عندما سمعت أغنيته "كينج كونج"، تعاملت معها باعتبارها "نكتة"، أو أحد الإيفيهات التي انتشرت مؤخرا في عالمنا الغنائي، اعتمادا على أننا شعب يحب الكلمة السهلة التي تعلق بالذاكرة، أو بأسلوب آخر يناسب مود المقال: "تلزق في الدماغ".
أعجبتني الأغنية، ونشرتها على صفحتي الخاصة على الفيس بوك، وكتبت وقتها معلقا عليها: "الفنان أبو الليف يناقش قضية الفيس بوك والتكنولوجيا الحديثة التي تهدد بانهيار الأسرة المصرية... هكذا يكون الفن الهادف "، ولا يخفى عليكم كما تقول العبارة، ما يحمله تعليقي من سخرية، رغم اعترافي برسالة الأغنية.
ثم نسيت الأغنية ولم تنل مني اهتماما أكثر منذ ذلك، إلى أن سمعت من زميلي محمد عاشور، أن الشاعر المبدع أيمن بهجت قمر، الذي احتضن "أبو الليف" واعتبره مشروعه الشخصي، لدرجة أن البعض شك في أن تكون شخصية "أبو الليف" الغامضة هي أيمن نفسه، خاصة في ظل التي ظهر بها على أغنية "كينج كونج" والتي لم يتخيل أحد أن تكون الحقيقية، والجميع قال إنها صورة لاستكمال السخرية التي تحملها الأغنية، المهم... أعود إلى ما سمعته، سمعت أن أيمن سيقوم بكتابة كلمة على "كوفر الألبوم" يقدم فيها لكل أغنية، ويشرح الهدف منها.
مرة أخرى ومع هذا الكلام، شعرت أن أيمن قد يكون مل من الكتابة الجادة، أو "شبع نجاح وتقدير"، ويريد أن "يهرج ويهيس شوية"، خاصة أنني لمست ميله إلى هذا الجو في فيلمه "عندليب الدقي" لمحمد هنيدي، الذي كانت واضحة فيه نبرة السخرية ولا أقول الكوميديا
إلى أن جاء يوم صدور الألبوم، وأمام تحمس الزميلة ياسمين السماحي الشديد للألبوم، خاصة أنها ماهرة بشدة في نقل حماسها للآخرين، وجاهزية الزميل محمد صالح، الذي وجدته في ثواني قد أحضر لي الألبوم، و"اسمع يا ريس أبو الليف حلو قوي"، فسمعته.
وكانت المفاجأة، ولأول مرة أجد نفسي أمام ألبوم غنائي يحمل رسالة، نعم، رسالة وأنا أعي ما أقول وأتحمل مسئوليته، نعم رسالة لا تتوفر في الألبومات الغنائية التي نستمع إليها، وهذا ليس عيبا فيها، وإنما لأنها تختلف عن "أبو الليف" الذي يجب أن نعرف قبل سماعه وقبل سن السكاكين وشحذ الأقلام والسيوف لذبحه والتهكم عليه، أن نعرف أن هذا الفنان ذو الصوت القوي، ليس مطربا بالمعنى التقليدي، الذي يقدم أغاني رومانسية، ولا يمكن أن نضعه في مقارنة مع أحد من المطربين بدون تحديد أسماء، وليس هناك أيضا ضرورة لفرقة "الندابين" الذين يجلسون في انتظار الجديد، ليهبوا مترحمين على الفن الجميل، والزمن الجميل، والكلمة الجميلة، وكل الحاجات الجميلة التي انتهت بلا رجعة من وجهة نظرهم، لكل هؤلاء أقول: استمعوا لفن "المونولوج".