اخلاق غير عاديه
2
عانت كثيرا , وتحملت كثيرا , وصبرت كثيرا
وهي تعيش حياتها الجديدة في بيت شقيقها وزوجته المتذمرة دائما والتي تعاملها كما تعامل السيدة , عاملة بيتها ,
حتى جاءها الفرج بعد ثلاثة شهور من الحياة وحيدة مهمومة بلا عمل يعزز مكانتها ويحقق آمالها ,
وأعدت أوراقها وشهاداتها استعدادا لاختبار عملي ستؤديه على الآلة الكاتبة في شركة للنفط .
وفي اليوم ذهبت إلى شركة النفط بحدية وحماس عملي ,
وحاولت أن تبدو أنيقة قدر الإمكانيات المتاحة لها ,
لكنها فشلت في إقناع المسؤول عن الاختيارات بشكلها
وقد استخف بها ولم يعرها اهتمامه , بل إنه لم يرفع عينيه للنظر إليها ,
و قال لها بعدم اكتراث :
لقد نجحت في الاختبار وتاتي غدا لكي تستكملي إجراءات تعيينك ...!!
ولم تتسع لها الدنيا كلها فرحا رغم عدم اهتمام المسوؤل بها
فشكرته بصوت متهدج , ولم يرد عليها , منشغلا مع سكرتيرته الحسناء في عمل روتيني.
وكان منظر تلك الحسناء مع ذلك المدير المغرور , أول الأشياء التى داعبت أحلامها الفتية ,
فكانت تنفق أيامها وراء الآلة الكاتبة تحلم يوما بعد يوم بمكانة تلك السكرتيرة , وبجمالها وأناقتها ..
ثابرت على أن تكون لها شخصيتها القوية والمميزة وسط زملائها وزميلاتها بذكاء بدا كأنه البراءة نفسها .
وكان معها في مكتبها ومن نفس مدينتها , " فادي " شاب مهزار , يضحك ويلهو دائما مع السكرتيرة الحسناء ,
أنه الثغرة الوحيدة أمامها لكي تشعر بذاتها وتستعيد إنسانيتها وطموحاتها ,
فلماذا لا تبدأ معه علاقة تبعث الحياة في أنوثتها وجمالها ؟
أنها تعلم بأنه ليس الشاب الذي يمكنه إقامة علاقة حب مع مثل تلك السكرتيرة الفاتنة ؟؟
اقتربت منه , ووجدت عنده الكثير من الشحنات العاطفية المكبوتة والمختزنة , فأوهمت نفسها وأوهمته بعبارات الحب والغزل ,
واكتشفت معه ميزة تملكها ولم تنتبه إليها وسط البريق اللامع الذي تعيش فيه السكرتيرة الفاتنة , ممثله في لون عينيها الخضراوتين الواسعتين الساحرتين .. !!
ومضي عليها عام أو أقل قليلا في العمل بالشركة ,
حيث دعتها زميلتها السكرتيرة إلى حفلة زواجها , وهي تقول لها :
استعدي لتأخذي مكاني , فزوجي لا يريدني موظفة في أى شركة غير شركته , ولا يقبل أن أكون سكرتيرة في غير مكتبه ..
ولكن كيف تصل إلى مكتب السكرتيرة ,
ذلك المكان الذي حددته هدفا لها منذ أول يوم عمل في حياتها بشركة النفط ,
حين صدر قرار بنقلها لتعمل سكرتيرة مساعدة عند مدير إداري عربي آخر بجانب سكرتيره الهندي الذي لا يجيد غير اللغة الأوربية والإنجليزية .
ضايقها في بداية الأمر , ذاك المدير العربي الجديد , الذي تسبب في عرقلة حلمها بمنصب السكرتارية ولكنها وجدته أليفا وطيبا وودودا , إلا أن ذلك الهندي لن يتزحزح من مكانه أبدا وسوف تبقي هي على الدوام السكرتيرة المساعدة له مهما كان الحال فلم تجد أفضل من أن تتصنع معه الدلال , وتمازحه على الدوام , حتى يطمئن لها , ويفتح أمامها في العمل أسرارا وأسرار ,
ولم تمنعه من أن يمد يده إلى وجنتيها في بعض الأحيان , فهي ليست بالفتاة المتزمته,
و كانت أذكى من أن تكون متسرعة لتتخطى مراحل حياتها دفعة واحدة دون أن تصعد السلم درجة درجة ,
وبهدوء وتأني الأذكياء ..
ولم يكن صعبا عليها أن تتخلص من السكرتير الهندي رغم خبثه ودهائه ,
وقد نسيت فادي مع حبها الجديد "لياسر " الذي كان يتعامل معها على أنها تلميذة يوجهها فيذكرها بحبها الاول لمعلم التاريخ
وهي تتقبل منه كلمات الغزل , وقصائد الحب وتستمتع إليه بحب .. يبدو على قسمات وجهها واضحا ..
و تقاسمه طعامها الذي تعده في البيت يوميا
وتركب سيارته من والى بيتها كل يوم
وتشكو له هذا أو ذاك من الذين يحاولون استمالتها بعبارات الغزل والمداعبة ,
المهم في الأمر أن قلبه تعلق بها , بتشجيع وتحريض منها
و بعد أن صارحها بحبه قالت له :
إنها غير مستعدة لأمر الزواج الآن .
رغم ذلك .. الاستهتار الذي كانت تعيشه حرصت دوما على أن تحفظ لنفسها ولسمعتها الطيبة خط الرجعة دائما بمظهرها المحافظ المتدين وأن تحفظ عذريتها مهما كان استهتارها وتبذلها , ولا تعط فرصة لأي من المقامرين معها لكي يمسك عليها أمرا واحدا يهدد فيه سمعتها , وكلما كان يحاول أحدهم معها , كانت تهادنه لفترة من الزمن ,وتقدمة للناس على أنه يلاحقها وهي ترفض ملاحقته , وتخشى أن يلوث سمعتها بأقاويله عنها , والجميع يصدقها وهي التي تأخذ شكل الإنسانة المحافظة المتدينة في كل تصرف من تصرفاتها
كان وحده " ياسر " الذي لم تستطع تفسير الأمور أمامه , حتى أولئك الذين اختلطت بهم كانت قادرة على تفسير تساهلها معهم باللطف أحيانا وبالإقناع والمناقشة أحيانا أخرى بكونها فتاة عاطفية وعصرية ككل الفتيات العصريات , اللاتي لا يجدن في الرقص أو السهر أو القبلات ما يعيب الفتاة العصرية في أخلاقها وسمعتها ..
وسألت نفسها لم لا تجرب مرة ثانية مع " ياسر " المثقف لعله يغفر لها أخطاء الماضي , ويتجاهل كل ما سبق بعين المثقف الواعي الناضج –
وتحرشت به مرة , واثنتين وثلاثا وهو يبعدها عنه, لانها سبق وان رفضت الزواج منه
فتعلقت به أكثر فأكثر , وشعرت بعدم قدرتها على الحياة بعيدة عنه , وصرخت في وجهه :
أنك غبي , غبي , وأنا غبية لأنى أحبك ..
|