نشرت جريدة المصرى اليوم فى عددها الصادر اليوم 25-4-2010 الأحد مقالا مطولا بعنوان :
«المصرى اليوم» تنشر المقال الممنوع فى الصحف الإسرائيلية عن انتصار أكتوبر.
و نشرت المقال الذى منع من النشر فى اسرائيل و يتحدث عن نصر اكتوبر و جبن الجنود و الضباط الاسرائيليين و كان المقال كالتالى:
بينما تحتفل مصر هذا الأسبوع بأعياد تحرير سيناء، تجددت فى إسرائيل معركة صاخبة بين قادة الجيش الإسرائيلى فى حرب أكتوبر، وجنودهم الذين يشعرون بالغدر والخيانة، ويتهمون قياداتهم بالجبن، والهروب إلى الخطوط الخلفية، بحثا عن الأمان من نيران القوات المسلحة المصرية، فى الوقت الذى أصبح فيه هؤلاء الجنود لقمة سائغة التهمها الجنود المصريون كلما تقدموا خطوة فى طريق تحرير أراضيهم.
اتهامات الجنود الإسرائيليين الناجين من الموت فى حرب أكتوبر طالت عددا لا بأس به من قيادات إسرائيل: الجنرال «إسحق موردخاى» وزير الدفاع الأسبق (١٩٩٦- ١٩٩٩)، والجنرال «إيهود باراك» وزير الدفاع الحالى، والجنرال «أمنون شاحاك»، رئيس الأركان، مدير المخابرات الحربية الأسبق.
واشتعلت المعركة، مجددا، عندما قرر الناشط السياسى المعروف «عوزى بن تسفى» أن يقدم شهادته للتاريخ حول ما دار فى معركة المزرعة الصينية بين الجيشين المصرى والإسرائيلى. ويثبت بالدليل أن القوات المسلحة المصرية أنزلت بالجيش الإسرائيلى هزيمة نكراء، فى أكبر معركة مدرعات عرفها التاريخ الحديث، وينفى الادعاءات الإسرائيلية حول الصمود فى مواجهة القوات المصرية خلال هذه المعركة الضارية. وقد وصلت هذه الادعاءات حد منح القائد المهزوم إسحق موردخاى نوط الشجاعة على إدارته للمعركة!!
«بن تسفى» أحد الجنود المشاركين فى المعركة، كتب مقالا خطيرا، وزعه على وسائل الإعلام الإسرائيلية، باعتباره «شاهد عيان، ناجياً من الموت» فرفضت معظمها نشره، فيما عدا مواقع إخبارية مستقلة، حمَل فيه وزير الدفاع الأسبق إسحق موردخاى، قائد «كتيبة المدرعات ٨٩٠» أثناء حرب أكتوبر، المسؤولية المباشرة عن الهزيمة، وعن مقتل ٤٣ من مقاتليه، وإصابة ١٠٠ آخرين، بسبب عدم كفاءته فى إدارة المعركة.
كان المقدم إسحق موردخاى، آنذاك، قد خرج بكتيبته المدرعة لاحتلال محور «أبوطرطور» على طريق السويس، لنقل الجسور العائمة تمهيدا لعبور القناة، لكن كان فى انتظاره قرب البحيرات المرة، آنذاك، الكتيبة ١٦ مشاة بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع الحالى، والكتيبة ١٨ مشاة، بقيادة المقدم أحمد إسماعيل عطية. ودارت معارك عنيفة، استبسلت فيها القوات المصرية، ولقنت القوات الإسرائيلية درسا قاسيا، وألحقت بهم هزيمة قاسية بحسب شهادة المؤرخ العسكرى الإسرائيلى «أورى ميلشتين» عما دار فى يومى الخامس عشر والسادس عشر من أكتوبر.
ويكشف «عوزى بن تسفى» أن الجيش الإسرائيلى ما زال يخفى وثائق وملفات تحقيق تؤكد أن «إسحق موردخاى» جر إسرائيل لأكبر هزيمة عسكرية فى التاريخ، لأنه تجاهل الاطلاع على الصور الجوية الحديثة المتوفرة بمقر القيادة العسكرية الإسرائيلية فى «أم خشيبة»، واستخف بكتيبتى المشاة المصريتين الرابضتين بالقرب من «المزرعة الصينية»، وظن أن سلاح المشاة المصرى خفيف التسليح لن يصمد فى وجه مدرعاته ودباباته المحصنة ضد القذائف!!
ويوضح «عوزى» أن مهمة الكتيبة ٨٩٠ مدرعات، كانت السيطرة على محور أبو طرطور، لأنه الطريق الوحيد الواسع والممهد، ويمكن من خلاله نقل الجسر العائم الضرورى لعبور القوات الإسرائيلية لشرق القناة. لكن النتيجة أن الكتيبة ٨٩٠ تعرضت للدمار الشامل بفضل بسالة الجنود المصريين وحماقة قائدها المقدم إسحق موردخاى. فقد فشل «موردخاى» فى احتلال طريق أبوطرطور، وما إن دخلت كتيبته فى قتال مباشر مع الجنود المصريين، حتى تعرضت قواته لضربات قاصمة، دمرتها تماما.
والمصيبة، على حد تعبير الكاتب، أنه لم تمر عدة دقائق على بداية القتال المتلاحم بين الطرفين حتى سقط ١٣٥ مقاتلا إسرائيليا بين قتيل وجريح. وانهارت «كتيبة موردخاى المدرعة»، ونجحت كتيبتا المشاة المصريتان فى تجريد الجنود الإسرائيليين من مدرعاتهم، وتحويلها إلى ركام مشتعل باستخدام صواريخ الأر بى جى المحمولة كتفا، ولم يتبق للإسرائيليين سوى سلاحهم الشخصى، وعدة مدافع رشاشة، وقاذفات هاون ٥٢ مم.
الهزيمة واردة فى أى معركة، لكن «عوزى بن تسفى» يعتقد أن سبب الهزيمة يكمن فى الفارق بين مهارة القيادة المصرية فى هذه المعركة، وفشل إسحق موردخاى فى التخطيط العسكرى، فهو لم يكتف بتدمير كتيبته، بل أرسل سرية بقيادة الضابط «حازى دحبيش» لتطويق القوات المصرية من اليمين، مما أسفر عن مقتل عشرات الإسرائيليين بسبب سوء التخطيط.
فما أن تحركت السرية يمينا حتى سقطت فى فخ نيرانى أعدته القوات المصرية، وتهاوت على رؤوس الإسرائيليين قذائف المدفعية، والهاون، وسرعان ما انشقت الخنادق عن الجنود المصريين، ودخلوا فى حرب رجل لرجل مع الإسرائيليين، وحققوا انتصارا كبيرا، خاصة أنهم تمركزوا فوق تلة مرتفعة، وأشرفوا على القوات الإسرائيلية من أعلى.
«عوزى بن تسفى»، الذى شارك فى إخلاء القتلى والجرحى من المزرعة الصينية، أسس منتدى احتجاجياً يطالب بإجراء تحقيقات مدنية فى هزائم إسرائيل العسكرية، خاصة معركة المزرعة الصينية، ويعتبر مقاله الأخير لائحة اتهام ضد قيادات الجيش الإسرائيلى التى تصر على تلفيق نتائج هذه الحرب. ويقول: «الرعب الذى حل بجنودنا فور بدء المعركة، أنساهم مهمة احتلال أبوطرطور، وحاول كل منهم الفرار بجلده من المعركة. فيما عدا قلة قليلة أعدت موقعا مرتجلا للمستشفى الميدانى بالقرب من ميدان المعركة. وبدأ الطاقم الطبى يعالج الجرحى، ثم اضطر للانسحاب للخلف، لأن موقعه لم يكن مناسبا.
وأعادت الكتيبة تنظيم صفوفها بشكل عشوائى، وبدأت «سرية الشاويشية» إخلاء الجرحى الذين تناثروا فى كل مكان، واختاروا تلة قريبة لتتحول لنقطة تجميع. وكان اختيار هذا الموقع بائسا بمعنى الكلمة، فـ«التلة» كانت مكشوفة للنيران المصرية، وتقع فى منطقة مفتوحة، ولم توفر أى حماية للمصابين لأنها ترتفع عن سطح الأرض مترا واحدا. وكانت النتيجة أن طبيب «الكتيبة ١٠٠ مدرعات» المكلف بعلاج الجرحى، لقى مصرعه فوق التلة، التى اشتهرت فيما بعد باسم «تلة الجرحى».
الطريف أن وزير الدفاع الحالى إيهود باراك ساهم فى زيادة عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين فى هذه المعركة، فصار الإسرائيليون يقتلون أنفسهم بأيديهم وأيدى المصريين. فعند طلوع فجر السادس عشر من أكتوبر حاولت الكتيبة ١٠٠ مدرعات بقيادة باراك، إنقاذ الجرحى، لكن المحاولة فشلت فشلا ذريعا. وتسببت فى زيادة أعداد القتلى والجرحى، عندما انفجرت إحدى «دبابات باراك» بجوار المصابين الراقدين على «تلة الجرحى»، فأصيب عشرات الجرحى بإصابات جديدة، وسقط عدد كبير من جنود باراك بين جريح وقتيل إلى جوار جنود إسحق موردخاى.
ومنذ هذه اللحظة أصيب إسحق موردخاى بصدمة عصبية، ولم يبذل أى جهد لإنقاذ جنوده، أو مساعدة سرية «حازى دحبيش» التى خرجت لتطويق القوات المصرية من اليمين، فظلت تتجرع نيرانها حتى الساعة ١٥:٠٠، وأحاط بهم الموت من كل جانب. وعندما حاول أحد جنود «دحبيش» الجرى باتجاه زملائه الراقدين على التلة، عاجلته قذيفة مصرية، فأسقطته قبل أن يصل لغايته.
ويضيف «عوزى بن تسفى»: ينبغى أن نذكر أن الفرقة ١٦٢ الإسرائيلية كانت تعسكر قريبا من المزرعة الصينية، وتتكون من ثلاث فرق مدرعة، وعدد كبير من كتائب المدفعية الثقيلة، وكان من الممكن أن تدك رؤوس المصريين منذ السابعة صباحا، لكنها تقاعست، ولم تقم بواجبها إلا بعد مرور عدة ساعات، وشاركت فى المعركة عندما صارت قذائفها المدفعية غير قادرة علي تغيير الوضع.
أكثر ما يثير غيظ «عوزى بن تسفى» وزملائه من الجنود الناجين، أن كبار الضباط فى الكتيبة ٨٩٠ مدرعات، مثل إسحق موردخاى الذى صار وزيرا لدفاع إسرائيل فيما بعد، وأمنون شاحاك الذى صار رئيسا لأركان إسرائيل، وإيهود باراك وزير الدفاع الحالى، فروا بجلدهم، وهربوا إلى الخطوط الخلفية، وتركوا ضابطى استطلاع صغيرين فى السن والرتبة وقتها لقيادة العمليات، على الجبهة، هما بن تسيون عتصيون، والضابط جيورا أيلاند!
ويٌحمِل «بن تسفى» كل هؤلاء الضباط وعلى رأسهم إسحق موردخاى مسؤولية الدماء الإسرائيلية التى انهمرت فى هذه المعركة بفضل ثبات الجنود المصريين، وقادتهم فى المعركة، فى مقابل جبن القادة الإسرائيليين.
ولا تكتمل شهادة «بن تسفى» بدون الاطلاع على شهادات زملائه الذين شاركوا فى المعركة، مثل «شوكى واينشتين» الذى يقول: «لقد كانت صواريخ «آر بى جى» مفاجأة الحرب المرعبة لسلاح المدرعات الإسرائيلى، لقد كانت مفاجأة كريهة بكل المقاييس، لم نتدرب على مواجهتها من قبل، كما لم نتدرب على تخليص جرحى فى ميدان مكشوف، سماؤه تمطر صواريخ مصرية مفترسة». ويقول الجندى «جفرى أليعازر»: «رأيت الصواريخ تتطاير أمامى، وتنطلق نحوى بسرعة البرق، فى البداية لم أعرف ما نوع هذه المقذوفات، وكنت أصرخ فى زملائى لينبطحوا، وبعد ذلك بدأنا نحاول تفاديها والهرب منها بأى طريقة».
أما الجنرال «موشيه عفرى» فقال: «لقد فاجأنا الجنود المصريون بشجاعتهم وإصرارهم، لقد تربى أبناء جيلى على قصص خرافية عن الجندى المصرى الذى ما إن يرى دبابة تنقض عليه، حتى يخلع حذاءه ويبدأ فى الهرب بعيدًا. وهذا ما لم يحدث فى المزرعة الصينية استيقظنا على الحقيقة المرة. لم تنخلع قلوبهم أمام الدبابات، كانوا يلتفون فى نصف دوائر حول دباباتنا، ويوجهون صواريخ آر بى جى فى إصرار منقطع النظير ليس لدى تفسير لهذا الموقف سوى أنهم كانوا سكارى بالنصر، وفى مثل هذه الحالة لا يمكن أن تنتصر الدبابة فى المعركة».
أما الجنرال موشيه ديان فقال عقب زيارته للمزرعة الصينية يوم ١٧ أكتوبر برفقة أريئيل شارون: «كانت مئات العربات العسكرية المهشمة والمحترقة متناثرة فى كل مكان ومع اقترابنا من كل دبابة كان الأمل يراودنى ألا أجد علامة الجيش الإسرائيلى عليها وانقبض قلبى، فقد خسرنا هناك كثيراً من الدبابات».