شهد المجتمع المصري في الاونة الأخيرة إنتشار ظاهرة خطيرة وهي زواج الأطفال من غير المصريين والمؤدية بشكل أو بآخر إلي ظاهرة الإتجار في البشر، هذا ما بحثه المجلس القومي للطفولة والأمومة بالتعاون مع جمعية حواء المستقبل لتنمية الأسرة في دراسة تحت عنوان "زواج الأطفال من غير المصريين في ضوء ظاهرة الاتجار في البشر، دراسة ميدانية بمحافظة 6 أكتوبر".
حيث وصفت الدراسة حجم وخطورة زواج الأطفال، وأنواع الزواج التي أبطلها الإسلام، وصور الإتجار بالبشر وأسباب انتشاره، والحقائق الرئيسية للاتجار بالأطفال، وأوضحت د.إقبال السمالوطي الباحث الرئيسي في هذه الدراسة، أن الأهداف شملت التعرف علي حجم ظاهرة زواج الفتيات الأطفال من غير المصريين، والوقوف علي أسباب انتشا الظاهرة، والآثار المترتبة عليها مع محاولة وضع استراتيجية لمواجهتها.
ومن الأسباب الرئيسية لتفشي ظاهرة زواج الأطفال من غير المصريين هي زيادة المهور التي يدفها هؤلاء الأزواج، بالإضافة إلي تدني مستوي المعيشة، وارتفاع تكاليف تجهيز البنات، وكثرة عدد البنات في الأسرة، وإلحاق البنات في إعمال شاقة حتي يصبحن مصدر دخل لأسرهم، والجدير بالذكر أن أكثر من 80% من السعوديين هم شركاء في انتشار هذه الظاهرة بزواجهم من مصريات بينما اليمن والأردن أقل الجنسيات مشاركة في ظاهرة زواج الأطفال من غير المصريين.. أما عن طريقة إنتشار هذه الظاهرة فإن أغلب الزيجات تتم من خلال سمسار مكاتب تيسير الزواج، أو أحد الأقارب أو محامين يتولون كتابة عقد الزواج الذي لا يكتب له الاستمرار طويلا، وذلك بحسب ما أقره أكثر من 70% من أفراد العينة التي بلغت ألفي مبحوث.
وأوصت الدراسة بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة تجاه السماسرة والمحامين المشاركين في زواج الأطفال من غير المصريين، بالإضافة إلي العمل علي رفع مستوي التعليم للفتيات اللاتي حرمن من الحد الأدني من التعليم بسبب سوء الحالة الاقتصادية والجهل الذي يهيمن علي هذه المناطق التي تعيش تحت خط الفقر ولهذا يجب أن تتضافر مجهودات الدولة مع منظمات المجتمع المدني في إيجاد حلول فاعلة لإنهاء ظاهرة إنتشار زواج الأطفال في مصر من غير المصريين.
واعتبرت في هذا الصدد السفيرة مشيرة خطاب وزيرة الدولة للأسرة والسكان ، أن تراجع القيم الثقافية الوسطية والمعتدلة المميزة تاريخيا للثقافة المصرية أمام التشدد والانغلاق الفكري والديني ، يعد من أشد الأخطار التي تتعرض لها الأسرة المصرية حاليا ، بما يؤثر بالسلب في منظومة العلاقات الأسرية واختياراتها الاجتماعية الحياتية ويعوق التنمية والتغيير الاجتماعي.
وأكدت عدم قدرة أية مؤسسة اجتماعية في العالم حتي الآن ، علي منافسة دور الأسرة في احتضان وتنشئة الطفل خاصة في السنوات الأولي من عمره.. مشيرة إلي أن الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأهم في رعاية وتنشئة الأطفال منذ لحظة الميلاد وحتي نهاية مرحلة الطفولة "18 سنة" ، وأن هناك تغيرات كثيرة وعميقة طرأت علي تكوين الأسرة المصرية ، من أهمها أن الأسرة الممتدة التقليدية من حيث الشكل والتأثير الاقتصادي والاجتماعي أخذت في الانحصار لحساب الأسرة الصغيرة "الأسرة النووية".
وقالت خطاب: إن من أهم التغيرات التي طرأت علي تكوين الأسرة ، أن الأدوار النمطية داخل الأسرة والتي تتمثل في أن يكون الزوج هو المسئول الأساسي عن إعالة الأسرة والزوجة هي المسئولة عن رعاية الأطفال والأعمال المنزلية ، طرأ عليها تغيرات جذرية بسبب عوامل كثيرة يأتي علي رأسها أن اقتصاديات الأسرة في جميع الطبقات الاجتماعية أصبحت تعتمد بشكل أساسي علي عمل الزوجة وأن حوالي 30 % من الأسر تعولها النساء ، مضيفةً أن الأسر المصرية تتعرض لأخطار تتهددها، أبرزها قضية الفقر بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والتي تمثل أحد أهم الأخطار التي تحول دون وفاء الأسرة بالتزاماتها تجاه أبنائها والمجتمع الذي تعيش فيه ، وهو ما يدفع إلي تفاقم مشكلات ذات آثار مجتمعية سلبية مثل عمالة الأطفال وأطفال الشوارع.
وأوضحت أن الفقر وتواضع مؤشرات التنمية البشرية للعديد من الأسر المصرية يعد الأساس في تفاقم المشكلة السكانية.. مضيفة أن الأسرة الفقيرة ذات المستوي الثقافي والتعليمي المتواضع ترغب في عدد أكبر من الأطفال كمصادر للدخل والعزوة ، ويكون ذلك علي حساب رفاهية الأسرة الصحية والتعليمية والاقتصادية.. وتابعت: أن الوزارة وضعت رؤية لعملها تنطلق في تناولها لقضايا الأسرة من مبدأ دستوري مهم، هو الاهتمام بتنمية الأسرة والحفاظ علي طابعها الأصيل وقيمها وتقاليدها.. لافتة إلي أن الوزارة تطرح مفهوما جديدا هو تمكين الأسرة المصرية بكاملها علي جميع الأصعدة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
وأشارت إلي أن الجديد في المفهوم أنه يتجاوز المقاربات الجزئية التي كانت تتعامل مع قضية الأسرة بشكل جزئي وتقدم خدماتها لكل عضو في الأسرة بمعزل عن رؤية متكاملة لكيفية النهوض بالأسرة ككل.. موضحة أنه من غير المعقول النهوض بأوضاع المرأة أو الطفل أو الرجل كل بمفرده بدون هذه الرؤية المتكاملة.. مؤكدةً أن تمكين الأسرة من منظور الوزارة يعني رفع عبء الفقر عن كاهلها من خلال سياسات اجتماعية واقتصادية مستدامة قائمة علي منظومة الحقوق وليس منظومة "العمل الخيري" الذي يؤدي إلي تفاقم مشاكل الأسر ويجعلها أكثر اعتمادية ويبقي الأمر الواقع علي ما هو عليه.
وقالت الوزيرة ، إن رؤية الوزارة تهدف إلي تيسير وصول الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمرافق بحسب معايير الجودة المتعارف عليها إلي الأسر الفقيرة ، الأمر الذي يضمن توفر المساواة بين المواطنين بغض النظر عن المكانة والثروة وهو ما يعرف بـ"المواطنة الاجتماعية".
ولفتت إلي أن رؤية الوزارة الجديدة تتضمن حماية الأطفال المعرضين للخطر، وعلي رأسهم أطفال الشوارع والأطفال العاملين والأطفال المعوقين والاتجار بالأطفال وختان الإناث والأطفال المحرومين من التعليم ، في إطار حقوقي اجتماعي وذلك من خلال إنفاذ قانون الطفل بشكل صارم وتفعيل السياسات الاجتماعية والبرامج التي من شأنها إنقاذهم من أخطار محققة ، وعلي رأسها آلية لجان حماية الطفل المشكلة بموجب قانون الطفل علي مستوي جميع المحافظات والمراكز ، مشيرةً إلي أن الرؤية تستهدف كذلك وجود مناخ قيمي وبث اتجاهات ثقافية اجتماعية إيجابية تدعم الأسرة المصرية في نقد وتجاوز الموروثات والعادات السلبية وتبني ثقافة جديدة تكون داعمة لتحقيق التغيير الاجتماعي والتقدم.
وأوضحت الدراسة الميدانية التي أعدتها الوزارة للتعرف علي حجم ظاهرة زواج الفتيات الأطفال من مسنين غير مصريين دراسة صادمة ولكن الهدف منها كسر حاجز الصمت وبذل المزيد من الجهد لحشد الجهود الحكومية والأهلية لمحاربة السماسرة، حيث إن الأسر الفقيرة والمعدمة هي التي تزوج أطفالها دون السن القانونية لمساعدة أسرهن، مما يؤدي إلي زيادة معدلات وفيات الأمهات والرضع مقارنة بالخدمات الصحية المقدمة، وتؤكد ارتباط الظاهرة بالاستغلال وضرورة التدخل للتصدي لتلك القضية بشكل تنموي شامل يرفع عبء الفقر عن تلك الأسر.