أجاد الصهاينة لعبة تحويل الضحية إلى مجرم، وتحويل المجرم إلى ضحية.. واستخدموا الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة بحرفية عالية لترويج أكاذيبهم وتحويلها إلى حقائق، ومع ظهور الإنترنت وجدت إسرائيل فرصة أكبر لتوجيه الرأى العام العالمى وصياغته بما يتلاءم مع أهدافها..
وهذا ما اعترفت به الخارجية الإسرائيلية فى بيان منشور على موقعها ذكرت فيه أن مكتب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزارة الخارجية ومنظمات يهودية ومسيحية غير ربحية تقوم الآن باستخدام القوة الكاملة للإنترنت والشبكات الاجتماعية مثل الـ«فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«ماى سبيس» و«المدونات»، للوصول إلى قادة العالم والدبلوماسيين والصحفيين والرأى العام العالمى، فأنشأت جيشاً من المتخصصين على الإنترنت ممن يتقن لغة ثانية للدفاع عن إسرائيل وسياساتها.
ويعد موقع «يوتيوب» أهم تلك الوسائل التى فرضت إسرائيل نفسها فيه منذ انطلاقه، وبالأرقام عند البحث عن كلمة إسرائيل باللغة الإنجليزية سيتم العثور على ما يقرب من ٦٥٠ ألف فيديو مقابل ١٦٠ ألف فيديو عند البحث عن كلمة «فلسطين»..
أى أن إسرائيل أكثر نشاطاً بـ٥ أضعاف التواجد الفلسطينى على الموقع، ورغم التنوع فى الجهات التى تتبنى تلك الدعاية بين جهات رسمية وغير رسمية فإنها جميعاً مجندة لتنفذ سياسات الدولة الإعلامية خصوصاً الموجهة إلى الخارج والتى تكون فى الغالب باللغة الإنجليزية.
أحدث الفيديوهات التى انتشرت على الموقع منذ أيام بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ٦٢ لقيام دولة إسرائيل كان بعنوان «حكاية ٤٠٠٠ سنة فى ٤ دقائق» وهو عبارة عن فيلم «كرتونى» قصير يروى «أن أحفاد سيدنا إبراهيم، عليه السلام، من اليهود هم أول من سكنوا أرض فلسطين وزعم أنهم هاجروا إلى مصر بسبب الصراعات وتم أسرهم للعمل فى السخرة لبناء الأهرامات وبعدها توالت الحضارات وانتشروا فى العالم وسط اضطهاد عالمى ختمه هتلر بمذبحة الهولوكوست، مما جعلهم يفكرون فى العودة إلى أرض الميعاد، ولكنهم وجدوا العرب احتلوا الأرض مما جعلهم يدخلون فى مواجهة عسكرية معهم بهدف الدفاع عن أرضهم التى تمتد من نهر النيل حتى الفرات».
واستهدف الفيلم جمهور الغرب الذين شاهدوه أكثر من ٢٠ ألف مرة خلال أيام، وباءت محاولات العثور على أفلام باللغة الإنجليزية ترد تلك المزاعم بالفشل، مما يسهل وقوع المجتمعات الغربية خاصة الأجيال الجديدة فى فخ تصديق تلك المزاعم، ويعزز ذلك اعتماد الغرب بشكل أساسى على الإنترنت فى البحث عن المعلومة.
من جانبه، أنشأ «الجيش الإسرائيلى» على الموقع قناة باسم «IDF Spokes person’s Unit» مخصصة لعرض تقارير عن الجيش والعمليات العسكرية التى يقوم بها، وحصلت القناة على إجمالى مشاهدات اقترب من ١٠ ملايين مشاهدة، ولم يكن هدف تلك القناة الغرب فقط بل العرب أيضاً إذ قامت بنشر مجموعة فيديوهات عربية، ومنها فيلم بعنوان «تنتهك حماس الإسلام والقرآن الكريم.. Hamas Profanes Islam ويزعم فيه الضابط الإسرائيلى «أفيخى أدرعى» أن «حماس» لا تحترم أى حدود فى حربها ضد المدنيين الإسرائيليين وتستغل المساجد واسم اللّه لأغراض كريهة، وأضاف: كل ما يجرى فى قطاع غزة الآن، نتيجة الأعمال الإرهابية التى تقوم بها «حماس» ضد المصالح الفلسطينية والإسرائيلية المشتركة. وحقق هذا الفيلم حوالى ١٠٠ ألف مشاهدة.
كما بث مركز الإعلام الرسمى الإسرائيلى شريط فيديو يحرض على الرئيس الفلسطينى ويتهمه باتباع أسلوب العنف وإطلاق أسماء «إرهابيين»، كما تدعى إسرائيل، على شوارع فى الأراضى الفلسطينية لتحويلهم إلى أبطال، كما يحتوى الفيلم على مقاطع التقطت خلال تنفيذ عمليات استشهادية فى إسرائيل، وكيف تحول منفذو العمليات أو المخططون لها إلى أبطال فى نظر السلطة ورئيسها.
ويعد موقع «فيس بوك» أعتى أسلحة إسرائيل على الإنترنت لما يتميز به من حالة تفاعلية شديدة مع الشباب بعد أن تجاوز أعضاؤه ٤٠٠ مليون شخص حول العالم، فحولت إسرائيل الموقع إلى منتدى دائم به عشرات «الجروبات» و«الصفحات» لتكون بمثابة مركز إعلامى لتزويد الصحفيين بالتقارير والأخبار والصور ذات العلاقة بإسرائيل والأحداث مجاناً بمن فيهم العرب.
وحرفت لدرجة وصف الجندى الإسرائيلى المسكين الذى يتلقى الحجارة والقنابل الحارقة وهو ساكن إلا من بعض الطلقات المطاطية فى الهواء كما ورد بأحد الجروبات تحت عنوان «Israel National News» والذى يعد بمثابة منتدى للصحفيين والباحثين عن أخبار وتقارير عن إسرائيل.
وهناك جروب آخر به أكثر من ٢٣ ألف عضو تحت اسم JIDF اختصاراً لـ«The Jewish Internet Defense Force» أو «قوات الدفاع اليهودية على الإنترنت» وتعرف الحركة نفسها بأنها مسؤولة عن محاربة الإرهاب الإسلامى والذين يعادون السامية، والتطرف من خلال حملاتهم على الإنترنت.
فى قراءة للأفلام – التى لم يتثن عرضها جميعاً – والتصريحات الرسمية وغير الرسمية على المواقع الاجتماعية وعلى رأسها «فيس بوك»، اتسمت الدعاية الإسرائيلية بالحرفية فى صناعة التضليل الإعلامى، إذ حرصت على تنوع الأساليب وتباين الصيغ واختلاف القوالب حتى تقنع حتى المتردد.
الناطق الرسمى للجيش الإسرائيلى فى معظم الأفلام عادة ما يكون شاباً صغيراً أو فتاة جذابة لإعطاء انطباع إنسانى جيد أمام الغير، مع استخدام أسلوب التكرار والتلميع من خلال الإبهار بالشعارات و والموسيقى والجرافيك لخلق صورة الدولة المسالمة التى تتعرض للتهديد المستمر من الدول المحيطة ذات الطبيعة العدائية، وترسيخ وصف الشخصية الإسرائيلية بأنها «ذكية، فعالة، منتجة» مقابل شخصيات عربية «بربرية، متخلفة، عدوانية».
كما اهتمت إسرائيل بتوظيف المصطلحات لخدمة توجهاتها الإعلامية، على سبيل المثال استخدام مصطلح «الفلسطينيون» مع إنكار صفة الشعب نهائياً، واستخدام تعبير «جيش الدفاع الإسرائيلى»، ووصف الضفة الغربية وغزة بمنطقة الحكم الذاتى بدلا من «الدولة الفلسطينية»، ودائما تكون عاصمتها القدس، كما اعتادت إطلاق مصطلح المخربين أو الإرهابيين على حركات المقاومة.
إسرائيل بعد ٦٢ عاماً من إعلان الدولة.. تنتبه جيدا أننا فى عصر الحضارة الرقمية، تمثل فيه شبكة الإنترنت مؤرخ العصر الحديث، وسط إهمال تعانيه «القضية الفلسطينية» على الإنترنت خاصة باللغة الإنجليزية، مما يستدعى وقفة قبل أن تتحول تلك المزاعم إلى حقائق لدى الأجيال الجديدة والرأى العام العالمى يستحيل حينها كشف حقائقها.