بقلم أسامة غريب ١٩/٦/٢٠٠٨
كنت أتمشي بالعاصمة التونسية ذات مساء عندما لمحت لافتة لشارع كبير تحمل اسم «الحبيب تامر». ولما كنت لا أعرف من يكون الحبيب تامر فقد ظننت أن «الحبّوب» تامر حسني هو المقصود. لكن عندما سألت أصدقائي التونسيين عرفت أنه أحد المجاهدين الذين قادوا النضال ضد الاحتلال الفرنسي في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وعرفت أيضاً أن التونسيين يحملون له قدراً كبيراً من التقدير والاحترام. عندها فكرت أن أذهب إلي قبره وأقرأ الفاتحة لروحه الطاهرة وأقدم له اعتذاري عندما خلطت بينه وبين المطرب تامر حسني الذي يطلق عليه محبوه في المنتديات اسم الحبيب تامر!.
في هذا الوقت كان الحبيب تامر (المصري) يمر بظروف صعبة بعد أن تم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة نتيجة تزويره جواز سفر وتهربه من أداء الخدمة العسكرية الأمر الذي أدي إلي الحكم عليه بالسجن لمدة عام وتشريفه في «الكلوب» لقضاء المدة. وكانت الفتيات والسيدات العارفات لقيمته الفنية يذرفن الدمع الهتون ( حلوة الهتون دي) لهفاً عليه وإشفاقاً من حياة السجن الخشنة التي لا يحتملها الشاب تامر.
دفعتني المفارقة المتعلقة بتشابه الأسماء إلي البحث عن معلومات عن المجاهد الوطني التونسي الحبيب تامر فعرفت أنه ولد بالعاصمة التونسية لعائلة عريقة معتزة بجذورها العربية والإسلامية، وتعلم في المدارس التونسية ثم سافر الي فرنسا لدراسة الطب وتخصص في الأمراض الصدرية وحصل علي الدكتوراه عام ٣٨ وكانت عن مرض السل وذلك لأجل أن يعود لعلاج فقراء بلده الذين ينهشهم ذلك المرض.
عرفت أيضاً من خلال البحث أن الحبيب تامر ساهم في تأسيس جمعية شباب أفريفيا التي كانت تأخذ بيد الطلاب العرب القادمين الي فرنسا للدراسة، ثم عاد الي الوطن ليبدأ مع رفاقه رحلة النضال ضد المستعمر الفرنسي، فتم القبض عليه وحُكم عليه بالسجن لمدة عشرين سنة، ولم ينقذه من السجن سوي دخول قوات المحور الي تونس عام ١٩٤٢ أتي الدكتور الحبيب تامر الي مصر ليلحق برفاقه المناضلين الذين سبقوه وأخذ يكتب بالصحف المصرية ثم وضع كتاباً أرّخ فيه للحركة الوطنية التونسية كان عنوانه «هذه تونس». ورغم غيابه عن أرض الوطن فقد تم انتخابه رئيسا مساعدا للحزب الحر الدستوري التونسي اعترافاً له بنضاله ووطنيته الصادقة. ثم يشاء الله أن يلقي حتفه في حادث تحطم طائرة بينما كان عائدا بعد تمثيل بلاده في مؤتمر بباكستان عام ١٩٤٩ .
مضت سنتان منذ زيارتي الأخيرة هذه الي تونس، وخرج تامر حسني من «الكلوب» بعد أن كفّر عن ذنبه ودفع الثمن. ومع هذا كل مرة أشوفه فيها أبقي نفسي اََ..اَ أحكي له عن المجاهد التونسي الدكتور الحبيب تامر وأروي له سيرة حياته. ولا أنكر أنني أتضايق أحياناً عندما أتذكر أن المناضل الكبير لم يحظ بالحسناوات ودموعهن الساخنة عندما ألقاه الفرنسيون في السجن، ولم تحمل البنات من أجله اللافتات المكتوب عليها..تامر كلنا بنحبك، ولم ترفرف القبلات المعطرة فوق زنزانته..يمكن بسبب أن العصر غير العصر، ويمكن لأن المناضل التونسي اعتاد أن يقفل زراير القميص كلها!.
منذ عدة أسابيع أثناء انعقاد منتدي دافوس الاقتصادي بشرم الشيخ أقيم حفل ساهر كبير بمناسبة الحدث قام بإحيائه تامر حسني. وقرأنا صباح اليوم أن الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء خاطب تامر أثناء الحفل وقال له: أنت قدوة للشباب ونحن فخورون بك. أردت بعدها أن أتصل بالدكتور نظيف لأؤكد له أننا نعتبره هو أيضاً قدوة للشباب وأننا فخورون بسيادته لأنه فعل بهذا الوطن أشياء لا يقدر عليها سواه، ويكفي أنه وصل الي أرفع المناصب السياسية في مصر دون أن يكون مهتماً بالسياسة في أي وقت حتي بعد أن أصبح رئيساً للوزراء!.
بينما كنت أقرأ تصريحات نظيف عن المطرب تامر وقيمته لهذا الوطن، تذكرت المناضل التونسي وتساءلت: كيف كان يصف الدكتور أحمد نظيف هذا الرجل لو أنه سمع به وعرف تضحياته لوطنه وكفاحه ضد الاحتلال؟. وبالمصادفة كانت أم كلثوم تصدح في الراديو ساعتها برائعة نزار قباني الوطنية الشهيرة «أصبح عندي الآن بندقية..إلي فلسطين خذوني معكم. إلي رُبي حزينة كوجه مجدلية..إلي القباب الخضر والحجارة النبية».
لا أدري لماذا أحسست ساعتها بسخافة الأغنية التي عشت عمري أحبها، شعرت أنها تناسب أناساً آخرين وأياماً مختلفة ودنيا غير التي نحياها، وضحكت رغماً عني عندما تخيلت تامر حسني يغنيها بدلاً من أم كلثوم بعد أن يستبعد تماماً موضوع البندقية التي تتنافي مع ثقافة السلام وجو شرم الشيخ المخملي وقد تجلب لنا تهمة العداء للسامية، ووجدت من الممكن استبدالها ببندقية من نوع آخر «حلو» يناسب المرحلة فتكون: أصبح عندي الان بندقية وفزدقية وحُمصية.. وملبن.
كنت أتمشي بالعاصمة التونسية ذات مساء عندما لمحت لافتة لشارع كبير تحمل اسم «الحبيب تامر». ولما كنت لا أعرف من يكون الحبيب تامر فقد ظننت أن «الحبّوب» تامر حسني هو المقصود. لكن عندما سألت أصدقائي التونسيين عرفت أنه أحد المجاهدين الذين قادوا النضال ضد الاحتلال الفرنسي في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وعرفت أيضاً أن التونسيين يحملون له قدراً كبيراً من التقدير والاحترام. عندها فكرت أن أذهب إلي قبره وأقرأ الفاتحة لروحه الطاهرة وأقدم له اعتذاري عندما خلطت بينه وبين المطرب تامر حسني الذي يطلق عليه محبوه في المنتديات اسم الحبيب تامر!.
في هذا الوقت كان الحبيب تامر (المصري) يمر بظروف صعبة بعد أن تم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة نتيجة تزويره جواز سفر وتهربه من أداء الخدمة العسكرية الأمر الذي أدي إلي الحكم عليه بالسجن لمدة عام وتشريفه في «الكلوب» لقضاء المدة. وكانت الفتيات والسيدات العارفات لقيمته الفنية يذرفن الدمع الهتون ( حلوة الهتون دي) لهفاً عليه وإشفاقاً من حياة السجن الخشنة التي لا يحتملها الشاب تامر.
دفعتني المفارقة المتعلقة بتشابه الأسماء إلي البحث عن معلومات عن المجاهد الوطني التونسي الحبيب تامر فعرفت أنه ولد بالعاصمة التونسية لعائلة عريقة معتزة بجذورها العربية والإسلامية، وتعلم في المدارس التونسية ثم سافر الي فرنسا لدراسة الطب وتخصص في الأمراض الصدرية وحصل علي الدكتوراه عام ٣٨ وكانت عن مرض السل وذلك لأجل أن يعود لعلاج فقراء بلده الذين ينهشهم ذلك المرض.
عرفت أيضاً من خلال البحث أن الحبيب تامر ساهم في تأسيس جمعية شباب أفريفيا التي كانت تأخذ بيد الطلاب العرب القادمين الي فرنسا للدراسة، ثم عاد الي الوطن ليبدأ مع رفاقه رحلة النضال ضد المستعمر الفرنسي، فتم القبض عليه وحُكم عليه بالسجن لمدة عشرين سنة، ولم ينقذه من السجن سوي دخول قوات المحور الي تونس عام ١٩٤٢ أتي الدكتور الحبيب تامر الي مصر ليلحق برفاقه المناضلين الذين سبقوه وأخذ يكتب بالصحف المصرية ثم وضع كتاباً أرّخ فيه للحركة الوطنية التونسية كان عنوانه «هذه تونس». ورغم غيابه عن أرض الوطن فقد تم انتخابه رئيسا مساعدا للحزب الحر الدستوري التونسي اعترافاً له بنضاله ووطنيته الصادقة. ثم يشاء الله أن يلقي حتفه في حادث تحطم طائرة بينما كان عائدا بعد تمثيل بلاده في مؤتمر بباكستان عام ١٩٤٩ .
مضت سنتان منذ زيارتي الأخيرة هذه الي تونس، وخرج تامر حسني من «الكلوب» بعد أن كفّر عن ذنبه ودفع الثمن. ومع هذا كل مرة أشوفه فيها أبقي نفسي اََ..اَ أحكي له عن المجاهد التونسي الدكتور الحبيب تامر وأروي له سيرة حياته. ولا أنكر أنني أتضايق أحياناً عندما أتذكر أن المناضل الكبير لم يحظ بالحسناوات ودموعهن الساخنة عندما ألقاه الفرنسيون في السجن، ولم تحمل البنات من أجله اللافتات المكتوب عليها..تامر كلنا بنحبك، ولم ترفرف القبلات المعطرة فوق زنزانته..يمكن بسبب أن العصر غير العصر، ويمكن لأن المناضل التونسي اعتاد أن يقفل زراير القميص كلها!.
منذ عدة أسابيع أثناء انعقاد منتدي دافوس الاقتصادي بشرم الشيخ أقيم حفل ساهر كبير بمناسبة الحدث قام بإحيائه تامر حسني. وقرأنا صباح اليوم أن الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء خاطب تامر أثناء الحفل وقال له: أنت قدوة للشباب ونحن فخورون بك. أردت بعدها أن أتصل بالدكتور نظيف لأؤكد له أننا نعتبره هو أيضاً قدوة للشباب وأننا فخورون بسيادته لأنه فعل بهذا الوطن أشياء لا يقدر عليها سواه، ويكفي أنه وصل الي أرفع المناصب السياسية في مصر دون أن يكون مهتماً بالسياسة في أي وقت حتي بعد أن أصبح رئيساً للوزراء!.
بينما كنت أقرأ تصريحات نظيف عن المطرب تامر وقيمته لهذا الوطن، تذكرت المناضل التونسي وتساءلت: كيف كان يصف الدكتور أحمد نظيف هذا الرجل لو أنه سمع به وعرف تضحياته لوطنه وكفاحه ضد الاحتلال؟. وبالمصادفة كانت أم كلثوم تصدح في الراديو ساعتها برائعة نزار قباني الوطنية الشهيرة «أصبح عندي الآن بندقية..إلي فلسطين خذوني معكم. إلي رُبي حزينة كوجه مجدلية..إلي القباب الخضر والحجارة النبية».
لا أدري لماذا أحسست ساعتها بسخافة الأغنية التي عشت عمري أحبها، شعرت أنها تناسب أناساً آخرين وأياماً مختلفة ودنيا غير التي نحياها، وضحكت رغماً عني عندما تخيلت تامر حسني يغنيها بدلاً من أم كلثوم بعد أن يستبعد تماماً موضوع البندقية التي تتنافي مع ثقافة السلام وجو شرم الشيخ المخملي وقد تجلب لنا تهمة العداء للسامية، ووجدت من الممكن استبدالها ببندقية من نوع آخر «حلو» يناسب المرحلة فتكون: أصبح عندي الان بندقية وفزدقية وحُمصية.. وملبن.