نجوم مصرية
منتديات نجوم مصرية المنتدى العام المنتدى الإسلامي والنقاشات الدينية



تابع نجوم مصرية على أخبار جوجل




أحسن وأفضل القصص في الدنيا

 

بدايــة

بتوفيق من الله تعالى قمت بجمع هذه المعلومات من مواقع كثيرة ليكونموسوعة لقصص الأنبياء، من القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث أن مواقع قصص الأنبياءكانت إنما لا تشمل جميع القصص، أو أنها تعرض القصصباختصار.

وقد قمت بإضافة قصص أخرى من القرآن في هذا الموضوع القيم باسم " قصص القرآن" وأعرض فيه القصص التي أخبرنا بها القرآن الكريمكقصة أصحاب الكهف وذو القرنين وغيرها من القصص.

وسوف أعرض عليكم بإذن الله تعالى كل يوم قصة أو قصتين بحسب طول القصة , راجياًالمولى عزوجل أنيثيب قارئ هذا الموضوع .. وأن يجعله في ميزان حسناته يومالقيامة.



أحسن القصص

هنا نتحدث بشيء من التفصيل عن موضوع(أحسن القصص) وهي قصص الأنبياء عليهم السلام ولكن قبل بداية الحديث عن قصصهم نورد بعض المعلومات السريعة والمهمة.

الترتيب الزمني للأنبياء

لمينزل الأنبياء دفعة واحدة .. وإنما على فترات مختلفة.. وهنا قمت بترتيب أسماءالأنبياء عليهم السلام وفقا للتسلسل الزمني في إرسالهم لأقوامهم

* آدم عليه السلام
* شيث عليه السلام
* إدريس عليه السلام
* نوح عليه السلام
* هود عليه السلام
* صالح عليه السلام
* إبراهيم عليه السلام
* لوط عليه السلام
* إسماعيل عليه السلام

* إسحاق عليه السلام
* يعقوب عليه السلام
* يوسف عليه السلام
* أيوب عليه السلام
* ذو الكفل عليه السلام
* يونس عليه السلام
* شعيب عليه السلام
* أنبياء أهل القرية
* موسى عليه السلام
* هارون عليه السلام

* يوشع بن نون عليه السلام
* داود عليه السلام
* سليمان عليه السلام
* إلياس عليه السلام
* اليسع عليه السلام
* عزير عليه السلام
* زكريا عليه السلام
* يحيى عليه السلام
* عيسى عليه السلام
* محمد عليه الصلاة والسلام



الترتيب الهجائي للأنبياء

هنا رتبت أسماء الأنبياء عليهم السلام هجائيا

* إبراهيم عليه السلام
* إدريس عليه السلام
* آدم عليه السلام
* إسحاق عليه السلام
* إسماعيل عليه السلام
* إلياس عليه السلام
* اليسع عليه السلام
* أنبياء أهل القرية
* أيوب عليه السلام

* داود عليه السلام
* ذو الكفل عليه السلام
* زكريا عليه السلام
* سليمان عليه السلام
* شعيب عليه السلام
* شيث عليه السلام
* صالح عليه السلام
* عزير عليه السلام
* عيسى عليه السلام
* لوط عليه السلام

* محمد عليه الصلاة والسلام
* موسى عليه السلام
* نوح عليه السلام
* هارون عليه السلام
* هود عليه السلام
* يحيى عليه السلام
* يعقوب عليه السلام
* يوسف عليه السلام
* يوشع بن نون عليه السلام
* يونس عليه السلام



ألو العزم من الأنبياء

هنا أبين ألو العزم من الأنبياء، مع شرح موجز لسيرتهم المطهرة..



نوح عليه السلام
‏‏كان نوحتقيا صادقا أرسله الله ليهدي قومه وينذرهم عذاب الآخرة ولكنهم عصوه وكذبوه، ومع ذلكاستمر يدعوهم إلى الدين الحنيف فاتبعه قليل من الناس، واستمر الكفرة في طغيانهمفمنع الله عنهم المطر ودعاهم نوح أن يؤمنوا حتى يرفع الله عنهم العذاب فآمنوا فرفعالله عنهم العذاب ولكنهم رجعوا إلى كفرهم، وأخذ يدعوهم 950 سنة ثم أمره الله ببناءالسفينة وأن يأخذ معه زوجا من كل نوع ثم جاء الطوفان فأغرقهمأجمعين



إبراهيم عليه السلام

هو خليلالله، اصطفاه الله برسالته وفضله على كثير من خلقه، كان إبراهيم يعيش في قوم يعبدونالكواكب، فلم يكن يرضيه ذلك، وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى هداه الله واصطفاهبرسالته، وأخذ إبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله وعبادته ولكنهم كذبوه وحاولواإحراقه فأنجاه الله من بين أيديهم، جعل الله الأنبياء من نسل إبراهيم فولد لهإسماعيل وإسحاق، قام إبراهيم ببناء الكعبة مع إسماعيل



موسى عليه السلام

‏أرسله اللهتعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أماالأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلىوحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى،ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظنأتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعونالذي جعله الله عبرة للآخرين

عيسى عليه السلام
‏مثل عيسى مثلآدم خلقه الله من تراب وقال له كن فيكون، هو عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاهاإلى مريم، وهو الذي بشر بالنبي محمد، آتاه الله البينات وأيده بروح القدس وكانوجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، كلم الناس في المهد وكهلا وكان يخلق منالطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا، ويبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كلبإذن الله، دعا المسيح قومه لعبادة الله الواحد الأحد ولكنهم أبوا واستكبرواوعارضوه، ولم يؤمن به سوى بسطاء قومه، رفعه الله إلى السماء وسيهبط حينما يشاء اللهإلى الأرض ليكون شهيدا على الناس
تابع نجوم مصرية على أخبار جوجل



محمد عليه الصلاة والسلام
‏النبي الأميالعربي، من بني هاشم، ولد في مكة بعد وفاة أبيه عبد الله بأشهر قليلة، توفيت أمهآمنة وهو لا يزال طفلا، كفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب، ورعى الغنم لزمن،تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة والعشرين من عمره، دعا الناس إلىالإسلام أي إلى الإيمان بالله الواحد ورسوله، بدأ دعوته في مكة فاضطهده أهلها فهاجرإلى المدينة حيث اجتمع حوله عدد من الأنصار عام 622 م فأصبحت هذه السنة بدء التاريخالهجري، توفي بعد أن حج حجة الوداع.






المقال "أحسن وأفضل القصص في الدنيا" نشر بواسطة: بتاريخ:
خياله
بعد ذلك نبدأ في موضوع القصص القرآني. بعض هذه القصص حدثت لأناس صالحين كقصة أصحاب الكهف،وبعضها لقوم عصاة، كقصة أصحاب السبت. وبعض القصص حدثت لأنبياء الله كقصةالخضر.

* أصحاب الكهف
* أصحاب السبت
* أصحاب الأخدود
* أصحاب الفيل

* ذو القرنين
* قارون
* طالوت وجالوت

* الخضر
* بقرة بني إسرائيل
* هابيل وقابيل
خياله
بسم الله أبدأ متوكلاً عليه



أحسن القصص:

آدم عليه السلام

أبو البشر، خلقه الله بيده وأسجدله الملائكة وعلمه الأسماء وخلق له زوجته وأسكنهما الجنة وأنذرهما أن لا يقربا شجرةمعينة ولكن الشيطان وسوس لهما فأكلا منها فأنزلهما الله إلى الأرض ومكن لهما سبلالعيش بها وطالبهما بعبادة الله وحده وحض الناس على ذلك، وجعله خليفته في الأرض،وهو رسول الله إلى أبنائه وهو أول الأنبياء.

سيرته:

خلق آدم عليهالسلام:

أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكتةبأنه سيخلق بشرا خليفة له في الأرض. فقال الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُفِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُلَكَ).

ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم تجارب سابقة في الأرض , أوإلهام وبصيرة , يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق , ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسدفي الأرض , وأنه سيسفك الدماء . . ثم هم - بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصورإلا الخير المطلق - يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له , هو وحده الغاية للوجود . . وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد الله ويقدسون له,ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته !

هذه الحيرةوالدهشةالتيثارتفي نفوس الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم.. أمر جائزعلى الملائكة، ولا ينقص من أقدارهم شيئا، لأنهم، رغم قربهم منالله، وعبادتهم له، وتكريمه لهم، لا يزيدون على كونهم عبيدا لله، لا يشتركون معه فيعلمه، ولا يعرفون حكمته الخافية،ولا يعلمون الغيب. لقد خفيت عليهم حكمةالله تعالى , في بناء هذه الأرض وعمارتها , وفي تنمية الحياة , وفي تحقيق إرادة الخالق فيتطويرها وترقيتها وتعديلها , على يد خليفة الله في أرضه . هذا الذي قد يفسد أحيانا , وقد يسفك الدماء أحيانا . عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء , والخبير بمصائرالأمور(إِنِّيأَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)

وما ندرينحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة . وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عنالله، فلا نعلم عنهم سوىما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه . إنما نمضيإلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .

أدركت الملائكة أن اللهسيجعل في الأرض خليفة.. وأصدر الله سبحانه وتعالى أمره إليهم تفصيلا، فقال إنهسيخلق بشرا من طين، فإذا سواه ونفخ فيه من روحه فيجب على الملائكة أن تسجد له،والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا للهوحده.

جمع الله سبحانه وتعالىقبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر - ولهذا يجيء الناسألوانا مختلفة - ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون. تعفنالطين وانبعثت له رائحة.. وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذاالطين؟

سجودالملائكة لآدم:

من هذا الصلصال خلق اللهتعالى آدم .. سواه بيديه سبحانه ، ونفخ فيه من روحه سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبتفيه الحياة.. فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له .. ما عدا إبليسالذي كانيقف مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، لم يسجد .. فهل كان إبليس منالملائكة ? الظاهر أنه لا . لأنه لو كان من الملائكة ما عصى . فالملائكة لا يعصونالله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . . وسيجيء أنه خلق من نار . والمأثور أن الملائكةخلق من نور . . ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود .

أماكيفكان السجود ? وأين ? ومتى ? كلذلكفي علم الغيب عندالله . ومعرفته لا تزيد في مغزى القصةشيئاً..

فوبّخ الله سبحانه وتعالىإبليس)قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْكُنتَ مِنَ الْعَالِينَ( فردّبمنطق يملأه الحسد)قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِيمِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ( هنا صدر الأمرالإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح(قَالَ فَاخْرُجْمِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. ولا نعلم ما المقصود بقوله سبحانه)مِنْهَا)فهل هي الجنة ? أم هل هي رحمة الله . . هذا وذلك جائز . ولا محل للجدلالكثير . فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .

) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّأَقُولُ(84)لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْأَجْمَعِينَ(85) (ص)

هنا تحول الحسد إلى حقد . وإلى تصميم على الانتقام في نفسإبليس)قَالَ رَبِّفَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ( واقتضت مشيئةالله للحكمة المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب , وأن يمنحه الفرصة التيأراد. فكشف الشيطان عن هدفه الذي ينفق فيه حقده)قَالَ فَبِعِزَّتِكَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ( ويستدرك فيقول(إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُالْمُخْلَصِينَ)فليس للشيطان أي سلطان على عباد الله المؤمنين .

وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه . إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميعالآدميين . لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان . لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عنبلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته وكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله التي تخلصهم لله . هذا هو طوقالنجاة . وحبل الحياة ! . . وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره في الردى والنجاة . فأعلن - سبحانه - إرادته . وحدد المنهج والطريق( لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْأَجْمَعِينَ)

فهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم , يخوضونها على علم . والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين . وعليهمتبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان . وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولاغافلين . فأرسل إليهم المنذرين .
خياله
تعليم آدم الأسماء:

ثميروي القرآنالكريم قصة السر الإلهيالعظيم الذي أودعه الله هذاالكائن البشري , وهو يسلمه مقاليد الخلافة(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءكُلَّهَا)سر القدرة علىالرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرىفي حياة الإنسان على الأرض . ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى , لو لم يوهبالإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات , والمشقة في التفاهم والتعامل , حينيحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهمليتفاهموا بشأنه . . الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسمالنخلة ! الشأن شأن جبل . فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ! الشأنشأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة ! وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لميودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .

أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية , لأنها لا ضرورة لها فيوظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم الله آدم هذا السر , وعرض عليهم ما عرض لميعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . . وجهرواأمام هذا العجز بتسبيح ربهم , والاعتراف بعجزهم , والإقرار بحدود علمهم , وهو ماعلمهم . .ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء .ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليمالحكيم ( قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِوَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْتَكْتُمُونَ)

أراد الله تعالى أن يقولللملائكة إنه عَـلِـمَما أبدوه من الدهشة حين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ماكتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علم ما أخفاه إبليس من المعصية والجحود.. أدرك الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف.. وهذا أشرف شيء فيه.. قدرته على التعلموالمعرفة.. كما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها.. بالعلم والمعرفة.. معرفة بالخالق.. وهذا ما يطلق عليه اسم الإيمان أو الإسلام.. وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها.. ويدخل في هذاالنطاق كل العلوم المادية على الأرض.
إن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين (الخالق وعلومالأرض) يكفل له حياة أرقى.. فكل من الأمرين مكمل للآخر.
سكن آدم وحواء في الجنة:

كان آدم يحسالوحدة.. فخلق الله حواء من أحد منه، فسمّاهاآدم حواء. وأسكنهما الجنة. لا نعرفمكان هذه الجنة. فقدسكت القرآنعن مكانهاواختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه. قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانهاالسماء. ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرمدخولها على إبليس ولما جازفيها وقوععصيان. وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم وحواء. وقال غيرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع. وذهب فريق إلىالتسليم في أمرهاوالتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي. إن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساويشيئابالقياس إلى العبرة التي تستخلص مماحدث فيها.

لم يعد يحسآدم الوحدة. كان يتحدث مع حواء كثيرا. وكان اللهقد سمح لهما بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعابكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عنالشجرة. غير أن آدمإنسان،والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمهضعيف. واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده فيصدره، واستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه يومابعد يوم. راح يوسوس إليهيوما بعديوم(هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍلَّايَبْلَى)

تسائل أدمبينه وبين نفسه. ماذا يحدثلو أكل من الشجرة ..؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود. ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة. ثم قررا يوما أن يأكلامنها. نسياأن الله حذرهما من الاقتراب منها. نسيا أن إبليس عودهما القديم. ومدآدميده إلى الشجرة وقطف منها إحدىالثمار وقدمها لحواء. وأكل الاثنان من الثمرةالمحرمة.

ليس صحيحا ماتذكره صحفاليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلهامسئولية الأكل من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكرحواء. إنما يذكر آدم -كمسئول عما حدث- عليه الصلاةوالسلام. وهكذا أخطأ الشيطانوأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.

لم يكد آدمينتهي من الأكلحتى اكتشفأنهأصبحعار، وأن زوجته عارية. وبدأ هو وزوجتهيقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسدهالعاري. وأصدر اللهتبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.
خياله
هبوط آدم وحواء إلىالأرض:

وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفرا ربهما وتاب إليه. فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها ... وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها،ويخرجان منها يوم البعث.

يتصور بعضالناس أن خطيئةآدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك. وهذاالتصورغيرمنطقيلأن الله تعالىحين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة) إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً( ولم يقل لهما إني جاعل في الجنةخليفة. لميكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كمايقولالعارفون بالله. كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواءسيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلىالأرض. أماتجربةالسكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداءالشيطان.

هابيل وقابيل:

لا يذكرلناالمولى عزّ وجلّ في كتابه الكريم الكثير عن حياة آدم عليه السلام في الأرض. لكن القرآن الكريم يروي قصة ابنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل. حين وقعت أول جريمة قتل فيالأرض. وكانت قصتهما ك.

كانت حواء تلد في البطن الواحد ابنا وبنتا. وفي البطن ابنا وبنتا. فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني.. ويقال أن قابيل كان يريد زوجةهابيل لنفسه.. فأمرهما آدم أن يقدما قربانا، فقدم كل واحد منهما قربانا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل. قال تعالى في سورة (المائدة)

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًافَتُقُبِّلَمِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَايَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27)لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّيَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28) (المائدة)

لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات القتيل الشهيد، ويتجاهل تماما كلمات القاتل. عاد القاتل يرفع يده مهددا.. قال القتيل في هدوء:

إِنِّي أُرِيدُ أَنتَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِوَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ(29) (المائدة

انتهى الحواربينهماوانصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا. بعدأيام.. كان الأخ الطيب نائما وسط غابة مشجرة.. فقام إليه أخوه قابيل فقتله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابنآدم الأولكفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل". جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض. كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد. وحمل الأخجثة شقيقه وراح يمشي بها.. ثمرأىالقاتل غرابا حيابجانبجثة غرابميت. وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جوارهوبدأيحفر الأرض بمنقاره ووضعه برفق فيالقبر وعاد يهيل عليه التراب.. بعدها طار في الجووهو يصرخ.

اندلع حزن قابيل على أخيه هابيل كالنارفأحرقه الندم. اكتشف أنه وهو الأسوأوالأضعف، قد قتل الأفضل والأقوى. نقص أبناء آدم واحدا. وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم. واهتز جسد القاتل ببكاءعنيف ثم أنشب أظافره في الأرض وراح يحفر قبر شقيقه.

قال آدم حين عرف القصة)هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّمُّضِلٌّ مُّبِينٌ( وحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه. مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني. صلى آدم على ابنه، وعاد إلى حياته على الأرض: إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه، ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه. ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه.
خياله
موت آدم عليه السلام:

وكبر آدم. ومرت سنواتوسنوات.. وعن فراش موته، يرويأبي بن كعب،فقال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحيوالمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوافلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخليبيني وبين ملائكة ربي عز وجل. فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلواعليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره، ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذهسنتكم.

وفي موته يرويالترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبونعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم : "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقطمن ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهموبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأىرجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ قال هذا رجل من آخر الأمم منذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره؟ قال ستين سنة، قال: أي رب زده من عمريأربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعونسنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته،وخطىء آدم فخطئت ذريته".

انتهت قصة آدم عليه السلام ...........
خياله
شيثعليه السلام

لما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعدهولده شيث عليه السلام وكان نبياً.

سيرته:

لما ماتآدمعليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلاموكان نبياً. ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قُتِلَهابيل. فلما حانت وفاتهأوصى إلى أبنه أنوش فقام بالأمر بعده، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل - وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة، وأنه أول من قطع الأشجار،وبنى المدائن والحصون الكبار، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصىوأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقاً منمردة الجن والغيلان، وكان له تاج عظيم، وكان يخطب الناس ودامت دولته أربعينسنة.

فلما مات قام بالأمر بعده ولدهيرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ، وهوإدريسعليه السلام على المشهور.


إدريس عليه السلام

نبذة:

كان صديقا نبيا ومنالصابرين، أول نبي بعث في الأرض بعد آدم، وهو أبو جد نوح، أنزلت عليه ثلاثون صحيفة،ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان، وهو أول من خط بالقلم وأول من خاط الثيابولبسها، وأول من نظر في علم النجوم وسيرها.

سيرته:

إدريس عليه السلام هو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله تعالىعنهم في كتابة العزيز، وذكره في بضعة مواطن من سور القرآن، وهو ممن يجب الإيمان بهمتفصيلاً أي يجب اعتقاد نبوته ورسالته على سبيل القطع والجزم لأن القرآن قد ذكرهباسمه وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية.

نسبه:

هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينتهي نسبه إلىشيثبنآدمعليه السلام واسمه عندالعبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجدادنوحعليه السلام.وهو أول بني آدمأعطي النبوة بعد (آدم) و (شيث) عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياةآدمعليه السلام 308 سنوات لأن آدم عمر طويلاً زهاء 1000 ألفسنة.

حياته:

وقد أختلف العلماء فيمولده ونشأته، فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر والصحيحالأول، وقد أخذ في أول عمره بعلمشيثبنآدم، ولما كبر آتاه الله النبوة فنهي المفسدين من بني آدم عنمخالفتهم شريعة (آدم) و (شيث) فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع خفير، فنوى الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقلعليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل (بابل) فقال إذا هاجرنارزقنا الله غيره، فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقف على النيلوسبح الله، وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق. وكانت له مواعظ وآداب فقد دعا إلى دين الله، وإلى عبادة الخالق جل وعلا، وتخليصالنفوس من العذاب في الآخرة، بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في هذه الدنياالفانية الزائلة، وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة منالجنابة، وحرم المسكر من كل شي من المشروبات وشدد فيه أعظم تشديد وقيل إنه كان فيزمانه 72 لساناً يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى منطقهم جميعاً ليعلم كل فرقةمنهم بلسانهم. وهو أول من علم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنتكل فرقة من الأمم مدناً في أرضها وأنشئت في زمانه 188 مدينة وقد اشتهر بالحكمة فمنحكمة قوله (خير الدنيا حسرة، وشرها ندم) وقوله (السعيد من نظر إلى نفسه وشفاعته عندربه أعماله الصالحة) وقوله (الصبر مع الإيمان يورث الظفر).

وفاته:

وقد أُخْتُلِفَ في موته.. فعن ابنوهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف قال: سأل ابنعباس كعباً وأنا حاضر فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً**؟ فقال كعب: أما إدريس فإنالله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه - فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال "له": إن الله أوحى إلي كذاوكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلماكان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيهإدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيللي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعةوهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً**. ورواه ابن أبي حاتم عندتفسيرها. وعنده فقال لذلك الملك سل لي ملك الموت كم بقي من عمري؟ فسأله وهو معه: كمبقي من عمره؟ فقال: لا أدري حتى أنظر، فنظر فقال إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمرهإلا طرفة عين، فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر. وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.

وقول ابن أبي نجيح عن مجاهد فيقوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً** قال: إدريسرفع ولم يمت كما رفععيسى. إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففيهذا نظر، وإن أراد أنه رفع حياً إلى السماء ثم قبض هناك. فلا ينافي ما تقدم عن كعبالأحبار. والله أعلم.

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً** : رفع إلى السماءالسادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعةأصح، وهو قول مجاهد وغير واحد. وقال الحسن البصري: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً** قال: إلى الجنة، وقالقائلون رفع في حياة أبيه يرد بن مهلاييل والله أعلم. وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكنقبلنوحبل في زمان بني إسرائيل.

قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعودوابن عباس أنإلياسهو إدريس، واستأنسوا في ذلك بما جاء فيحديث الزهري عن أنس في الإسراء: أنه لما مرّ به عليه السلام قال له مرحباً بالأخالصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قالآدموإبراهيم: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، قالوا: فلوكان في عمود نسبه لقال له كما قالا له.

وهذا لا يدل ولابد، قد لا يكونالراوي حفظه جيداً، أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له في مقامالأبوة كما انتصبلآدمأبي البشر،وإبراهيمالذي هو خليل الرحمن، وأكبر أولي العزم بعدمحمدصلوات الله عليهم أجمعين.
خياله
نوحعليه السلام

نبذة:

كان نوح تقيا صادقا أرسلهالله ليهدي قومه وينذرهم عذاب الآخرة ولكنهم عصوه وكذبوه، ومع ذلك استمر يدعوهم إلىالدين الحنيف فاتبعه قليل من الناس، واستمر الكفرة في طغيانهم فمنع الله عنهم المطرودعاهم نوح أن يؤمنوا حتى يرفع الله عنهم العذاب فآمنوا فرفع الله عنهم العذابولكنهم رجعوا إلى كفرهم، وأخذ يدعوهم 950 سنة ثم أمره الله ببناء السفينة وأن يأخذمعه زوجا من كل نوع ثم جاء الطوفان فأغرقهم أجمعين.

سيرته:

حال الناس قبل بعثة نوح:

قبل أن يولد قوم نوح عاش خمسة رجال صالحين من أجداد قوم نوح،عاشوا زمنا ثم ماتوا، كانت أسماء الرجال الخمسة هي: (ودَّ، سُواع، يغوث، يعوق،نسرا). بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل في مجال الذكرى والتكريم، ومضى الوقت.. وماتالذين نحتوا التماثيل.. وجاء أبنائهم.. ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء.. ثمنسجت قصصا وحكايات حول التماثيل تعزو لها قوة خاصة.. واستغل إبليس الفرصة، وأوهمالناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع وتقدر على الضرر.. وبدأ الناس يعبدون هذهالتماثيل.

إرسال نوح عليه السلام:

كان نوح كان على الفطرة مؤمنا بالله تعالى قبل بعثته إلى الناس. وكل الأنبياء مؤمنون بالله تعالى قبل بعثتهم. وكان كثير الشكر لله عزّ وجلّ. فاختاره الله لحمل الرسالة. فخرج نوح على قومه وبدأ دعوته:

يَا قَوْمِاعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْعَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

بهذه الجملة الموجزة وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية.. وحقيقةالبعث. هناك إله خالق وهو وحده الذي يستحق العبادة.. وهناك موت ثم بعث ثم يومللقيامة. يوم عظيم، فيه عذاب يوم عظيم.شرح "نوح" لقومه أنه يستحيل أن يكون هناك غيرإله واحد هو الخالق. أفهمهم أن الشيطان قد خدعهم زمنا طويلا، وأن الوقت قد جاءليتوقف هذا الخداع، حدثهم نوح عن تكريم الله للإنسان. كيف خلقه، ومنحه الرزق وأعطاهنعمة العقل، وليست عبادة الأصنام غير ظلم خانق للعقل.

تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته. لمست الدعوة قلوب الضعفاءوالفقراء والبؤساء، وانحنت على جراحهم وآلامهم بالرحمة.. أما الأغنياء والأقوياءوالكبراء، تأملوا الدعوة بعين الشك… ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هيعليه.. فقد بدءوا حربهم ضد نوح.

في البداية اتهموا نوحا بأنه بشر مثلهم:

فَقَالَالْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًامِّثْلَنَا

قال تفسير القرطبي: الملأ الذين كفروا من قومه هم الرؤساء الذينكانوا في قومه. يسمون الملأ لأنهم مليئون بما يقولون.

قال هؤلاء الملأ لنوح: أنت بشر يا نوح.

رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك، وأكد أنه مجرد بشر.. والله يرسل إلىالأرض رسولا من البشر، لأن الأرض يسكنها البشر، ولو كانت الأرض تسكنها الملائكةلأرسل الله رسولا من الملائكة.. استمرت الحرب بين الكافرين ونوح.

في البداية، تصور الكفرة يومها أن دعوة نوح لا تلبث أن تنطفئوحدها، فلما وجدوا الدعوة تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة بدءواالهجوم على نوح من هذه الناحية. هاجموه فيأتباعه، وقالواله: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والأراذل.

هكذا اندلع الصراع بين نوح ورؤساء قومه. ولجأ الذين كفروا إلىالمساومة. قالوا لنوح: اسمع يا نوح. إذا أردت أن نؤمن لك فاطرد الذين آمنوا بك. إنهم ضعفاء وفقراء، ونحن سادة القوم وأغنياؤهم.. ويستحيل أن تضمنا دعوة واحدة معهؤلاء.

واستمع نوح إلى كفار قومه وأدرك أنهم يعاندون، ورغم ذلك كان طيبافي رده. أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين، لأنهم أولا ليسوا ضيوفه، إنماهم ضيوف الله.. وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء، إنماالرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء.

كان نوح يناقش كل حجج الكافرين بمنطق الأنبياء الكريم الوجيه. وهومنطق الفكر الذي يجرد نفسه من الكبرياء الشخصي وهوى المصالح الخاصة.

قال لهم إن الله قد آتاه الرسالة والنبوة والرحمة. ولم يروا هم ماآتاه الله، وهو ب لا يجبرهم على الإيمان برسالته وهم كارهون. إن كلمة لا إلهإلا الله لا تفرض على أحد من البشر. أفهمهم أنه لا يطلب منهم مقابلا لدعوته، لايطلب منهم مالا فيثقل عليهم، إن أجره على الله، هو الذي يعطيه ثوابه. أفهمهم أنه لايستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله، وأن له حدوده كنبي. وحدوده لا تعطيه حق طردالمؤمنين لسببين: أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله؟ ثم أنه لوطردهم لخاصموه عند الله، ويجازي من طردهم، فمن الذي ينصر نوحا من الله لو طردهم؟وهكذا انتهى نوح إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم.

وعاد نوح يقول لهم أنه لا يدعى لنفسه أكثر مما له من حق، وأخبرهمبتذللـه وتواضعه لله عز وجل، فهو لا يدعي لنفسه ما ليس له من خزائن الله، وهيإنعامه على من يشاء من عباده، وهو لا يعلم الغيب، لأن الغيب علم اختص الله تعالىوحده به. أخبرهم أيضا أنه ليس ملكا. بمعنى أن منزلته ليست كمنزلة الملائكة.. قاللهم نوح: إن الذين تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل.. إن هؤلاء المؤمنين الذي تحتقرونهملن تبطل أجورهم وتضيع لاحتقاركم لهم، الله أعلم بما في أنفسهم. هو الذي يجازيهمعليه ويؤاخذهم به.. أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا.

وسئم الملأ يومها من هذا الجدل الذي يجادله نوح.. حكى الله موقفهممنه في سورة (هود):

قَالُواْ يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِنكُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(32)قَالَإِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ(33)وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْأَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَرَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) (هود)

أضاف نوح إغواءهم إلى الله تعالى. تسليما بأن الله هو الفاعل فيكل حال. غير أنهم استحقوا الضلال بموقفهم الاختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم.. فالإنسان صانع لأفعاله ولكنه محتاج في صدورها عنه إلى ربه. بهذه النظرة يستقيم معنىمساءلة الإنسان عن أفعاله. كل ما في الأمر أن الله ييسر كل مخلوق لما خلق له، سواءأكان التيسير إلى الخير أم إلى الشر.. وهذا من تمام الحرية وكمالها. يختار الإنسانبحريته فييسر له الله تعالى طريق ما اختاره. اختار كفار قوم نوح طريق الغواية فيسرهالله لهم.

وتستمر المعركة، وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم نوح وبينهإذا انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال، بدءوا يخرجون عن حدود الأدبويشتمون نبي الله:

قَالَالْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (60) (الأعراف)

ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:

قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ(61)أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّيوَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(62) (الأعراف)

ويستمر نوح في دعوة قومه إلى الله. ساعة بعد ساعة. ويوما بعد يوم. وعاما بعد عام. ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه. كان يدعوهم ليلا ونهارا، وسرا وجهرا،يضرب لهم الأمثال. ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات، وكلما دعاهمإلى الله فروا منه، وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبرواعن سماع الحق. واستمر نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.
خياله
وكان يلاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد، بينما يزيد عدد الكافرين. وحزن نوح غير أنه لم يفقد الأمل، وظل يدعو قومه ويجادلهم، وظل قومه على الكبرياءوالكفر والتبجح. وحزن نوح على قومه. لكنه لم يبلغ درجة اليأس. ظل محتفظا بالأملطوال 950 سنة. ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة، وربما يكون هذا العمرالطويل لنوح معجزة خاصة له.

وجاء يوم أوحى الله إليه، أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك:

وَقَالَنُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا(26) (نوح)

برر نوح دعوته بقوله:

إِنَّكَ إِنتَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا(26) (نوح)
خياله
الطوفان:

ثم أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان. أخبر الله تعالىعبده نوحا أنه سيصنع سفينة (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) أيبعلمالله وتعليمه، وعلى مرأى منه وطبقا لتوجيهاته ومساعدة الملائكة. أصدر الله تعالىأمره إلى نوح: (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُممُّغْرَقُونَ) يغرق الله الذين ظلموا مهما كانتأهميتهم أو قرابتهم للنبي، وينهى الله نبيه أن يخاطبه أو يتوسط لهم.

وبدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة. انتظر سنوات، ثمقطع ما زرعه، وبدأ نجارته. كانت سفينة عظيمة الطول والارتفاع والمتانة، وقد اختلفالمفسرون في حجمها، وهيئتها، وعدد طبقاتها، ومدة عملها، والمكان الذي عملت فيه،ومقدار طولها، وعرضها، على أقوال متعارضة لم يصح منها شيء. وقال الفخر الرازي فيهذا كله: أعلم أن هذه المباحث لا تعجبني، لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها البتة،ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلا. نحن نتفق مع الرازي في مقولته هذه. فنحن لا نعرف عنحقيقة هذه السفينة إلا ما حدثنا الله به. تجاوز الله تعالى هذه التفصيلات التي لاأهمية لها، إلى مضمون القصة ومغزاها المهم.

بدأ نوح يبني السفينة، ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنعالسفينة، والجفاف سائد، وليست هناك أنهار قريبة أو بحار. كيف ستجري هذه السفينة إذنيا نوح؟ هل ستجري على الأرض؟ أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك؟ لقد جن نوح،وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح. وكانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارابعد أن كنت نبيا!

إن قمة الصراع في قصة نوح تتجلى في هذه المساحة الزمنية، إنالباطل يسخر من الحق. يضحك عليه طويلا، متصورا أن الدنيا ملكه، وأن الأمن نصيبه،وأن العذاب غير واقع.. غير أن هذا كله مؤقت بموعد حلول الطوفان. عندئذ يسخرالمؤمنون من الكافرين، وتكون سخريتهم هي الحق.

انتهى صنع السفينة، وجلس نوح ينتظر أمر الله. أوحى الله إلى نوحأنه إذا فار التنور هذا علامة على بدء الطوفان. قيل في تفسير التنور أنه بركان فيالمنطقة، وقيل أن الفرن الكائن في بيت نوح، إذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرالنوح بالحركة.

وجاء اليوم الرهيب، فار التنور. وأسرع نوح يفتح سفينته ويدعوالمؤمنين به، وهبط جبريل عليه السلام إلى الأرض. حمل نوح إلى السفينة من كل حيوانوطير ووحش زوجين اثنين، بقرا وثورا، فيلا وفيلة، عصفورا وعصفور، نمرا ونمرة، إلىآخر المخلوقات. كان نوح قد صنع أقفاصا للوحوش وهو يصنع السفينة. وساق جبريل عليهالسلام أمامه من كل زوجين اثنين، لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض، وهذامعناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها، فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع منالحيوان والطير. وبدأ صعود السفينة. صعدت الحيوانات والوحوش والطيور، وصعد من آمنبنوح، وكان عدد المؤمنين قليلا.

لم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد، وكان أحد أبنائه يخفي كفرهويبدي الإيمان أمام نوح، فلم يصعد هو الآخر. وكانت أغلبية الناس غير مؤمنة هيالأخرى، فلم تصعد. وصعد المؤمنون. قال ابن عباس، رضي الله عنهما: آمن من قوم نوحثمانون إنسانا.

ارتفعت المياه من فتحات الأرض. انهمرت من السماء أمطارا غزيرةبكميات لم تر مثلها الأرض. فالتقت أمطار السماء بمياهالأرض، وصارتترتفع ساعة بعد ساعة. فقدت البحار هدوئها،وانفجرت أمواجها تجور على اليابسة، وتكتسح الأرض. وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولىفي المياه.

ارتفعت المياه أعلى من الناس. تجاوزت قمم الأشجار، وقمم الجبال،وغطت سطح الأرض كله. وفي بداية الطوفان نادى نوح ابنه. كان ابنه يقف بمعزل منه. ويحكي لنا المولى عز وجل الحوار القصير الذي دار بين نوح عليه السلام وابنه قبل أنيحول بينهما الموج فجأة.

نادى نوح ابنه قائلا: يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَالْكَافِرِينَ

ورد الابن عليه: قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَالْمَاء
عاد نوح يخاطبه: قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ
\
خياله
وانتهى الحوار بين نوح وابنه:

وَحَالَبَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ



انظر إلى تعبير القرآن الكريم (وَحَالَ بَيْنَهُمَاالْمَوْجُ) أنهى الموج حوارهما فجأة. نظر نوح فلميجد ابنه. لم يجد غير جبال الموج التي ترتفع وترفع معها السفينة، وتفقدها رؤية كلشيء غير المياه. وشاءت رحمة الله أن يغرق الابن بعيدا عن عين الأب، رحمة منه بالأب،واعتقد نوح أن ابنه المؤمن تصور أن الجبل سيعصمه من الماء، فغرق.

واستمر الطوفان. استمر يحمل سفينة نوح. بعد ساعات من بدايته، كانتكل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا. لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذاالجزء الخشبي من سفينة نوح، وهو ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض. وأنواعالحيوانات والطيور التي اختيرت بعناية. ومن الصعب اليوم تصور هول الطوفان أو عظمته. كان شيئا مروعا يدل على قدرة الخالق. كانت السفينة تجري بهم في موج كالجبال. ويعتقدبعض العلماءالجيولوجيااليوم إن انفصال القارات وتشكلالأرض في صورتها الحالية، قد وقعا نتيجة طوفان قديم جبار، ثارت فيه المياه ثورة غيرمفهومة. حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض، وارتفعت فيه قيعان المحيطات ووقع فيهما نستطيع تسميته بالثورة الجغرافية.

استمر طوفان نوح زمنا لا نعرف مقداره. ثم صدر الأمر الإلهي إلىالسماء أن تكف عن الإمطار، وإلى الأرض أن تستقر وتبتلع الماء، وإلى أخشاب السفينةأن ترسو على الجودي، وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل في العراق. طهر الطوفان الأرضوغسلها. قال تعالى في سورة (هود):

وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُوَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(44) (هود)

(وَغِيضَ الْمَاء) بمعنى نقص الماءوانصرف عائدا إلى فتحات الأرض. (وَقُضِيَ الأَمْرُ) بمعنى أنه أحكم وفرغ منه، يعني هلك الكافرون من قوم نوح تماما. ويقال أن الله أعقمأرحامهم أربعين سنة قبل الطوفان، فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير. (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ)بمعنى رست عليه، وقيل كان ذلك يوم عاشوراء. فصامه نوح، وأمر من معه بصيامه. (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)أي هلاكا لهم. طهر الطوفان الأرض منهم وغسلها. ذهب الهولبذهاب الطوفان. وانتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح.. تذكر ابنه الذي غرق.

لم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن ابنه كافر. كان يتصور أنه مؤمنعنيد، آثر النجاة باللجوء إلى جبل. وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم.. فلميعرف نوح حظ ابنه من الإيمان. تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة. قال تعالى في سورة (هود):

وَنَادَىنُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّوَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45) (هود)

أراد نوح أن يقول لله أن ابنه من أهله المؤمنين. وقد وعده اللهبنجاة أهله المؤمنين. قال الله سبحانه وتعالى، مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرةالأولى:

يَا نُوحُإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَالَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(46) (هود)

قال القرطبي -نقلا عن شيوخه من العلماء- وهو الرأي الذي نؤثره: كان ابنه عنده -أي نوح- مؤمنا في ظنه، ولم يك نوح يقول لربه: (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) إلا وذلك عنده كذلك، إذ محال أنيسأل هلاك الكفار، ثم يسأل في إنجاء بعضهم. وكان ابنه يسرّالكفر ويظهر الإيمان. فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب. أيعلمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت. وكان الله حين يعظه أن يكون من الجاهلين، يريدأن يبرئه من تصور أن يكون ابنه مؤمنا، ثم يهلك مع الكافرين.

وثمة درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وابنه. أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه الكريم أن ابنه ليس من أهله، لأنه لم يؤمنبالله، وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس. ابن النبي هو ابنه في العقيدة. هومن يتبع الله والنبي، وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه. هنا ينبغي أن يتبرأالمؤمن من غير المؤمن. وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب. لااعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو الأرض.

واستغفر نوح ربه وتاب إليه ورحمه الله وأمره أن يهبط من السفينةمحاطا ببركة الله ورعايته. وهبط نوح من سفينته. أطلق سراح الطيور والوحش فتفرقت فيالأرض، نزل المؤمنون بعد ذلك.ولا يحكي لنا القرآن الكريمقصة من آمن مع نوح بعد نجاتهم من الطوفان.
خياله
هود عليه السلام

نبذة:

أرسل إلى قوم عاد الذينكانوا بالأحقاف، وكانوا أقوياء الجسم والبنيان وآتاهم الله الكثير من رزقه ولكنهملم يشكروا الله على ما آتاهم وعبدوا الأصنام فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا، كانحكيما ولكنهم كذبوه وآذوه فجاء عقاب الله وأهلكهم بريح صرصر عاتية استمرت سبع ليالوثمانية أيام.

سيرته:

عبادةالناس للأصنام:

بعد أن ابتلعت الأرض مياهالطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرتسنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادتعبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعةالقديمة.

قال أحفاد قومنوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمرينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر منالشيطانإلى آلهة مع الله. وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية. وأرسل الله سيدنا هوداإلى قومه.

إرسال هود عليه السلام:

كان "هود" من قبيلة اسمها "عاد" وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف.. وهو صحراء تمتلئ بالرمال، وتطلعلى البحر. أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، وكانقوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة.. كانوا عمالقةوأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم. فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم. ورغم ضخامةأجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة. كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها، ويحاربون منأجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه. وكان المفروض، ما داموا قد اعترفوا أنهم أشدالناس قوة، أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.

قال لهم هود نفس الكلمةالتي يقولها كل رسول. لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع. كلمة واحدةهي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍغَيْرُهُأَفَلاَ تَتَّقُونَ).

وسأله قومه: هل تريد أنتكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟

إن هذه الظنون السئية تتكرر علىألسنة الكافرين عندما يدعوهم نبيهم للإيمان بالله وحده. فعقولهم الصغيرة لا تتجاوزالحياة الدنيوية. ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.

أفهمهم هود أن أجره علىالله، إنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة. حدثهم عن نعمةالله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس،كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع. كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى بهالأرض. وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض، وأصابتهم الكبرياءوزادوا في العناد.

قالوا لهود: كيف تتهمآلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟

قال هود: كان آباؤكم مخطئين.
قال قومهود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلىالحياة؟
قال هود: ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عمافعل.

انفجرت الضحكات بعد هذهالجملة الأخيرة. ما أغرب ادعاء هود. هكذا تهامس الكافرون من قومه. إن الإنسان يموت،فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب. كيف يعود هذا كله إلى أصله؟! ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟ لماذا يقوم الأموات منموتهم؟

استقبل هود كل هذه الأسئلةبصبر كريم.. ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة.. أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرةضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس. قال لهم ما يقوله كل نبيعن يوم القيامة. إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياةالمخلوقين في هذه الأرض. إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها. فليست تصرفاتالناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي.. وكثيرا مانرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحتراموالسلطة. أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم فيالتراب بعد الموت؟

إن العدالة تقتضي وجود يومللقيامة. إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة. أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملةالخير. هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب؟

إن ظلما عظيما يتأكد لوافترضنا أن يوم القيامة لن يجئ. ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرمابين عباده. ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء. ذلك أن يوم القيامةهو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى. ويحكم فيها رب العالمين سبحانه. هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة، وهي تتصلبعدالة الله ذاته.

وثمة ضرورة أخرى ليومالقيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه. إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعثالأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، هذا شيءمن شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهمضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لميحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلقمنه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه. ولعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورات الأرضوقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا، والانطلاق اللائق بالإنسان، يكمن فيالإيمان بيوم القيامة.

حدثهم هود بهذا كلهفاستمعوا إليه وكذبوه. قالوا له هيهات هيهات.. واستغربوا أن يبعث الله من فيالقبور، استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله إلى التراب، رغم أنه خلقه منقبل من التراب. وطبقا للمقاييس البشرية، كان ينبغي أن يحس المكذبون للبعث أن إعادةخلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول. لقد بدأ الله الخلق فأي صعوبةفي إعادته؟! إن الصعوبة -طبقا للمقياس البشري- تكمن في الخلق. وليس المقياس البشريغير مقياسٍ بشري ينطبق على الناس، أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو سهلة بالنسبةإليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه بمجرد الأمر.
خياله
موقف الملأ من دعوة هود:

يروي المولى عزل وجل موقفالملأ (وهم الرؤساء) من دعوة هود عليه السلام. سنرى هؤلاء الملأ في كل قصصالأنبياء. سنرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم يقفون ضد الأنبياء. يصفهم اللهتعالى بقوله: (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من مواقع الثراء والغنىوالترف، يولد الحرص على استمرار المصالح الخاصة. ومن مواقع الثراء والغنى والترفوالرياسة، يولد الكبرياء. ويلتفت الرؤساء في القوم إلى أنفسهم ويتساءلون: أليس هذاالنبي بشرا مثلنا، يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب؟ بل لعله بفقره يأكل أقل ممانأكل، ويشرب في أكواب صدئة، ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة.. كيف يدعي أنه علىالحق ونحن على الباطل؟ هذا بشر .. كيف نطيع بشرا مثلنا؟ثم.. لماذا اختار الله بشرا من بيننا ليوحى إليه؟

قال رؤساء قوم هود: أليسغريبا أن يختار الله من بيننا بشرا ويوحي إليه؟!

تسائل هو: ما هو الغريب في ذلك؟إن الله الرحيم بكم قد أرسلني إليكم لأحذركم. إن سفينة نوح، وقصة نوح ليست ببعيدةعنكم، لا تنسوا ما حدث، لقد هلك الذين كفروا بالله، وسيهلك الذين يكفرون باللهدائما، مهما يكونوا أقوياء.
قال رؤساء قوم هود: من الذي سيهلكنا يا هود؟
قالهود: الله .
قال الكافرون من قوم هود: ستنجينا آلهتنا.

وأفهمهم هود أن هذه الآلهةالتي يعبدونها لتقربهم من الله، هي نفسها التي تبعدهم عن الله. أفهمهم أن الله هووحده الذي ينجي الناس، وأن أي قوة أخرى في الأرض لا تستطيع أن تضر أوتنفع.

واستمر الصراع بين هودوقومه. وكلما استمر الصراع ومرت الأيام، زاد قوم هود استكبارا وعنادا وطغياناوتكذيبا لنبيهم. وبدءوا يتهمون "هودا" عليه السلام بأنه سفيه مجنون.

قالوا له يوما: لقد فهمناالآن سر جنونك. إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرتمجنونا.

انظروا للسذاجة التي وصل إليها تفكيرهم. إنهم يظنون أن هذهالحجارة لها قوى على من صنعها. لها تأثير على الإنسان مع أنا لا تسمع ولا ترى ولاتنطق. لم يتوقف هود عند هذيانهم، ولم يغضبه أن يظنوا به الجنون والهذيان، ولكنهتوقف عند قولهم: (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَبِمُؤْمِنِينَ).

بعد هذا التحدي لم يبقلهود إلا التحدي. لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده. لم يبق أمامه إلا إنذار أخيرينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم.. وتحدث هود:

إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُآلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌمِّمَّا تُشْرِكُونَ(54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّلاَ تُنظِرُونِ(55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِرَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّرَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(56) فَإِنتَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُرَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّشَيْءٍ حَفِيظٌ (57) (هود)

إن الإنسان ليشعر بالدهشةلهذه الجرأة في الحق. رجل واحد يواجه قوما غلاظا شدادا وحمقى. يتصورون أن أصنامالحجارة تستطيع الإيذاء. إنسان بمفرده يقف ضد جبارين فيسفه عقيدتهم، ويتبرأ منهمومن آلهتهم، ويتحداهم أن يكيدوا له بغير إبطاء أو إهمال، فهو على استعداد لتلقيكيدهم، وهو على استعداد لحربهم فقد توكل على الله. والله هو القوي بحق، وهو الآخذبناصية كل دابة في الأرض. سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان. لا شيءيعجز الله.

بهذا الإيمان بالله،والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره.. يخاطب هود الذين كفروا من قومه. وهو يفعل ذلكرغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله. وهو في حديثه يفهم قومهأنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة. فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم، سوف يستبدلبهم قوما آخرين. وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب.

هلاك عاد:

وهكذا أعلن هود لهم براءتهمنهم ومن آلهتهم. وتوكل على الله الذي خلقه، وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه. هذا قانون من قوانين الحياة. يعذب الله الذين كفروا، مهما كانوا أقوياء أو أغنياءأو جبابرة أو عمالقة.

انتظر هود وانتظر قومه وعدالله. وبدأ الجفاف في الأرض. لم تعد السماء تمطر. وهرع قوم هود إليه. ما هذا الجفافيا هود؟ قال هود: إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطرفيزيدكم قوة إلى قوتكم. وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر. وزادالجفاف، واصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع. وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء. وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون: (هَذَا عَارِضٌمُّمْطِرُنَا).

تغير الجو فجأة. من الجفافالشديد والحر إلى البرد الشديد القارس. بدأت الرياح تهب. ارتعش كل شيء، ارتعشتالأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام. واستمرت الريح. ليلة بعد ليلة، ويومابعد يوم. كل ساعة كانت برودتها تزداد. وبدأ قوم هود يفرون، أسرعوا إلى الخيامواختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية، فاشتدهبوب الرياح وتطايرت الأغطية. كانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحاتالجسم وتدمره. لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلتهكالرميم.

استمرت الرياح مسلطة عليهمسبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط. ثم توقفت الريح بإذن ربها. لم يعدباقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت. مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضعيدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء.

نجا هود ومن آمن معه.. وهلك الجبابرة.. وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عنعبادته.
خياله
صالح عليه السلام

نبذة:

أرسله الله إلى قوم ثمودوكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصناموتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوهوطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصرواعلى كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى اللهصالحا والمؤمنين.

سيرته:

إرسال صالح عليه السلام لثمود:

جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقالصالح لقومه: (يَا قَوْمِاعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التييقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.

فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلاقيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة فيالمجتمع.. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحيالله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له:

قَالُواْ يَاصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِمُرِيبٍ(62) (هود)

تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من بابشخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثمخاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالحإلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذايعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهمصالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذهالآلهة.

معجزة صالح عليه السلام:

ورغم نصاعة دعوة صالح عليه الصلاة والسلام، فقد بدا واضحا أن قومهلن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنهرسول من الله إليهم. وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون منالجبال بيوتا عظيمة. كانوا يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح اللهعليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها.

قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه:

وَيَا قَوْمِهَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَتَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ(64) (هود)

والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت معجزة لأن صخرة بالجبلانشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروف للولادة. ويقال إنهاكانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقيةالحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفيلشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس. كانت هذهالناقة معجزة، وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة منالله. وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أوقتلها، أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدواأيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.

في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدت الناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال. كان واضحا إنهاليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهممن آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر. وذلك لأن الكفار عندما يطلبون من نبيهم آية،ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به، وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمامالبشر. لكن الله كان يخذلهم بتأييد أنبياءه بمعجزات من عنده.

كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلىعبادة الله وحده، وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة، دليلا على صدقهوبينة على دعوته. وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرضالله. وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم. كما ذكرهم بإنعام اللهعليهم: بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد.. وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتةوالنعيم والرزق والقوة. لكن قومه تجاوزواكلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوا بصالح.

يسألونهم سؤال استخفاف وزراية: أَتَعْلَمُونَأَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ؟!

قالت الفئة الضعيفة التي آمنتبصالح: إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِمُؤْمِنُونَ
فأخذت الذين كفروا العزة بالإثم.. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْإِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.

تآمر الملأ على الناقة:

وتحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة. تركزت عليهاالكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة. كره الكافرون هذه الآية العظيمة،ودبروا في أنفسهم أمرا.

وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسةلكبار القوم، وقدأصبح من المألوف أن نرى أن في قصص الأنبياء هذه التدابيرللقضاء على النبي أو معجزاته أو دعوته تأتي من رؤساء القوم، فهم من يخافون على مصالحهم إن تحول الناسللتوحيد، ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده. أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يجب القيامبه لإنهاء دعوة صالح. فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة ومن ثم قتل صالحنفسه.

وهذا هو سلاح الظلمة والكفرة فيكل زمان ومكان، يعمدون إلى القوة والسلاح بدل الحوار والنقاش بالحجج والبراهين. لأنهم يعلمون أن الحق يعلوا ولا يعلى عليه، ومهما امتد بهم الزمان سيظهر الحق ويبطلكل حججهم. وهم لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة، وقرروا القضاء على الحق قبل أنتقوى شوكته.

لكن أحدهم قال: حذرنا صالح منالمساس بالناقة، وهددنا بالعذاب القريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقهعلى عقول القوم: أعرف من يجرأ على قتل الناقة. ووقع الاختيار على تسعة من جبابرةالقوم. وكانوا رجالا يعيثون الفساد في الأرض،الويل لمنيعترضهم.

هؤلاء هم أداة الجريمة. اتفق علىموعد الجريمة ومكان التنفيذ.وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة المباركة تنام في سلام. انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهموسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة. هجمالرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة. امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالتدمائها.

هلاك ثمود:

علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركممن أن تمسوا الناقة؟

قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك منالمرسلين؟
قال صالح لقومه:تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ

بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى. انتهى الأمر ووعده اللهبهلاكهم بعد ثلاثة أيام.

ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح وهم يهزءون من العذابوينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع: انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة. انقضت الصيحةعلى الجبال فهلك فيها كل شيء حي. هي صرخة واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيءحتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.

هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح،فكانوا قد غادروا المكان مع نبيهم ونجوا.
خياله
إبراهيم عليه السلام
نبذة:
هو خليل الله، اصطفاه اللهبرسالته وفضله على كثير من خلقه، كان إبراهيم يعيش في قوم يعبدون الكواكب، فلم يكنيرضيه ذلك، وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى هداه الله واصطفاه برسالته، وأخذإبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله وعبادته ولكنهم كذبوه وحاولوا إحراقه فأنجاه اللهمن بين أيديهم، جعل الله الأنبياء من نسل إبراهيم فولد له إسماعيل وإسحاق، قامإبراهيم ببناء الكعبة مع إسماعيل.
سيرته:
منزلة إبراهيم عليهالسلام:
هو أحد أولي العزم الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقاغليظا، وهم: نوحوإبراهيم وموسىوعيسىومحمد.. بترتيب بعثهم. وهوالنبي الذي ابتلاه الله ببلاء مبين. بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب. ورغم حدةالشدة، وعنت البلاء.. كان إبراهيم هو العبد الذي وفى. وزاد على الوفاءبالإحسان.
وقد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا، فجعل ملته هيالتوحيد الخالص النقي من الشوائب. وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه.
وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس. وجعل فيذريته النبوة والكتاب. فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله فهم أولاده وأحفاده. حتى إذا جاء آخر الأنبياءمحمدصلى الله عليه وسلم، جاءتحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.
ولو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئبالدهشة. نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم. إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى قالأسلمت لرب العالمين. نبي هو أول من سمانا المسلمين. نبي كان جدا وأبا لكل أنبياءالله الذين جاءوا بعده. نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.
يذكر لنا ربنا ذو الجلال والإكرام أمرا آخر أفضل من كل ما سبق. فيقول الله عز وجل في محكم آياته: (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) لم يرد في كتاب الله ذكر لنبي، اتخذه الله خليلا غير إبراهيم. قال العلماء: الخُلَّة هي شدة المحبة. وبذلك تعني الآية: واتخذ الله إبراهيم حبيبا. فوق هذهالقمة الشامخة يجلس إبراهيم عليه الصلاة والسلام. إن منتهى أمل السالكين، وغاية هدفالمحققين والعارفين بالله.. أن يحبوا الله عز وجل. أما أن يحلم أحدهم أن يحبه الله،أن يفرده بالحب، أن يختصه بالخُلَّة وهي شدة المحبة.. فذلك شيء وراء آفاق التصور. كان إبراهيم هو هذا العبد الرباني الذي استحق أن يتخذه الله خليلا.
حال المشركين قبل بعثةإبراهيم:
لا يتحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته، ولا يتوقف عند عصره صراحة،ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه، فتدب الحياة في عصره، وترى الناس قد انقسمواثلاث فئات:
· فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية.
· وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر.
· وفئة تعبد الملوك والحكام.
نشأة إبراهيم عليهالسلام:
وفي هذا الجو ولد إبراهيم. ولد في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد. لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام، كان كافرا متميزا يصنع بيديه تماثيلالآلهة. وقيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان لهبمثابة الأب، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة، وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هووالده حقا، وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته.. ومهما يكن من أمر فقد ولدإبراهيم في هذه الأسرة.
رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة. ومهنة الأب تضفي عليهقداسة خاصة في قومه، وتجعل لأسرته كلها مكانا ممتازا في المجتمع. هي أسرة مرموقة،أسرة من الصفوة الحاكمة.
من هذه الأسرة المقدسة، ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته وضد نظاممجتمعه وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة وضد العروش القائمة وضد عبدة النجوموالكواكب وضد كل أنواع الشرك باختصار.
مرت الأيام.. وكبر إبراهيم.. كان قلبه يمتلأ من طفولته بكراهيةصادقة لهذه التماثيل التي يصنعها والده. لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصنعبيديه تمثالا، ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه. لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل لاتشرب ولا تأكل ولا تتكلم ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها. كيف يتصورالناس أن هذه التماثيل تضر وتنفع؟!
خياله
مواجهة عبدة الكواكبوالنجوم:

قرر إبراهيم عليه السلام مواجهة عبدة النجوم منقومه، فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل، أن هذا الكوكب ربه. ويبدو أنقومه اطمأنوا له، وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب. وكانتالملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث: عبادة التماثيل والنجوم والملوك. غير أن إبراهيمكان يدخر لقومه مفاجأة مذهلة في الصباح. لقد أفل الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس. وإبراهيم لا يحب الآفلين. فعاد إبراهيمفي الليلة الثانيةيعلن لقومه أن القمر ربه. لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخرمنهم برفق ولطف وحب. كيف يعبدون ربا يختفي ثم يظهر. يأفل ثم يشرق. لم يفهم قومه هذافي المرة الأولى فكرره مع القمر. لكن القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهرويختفي. فقال إبراهيم عدما أفل القمر (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّيلأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) نلاحظ هناأنهعندمايحدث قومه عن رفضه لألوهية القمر.. فإنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف. كيف يعبد الناس ربا يختفيويأفل. (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِيرَبِّي)يفهمهم أن له ربا غير كل ما يعبدون. غير أناللفتة لا تصل إليهم. ويعاود إبراهيم محاولته في إقامة الحجة على الفئة الأولى منقومه.. عبدة الكواكب والنجوم. فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر منالقمر. وما أن غابت الشمس، حتى أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب. فكلهامغلوقات تأفل. وأنهىجولته الأولى بتوجيهه وجهه للذي فطر السماوات والأرضحنيفا.. ليس مشركا مثلهم.

استطاعت حجة إبراهيم أن تظهر الحق. وبدأ صراع قومه معه. لم يسكتعنه عبدة النجوم والكواكب. بدءوا جدالهم وتخويفهم له وتهديده. ورد إبراهيم عليهمقال:

أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَبِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَتَتَذَكَّرُونَ(80)وَكَيْفَأَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَالَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّبِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) (الأنعام)

لا نعرف رهبة الهجوم عليه. ولا حدة الصراع ضده، ولا أسلوب قومهالذي اتبعه معه لتخويفه. تجاوز القرآن هذا كله إلى رده هو. كان جدالهم باطلا فأسقطهالقرآن من القصة، وذكر رد إبراهيم المنطقي العاقل. كيف يخوفونه ولا يخافون هم؟ أيالفريقين أحق بالأمن؟

بعد أن بين إبراهيم عليه السلام حجته لفئة عبدة النجوم والكواكب،استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام. آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيهالحجة في كل مرة.

سبحانه.. كان يؤيد إبراهيم ويريه ملكوت السماوات والأرض. لم يكنمعه غير إسلامه حين بدأ صراعه مع عبدة الأصنام. هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظمحدة. أبوه في الموضوع.. هذه مهنة الأب وسر مكانته وموضع تصديق القوم.. وهي العبادةالتي تتبعها الأغلبية.

مواجهة عبدةالأصنام:

خرج إبراهيم على قومه بدعوته. قال بحسم غاضب وغيرة على الحق:

إِذْ قَالَلِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ(52)قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَاعَابِدِينَ(53)قَالَلَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(54)قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّأَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ(55)قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّوَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ(56) (الأنبياء)

انتهى الأمر وبدأ الصراع بين إبراهيم وقومه.. كان أشدهم ذهولاوغضبا هو أباه أو عمه الذي رباه كأب.. واشتبك الأب والابن في الصراع. فصلت بينهماالمبادئ فاختلفا.. الابن يقف مع الله، والأب يقف مع الباطل.

قال الأب لابنه: مصيبتي فيك كبيرة يا إبراهيم.. لقد خذلتني وأسأتإلي.

قال إبراهيم:

يَا أَبَتِلِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا(42)يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِيمِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(43)يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِالشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا(44)يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنيَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا(45) (مريم)

انتفض الأب واقفا وهو يرتعش من الغضب. قال لإبراهيم وهو ثائر إذالم تتوقف عن دعوتك هذه فسوف أرجمك، سأقتلك ضربا بالحجارة. هذا جزاء من يقف ضدالآلهة.. اخرج من بيتي.. لا أريد أن أراك.. اخرج.

انتهى الأمر وأسفر الصراع عن طرد إبراهيم من بيته. كما أسفر عنتهديده بالقتل رميا بالحجارة. رغم ذلك تصرف إبراهيم كابن بار ونبي كريم. خاطب أباهبأدب الأنبياء. قال لأبيه ردا على الإهانات والتجريح والطرد والتهديد بالقتل:

قَالَسَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا(47)وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَمِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّيشَقِيًّا(48) (مريم)
خياله
وخرج إبراهيم من بيت أبيه. هجر قومه وما يعبدون من دون الله. وقررفي نفسه أمرا. كان يعرف أن هناك احتفالا عظيما يقام على الضفة الأخرى من النهر،وينصرف الناس جميعا إليه. وانتظر حتى جاء الاحتفال وخلت المدينة التي يعيش فيها منالناس.

وخرج إبراهيم حذرا وهو يقصد بخطاه المعبد. كانت الشوارع المؤديةإلى المعبد خالية. وكان المعبد نفسه مهجورا. انتقل كل الناس إلى الاحتفال. دخلإبراهيم المعبد ومعه فأس حادة. نظر إلى تماثيل الآلهة المنحوتة من الصخر والخشب. نظر إلى الطعام الذي وضعه الناس أمامها كنذور وهدايا. اقترب إبراهيم منالتماثيل وسألهم: (أَلَا تَأْكُلُونَ) كان يسخر منهم ويعرف أنهم لا يأكلون. وعاد يسأل التماثيل: (مَالَكُمْ لَا تَنطِقُونَ) ثم هوى بفأسه على الآلهة.

وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشابالمهشمة.. إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم (لَّهُمْلَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلميدفع عن صغار الآلهة! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها، فيرجعون إلى صوابهم.

إلا أن قوم إبراهيم الذين عطّلتالخرافةعقولهم عن التفكير،وغلّالتقليد أفكارهم عن التأملوالتدبر.لم يسألوا أنفسهم: إنكانت هذه آلهة فكيف وقع لهاما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا؟!وهذا كبيرها كيف لميدفع عنها؟! وبدلا من ذلك (قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَالظَّالِمِينَ).

عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادةالتماثيل، ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها!

فأحضروا إبراهيم عليه السلام، وتجمّع الناس،وسألوه (أَأَنتَفَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ)؟ فأجابهمإبراهيم (بَلْفَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ) والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر. فلا داعي لتسمية هذه كذبةمن إبراهيم -عليه السلام- والبحث عن تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون. فالأمر أيسر من هذا بكثير! إنما أراد أن يقول لهم: إن هذه التماثيل لا تدري منحطمها إن كنت أنا أم هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا. فهي جماد لا إدراكله أصلا. وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل. فلاتعرفون إن كنت أنا الذي حطمتها أم أن هذا التمثال هو الذي حطمها!

ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا، وردهم إلى شيء من التدبرالتفكر:

فَرَجَعُواإِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ(64) (الأنبياء)

وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف،وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم. وأنتتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون بهأنفسهم، وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون. ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبهاالظلام، وإلاخفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلىالخمود:

ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَاهَؤُلَاء يَنطِقُونَ(65) (الأنبياء)

وحقا كانت الأولى رجعة إلىالنفوس، وكانت الثانية نكسة على الرؤوس؛ كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب.. كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر. أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلاعقل ولا تفكير. وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم. وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟

ومن ثم يجيبهم بعنف وضيق علىغير عادته وهو الصبور الحليم. لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم:

قَالَأَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ(66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَمِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(67) (الأنبياء)

وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدرن وغيظ النفس، والعجب من السخفالذي يتجاوز كل مألوف.

عندذلك أخذتهمالعزة بالإثم كما تأخذالطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل، فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذابالغليظ:

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ(68) (الأنبياء)
نجاة إبراهيم عليهالسلام من النار:

وفعلا.. بدأ الاستعداد لإحراق إبراهيم. انتشر النبأ في المملكةكلها. وجاء الناس من القرى والجبال والمدن ليشهدوا عقاب الذي تجرأ على الآلهةوحطمها واعترف بذلك وسخر من الكهنة. وحفروا حفرة عظيمة ملئوها بالحطب والخشبوالأشجار. وأشعلوا فيها النار. وأحضروا المنجنيق وهو آلة جبارة ليقذفوا إبراهيمفيها فيسقط في حفرة النار.. ووضعوا إبراهيم بعد أن قيدوا يديه وقدميه في المنجنيق. واشتعلت النار في الحفرة وتصاعد اللهب إلى السماء. وكان الناس يقفون بعيدا عنالحفرة من فرط الحرارة اللاهبة. وأصدر كبير الكهنة أمره بإطلاق إبراهيم في النار.

جاء جبريل عليه السلام ووقف عند رأس إبراهيم وسأله: يا إبراهيم.. ألك حاجة؟

قال إبراهيم: أما إليك فلا.

انطلق المنجنيق ملقيا إبراهيم في حفرة النار. كانت النار موجودةفي مكانها، ولكنها لم تكن تمارس وظيفتها في الإحراق. فقد أصدر الله جل جلاله إلىالنارأمره بأن تكون (بَرْدًاوَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ). أحرقتالنارقيودهفقط. وجلس إبراهيم وسطها كأنه يجلس وسط حديقة. كانيسبّحبحمد ربهويمجّده. لم يكن في قلبه مكان خال يمكن أن يمتلئبالخوف أو الرهبة أو الجزع. كان القلب مليئا بالحب وحده. ومات الخوف. وتلاشتالرهبة. واستحالت النار إلى سلام بارد يلطف عنه حرارة الجو.

جلس الكهنةوالناسيرقبون النار من بعيد. كانت حرارتهاتصل إليهم على الرغم من بعدهم عنها.وظلتالنار تشتعل فترة طويلة حتى ظن الكافرون أنها لن تنطفئ أبدا. فلما انطفأت فوجئوابإبراهيم يخرج من الحفرة سليما كما دخل. ووجهه يتلألأ بالنور والجلال. وثيابه كماهي لم تحترق. وليس عليه أيأثرللدخان أو الحريق.

خرج إبراهيم من النار كما لو كان يخرج من حديقة. وتصاعدت صيحاتالدهشة الكافرة. خسروا جولتهم خسارة مريرة وساخرة.

وَأَرَادُوابِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ(70) (الأنبياء)

لا يحدثنا القرآن الكريم عن عمر إبراهيم حين حطم أصنام قومه، لايحدثنا عن السن التي كلف فيها بالدعوة إلى الله. ويبدو من استقراء النصوص القديمةأن إبراهيم كان شابا صغيرا حين فعل ذلك، بدليل قول قومه عنه: (سَمِعْنَا فَتًىيَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ). وكلمةالفتى تطلق على السن التي تسبق العشرين.
خياله
مواجهة عبدةالملوك:

إنزمن اصطفاء الله تعالى لإبراهيم غيرمحدد في القرآن. وب فنحن لا نستطيع أن نقطع فيه بجواب نهائي. كل ما نستطيع أننقطع فيه برأي، أن إبراهيم أقام الحجة على عبدة التماثيل بشكل قاطع، كما أقامها علىعبدة النجوم والكواكب من قبل بشكل حاسم، ولم يبق إلا أن تقام الحجة على الملوكالمتألهين وعبادهم.. وبذلك تقوم الحجة على جميع الكافرين.

فذهب إبراهيم عليه السلام لملك متألّه كان فيزمانه. وتجاوز القرآناسم الملك لانعدام أهميته، لكن روي أن الملك المعاصرلإبراهيم كان يلقب (بالنمرود) وهو ملك الآراميين بالعراق. كما تجاوز حقيقة مشاعره،كما تجاوز الحوار الطويل الذي دار بين إبراهيم وبينه. لكن اللهتعالى في كتابه الحكيم أخبرنا الحجة الأولى التي أقامها إبراهيم عليه السلام علىالملك الطاغية،فقالإبراهيم بهدوءرَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ)

قال الملكأَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أستطيع أنأحضررجلا يسير في الشارعوأقتله،وأستطيع أن أعفو عن محكوم عليه بالإعدام وأنجيه من الموت.. وبذلك أكون قادرا علىالحياة والموت.

لم يجادلإبراهيمالملكلسذاجة ما يقول. غير أنه أراد أن يثبت للملك أنه يتوهم في نفسه القدرةوهو في الحقيقة ليس قادرا. فقالإبراهيم: (فَإِنَّاللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَالْمَغْرِبِ)

استمع الملك إلى تحدي إبراهيم صامتا.. فلما انتهى كلام النبي بهتالملك. أحس بالعجز ولم يستطع أن يجيب. لقد أثبت له إبراهيم أنه كاذب.. قال له إنالله يأتي بالشمس من المشرق، فهل يستطيع هو أن يأتي بها من المغرب.. إن للكون نظماوقوانين يمشي طبقا لها.. قوانين خلقها الله ولا يستطيع أي مخلوق أن يتحكم فيها. ولوكان الملك صادقا في ادعائه الألوهية فليغير نظام الكون وقوانينه.. ساعتها أحس الملكبالعجز.. وأخرسه التحدي. ولم يعرف ماذا يقول، ولا كيف يتصرف. انصرف إبراهيم من قصرالملك، بعد أن بهت الذي كفر.
هجرة إبراهيم عليه السلام:

انطلقت شهرة إبراهيم في المملكة كلها. تحدث الناس عن معجزتهونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع الملك وكيف أخرس الملك فلم يعرف ماذايقول. واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى. بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم بكلالوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم فقد غضب قومه وهجروه، ولم يؤمن معه من قومه سوىامرأة ورجل واحد. امرأة تسمى سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط، وقد صارنبيا فيما بعد. وحين أدرك إبراهيم أن أحدا لن يؤمن بدعوته. قرر الهجرة.

قبل أن يهاجر، دعا والده للإيمان، ثم تبين لإبراهيم أن والده عدولله، وأنه لا ينوي الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته به.

للمرة الثانية في قصص الأنبياء نصادف هذه المفاجأة. في قصةنوحكان الأب نبيا والابن كافرا، وفي قصة إبراهيم كان الأبكافرا والابن نبيا، وفي القصتين نرى المؤمن يعلن براءته من عدو الله رغم كونه ابنهأو والده، وكأن الله يفهمنا من خلال القصة أن العلاقة الوحيدة التي ينبغي أن تقومعليها الروابط بين الناس، هي علاقة الإيمان لا علاقة الميلاد والدم.

خرج إبراهيم عليه السلام من بلده وبدأ هجرته. سافر إلى مدينة تدعىأور. ومدينة تسمى حاران. ثم رحل إلى فلسطين ومعه زوجته، المرأة الوحيدة التي آمنتبه. وصحب معهلوطا.. الرجل الوحيد الذي آمن به.

بعد فلسطين ذهب إبراهيم إلى مصر. وطوال هذا الوقت وخلال هذهالرحلات كلها، كان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاءوالفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة والحق.

وتأتي بعض الروايات لتبين قصة إبراهيم عليه السلام وزوجتهسارة وموقفهما مع ملك مصر. فتقول:

وصلت الأخبار لملك مصر بوصول رجل لمصر معه أمرأة هي أجملنساء الأرض. فطمع بها. وأرسل جنوده ليأتونه بهذه المرأة. وأمرهم بأن يسألوا عنالرجل الذي معها، فإن كان زوجها فليقتلوه. فجاء الوحي لإبراهيم عليه السلام بذلك. فقال إبراهيم -عليه السلام- لسارة إن سألوك عني فأنت أختي -أي أخته في الله-، وقاللها ما على هذه الأرض مؤمن غيري وغيرك -فكل أهل مصر كفرة، ليس فيها موحد لله عزوجل. فجاء الجنود وسألوا إبراهيم: ما تكون هذه منك؟ قال: أختي.

لنقف هنا قليلا.. قال إبراهيم حينما قال لقومه (إني سقيم) و (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوه) و (هي أختي). كلها كلمات تحتمل التاويل. لكن مع هذاكان إبراهيم عليه السلام خائفا جدا من حسابه على هذه الكلمات يوم القايمة. فعندمايذهب البشر له يوقم القيامة ليدعوا الله أن يبدأ الحساب يقول لهم لا إني كذب علىربي ثلاث مرات.

ونجد أن البشر الآن يكذبون أمام الناس من غير استحياء ولاخوف من خالقهم.

لما عرفت سارة أن ملك مصر فاجر ويريدها له أخذت تدعواالله قائلة: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلاتسلط علي الكافر.

فلما أدخلوها عليه. مد يده إليها ليلمسها فشلّ وتجمدت يدهفي مكانها، فبدأ بالصراخ لأنه لم يعد يستطيع تحريكها، وجاء أعوانه لمساعدته لكنهملم يستطيعوا فعل شيء. فخافت سارة على نفسها أن يقتلوها بسبب ما فعلته بالملك. فقالت: يا رب اتركه لا يقتلوني به. فاستجاب الله لدعائها.

لكن الملك لم يتب وظن أن ما حدث كان أمرا عابرا وذهب. فهجم عليها مرة أخرى. فشلّ مرة ثانية. فقال: فكيني. فدعت الله تعالى فَفَكّه. فمديده ثالثة فشلّ. فقال: فكيني وأطلقك وأكرمك. فدعت الله سبحانه وتعالى فَفُك. فصرخالملك بأعوانه: أبعدوها عني فإنكم لم تأتوني بإنسان بل أتيتمونيبشيطان.

فأطلقها وأعطاها شيئا من الذهب، كما أعطاها أَمَةً اسمها "هاجر".

هذه الرواية مشهورة عن دخول إبراهيم -عليه السلام- لمصر.

وكانت زوجته سارة لا تلد. وكان ملك مصر قد أهداها سيدة مصريةلتكون في خدمتها، وكان إبراهيم قد صار شيخا، وابيض شعره من خلال عمر أبيض أنفقه فيالدعوة إلى الله، وفكرت سارة إنها وإبراهيم وحيدان، وهي لا تنجب أولادا، ماذا لوقدمت له السيدة المصرية لتكون زوجة لزوجها؟ وكان اسم المصرية "هاجر". وهكذا زوجتسارة سيدنا إبراهيم من هاجر، وولدت هاجر ابنها الأول فأطلق والده عليه اسم"إسماعيل". كان إبراهيم شيخا حين ولدت له هاجر أول أبنائهإسماعيل.

ولسنا نعرف أبعاد المسافات التي قطعها إبراهيم في رحلته إلى الله. كان دائما هو المسافر إلى الله. سواء استقر به المقام في بيته أو حملته خطواتهسائحا في الأرض. مسافر إلى الله يعلم إنها أيام على الأرض وبعدها يجيء الموت ثمينفخ في الصور وتقوم قيامة الأموات ويقع البعث.
خياله
إحياء الموتى:

ملأ اليوم الآخر قلب إبراهيم بالسلام والحب واليقين. وأراد أن يرىيوما كيف يحيي الله عز وجل الموتى. حكى الله هذا الموقف في سورة (البقرة).. قالتعالى:

وَإِذْ قَالَإِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنقَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي

لا تكون هذه الرغبة في طمأنينة القلب مع الإيمان إلا درجة مندرجات الحب لله.

قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِفَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَسَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَعَزِيزٌ حَكِيمٌ

فعل إبراهيم ما أمره به الله. ذبح أربعة من الطير وفرق أجزاءهاعلى الجبال. ودعاها باسم الله فنهض الريش يلحق بجناحه، وبحثت الصدور عن رؤوسها،وتطايرت أجزاء الطير مندفعة نحو الالتحام، والتقت الضلوع بالقلوب، وسارعت الأجزاءالذبيحة للالتئام، ودبت الحياة في الطير، وجاءت طائرة مسرعة ترمي بنفسها في أحضانإبراهيم. اعتقد بعض المفسرين إن هذه التجربة كانت حب استطلاع من إبراهيم. واعتقدبعضهم أنه أراد أن يرى يد ذي الجلال الخالق وهي تعمل، فلم ير الأسلوب وإن رأىالنتيجة. واعتقد بعض المفسرين أنه اكتفى بما قاله له الله ولم يذبح الطير. ونعتقدأن هذه التجربة كانت درجة من درجات الحب قطعها المسافر إلى الله. إبراهيم.

رحلة إبراهيم مع هاجر وإسماعيل لواديمكة:

استيقظ إبراهيم يوما فأمر زوجته هاجر أن تحمل ابنها وتستعد لرحلةطويلة. وبعد أيام بدأت رحلة إبراهيم مع زوجته هاجر ومعهما ابنهماإسماعيل. وكان الطفل رضيعا لم يفطم بعد. وظل إبراهيم يسيروسط أرض مزروعة تأتي بعدها صحراء تجيء بعدها جبال. حتى دخل إلى صحراء الجزيرةالعربية، وقصد إبراهيم واديا ليس فيه زرع ولا ثمر ولا شجر ولا طعام ولا مياه ولاشراب. كان الوادي يخلو تماما من علامات الحياة. وصل إبراهيم إلى الوادي، وهبط منفوق ظهر دابته. وأنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام،وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار.

أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذاالوادي الذي ليس فيه شيء؟

لم يرد عليها سيدنا إبراهيم. ظل يسير. عادت تقول له ما قالته وهوصامت. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه. أدركت أن الله أمره بذلك وسألته: هلالله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم عليه السلام: نعم.

قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذيأمرك بهذا. وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلىالسماء وراح يدعو الله: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍعِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).

لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانتهناك حكمة عليا في هذه التصرفات الغامضة، فقد كان إسماعيل الطفل الذي ترك مع أمه فيهذا المكان، كان هذا الطفل هو الذي سيصير مسؤولا مع والده عن بناء الكعبة فيما بعد. وكانت حكمة الله تقضي أن يمتد العمران إلى هذا الوادي، وأن يقام فيه بيت الله الذينتجه جميعا إليه أثناء الصلاة بوجوهنا.

ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء وعاد راجعا إلى كفاحهفي دعوة الله. أرضعت أم إسماعيل ابنها وأحست بالعطش. كانت الشمس ملتهبة وساخنةوتثير الإحساس بالعطش. بعد يومين انتهى الماء تماما، وجف لبن الأم. وأحست هاجروإسماعيل بالعطش.. كان الطعام قد انتهى هو الآخر. وبدا الموقف صعبا وحرجاللغاية.

ماء زمزم:

بدأإسماعيليبكي من العطش. وتركته أمهوانطلقت تبحث عن ماء. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا". فصعدت إليهوراحت تبحث بهما عن بئر أو إنسان أو قافلة. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفاحتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلىجبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلهافوجدته يبكي وقد اشتد عطشه. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرتمن فوقه. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين. سبع مرات وهي تذهبوتعود. ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهمالأولى ونبيهم العظيمإسماعيل. عادت هاجر بعد المرةالسابعة وهي مجهدة متعبة تلهث. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاءوالعطش.

وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضربإسماعيلبقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم. وفار الماء من البئر. أنقذت حياتا الطفل والأم. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكرالله. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة. صدق ظنها حين قالت: لن نضيعما دام الله معنا.

وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة. وجذب الماء الذي انفجر منبئر زمزم عديدا من الناس. وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان
خياله
لأمر بذبح إسماعيل عليهالسلام:

كبرإسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيدإسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي.

انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحنأمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن علىكبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرىفي المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.

أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره.

فكر إبراهيم في ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرضليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهراويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِيالْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى). انظر إلى تلطفه فيإبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيملأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجابإسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُسَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). تأمل رد الابن.. إنسانيعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حالوعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيميكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعداستسلام ابنه الصابر.

ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذاإسماعيلراقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفعيده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء،فلا يتبقى منك شيء.

عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى اللهإسماعيلبذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظاتعيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيموإسماعيل.

ومضت قصة إبراهيم. ترك ولدهإسماعيلوعاد يضرب في أرض الله داعيا إليه، خليلا له وحده. ومرت الأيام. كان إبراهيم قدهاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق وعبر الأردن وسكن في أرض كنعان فيالبادية. ولم يكن إبراهيم ينسى خلال دعوته إلى الله أن يسأل عن أخبار لوط مع قومه،وكان لوط أول من آمن به، وقد أثابه الله بأن بعثه نبيا إلى قوم من الفاجرينالعصاة.

البشرى بإسحاق:

كان إبراهيم جالس لوحده. في هذه اللحظة، هبطت على الأرض أقدامثلاثة من الملائكة: جبريل وإسرافيل وميكائيل. يتشكلون في صور بشرية من الجمالالخارق. ساروا صامتين. مهمتهم مزودجة. المرور على إبراهيم وتبشيره. ثم زيارة قوملوط ووضع حد لجرائمهم.

سار الملائكة الثلاثة قليلا. ألقى أحدهم حصاة أمام إبراهيم. رفعإبراهيم رأسه.. تأمل وجوههم.. لا يعرف أحدا فيهم. بادروه بالتحية. قالوا: سلاما. قال: سلام.

نهض إبراهيم ورحب بهم. أدخلهم بيته وهو يظن أنهم ضيوف وغرباء. أجلسهم واطمأن أنهم قد اطمأنوا، ثم استأذن وخرج. راغ إلى أهله.

نهضت زوجته سارة حين دخل عليها. كانت عجوزا قد ابيض شعرها ولم يعديتوهج بالشباب فيها غير وميض الإيمان الذي يطل من عينيها.

قال إبراهيم لزوجته: زارنا ثلاثة غرباء.

سألته: من يكونون؟

قال: لا أعرف أحدا فيهم. وجوه غريبة على المكان. لا ريب أنهم منمكان بعيد، غير أن ملابسهم لا تشي بالسفر الطويل. أي طعام جاهز لدينا؟

قالت: نصف شاة.

قال وهو يهم بالانصراف: نصف شاة.. اذبحي لهم عجلا سمينا. هم ضيوفوغرباء. ليست معهم دواب أو أحمال أو طعام. ربما كانوا جوعى وربما كانوا فقراء.

اختار إبراهيم عجلا سمينا وأمر بذبحه، فذكروا عليه اسم اللهوذبحوه. وبدأ شواء العجل على الحجارة الساخنة. وأعدت المائدة. ودعا إبراهيم ضيوفهإلى الطعام. أشار إبراهيم بيده أن يتفضلوا باسم الله، وبدأ هو يأكل ليشجعهم. كانإبراهيم كريما يعرف أن الله لا يتخلى عن الكرماء وربما لم يكن في بيته غير هذاالعجل، وضيوفه ثلاثة ونصف شاة يكفيهم ويزيد، غير أنه كان سيدا عظيم الكرم. راحإبراهيم يأكل ثم استرق النظر إلى ضيوفه ليطمئن أنهم يأكلون. لاحظ أن أحدا لا يمديده إلى الطعام. قرب إليهم الطعام وقال: ألا تأكلون؟ عاد إلى طعامه ثم اختلس إليهمنظرة فوجدهم لا يأكلون.. رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام. عندئذ (أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً). في تقاليد البادية التي عاش فيهاإبراهيم، كان معنى امتناع الضيوف عن الأكل أنهم يقصدون شرا بصاحب البيت.

ولاحظ إبراهيم بينه وبين نفسه أكثر من ملاحظة تؤيد غرابة ضيوفه. لاحظ أنهم دخلوا عليه فجأة. لم يرهم إلا وهم عند رأسه. لم يكن معهم دواب تحملهم، لمتكن معهم أحمال. وجوههم غريبة تماما عليه. كانوا مسافرين وليس عليهم أثر لترابالسفر. ثم ها هو ذا يدعوهم إلى طعامه فيجلسون إلى المائدة ولا يأكلون. ازداد خوفإبراهيم.

كان الملائكة يقرءون أفكاره التي تدور في نفسه، دون أن يشي بهاوجهه. قال له أحد الملائكة: (لاَ تَخَفْ). رفع إبراهيمرأسه وقال بصدق عظيم وبراءة: اعترف إنني خائف. لقد دعوتكم إلى الطعام ورحبت بكم،ولكنكم لا تمدون أيديكم إليه.. هل تنوون بي شرا؟

ابتسم أحد الملائكة وقال: نحن لا نأكل يا إبراهيم.. نحن ملائكةالله.. وقد (أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)

ضحكت زوجة إبراهيم.. كانت قائمة تتابع الحوار بين زوجها وبينهم،فضحكت.

التفت إليها أحد الملائكة وبشرهابإسحاق.

صكت العجوز وجهها تعجبا:

قَالَتيَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَابَعْلِي شَيْخًاإِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ(72) (هود)
خياله
عاد أحد الملائكة يقول لها:

وَمِن وَرَاءإِسْحَقَ يَعْقُوبَ

جاشت المشاعر في قلب إبراهيم وزوجته. شف جو الحجرة وانسحب خوفإبراهيم واحتل قلبه نوع من أنواع الفرح الغريب المختلط. كانت زوجته العاقر تقف هيالأخرى وهي ترتجف. إن بشارة الملائكة تهز روحها هزا عميقا. إنها عجوز عقيم وزوجهاشيخ كبير. كيف؟! كيف يمكن؟!

وسط هذا الجو الندي المضطرب تساءل إبراهيم:

أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ(54) (الحجر)

أكان يريد أن يسمع البشارة مرة أخرى؟ أكان يريد أن يطمئن قلبهويسمع للمرة الثانية منة الله عليه؟ أكان ما بنفسه شعورا بشريا يريد أن يستوثق؟ويهتز بالفرح مرتين بدلا من مرة واحدة؟ أكد له الملائكة أنهم بشروه بالحق.

قَالُواْبَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) (الحجر)

قَالَ وَمَنيَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ(56) (الحجر)

لم يفهم الملائكة إحساسه البشري، فنوه عن أن يكون من القانطين،وأفهمهم أنه ليس قانطا.. إنما هو الفرح.

لم تكن البشرى شيئا بسيطا في حياة إبراهيم وزوجته. لم يكنلإبراهيم غير ولد واحد هوإسماعيل، تركه هناك بعيدا فيالجزيرة العربية. ولم تكن زوجته سارة قد أنجبت خلال عشرتها الطويلة لإبراهيم، وهيالتي زوجته من جاريتها هاجر. ومن هاجر جاءإسماعيل. أماسارة، فلم يكن لها ولد. وكان حنينها إلى الولد عظيما، لم يطفئ مرور الأيام منتوهجه. ثم دخلت شيخوختها واحتضر حلمها ومات. كانت تقول: إنها مشيئة الله عز وجل.

هكذا أراد الله لها. وهكذا أراد لزوجها. ثم ها هي ذي في مغيبالعمر تتلقى البشارة. ستلد غلاما. ليس هذا فحسب، بشرتها الملائكة بأن ابنها سيكونله ولد تشهد مولده وتشهد حياته. لقد صبرت طويلا ثم يئست ثم نسيت. ثم يجيء جزاء اللهمفاجأة تمحو هذا كله في لحظة.

فاضت دموعها وهي تقف. وأحس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بإحساسمحير. جاشت نفسه بمشاعر الرحمة والقرب، وعاد يحس بأنه إزاء نعمة لا يعرف كيف يوفيهاحقها من الشكر. وخرّ إبراهيم ساجدا على وجهه.

انتهى الأمر واستقرت البشرى في ذهنيهما معا. نهض إبراهيم من سجودهوقد ذهب عنه خوفه، واطمأنت حيرته، وغادره الروع، وسكنت قلبه البشرى التي حملوهاإليه. وتذكر أنهم أرسلوا إلى قوملوط. ولوطابن أخيه النازح معه من مسقط رأسه، والساكن على مقربةمنه. وإبراهيم يعرف معنى إرسال الملائكة إلىلوطوقومه. هذامعناه وقوع عذاب مروع. وطبيعة إبراهيم الرحيمة الودودة لا تجعله يطيق هلاك قوم فيتسليم. ربما رجع قوملوطوأقلعوا وأسلموا أجابوا رسولهم.

وبدأ إبراهيم يجادل الملائكة في قوملوط. حدثهم عن احتمال إيمانهم ورجوعهم عن طريق الفجور، وأفهمه الملائكة أن هؤلاء قوممجرمون. وأن مهمتهم هي إرسال حجارة من طين مسومة من عند ربك للمسرفين. وعادإبراهيم، بعد أن سد الملائكة باب هذا الحوار، عاد يحدثهم عن المؤمنين من قوملوط. فقالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها. ثم أفهموه أن الأمرقد قضي. وإن مشيئة الله تبارك وتعالى قد اقتضت نفاذ الأمر وهلاك قوملوط. أفهموا إبراهيم أن عليه أن يعرض عن هذا الحوار. ليوفرحلمه ورحمته. لقد جاء أمر ربه. وتقرر عليهم (عَذَابٌ غَيْرُمَرْدُودٍ) عذاب لن يرده جدال إبراهيم. كانت كلمة الملائكة إيذانا بنهايةالجدال.. سكت إبراهيم. وتوجهت الملائكة لقوملوطعليهالسلام.

سنورد قصة بناء بيت الله تعالى فيقصةإسماعيل عليهالسلام.
خياله
لوطعليه السلام
نبذة:
أرسله الله ليهدي قومهويدعوهم إلى عبادة الله، وكانوا قوما ظالمين يأتون الفواحش ويعتدون على الغرباءوكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فلما دعاهم لوط لترك المنكرات أرادوا أنيخرجوه هو وقومه فلم يؤمن به غير بعض من آل بيته، أما امرأته فلم تؤمن ولما يئس لوطدعا الله أن ينجيهم ويهلك المفسدين فجاءت له الملائكة وأخرجوا لوط ومن آمن بهوأهلكوا الآخرين بحجارة مسومة.
سيرته:
حال قوملوط:
دعى لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن كسبالسيئات والفواحش.واصطدمت دعوته بقلوب قاسية وأهواء مريضةورفض متكبر. وحكموا على لوط وأهله بالطرد من القرية. فقد كانالقوم الذين بعث إليهم لوط يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوايقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوافي سجل جرائمهمجريمةلم يسبقهم بها أحد من العالمين.كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء.
لقد اختلتالمقاييس عند قوم لوط.. فصارالرجال أهدافا مرغوبة بدلا من النساء، وصار النقاء والطهر جريمة تستوجب الطرد.. كانوا مرضى يرفضون الشفاء ويقاومونه.. ولقد كانت تصرفات قوم لوط تحزن قلب لوط.. كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم.. وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أوضيف لم ينقذه من أيديهم أحد.. وكانوا يقولون للوط: استضف أنت النساء ودع لناالرجال.. واستطارت شهرتهم الوبيلة، وجاهدهم لوط جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته،ومرت الأيام والشهور والسنوات، وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد.. لم يؤمن بهغير أهل بيته.. حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعا.كانتزوجته كافرة.
وزاد الأمر بأن قام الكفرة بالاستهزاء برسالةلوط عليه السلام، فكانوايقولون: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنكُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). فيئس لوطمنهم، ودعاالله أن ينصره ويهلك المفسدي
خياله
ذهاب الملائكة لقوملوط:
خرج الملائكة من عند إبراهيم قاصدين قرية لوط.. بلغوا أسوارسدوم.. وابنة لوط واقفة تملأ وعاءها من مياه النهر.. رفعت وجهها فشاهدتهم.. فسألها أحدالملائكة: يا جارية.. هل منمنزل؟
قالت [وهي تذكر قومها]: مكانكم لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم.. أسرعتنحو أبيهافأخبرته. فهرعلوطيجري نحوالغرباء.فلم يكد يراهم حتى (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) سألهم: منأين جاءوا؟ .. وما هي وجهتهم؟.. فصمتوا عن إجابته. وسألوه أن يضيفهم.. استحى منهموسار أمامهم قليلا ثم توقف والتفت إليهم يقول: لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهلهذا البلد.
قال كلمته ليصرفهم عن المبيت في القرية، غير أنهم غضوا النظر عنقوله ولم يعلقوا عليه، وعاد يسير معهم ويلوي عنق الحديث ويقسره قسرا ويمضي به إلىأهل القرية -حدثهم أنهم خبثاء.. أنهم يخزون ضيوفهم.. حدثهم أنهم يفسدون في الأرض. وكان الصراع يجري داخله محاولا التوفيق بين أمرين.. صرف ضيوفه عن المبيت في القرية دون إحراجهم، وبغير إخلال بكرم الضيافة.. عبثا حاولإفهامهم والتلميح لهم أن يستمروا في رحلتهم، دون نزول بهذه القرية.
سقط الليل على المدينة.. صحب لوط ضيوفه إلى بيته.. لم يرهم من أهلالمدينة أحد.. لم تكد زوجته تشهد الضيوف حتى تسللت خارجة بغير أن تشعره. أسرعت إلىقومها وأخبرتهم الخبر.. وانتشر الخبر مثلالنار في الهشيم. وجاءقوم لوط لهمسرعين.. تساءل لوط بينه وبين نفسه: من الذي أخبرهم؟..وقف القوم على باب البيت.. خرج إليهم لوط متعلقا بأملأخير، وبدأ بوعظهم:
(هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُلَكُمْ).. قاللهم: أمامكم النساء -زوجاتكم-هن أطهر.. فهنيلبين الفطرة السوية.. كما أن الخالق -جلّ في علاه- قد هيّئهنلهذا الأمر.
(فَاتَّقُواْ اللّهَ).. يلمس نفوسهممن جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.. اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمعويرى.. ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه.
(وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي).. هيمحاولة يائسة لِلَمْس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.
(أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ).. أليس فيكم رجل عاقل؟.. إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون.
إلا أن كلمات لوط عليه السلاملم تلمسالفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق.. ظلتالفورة الشاذة على اندفاعها.
أحسلوط بضعفهوهو غريب بين القوم.. نازحإليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه.. دخل لوط غاضبا وأغلقباب بيته.. كان الغرباء الذين استضافهم يجلسون هادئين صامتين.. فدهشلوط من هدوئهم.. وازدادت ضربات القوم على الباب.. وصرخ لوطفي لحظة يأس خانق: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍشَدِيدٍ) تمنى أن تكون له قوة تصدهم عن ضيفه.. وتمنى لو كان له ركن شديد يحتمي فيه ويأوي إليه.. غاب عن لوط في شدته وكربته أنهيأوي إلى ركن شديد.. ركن الله الذي لا يتخلى عن أنبيائه وأوليائه.. قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ هذه الآية: "رحمة الله على لوط.. كان يأوي إلى ركن شديد".
هلاك قوملوط:
عندما بلغ الضيق ذروته.. وقال النبي كلمته.. تحرك ضيوفه ونهضوافجأة.. أفهموه أنه يأوي إلى ركن شديد.. فقالوا لهلا تجزعيا لوط ولا تخف.. نحن ملائكة.. ولن يصل إليك هؤلاء القوم.. ثمنهض جبريل، عليه السلام، وأشار بيده إشارة سريعة، ففقد القومأبصارهم.
التفتت الملائكة إلى لوط وأصدروا إليه أمرهم أن يصحب أهله أثناءالليل ويخرج.. سيسمعون أصواتا مروعة تزلزل الجبال.. لا يلتفت منهم أحد.. كي لايصيبه ما يصيب القوم.. أي عذاب هذا؟.. هو عذاب من نوع غريب، يكفي لوقوعه بالمرءمجرد النظر إليه.. أفهموه أن امرأته كانت من الغابرين.. امرأته كافرة مثلهم وستلتفتخلفها فيصيبها ما أصابهم.
سأل لوط الملائكة: أينزل الله العذاب بهم الآن.. أنبئوه أن موعدهممع العذاب هو الصبح.. (أَلَيْسَ الصُّبْحُبِقَرِيبٍ)؟
خرج لوط مع بناته وزوجته.. ساروا في الليل وغذوا السير.. واقتربالصبح.. كان لوط قد ابتعد مع أهله.. ثم جاء أمر الله تعالى.. قال العلماء: اقتلع جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه مدنهم السبع من قرارهاالبعيد.. رفعها جميعا إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباحكلابهم، قلب المدن السبع وهوى بها في الأرض.. أثناء السقوط كانت السماء تمطرهمبحجارة من الجحيم.. حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرةعليهم.. استمر الجحيم يمطرهم.. وانتهى قوم لوط تماما.. لم يعد هناك أحد.. نكستالمدن على رؤوسها، وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء من الأرض.. هلك قوم لوط ومحيتمدنهم.
كان لوط يسمع أصوات مروعة.. وكان يحاذر أن يلتفت خلفه.. نظرتزوجته نحو مصدر الصوت فانتهت.. تهرأ جسدها وتفتت مثل عمود ساقط من الملح.
قال العلماء: إن مكان المدن السبع.. بحيرة غريبة.. ماؤها أجاج.. وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر الملحة.. وفي هذه البحيرة صخور معدنيةذائبة.. توحي بأن هذه الحجارة التي ضرب بها قوم لوط كانت شهبا مشعلة. يقال إنالبحيرة الحالية التي نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين.. هي مدن قوم لوطالسابقة.
انطوت صفحة قوم لوط.. انمحت مدنهم وأسمائهم من الأرض.. سقطوا منذاكرة الحياة والأحياء.. وطويت صفحة من صفحات الفساد.. وتوجهلوطإلى إبراهيم.. زار إبراهيم وقص عليه نبأ قومه.. وأدهشه أن إبراهيم كانيعلم.. ومضى لوط في دعوته إلى الله.. مثلما مضى الحليم الأواه المنيب إبراهيم فيدعوته إلى الله.. مضى الاثنان ينشران الإسلام في الأرض
خياله
إسماعيلعليه السلام
نبذة:
هو ابن إبراهيم البكر وولدالسيدة هاجر، سار إبراهيم بهاجر - بأمر من الله - حتى وضعها وابنها في موضع مكةوتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هناوهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء أمر اللهلسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيميبني حتى أتما البناء ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنهيذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله منالصابرين" ففداه الله بذبح عظيم، كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل وكانصبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة وكان صادق الوعد، وكان يأمرأهله بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته.

سيرته:
الاختبار الأول:
ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاث مشاهد من حياة إسماعيل عليهالسلام. كل مشهد عبارة عن محنة واختبار لكل منإبراهيموإسماعيل عليهما السلام. أول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالىلإبراهيمبترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا ماء فيه ولاطعام. فما كان منإبراهيمعليه السلام إلا الاستجابةلهذا الأمر الرباني. وهذا بخلاف ما ورد في الإسرائيليات من أنإبراهيمحمل ابنه وزوجته لوادي مكة لأن سارة -زوجةإبراهيمالأولى- اضطرته لذلك من شدة غيرتها من هاجر. فالمتأمل لسيرةإبراهيمعليه السلام، سيجد أنه لم يكنليتلقّى أوامره من أحد غير الله.
أنزل زوجته وابنه وتركهما هناك،ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهماوسار.
أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: ياإبراهيمأين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيهشيء؟
لم يرد عليها سيدنا إبراهيم وظل يسير.. عادت تقول له ما قالته وهوصامت.. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه.. أدركت أن الله أمره بذلك فسألته: هلالله أمرك بهذا؟
فقالإبراهيمعليه السلام: نعم.
قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذيأمرك بهذا.
وسارإبراهيمحتى إذا أخفاه جبل عنهماوقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله:
رَّبَّنَا إِنِّيأَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِرَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِيإِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37) (إبراهيم)
لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانتهناك حكمة عليا في أمر الله سبحانهلإبراهيم، فقد كانإسماعيل -الطفل الذي تُرِكَ مع أمه في هذا المكان- ووالده من سيكونان المسؤولانبناء الكعبة فيما بعد.. وكانت حكمة الله تقضي أن يسكن أحد في هذا الوادي، لميتدإليه العمران.
بعد أن تركإبراهيمزوجته وابنهالرضيع في الصحراء بأيام نفد الماء وانتهى الطعام، وجف لبن الأم.. وأحست هاجروإسماعيل بالعطش.
بدأ إسماعيل يبكي من العطش.. فتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا".. فصعدت إليه وراحت تبحث به عن بئرأو إنسان أو قافلة.. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلىالوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"،فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكيوقد اشتد عطشه.. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود - ولهذايذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهمالعظيم إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث.. وجلست بجوارابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.
وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمهالأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.. وفار الماء من البئر.. أنقذت حياتاالطفل والأم.. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله.. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياةتدب في المنطقة.. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.
وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة.. وجذب الماء الذي انفجر منبئر زمزم عديدا من الناس.. وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان.
كانت هذه هي المحنة الاولى.. أما المحنة الثانية فهي الذبح
خياله
الاختبار الثاني:

كبر إسماعيل.. وتعلق به قلبإبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالىإبراهيمبلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد رأىإبراهيمعليه السلامفي المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيميعملأن رؤيا الأنبياء وحي.

انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحنأمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن علىكبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرىفي المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.

أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفسإبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكنإبراهيملم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليسإبراهيممن يسأل ربه عن أوامره.

فكرإبراهيمفي ولده.. ماذا يقول عنهإذا أرقده على الأرض ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهونعليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِيالْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى). انظر إلى تلطفه فيإبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظرإبراهيملأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءاللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثلللأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاءاللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربمااستعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسهفي حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفسإبراهيمبعداستسلام ابنه الصابر.

ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه فيالأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمرالله مطاع. (فَلَمَّاأَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّاأَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.

عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى اللهإبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيلبذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظاتعيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليهإبراهيموإسماعيل.

خبر زوجة إسماعيل:

عاش إسماعيل في شبه الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش.. روضالخيل واستأنسها واستخدمها، وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها. استقرتبها بعض القوافل.. وسكنتها القبائل.. وكبر إسماعيل وتزوج، وزارهإبراهيمفلم يجده في بيته ووجد امرأته.. سألها عن عيشهموحالهم، فشكت إليه من الضيق والشدة.

قال لهاإبراهيم: إذا جاء زوجك مريهأن يغير عتبة بابه.. فلما جاء إسماعيل، ووصفت له زوجته الرجل.. قال: هذا أبي وهويأمرني بفراقك.. الحقي بأهلك.

وتزوج إسماعيل امرأة ثانية.. زارها إبراهيم، يسألها عن حالها،فحدثته أنهم في نعمة وخير.. وطاب صدرإبراهيمبهذهالزوجة لابنه.

الاختبارالثالث:

وها نحن الآن أمام الاختبارالثالث.. اختبار لا يمس إبراهيم وإسماعيل فقط. بل يمس ملايين البشر من بعدهم إلىيوم القيامة.. إنها مهمة أوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين.. مهمة بناء بيتالله تعالى في الأرض.

كبر إسماعيل.. وبلغ أشده.. وجاءهإبراهيموقال له: يا إسماعيل.. إن الله أمرني بأمر. قالإسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربك.. قالإبراهيم: وتعينني؟قال: وأعينك. فقالإبراهيم: فإن الله أمرني أن ابني هنابيتا. أشار بيده لصحن منخفض هناك.

صدر الأمر ببناء بيت الله الحرام.. هو أول بيت وضع للناس فيالأرض.. وهو أول بيت عبد فيه الإنسان ربه.. ولما كانآدمهوأول إنسان هبط إلى الأرض.. فإليه يرجع فضل بنائه أول مرة.. قال العلماء: إنآدمبناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكة حول عرش اللهتعالى.

بنىآدمخيمة يعبد فيها الله.. شيء طبيعيأن يبنيآدم -بوصفه نبيا- بيتا لعبادة ربه.. وحفت الرحمةبهذا المكان.. ثم ماتآدمومرت القرون، وطال عليه العهدفضاع أثر البيت وخفي مكانه.. وها هو ذاإبراهيميتلقىالأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم القيامة إن شاءالله. وبدأ بناء الكعبة..

هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها يعاد في كلمرة.. فهي باقية منذ عهدإبراهيمإلى اليوم.. وحين بعثرسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوةإبراهيم.. وجدالرسولالكعبةحيث بنيت آخر مرة، وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفرهإبراهيم.
خياله
نفهم من هذا إنإبراهيم وإسماعيل بذلافيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال.. ولقد صرحالرسولبأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساسإبراهيم، لولا قرب عهد القوم بالجاهلية، وخشيته أن يفتنالناس هدمها وبناؤها من جديد.. بناؤها بحيث تصل إلى قواعدإبراهيم وإسماعيل.

أي جهد شاق بذله النبيان الكريمان وحدهما؟ كان عليهما حفر الأساسلعمق غائر في الأرض، وكان عليهما قطع الحجارة من الجبال البعيدة والقريبة، ونقلهابعد ذلك، وتسويتها، وبناؤها وتعليتها.. وكان الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال،ولكنهما بنياها معا.

لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبة، كما نجهل الوقتالذي استغرقه بناء سفينةنوح، المهم أن سفينةنوحوالكعبة كانتا معا ملاذا للناس ومثوبة وأمنا.. والكعبة هيسفينةنوحالثابتة على الأرض أبدا.. وهي تنتظر الراغبين فيالنجاة من هول الطوفان دائما.
لم يحدثنا الله عن زمن بناء الكعبة.. حدثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرد نفسية من كان يبنيها.. ودعائه وهو يبنيها:

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَمِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُالْعَلِيمُ(127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَوَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْعَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاًمِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَوَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ(129) (البقرة)

إن أعظم مسلمين على وجه الأرض يومها يدعوان الله أن يتقبل عملهما،وأن يجعلهما مسلمين له.. يعرفان أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن. وتبلغالرحمة بهما أن يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه.. يريدان أنيزيد عدد العابدين الموجودين والطائفين والركع السجود. إن دعوة إبراهيم وإسماعيلتكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.. إنه يبني لله بيته، ومع هذا يشغله أمر العقيدة.. ذلك إيحاء بأن البيت رمز العقيدة. ثم يدعوان الله أن يريهم أسلوب العبادة الذييرضاه، وأن يتوب عليهم فهو التواب الرحيم. بعدها يتجاوز اهتمامها هذا الزمن الذييعيشان فيه.. يجاوزانه ويدعوان الله أن يبث رسولا لهؤلاء البشر. وتحققت هذه الدعوةالأخيرة.. حين بعثمحمد بن عبد الله، صلى الله عليهوسلم.. تحققت بعد أزمنة وأزمنة.

انتهى بناء البيت، وأرادإبراهيمحجرامميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة.. أمرإبراهيمإسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارةالكعبة.

سار إسماعيل ملبيا أمر والده.. حين عاد، كانإبراهيمقد وضع الحجر الأسود في مكانه.. فسأله إسماعيل: منالذي أحضره إليك يا أبت؟ فأجابإبراهيم: أحضره جبريلعليه السلام.

انتهى بناء الكعبة.. وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها.. ووقفإبراهيميدعو ربه نفس دعائه من قبل.. أن يجعلأَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِيإلى المكان.. انظر إلىالتعبير.. إن الهوى يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء.. وقمة ذلك هوى الكعبة. من هذهالدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين، رغبة في زيارة البيت الحرام.

وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده.. يحس أنه يزدادعطشا كلما ازداد ريا منه، ويعمق حنينه إليه كلما بعد منه، وتجيء أوقات الحج في كلعام.. فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب نزوعا إلى رؤية البيت، وعطشا إلى بئرزمزم.

قال تعالى حين جادل المجادلون فيإبراهيموإسماعيل.

مَا كَانَإِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًاوَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(67) (آل عمران)

عليه الصلاة والسلام.. استجاب الله دعاءه.. وكانإبراهيمأول من سمانا المسلمين
خياله
إسحاق عليه السلام

نبذة:

هو ولد سيدنا إبراهيم منزوجته سارة، وقد كانت البشارة بمولده من الملائكة لإبراهيم وسارة لما مروا بهممجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط ليدمروها عليهم لكفرهم وفجورهم، ذكره الله فيالقرآن بأنه "غلام عليم" جعله الله نبيا يهدي الناس إلى فعل الخيرات، جاء من نسلهسيدنا يعقوب.

سيرته:

لا يذكر القرآن الكريم غيرومضات سريعة عن قصة إسحاق.. كان ميلاده حدثا خارقا، بشرت به الملائكة، وورد فيالبشرى اسم ابنهيعقوب.. وقد جاء ميلاده بعد سنوات منولادة أخيهإسماعيل.. ولقد قر قلب سارة بمولد إسحق ومولدابنه يعقوب، عليهما الصلاة والسلام.. غير أننا لا نعرف كيف كانت حياة إسحق، ولانعرف بماذا أجابه قومه.. كل ما نعرفه أن الله أثنى عليه كنبي منالصالحين.
خياله
يعقوب عليه السلام
نبذة:
ابن إسحاق يقال له "إسرائيل" وتعني عبد الله، كان نبيا لقومه، وكان تقيا وبشرت به الملائكة جدهإبراهيم وزوجته سارة عليهما السلام وهو والد يوسف.
سيرته:
هو يعقوب بنإسحاق بنإبراهيم.. اسمه إسرائيل.. كان نبيا إلى قومه.. ذكر اللهتعالى ثلاث أجزاء من قصته.. بشارة ميلاده.. وقد بشر الملائكة به إبراهيم جده.. وسارة جدته.. أيضا ذكر الله تعالى وصيته عند وفاته.. وسيذكره الله فيما بعد -بغيرإشارة لاسمه- في قصةيوسف.
نعرف مقدار تقواه من هذه الإشارة السريعة إلى وفاته.. نعلم أن الموت كارثة تدهم الإنسان، فلا يذكر غير همه ومصيبته.. غير أن يعقوب لا ينسى وهو يموت أن يدعو إلى ربه.. قال تعالى في سورة (البقرة):
أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءإِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِيقَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَوَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(133) (البقرة)
إن هذا المشهد بين يعقوب وبنيه في ساعة الموت ولحظات الاحتضار،مشهد عظيم الدلالة.. نحن أمام ميت يحتضر.. ما القضية التي تشغل باله في ساعةالاحتضار..؟ ما الأفكار التي تعبر ذهنه الذي يتهيأ للانزلاق مع سكرات الموت..؟ ماالأمر الخطير الذي يريد أن يطمئن عليه قبل موته..؟ ما التركة التي يريد أن يخلفهالأبنائه وأحفاده..؟ ما الشيء الذي يريد أن يطمئن -قبل موته- على سلامة وصولهللناس.. كل الناس..؟
ستجد الجواب عن هذه الأسئلة كلها في سؤاله (مَا تَعْبُدُونَ مِنبَعْدِي). هذا ما يشغله ويؤرقه ويحرص عليه في سكرات الموت.. قضية الإيمانبالله. هي القضية الأولى والوحيدة، وهي الميراث الحقيقي الذي لا ينخره السوس ولايفسده.. وهي الذخر والملاذ.
قال أبناء إسرائيل: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاقإلها واحدا، ونحن له مسلمون.. والنص قاطع في أنهم بعثوا على الإسلام.. إن خرجواعنه، خرجوا من رحمة الله.. وإن ظلوا فيه، أدركتهم الرحمة.
مات يعقوب وهو يسأل أبناءه عن الإسلام، ويطمئن على عقيدتهم.. وقبلموته، ابتليبلاءشديدا في ابنهيوسف.
سترد معنا مشاهد من قصة يعقوب عليه السلام عند ذكرنا لقصة ابنهالنبي الكريميوسف عليه السلام.
خياله
يوسف عليه السلام
نبذة:
ولد سيدنا يوسف وكان له 11أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين،فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوتهفاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدوفأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذتتراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ،واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شملهمع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.
سيرته:
قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليه السلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولهااختلاف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء،فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة. قالتعالى في سورة (يوسف):
نَحْنُنَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَوَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) (يوسف)
واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد منبين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.. وقيل لأن يوسف تجاوز عنإخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفةوالغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكرالتوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.
ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذهالقصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها،ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (وَاللّهُغَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يوسفبشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.
لنمضي الآن بقصة يوسف -عليهالسلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.
المشهد الأول من فصلطفولهيوسف:
ذهب يوسف الصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيارآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له.استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته.فلقدأدركيعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراءهذه الرؤية شأنا عظيما لهذا الغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أنيستشعورا ما وراءها لأخيهم الصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانيةأنجبت له يوسف وشقيقه- فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد،فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يوسف لتحذير أبيه.. لم يحدثأخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونه إلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئنإليهم ويحكي لهم دخائله الخاصة وأحلامه.
خياله
المشهدالثاني:

اجتمع أخوة يوسف يتحدثون فيأمره.(إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُأَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍمُّبِينٍ) أي نحن مجموعة قوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذينالصبيين على مجموعة من الرجال النافعين! فاقترح أحدهم حلاللموضوع: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِاطْرَحُوهُ أَرْضًا). إنهالحقد وتدخل الشيطانالذيضخم حب أبيهم ليوسف وإيثاره عليهم حتى جعلهيوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه فيأرض بعيدة نائية مرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله.ولماذا هذا كله؟! حتى لا يراه أبوه فينساه فيوجه حبه كله لهم. ومن ثميتوبون عن جريمتهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).

قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله فيأعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟إن كنتم تريدون الخلاصمنه، فلنلقه فيبئر تمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا.. سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحقق غرضنا من إبعاده.

انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذا أنالأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمتبعد.

المشهد الثالث:

توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم.دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومة وعتاب خفي، وإثارةللمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ..؟أيمكن أن يكون يوسف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبهوننصح له ونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟

وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقهوخوفه عليه من الذئاب:قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُالذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ.

ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة منالرجال.. فهل نغفل عنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لنيأكله الذئب ولا داعي للخوف عليه.

وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضيمشيئته!

المشهد الرابع:

خرج الأخوة ومعهم يوسف، وأخذوهللصحراء.اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموا بإلقائه فيالبئر.. وأوحى الله إلى يوسف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهم هذاوينبئهم بما فعلوه.

المشهد الخامس:

عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوا لأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يوسف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة،فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحابيوسف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلا على التسرع، وقدكانأبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباحليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منهأمس! وبمثل هذاالتسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقواقميص يوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليلقوي على كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَاوَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق،لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.

أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة،أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع،فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبرمتحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيلوأكاذيب:قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْأَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَاتَصِفُونَ

المشهدالأخير من الفصل الأول من حياة سيدنا يوسف عليه السلام:

أثناء وجود يوسف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلىمصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء..وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلىالدلوفيه.. تعلق يوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلامامتعلقا بالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدالمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.

فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته،وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكديصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجلتبدو عليه الأهمية.

انتهت المحنة الأولى في حياة هذاالنبي الكريم، لبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني من حياته.

ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِوَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم منأبيه، التقط من البئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكالهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غيرأن الحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.

ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أول سلم يصعده يوسففي طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعدالله، وقد وعد الله يوسف بالنبوة.



اسم العضو:
سؤال عشوائي يجب الاجابة عليه

الرسالة:


رابط دائم

مواضيع مشابهة:
كلمات اغنية احلوت الدنيا كريم محسن 2012
كلمات اغنية مصر الدنيا وأم الدنيا ,ماجد المهندس بسبب احداث 25 يناير
أحسن وأفضل مواقع مشاركة ارباح أدسنس للمحتوى الأجنبي

Powered by vBulletin Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة © fmisr.com منتديات نجوم مصرية