هل فكرت يوما في ان ما تأكله من خضروات وفاكهة يروي في الاساس بمياه الصرف الصحي؟
هل كنت تتخيل يوما ان ما يصل جوفك يزرع بمياه صرف " غير صحي"؟
ماذا يكون شعورك عندما تتناول اشياء مسممة وقاتلة؟
ماذا تفعل وانت تري الحكومة تطبق سياسة "ودن من طين واخري من عجين" تجاه قضية تهم صحة المواطنين وحياتهم؟
والنتيجة انتشار الامراض والاوبئة التي تكلف الدولة مليارات الجنيهات في علاجها والتصدي لها ..فبدلا من انفاق كل هذه الاموال.. فلماذا لا يتم اقتلاع المسببات من جذورها..خاصة وانها واضحة امامنا ولكننا نتعامل معها "بالقطاعي" نصدر قرار ثم نحتاج سنوات لتنفيذه.
فرغم مرور اكثر من 9 شهور علي قرار الازالة الفورية للزراعات التي تروي بمياه الصرف الصحي بمدينة الصف بمحافظة حلوان الا ان هناك استمرارا في ري الاراضي بتلك المياه الملوثة ولم تنفذ قرارت الازالة رغم تشديد وزير الزراعة علي استخدام القوة الجبرية في ازالة تلك السموم من الارض.
المسئولون نسوا ما جاء في تصريحاتهم فبعد ان تعالت صرخات المهتمين بالصحة العامة وسلامة البيئة من خطورة الري بمياه "المجاري".
وبعد ان تأكد للجميع كوارثها البيئية وسمومها المسببة للامراض الخطيرة وقتها اصدر امين اباظة وزير الزراعة قرارا بالازالة الفورية لهذه الزراعات.
ولكن حتي الان لم يتم تنفيذ الازالة ولايزال المزارعون يزرعون الاراضي بتلك المياه المسممة ولاتزال نتاجاتها "المشبوهة" تصل الي بطون المستهلكين وعلى المتضرر اللجوء الي المستشفيات!.
فالحكومة الذكية هي حكومة قرارات فقط، اما تنفيذها فليس من اختصاصتها!
طماطم، خيار، كوسة، فلفل، باذنجان، بصل، ثوم، زيتون، فراولة، برتقال، يوسفي، وغيرها من الخضروات والفواكه التي تروي بمياه ملوثة لازالت تطرح في اسواق القاهرة والجيزة ويأكلها المواطنون بكل ما تحمله من سموم قد تسبب السرطان لهم، ولاعزاء للمسئولين الذين يسعون بشتي الطرق الي تقليل اعداد افراد الشعب.
مصراوي ينفرد وتتابع علي ارض الواقع استمار الري بتلك المياه الملوثة بمدينة الصف رغم وجود قرارات بالازالة.
وتحدثت الي المزارعين الذين اكدوا انهم لن يتركوا ارضهم لانها مصدر رزقهم الوحيد كما انهم لن يقلعوا عن الري بهذه المياه التي تجعل انتاجية المحصول تتضاعف الا بعد توفير البديل من المياه النقية لري تلك الارض بدلا من تركها تبور.
انتشرت علي طول "ترعة الصرف" المواتير وماكينات الرفع وخطوط المواسير لجلب المياه الي الاراضي ااتي تبعد مسافة كبيرة عن الترعة، وتنهي هذه المواسير "بمحبس" يقوم المزارع بفتحه عند رغبته في ري الارض ..
ترعة الدمار الشامل
تلك الاراضي هي ملك للجمعيات الزراعية استولي عليها بعض موظفي تلك الجمعيات منهم من قام بزراعتها ومنهم من قام بتأجيرها او بيعها لبعض الاهالي من البدو او سكان المدينة.
وتروي هذه الاراضي بمياه ترعة "كوم امبو " التي تحمل الصرف الصحي للقاهرة والجيزة الي الجبل الاصفر.
وتم البدء في حفر هذه الترعة التي يعتبرها اهالي الصف ترعة الدمار والهلاك في الثمانينات وتبدأ من قرية "عرب ابو ساعد" حتي اطفيح.
ورفضت وزارة الري استلامها لعدم مطابقتها للمواصفات الهندسية والانشائية ورغم ذلك الا انها بدأت في العمل وتسببت في تسرب مياه الصرف الي المياه الجوفية مما جعل هناك استحالة في الحصول علي المياه النقية من جميع قري مدينة الصف.
هذا ما اكده احمد جبران نائب رئيس المجلس الشعبي المحلي بالمدينة موضحا ان المواطنين يعانون اشد المعاناة في الحصول علي مياه نظيفة صالحة للشرب.
ويلجأ الكثير من الاهالي الي شرائها بالاضافة الي استغلال مياه تلك الترعة التي تسببت في تدمير حياة سكان الصف منذ انشائها في ري الخضروات والفواكه والمحاصيل الاخري خاصة في الاراضي الواقعة علي جانبي تلك الترعة التي تتجاوز مساحتها 25 الف فدان، والتي خصصتها وزارة البيئة لزراعتها بالاشجار الخشبية لتكون مصدات للرياح.
الا انه تم زراعتها بخضروات وفاكهة ومحاصيل يستخدمها الانسان فتنقل له الامراض والاوبئة.
ويقوم المزارعون بري هذه الزراعات بطريقة الغمر مما يزيد من خطورة المشكلة.
وقرارا الازالة جاء متأخر لان هذه الاراضي تروي بهذه المياه منذ اكثر من 20 عاما والدولة تعلم بهذه الامر جيدا والكنها كانت تتبع سياسة "التطنيش".
ولم يكن هذا القرار الذي لم ينفذ حتي الان هو الاول بشأن ازالة هذه الزراعات ولكن كان هناك قرار اخر عام 2002 برقم 603 والذي يمنع استخدام مياه الصرف الصحي في ري المحاصيل الحقلية؛ كالقمح والبرسيم والفول والذرة والأرز، وجميع الخضراوات والفاكهة لخطورتها على الصحة.
وطالب بأن يقتصر استخدام مياه الصرف على الأشجار الخشبية وأشجار الزينة، مع مراعاة التدابير الوقائية لعمال الزراعة عند استخدام مياه الصرف في الأشجار الخشبية وأشجار الزينة .. وهذا القرار لم ينفذ ايضا وكأننا نحتاج الي "قوي خارجية " لتنفيذ قرارات وزارية داخلية !!.
المزارعون يعترضون
وعلي ارض الواقع قام المزارعون بحصاد محصول القمح والسمسم والباذنجان وغيرها من المحاصيل الصيفية وحرثوا الارض وقاموا بتقليبها وريها تمهيدا لزراعة محاصيل جديدة.
كما انتشرت ايضا محاصيل قصب السكر واشجار الزيتون والتي تروي بهذه المياه.
ويتساءل رمضان احمد ـ احد المزارعين اين كان المسئولون منذ اكثر من 20 عاما عندما اشترينا تلك الاراضي ومنذ ذلك الحين ونحن نزرع تلك الاراضي ونرويها بتلك المياه نظرا لعدم وجود مياه بديلة للري فبعد ان استدنت ثمنها حيث انني اشتريت خمسة افدنة ب 200 الف جنيه من احد البدو من سكان المنتطقة تاتي وزارة الزراعة وتريد ازالة تلك الزراعات التي وضعنا فيها " تحويشة العمر " وهي مصدر رزقنا ورزق اولادنا الوحيد.
اما سيد احمد نجم مزارع اخر فيؤكد انهم مستعدون لازالة تلك الزراعات، ولكن بشرط توفير مياه بظيفة لري تلك الاراضي لان الزراعة مهنتهم الوحيدة، وتلك الارض هي رأسمالهم الوحيد كما انهم حاولوا قبل ذلك حفر ابار مياه جوفية وتكلف البئر الواحد اكثر من 60 الف جنيه ولكنه سرعان ما نضبت مياءه.
كما ان المياه الجوفية في المنطقة قريبة من سطح الارض مما جعلها تختلط بمياه الصرف فلايوجد بديل سوي هذه المياه موضحا انه يزرع الارض بمحاصيل الطماطم والبفلفل والبرسيم والقمح ويطرح الانتاج بالاسواق بميدان الجيزة وسوق العبور بالقاهرة.
ويتسائل مزارع اخر رفض ذكر اسمه ماذا بعد الازالة ..هل يتركون تلك المساحات الشاسعة في صحراء الصف دون استغلال ؟ واذا طلبوا من المزارعين زراعتها باشجار خشبية فلن يقبل احد لان تلك الاشجار تتطلب جهد كبير ووقت اطول وغر "مجدية " اقتصاديا.. فمن اين يعيش هؤلاء المزارعين طوال هذه الفترة ؟
انتظار الدراسات الامنية
اما المهندس محمد زغلول وكيل مديرية الزراعة بالصف فيشير الي انهم جاهزون لبدء عمليات الازالة وقد تم اتخاذ جميع الاجراءات الاحتياطية من معدات وغيره.
وجاري حصر معظم تلك الاراضي واماكنها ومساحتها واسماء اصحابها والتاخير بسبب انتظار الدراسات الامنية وفور وصولها سيتم علي الفور الازالة لتلك الزراعات.
ويقول الدكتور نادر نور الدين استاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة ان الري بمياه الصرف الصحي يمثل مشكلة كبيرة لان تلك المياه تحتوي على معادن ثقيلة ومواد كيميائية ضارة مثل الرصاص والحديد والزنك والنحاس، وهذا بخلاف المخلفات الآدمية، وما بها من ملايين الميكروبات والبكتيريا والفيروسات السامة والقاتلة.
وكل هذا يذهب من خلال مياه الصرف الصحي إلى النبات، سواء أكانت خضراوات أو فاكهة، ثم ينتقل الي الإنسان، ويسبب له الأمراض الخطيرة؛ كالفشل الكلوي وتليف الكبد والأورام السرطانية المختلفة.
ولذلك لابد من توفير البديل المناسب من المياه النقية لري الارض لان ما يفعله الفلاحون هو جريمة بشعة تضر بالانسان والنبات فهذه المياه لاتصلح الا لري الاشجار الخشبية واشجار الزينة فقط وليس الخضروات والفاكهة كما يحدث في مدينة الصف.
ورغم مرور اكثر من 9 شهور علي قرار الازالة الاان الدراسات الامنية لم تاتي حتي الان وجاري الري بتلك المياه الملوثة ولازالت منتجات هذه الاراضي من خضروات وفاكهة تطرح في الاسواق وتصل الي بطون المواطنين وتسبب لهم امراض خطيرة!
فماذ بعد المشكلة لا تزال قائمة والمزارعون مستمرون في "الزراعة والحصاد" وهناك قرارات وزارية بالازالة فمتي تنفذ تلك القرارات؟
ومن يقوم بتنفيذها؟ ام انها ستصبح مثل قرار عام 2002 يظل حبيس الادراج ولايتم تنفيذه!