنيسة قبل منتصف الليل، قبل هذا الموعد بقليل بدأ الأقباط يخرجون من الكنيسة غير مبالين ببرودة الجو، فحرارة التهنئة بالعيد ألهتهم عنها، من بعيد تقترب سيارة «فيات» زيتية اللون تحمل أرقام 21576 ملاكى قنا قبل انتصاف الليل بقليل، يخرج من أحد نوافذها سلاح آلى ليحصد فى ثوان معدودة أرواح 6 أقباط: أبانوب كمال (20 سنة)، ودينا حلمى (17 سنة)، ورفيق رفعت (28 سنة)، وأيمن زكريا (25 سنة)، وبولا عاطف (18 سنة)، وبيشوى فريد (17 سنة)، وأمين شرطة مسلم من أفراد الخدمة على الكنيسة (28 سنة) هو أيمن هاشم سيد، ويصيب 9 أقباط آخرين.
اختلط ظلام الليل حينها بألوان الدماء وسادت الفوضى أمام المطرانية، حيث هرع بعضهم داخل الكنيسة هربا من الرصاص، فيما ظل من بقى حيا ممن ظلوا خارج الكنيسة مصدوما للحظات ليفوق على الفاجعة، وحاول بعض من كانوا بالخدمة من أفراد الأمن مطاردة سيارة الجناة، ولكنها كانت قد اختفت فى سواد الليل، وأسرع الناس من خارج الكنيسة لحصر القتلى، وتم نقل المصابين إلى مستشفيات نجع حمادى العام، وإحالة أصحاب الحالات الحرجة إلى مستشفيات سوهاج وأسيوط، وذهبت أذهان الجميع حينها إلى أحداث طائفية لم يمر عليها أكثر من شهرين، حينما اتهم شاب قبطى باغتصاب فتاة مسلمة.
فى صبيحة عيد الميلاد وصل الغضب قمته، وجدت نفسى فتاة مسلمة محجبة تقف بين عدد من الأقباط الغاضبين، ولكننا فى الحزن سويا فالموت لا يفرق بين الأديان، كانت قمة المأساة حينما بدأ نور الشمس يكشف حجم الفاجعة: دماء متناثرة على جدران المطرانية وتواجد أمنى أصبح كثيفاً، فسدت فرحة العيد وظل الجناة مجهولين، وبدأت التكهنات حول سبب الجريمة هل هى ثأر أم جريمة شرف أم عبث أيد خارجية؟ تجمع أهالى المصابين والقتلى من الأقباط يرفعون راية الغضب وفشلت المحاولات المضنية للأمن فى تفريقهم.
كان الغضب هو عنوان كل شىء فتنبأت لنفسى بأن العمل فى هذه الظروف لن يكون سهلا، وقد صدقت نبوءتى فقد تعرضت للخطر أكثر من مرة نتيجة متابعتى للحادث، فعقب إجراء حوار مع المصابين وأسرهم داخل مستشفى نجع حمادى ومتابعة خروج جنازة ضحايا الأحداث وقعت أحداث شغب بسبب غضب وثورة أهالى الضحايا الذين حطموا وكسروا المستشفى، وكان عددهم أكثر من 100 شخص، بعضهم كان ينظر لى بعدائية ونصحنى البعض بالانصراف، كما أكد لى بعض أفراد الأمن «قد تتعرضين للأذى من جانب الأقباط الثائرين بسبب حجابك الذى يدل على أنك مسلمة فى هذا الوقت الحساس».
بعد ذلك تطور الأمر إلى أن الاشتباكات امتدت لقرية الرحمانية التى تبعد 5 كيلومترات جنوب نجع حمادى، انفعال الأقباط دفع المئات للخروج إلى الشوارع معلنين عن غضبهم، وقد انزلق قلة منهم لترديد هتافات معادية للمسلمين وتصرفات استفزازية، وقد دفع هذا عددا من الشباب المسلمين بالمدينة للخروج إلى الشوارع وعدم مراعاة وقع المأساة على إخوانهم الأقباط، وغير مدركين لخطورة الأحداث وحساسيتها، وكادت تحدث مواجهات دامية لولا تدخل الأمن بقوة وتهدئة الأوضاع من العقلاء على الجانبين.
لم يجد الأمن بداً من فرض حظر التجوال منعا لتجدد الاشتباكات وإقامة عدد من الأكمنة على الطرق وتمشيط الشوارع لمنع أى محاولة لتجدد إطلاق النيران من الطرفين، لتتوصل وزارة الداخلية خلال ساعات إلى مرتكب الحادث وهو محمد أحمد الكمونى وشهرته «حمام الكمونى» ساعده فى الجريمة هنداوى محمد سيد، وقرشى أبوالحجاج، ووصفتهم الداخلية بأنهم «من العناصر المسجلة خطر والسابق ارتكابهم لحوادث جنائية».
وكان التفسير الأولى للحادث، هو الانتقام من عدم التوصل لقبطى مغتصب الفتاة المسلمة ذات الـ12 عاماً من العمر فى فرشوط، ثم ظهرت بعد ذلك تلميحات عن تربيطات سياسية وراء الحادث، وفى كلتا الحالتين كان الأمن متهما بالتقصير والتواطؤ، لكن تصاعد الأحداث بعد ذلك لم يعط أحدا فرصة البحث عن تفسيرات، ففى اليوم التالى كانت هناك مسيرة للأقباط، وعلى الجانب الآخر من الشارع بدأت معاينة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود لموقع الحادث، وأنا أتنقل بين الجانبين لتغطية الأحداث، وأثناء وقوفى أمام المطرانية تجددت المظاهرات، ومع تزايد غضب المتظاهرين قام أحد الأشخاص بالهتاف ضد المسلمين ووصلتنى تحذيرات أن الأقباط غاضبون ويجب علىّ أن أترك المكان فوراً منعاً للتعرض للخطر، وابتعدت عن المكان بعد التقاط الصور اللازمة.
وفى المساء تجدد الصدام مرة أخرى.. عدد كبير من الشباب المسلمين بمنطقة الساحل قاموا بأعمال شغب وأشهروا الأسلحة البيضاء فى وجوه الجميع، وكنت أصطحب أخى لتصوير الأحداث فتمكن بعضهم من تحطيم الكاميرا وإتلاف كارت الذاكرة الذى كان يحوى صورا لعدد من المشاغبين اثناء تحطيمهم للمحلات والسيارات بالشوارع.
داخل مطرانية نجع حمادى كان الأمر مختلفا عن الغليان الذى يدور بالخارج، فقد استقبلنى الجميع مرحبا بى ومقدرين للدور الذى يقوم به الاعلام، فمكثت فيها آخر مرة لأكثر من 4 ساعات بينما كنت أرى الدهشة والاستغراب من كل الوافدين على المطرانية، وهم يتبادلون السؤال عن الفتاة المحجبة داخل المطرانية فى ظل هذه الأحداث.
هذه التجربة التى عشتها فى تغطية أحداث نجع حمادى كانت الأشد قسوة فى حياتى الصحفية القصيرة، واكتشفت فيها أنه من السهولة أن يتحول العالم من حولك فى لحظة إلى دائرة دماء مجنونة.
مع تحيات
مـــيدو _ البرنس
mido_elbrns
مـــيدو _ البرنس
mido_elbrns