وحسيت بالحزن والغم والألم لهذا الصديق .. واللى قلب حالة بهذا الشكل المزرى .. وقلت فى نفسى يمكن خسر فلوسه فى البورصة .. وأنا عارف إنه من زباين البورصة .. أو يمكن مراته أجبرته على التوقيع بالبيع على كل ممتكاته عن طريق البلطجية بتوعها اللى أسمهم بودى جاردز .. وأنا عارفها ست غلاوية ومفترية .. وممكن تعمل أى حاجة !! وبدأ يظهر على وشى هذا الشعور بالتعاطف والمؤازرة لدرجة البكاء .. ونويت أطلع من جيبى اللى فيه القسمة وأحطه فى جيبه المقطوع .. ولما حس صديقى بشعورى .. وفهم من نظراتى وعيونى الدامعة ما أخبئه فى نفسى من شفقة وعطف .. أيقظنى مما أنا فيه بمفاجأة من العيار الثقيل .. وقال لى أيه ياعم أنت مش عايش فى الدنيا ولا أيه ؟ دى آخر موضة فى العالم !! .. والبنطلون اللى أنت شايفه ده ( سينيه ) !! تانى .. سينيه يعنى أصلى .. وتابع ــ لا فض فوه ــ أن البنطلون السينيه المقطع .. المرقع ده ثمنه 600 جنيه !! وأنه أشتراه من أرقى محلات القاهرة الشهيرة بوكالتها لأرقى الأزياء العالمية ( السينيه ) .. وأنه لولا معرفته بصاحب المحل .. والعاملين به .. ومعرفتهم الشخصية له .. ماأستطاع الحصول على هذه التحفة الجميلة ..لأن الطلب عليه كتير جدا .. ولابد أن تحجز وتدفع عربون 50% يعنى 300 جنيه .. وتستلم بعد شهرين تلاتة !! يانهار أسود ومهبب !! بقى البنطلون الجربان المقطع المرقع ده بـ 600 جنيه وبالحجز كمان !! .. قلت فى نفسى خلاص تاهت ولقيناها .. والبلية حاتلعب ياواد .. أنا أنزل على سوق العتبة .. والموسكى ..وأشترى كل البنطلونات الجينز من البالة.. وأقطعها .. وأمرمطها فى التراب والطين .. وأمسح بها الجزم وبعد كده أضربها بنفس الجزم .. وأبعت لأهلنا اللى فى العراق .. وأفغانستان .. وفلسطين .. يبعتولى البنطلونات بتاعة الشهداء المضروبة بالرصاص أو حتى المدافع .. وأجمع شوية شباب من العاطلين الغلابة .. وأدى كل واحد فيهم إبرة وخيط .. ومش مهم الخيط لونه أيه!! .. أو الإبرة حجمها أيه !! .. أو حتى الشباب دول بيعرفوا يخيطوا ولا لأ !! .. وأطلب منهم ترقيع كل الخروم والقطع فى البنطلونات دى .. وبعد كده أحطهم فى أكياس شيك بألوان زاهيه .. وعلى فكرة سعر الكيس حايكون أكتر من سعر البنطلون !! وأوزعهم على بيوت الأزياء الراقية فقط .. وتخيلوا ببقى حاأجمع فلوس قدر أيه من اللعبة البسيطة دى ؟ ولو حد فيكم عايز ينفذها أنا ماعنديش أى مانع .. بس يشيل لى 20% عمولة علشان الفكرة ... وبعيدا بقى عن هذه ى الفكرة وأحلام الغنى السريع .. أنتبهت لحاجة إيجابية .. ومهمة جدا فى الحكاية دى .. وهى أن الموضة دى عملت اللى ماقدرتش الحكومات تعمله .. وهو المساواة بين الغنى والفقير .. فالأثنين لابسين زى بعض .. مقطع .. ومرقع .. ومش مهم بقى إذا كان البنطلون ده من مدينة نصر .. أو من منشية ناصر أو العمرانية أو العطارين .. بسعر 600 جنيه .. أو بـ 3 جنيه .. وهنا تدوب الطبقة الأرستقراطية بالطبقة الكادحة .. ومابقاش معروف الموضة .. من الفقر .. وتنصهر الطبقتان .. ونخرج بطبقة ثالثة منهما تشبه الطبقة إياها بتاعة الشباب اللى مربى شعره .. أو مركب حلق فى ودنه .. أو لابس قميص دانتيل .. ومعلق سلاسل فى رقبته .. وماتبقاش عارف ده ولد متأنث !! .. ولا بنت مسترجله !! .. وجرى العرف على أعتباره بين البينين .. وده نموزج حى وواقعى للعولمة .. لازم نقره ..ونعترف به ...
وتعاطفا مع الفقراء .. فإننى من هنا أنادى بيوت الأزياء العالمية بأستمرار هذه الموضة لأطول فترة ممكنة حتى يتمكن الفقير من الأستمتاع بنظرة الحسد من الناس .. اللى أتمنى وحلم يشوفها فى عيون أى شخص لسنين طويلة .. وماطلهاش .. ولكن دلوقت حايشوفها ويحس بيها .. فأرجوكم خلوا الفقراء يستمتعوا بنظرة الحسد .. بدال مافيش حاجة تانية قادرين يستمتعوا بيها .