أيها الكرام والكريمات
السلام عليكم ورحمةالله وبركاته،،،
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين وبعد،،،
في هذا الموضوع الشيق أحببت أن أوضح بعض الأمور بفضل الله تعالى وتوفيقه وهو من باب النصيحةوالتذكرةالطيبة لجميع اخواني وأخواتي في الله وكذلك تنبيها للغافل وتذكيرا للعاقل وتعليما للجاهل وبيانا للحق بحول الله تعالى وقوته خالصا لوجهه الكريم وطمعا في ثوابه ومرضاته ..
أقول مستعينا بالله الحي القيوم بأن النبوة ليست مكتسبة ولا تأتي بالوراثة بل هي بالاصطفاء من رب العالمين أي أن الله سبحانه وتعالى يصطفي ويجتبي ويختار من خلقه من يشاء وكيف يشاء صفوةعباده لحمل الرسالة وتبليغها للناس وهذا خاص بالرسول أما إذا لم يكلف بالتبليغ فهذا هو النبي. ومن هنا كل رسول نبي وليس كل نبي رسول'وأيضا نجد أن النبوة تختلف عن الملك والسلطان في أمور كثيرة منها أن النبوة لا تعطى للكافر وخاصة بالرجال دون النساء وغير ذلك .
أحببت بهذه المقدمة الطيبة لكي نصل سويا إلى مقصودنا وهي الولي والولاية"بفتح الواو" لإلقاء الضوء والتعرف على صفات أولياء الرحمن وأحوالهم لعل الله يجعلني ويجعلكم منهم فهو الوحيد القادر على ذلك بفضله وكرمه ورحمته ومنته.
أيها الكرام لنعلم جميعا أن الولاية بعد توفيق الله تعالى لا تأتي بالوراثة بل بالاكتساب أي أنها مكتسبة!!!.
أجمل أن نفسر القرآن بالقرآن وأن نوضح القرآن بالقرآن وأن نفهم القرآن من خلال السنة المطهرة.
ما أعظم التمسك بالكتاب والسنة إنهما طريق الحق والهدايةوالنجاة والسعادة الحقيقيةفي الدارين.
تشعبت وتنوعت تعريفات الولي والولاية"بفتح الواو"عند الكثير من الناس ونتح عندهم بعض الأمور الخاطئة أو التجاوزات إما عن علم أو عن جهل أو عن خطإ.
فنقول وبالله التوفيق دعونا نقرأ قول الله عزوجل ثم من خلاله ننطلق .
يقول تعالى في سورة يونس:"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم"..
أيها الكرام لنتدبر هذه الآيات الكريمة بكل دقة وانتباه ونتعرف على أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون!!
إنهم الذين آمنوا وكانوا يتقون!!.
إذن هناك إيمان وتقوى أليس كذلك ياكرام؟!إذن كيف أصبحوا من أولياء الله ؟! وكيف نالوا هذه الصفات الجميلة والبشائر الجليلة من رب العالمين؟ نعم لقد نالوها بعد توفيق الله تعالى لهم ورحمته بالإيمان الصادق والتقوى الصادقة وإخلاصهم في ذلك لله وحده مقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي بين لهم الإيمان والتقوى والإخلاص وكيف يعبدون الله ؟!. بأوامر واضحة وطرق معلومة بالعلم وليس بالجهل. فليس من المعقول أن يكون الجاهل بأمور الدين من إيمان وعقيدة وعبادةمن أولياء الله..
أيها الكرام ليست الولاية بالوراثة ولا بالتمني ولا بالجهل إنما هي بالعلم والإيمان والتقوى والعمل الجاد والإخلاص في أعمال العبادة الظاهرةوالباطنة والقيام بها والصبر عليها ومجاهدة النفس في دفع الشبهات والشهوات واجتناب المحرمات وأداء الفرائض والواجبات والاكثار من نوافل العبادات ..
ونعود لأبرز صفات أولياء الرحمن وهي الإيمان والتقوى..
ففي حديث جبريل عليه السلام المشهور والمعلوم لدى الجميع أن الايمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.فهذه الستة أركان الإيمان وأسس العقيدة الإسلامية.
والإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعةوينقص بالمعصية..
حيث تؤمن بالله إيمانا قاطعا لا شك فيه بوجود الله عزوجل وبربوبيته وألوهيته وبأسمائه وصفاته وأنه رب واحد لاشريك له وأنه إله واحد لاشريك له وهو المعبود وحده وأنه سبحانه وتعالى:" ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير"الشورى.
وأن الأمور كلها بيده ..
وكذلك الإيمان بالملائكة بوجودهم وصفاتهم وأنهم عباد لله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
والإيمان بالكتب التي أنزلها الله على رسله منها القزآن والتوراة والانجيل والزبور وجميع الكتب التي لم نعلم اسمها .
والإيمان بالرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام الذين ورد ذكرهم في القرآن بالاسم والذين لم ترد اسمائهم في القرآن.
ثم إيمان باليوم الآخر يوم القيامةولا يوم بعده وهو يوم البعث والحساب والجزاء فإما الجنة وإما النار والعياذ بالله..
ويدخل في الإيمان باليوم الآخر القبر وفتنته وعذابه ونعيمه ..
وأخيرا الإيمان بالقدر خيره وشره وهو أن الله عزوجل قدر كل شيئ وكتبه في اللوح المحفوظ كما ثبت في الكتاب والسنة.وكل شيئ بتقدير رب العالمين وتحت مشيئةالله تعالى.وأ ن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك..وعدم السخط أو الجزع بل الرضى التام بما قدره الله عزوجل . وعلى المؤمن أن يأخذ بالأسباب الشرعية التي أباحها الشارع سواء كانت دنيوية أو أخروية وأن يفوض أمره كله لله..
هذا جزء يسير كتبناه في الإيمان وأركانه. وتأتي السنة المطهرةلتشرح وتوضح ذلك في أحاديث صحيحة وثابتة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام .
يقول صلى الله عليه وسلم:"الإيمان بضع بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبةمن الإيمان"متفق عليه.
إذن أيها الكرام لكي نصبح من أولياء الله علينا الاتيان بهذه الشعب كاملة والعمل بها واعتقادها الجازم وفهم وتدبر ما ترمي إليه. وليس مجردة وكلمات تقال باللسان . فبين صلى الله عليه وسلم أفضلها وهي قول"لا إله إلا الله" وأن تكون خالصةنابعة من القلب وثابتةثبوت الجبال في القول والاعتقادوالعمل. وأنه لا معبود بحق الا الله فمن هنا علمنا أنه لا إله إلا الله إذن كيف نعبده ؟ إذن لا بد من مبلغ ورسول يوضح لنا كيف نعبد الله؟ إنه رسول رب العالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال:"الإحسان أن تعبدالله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك".إذن هناك عبادة يجب أن نعلمها ونتعلمها ونأخذها من منبعها الصافي من السنة المطهرةوهي كل مايحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرةوالباطنة.إذن لا بد أن تكون هذه العبادة عن علم وليس عن رأي أو هوى وغير ذلك.. وأعظم هذه العبادات أركان الإسلام الخمسةوهي شهادةأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاةوصوم رمضان وحج بيت الله الحرام. وهذه الأركان الخمسةهي أساس الدين الحنيف.فمن عمل بهذه الأركان وقام بحقوقها وواجباتها وشروطها وأداها حق الأداء كاملةغيرمنقوصةكما أرادها الشارع فهو من المؤمنين. فمن هنا يتفاضل المؤمنين في هذه الأركان وفي أركان الإيمان.
فالذي يحافظ على أداء حقوق الله في أوقاتها ويجتهدفيها أفضل ممن يؤخرها أو يضيع شيئا منها وهذا معلوم للجميع. إذن كلما زادت العبادةبالطاعات وتنوعت زاد الإيمان وكلما نقصت الطاعات نقص الإيمان.
أيها الكرام والكريمات بعد القيام بالطاعات على أكمل وجه وهو امتثال الأوامر إذن هناك ابتعاد واجتناب عن نواهي.أليس كذلك ؟ ونعود للآيات الكريمةالتي كانت منطلق حديثنا ومقصود موضوعنا:"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون،الذين آمنوا وكانوا يتقون،لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك الفوز العظيم"يونس.
إذن هناك إيمان وتقوى!
وقد تحدثنا عن الإيمان وأركانه. وهناك تقوى !! إذن هناك أشياء وأمور يجب علينا أن نبتعد عنها ونتجنبها وبمعنى أدق يجب علينا أن نتقيها أي نجعل بيننا وبين عذاب الله وسخط الله وما نهى عنه الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وقاية أي اجتناب النواهي والمحرمات التي نهى عنها الشارع وحرمها وزجر عنها.
إذن هناك أوامر ونواهي...
فالقيام بأداء الفرائض والواجبات وترك المحرمات واجتنابها والبعد عنها فهذا مقصود الدين بإيجاز واختصار..
والآن نأتي للأحاديث القدسية العظيمة لربط الموضوع حتى نصل للمقصود بعون الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل عليه السلام فقال:إني أحب فلانا فأحبه،قال:فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول:إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال:ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله عبدا دعا جبريل فيقول:إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء:إن الله يبغض فلانا فأبغضوه قال:فيبغضونه،ثم توضع له البغضاء في الأرض"أخرجه مسلم رحمه الله تعالى.
قال النووي رحمه الله:قال العلماء:محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخيرله وهدايته وانعامه عليه ورحمته .وبغضه إرادته عقابه أو شقاوته ونحوه.
وحب جبريل والملائكةيحتمل وجهين:
أحدهما -استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم له-
والثاني-أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه-وسبب حبهم إياه كونه مطيعا لله تعالى محبوبا له-ومعنى يوضع له القبول في الأرض أي يلقي الحب في قلوب الناس له-ورضاهم عنه فتميل إليه القلوب وترضى عنه وقدجاء:"فتوضع له المحبة" . انتهى من شرح النووي..
إذن أيها الكرام أن من أحبه الله تعالى وأحبه جبريل والملائكة عليهم السلام ووضع له القبول في الأرض لا شك أنه من أولياء الله والله أعلم.
إذن كيف نحب الله وكيف يحبنا الله ومتى يحبنا الله ومتى نكون صادقين في حبنا لله ؟! هذه من ضمن أسئلة كثيرة يجب علينا طرحها بين أنفسنا ومع الآخرين والإجابة عليها.
وهذه المحبة ليست كلمات تقال فقط بل لا بد من أمور تدل عليها وتثبتها وتصدقها!!
لنسمع هذه الآيات الكريمة،
قال تعالى:" قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"آل عمران.
وقال تعالى:"ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم"المائدة..
وتدبروا هذه الآيات:
"فإن الله يحب المتقين"آل عمران.
"والله يحب المحسنين"آل عمران.
"إن الله يحب المحسنين"البقرة.
"إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين"البقرة.
"إن الله يحب المقسطين"الممتحنة.
"والله يحب المطهرين"التوبة.
"إن الله يحب المتقين"التوبة..
وبالمقابل تدبروا هذه الآيات:
"إن الله لا يحب المعتدين"البقرة.
"فإن الله لا يحب الكافرين" آل عمران.
"والله لا يحب الظالمين"آل عمران.
وهناك آيات كثيرة تدل على أن الله يحب الصابرين والمتوكلين والذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وأيضا أن الله سبحانه وتعالى لا يحب من كان مختالا فخورا ولا من كان خوانا أثيما ولا يحب المسرفين ولا المستكبرين ولا الفساد ولا المفسدين..
إذن لا بد من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في كل ما أمر به واجتناب كل ما نهى عنه وزجروعبادة الله تعالى والتقرب إليه بما شرعه سبحانه وتعالى في القرآن والسنة.
وأعتذر للجميع على هذا الإسهاب والإطالة ولكن موضوعنا شيق ورائع ويهم كل مسلم ومسلمةومؤمن ومؤمنة..
ومما سبق ياكرام يتضح أن الله عزوجل يحب الخير والأعمال الصالحة ويقابل ذلك عدم حبه للشروالفساد والأعمال السيئة بل يبغضها ويبغض أصحابها. ولا ننسى أن الله عزوجل يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر..
وهناك بعض المتطلبات التي يجب علينا معرفتها حتى يكتمل إيماننا نسطرها بأحاديث صحيحة.
قال صلى الله عليه وسلم:"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما،وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله،وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"متفق عليه..
وفي حديث السبعةالذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر:"ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ،من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله"متفق عليه.أتدرون من هم ياكرام؟إنهم الانصار رضي الله عنهم وعن جميع الصحابة الكرام..
وهناك متطلبات كثيرة معروفة ومعلومةيصعب علينا ذكرها وفيما سبق كفاية لمن أراد أن يكون من أولياء الله تعالى.
وليكتمل موضوعنا الهام لا بد أن نذكر هذا الحديث القدسي الجليل الذي أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه "باب التواضع".
عن أبي هريرةرضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله عزوجل قال:من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب،وما تقرب إلي عبدي بشيئ أحب إلي مما افترضته عليه،وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه،فإذا أحببته،كنت سمعه الذي يسمع به،وبصره الذي يبصر به،ويده التي يبطش بها،ورجله التي يمشي بها،وإن سألني لأعطينه،ولئن استعاذني لأعيذنه،وما ترددت عن شيئ أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن،يكره الموت،وأنا أكره مساءته".
أي من يتولى الله سبحانه وتعالى أمره،قال تعالى:"وهو يتولى الصالحين"ولا يكله إلى نفسه لحظة،بل يتولى الحق رعايته.
وقيل هوالذي يتولى عبادة الله وطاعته ،فعباداته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان،وكلا الوصفين واجب، حتى يكون الولي وليا،بحسب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستبقاء، ودوام حفظ الله إياه في السراء والضراء،ومن شرط الولي أن يكون محفوظا،كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما،فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع،قال القشيري: والمراد بكون الولي محفوظا أن يحفظه الله تعالى من تماديه في الزلل والخطأ،فإن وقع فيهما يلهمه الله التوبة،فيتوب منهما، وإلا فهما لا يقدحان في ولايته..