فضيلة الدكتور " وهبة الزحيلي " في كتابه البالغ القيمة ( الفقه الإسلامي و أدلته ) , يقول حفظه الله :
( والفقهاءعلى سبع مراتب :
1 ً - المجتهد المستقل: وهوالذي استقل بوضع قواعده لنفسه، يبني عليها الفقه، كأئمة المذاهب الأربعة. وسمى ابن عابدين هذه الطبقة( طبقة المجتهدين في الشرع ).
2 ً - المجتهد المطلق غير المستقل: وهو الذي وجدت فيه شروط الاجتهاد التي اتصف بها المجتهد المستقل، لكنه لم يبتكر قواعد لنفسه، بل سلك طريق إمام من أئمة المذاهب في الاجتهاد، فهو مطلق منتسب، لا مستقل، مثل تلامذة الأئمة السابق ذكرهم كأبي يوسف ومحمد وزفر من الحنفية، وابن القاسم وأشهب وأسد ابن الفرات من المالكية، والبويطي والمزني من الشافعية، وأبي بكر الأثرم، وأبي بكر المروذي من الحنابلة، وسمى ابن عابدين هذه الطبقة (طبقة المجتهدين في المذهب) وهم القادرون على استخراج الأحكام من الأدلة على مقتضى القواعد التي قررها أستاذهم في الأحكام، وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكن يقلدونه في قواعد الأصول.
- وهاتان المرتبتان قد فقدتا من زمان.
3 ً - المجتهد المقيد، أو مجتهد المسائل التي لانص فيها عن صاحب المذهب أومجتهد التخريج، كالخصاف والطحاوي والكرخي والحلواني والسرخسي والبزدوي وقاضي خان من الحنفية، والأبهري وابن أبي زيد القيرواني من المالكية، وأبي إسحاق الشيرازي والمروذي ومحمد بن جرير وأبي نصر وابن خزيمة من الشافعية، والقاضي أبي يعلى والقاضي أبي علي بن أبي موسى من الحنابلة.وهؤلاء يسمون أصحاب الوجوه؛ لأنهم يخرِّجون مالم ينص عليه على أقوال الإمام، ويسمى ذلك وجهاً في المذهب، أو قولاً فيه، فهي منسوبة للأصحاب، لا لإمام المذهب، وهذا مألوف في المذهبين الشافعي والحنبلي.
4 ً - مجتهد الترجيح: وهو الذي يتمكن من ترجيح قول لإمام المذهب على قول آخر، أو الترجيح بين ماقاله الإمام وماقاله تلاميذه أو غيره من الأئمة، فشأنه تفضيل بعض الروايات على بعض، مثل القدوري والمرغيناني صاحب الهداية من الحنفية، والعلامة خليل من المالكية،والرافعي والنووي من الشافعية، والقاضي علاء الدين المرداوي منقح مذهب الحنابلة، وأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني البغدادي (510هـ) المجتهد في مذهب الحنابلة.
5 ً - مجتهد الفتيا: وهو أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات، ويميز بين الأقوى والقوي والضعيف، والراجح والمرجوح، ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته وتحرير أقيسته، كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخرين، مثل صاحب الكنز، وصاحب الدر المختار، وصاحب الوقاية، وصاحب مجمع الأنهر من الحنفية، والرملي وابن حجر من الشافعية.
6 ً - طبقة المقلدين: الذين لايقدرون على ماذكر من التمييز بين القوي وغيره، ولايفرقون بين الغث والسمين.
- هذا ولم يفرق الجمهور بين المجتهد المقيد، ومجتهد التخريج، وجعل ابن عابدين طبقة مجتهد التخريج مرتبة رابعة بعد المجتهد المقيد، ومثل له بالرازي الجصاص (المتوفى سنة 370هـ) وأمثاله. ) انتهى من كلام الدكتور " وهبة الزحيلي " .
و السؤال هو :
من الواضح أن مرتبة المجتهد المستقل لم تعد موجودة منذ زمن بعيد , و لا أعتقد أنها ستوجد مرة أخرى , لأن كل من سيأتي ليحاول وضع أصول له يستخرج منها الأحكام ستكون نتاج محاولته هي ( التلفيق ) بين أصول الأئمة المجتهدين , و لن يأتي بأصول جديدة , و إنما أقصى ما يمكنه - من وجهة نظري - أن يرجح بين القوي و الضعيف من الأصول المعتمدة , أو أن يضع لها ضوابط - و إن كنت أعتقد أنه من غير الممكن أيضا .
إنما السؤال هو : هل فعلا انقرضت مرتبة المجتهدين المطلقين ؟ أم أنه من الممكن لفقيه معاصر ان يكون مجتهدا مطلقا يبني على الأصول التي اصطلح عليها الجمهور من العلماء على أنها من الأصول المعتبرة ثم يستخرج منها الأحكام الشرعية ؟
خاصة أنه - كما يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله و أجزل مثوبته - عندنا حاجة شديدة لفقه جديد يؤصل لأحكام الدولة و الحكام و المحكومين و العلاقات الدولية و ضوابطها و أمور كثيرة جدا نتجت من الواقع المغاير في أمور كثيرة لواقع فقهائنا الأقدمين .