المشروع.. ابني بيتك، الهدف منه.. حل مشكلة الإسكان وتوفير وحدات سكنية للشباب من محدودي الدخل والتوسع الإسكاني في الصحراء واستغلال تلك المساحات الشاسعة، صاحب المبادرة..الرئيس مبارك وقد تم وفقًا لتوجيهاته البدء في هذا المشروع العملاق " – كما يطلقون عليه-.
عدد المستيفيدين.. 92 الف شاب تسلموا قطع أراضي للبناء بالمدن الجديدة بمختلف المحافظات، السؤال.. هل تحقق الهدف المنشود من المشروع؟، هل ساهم بالفعل في حل مشكلة الإسكان في مصر، وتوفير سكن ملائم للشباب المقبل على الزواج؟
الواقع بمدينة العاشر من رمضان يؤكد عكس ذلك وينذر بأن المشروع سيصبح مدينة سكنية مع ايقاف التنفيذ !
فقد تم الانتهاء من تشطيب العديد من الوحدات السكنية في تلك المدينة التي تضم 16 ألفًا و226 قطعة أرض يتم بناء 40 ألف وحدة سكنية عليها، ولكنها مساكن بلا سكان تم غلقها لحين "إشعار اخر" أو لحين أن تصبح منطقة سكنية حقيقية بدلاً من كونها الآن "منفى سكني " أو مجرد مدينة مقطوعة وسط الصحراء - كما أطلق عليها الشباب من المنتفعين.
فهذا المشروع الضخم ضل طريقه وتفرغ من محتواه وخرج عن مساره ولم يصل لهدفه بل ابتعد عنه، وجعل أحلام الشباب المستفيدين كالسراب، وتحول إلى إسكان بلا سكان.
فالمواطنون استدانوا ودفعوا "تحويشة العمر"، ليتحقق حلمهم في ايجاد سكن ملائم لهم يستطيعوا من خلاله استكمال مسيرتهم في الحياة، وتكوين اسرة، ولكن لم يتحقق شيئًا. فهاهم قد انتهي معظمهم بمدينة العاشر من المرحلة الثالثة، والتشطيبات النهائية للوحدات السكنية؛ ولكن العوائق الكثيرة كنقص الخدمات والمرافق داخل كل منطقة من مناطق المشروع حالت دون السكن في منازلهم التي دفعوا فيها " دم قلبهم " فاغلقوها.
وعادت معاناة المنتفعين من المشروع في رحلة العثور على سكن من جديد يستطيعون العيش فيه لحين أن تصبح منطقة "ابني بيتك" مؤهلة للعيش فيها؛ ولكن هذه المرة أشد وطاة ومرارة وألم لأنها بدون أموال، فهم أنفقوا كل ما لديهم في هذا المشروع، فاصبحت السرقات والبلطجة والإتاوات، وغياب المرافق والخدمات السمة المميزة لهذا المشروع .
وتخرج الحكومة الذكية علينا كل فترة بتصريحات "عنترية " تؤكد من خلالها تسليم عدد كبير من قطع الأراضي للمستفيدين، وتخرج تارة أخرى لتشير إلى الانتهاء من عدد لا بأس به من الوحدات التي يتضمنها المشروع.
وكان المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان والمرافق قد صرح قبل لك أنه تم الإنتهاء من بناء 15 ألفًا و348 منزلاً بمشروع ابني بيتك، وانه سوف يتم توصيل المرافق والخدمات للمشروع في ديسمبر القادم، مؤكدًا أن الدولة انفقت مليار جنيه لصالح مشروع ابني بيتك، وأن الحكومة حققت إنجازًا كبيرًا في تنفيذ البرنامج الإنتخابي للرئيس مبارك، والذي ساهم في توفير الوحدات السكنية وتخصيص أراضي مشروع ابني بيتك للشباب ومحدودي الدخل.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا بعد التسليم والإنشاء والتشطيب ؟ أليس من المفترض أن يسكن كل منتفع بمسكنه ؟ أم أن الهدف فقط من المشروع هو بناء مساكن وتركها خاوية بلا بشر ؟ ليصبح المشروع مدينة سكنية مع ايقاف التنفيذ!
شكاوي الشباب
الكثير من الشباب الذين انتهوا من الإنشاءات والتشطيبات بمدينة العاشر من رمضان حملوا شكواهم إلى "مصراوي "، بعد أن تحول حلمهم في السكن والاستقرار إلى سراب، وأكدوا انهم استدانوا من كل صوب وحدب؛ من أجل استكمال المراحل الثلاثة للمشروع، خاصة أن وزارة الاسكان كانت قد اعطتهم مهل محددة من يتخلف عنها يتم سحب الأرض منه، ولن يصرف له الدعم المقرر لكل مرحلة.
وأشار الشباب إلى أن غياب جميع المرافق وانتشار السرقات ووجود عدد كبير من البلطجية واللصوص أثناء الليل وغياب الأمن وراء تأجيل الإقامة بالمساكن، لافتين إلى أن
المشروع تحول إلى مدينة سكنية مع ايقاف التنفيذ! واعتبروا المشروع منفى وانهم نادمون علي دفع " تحويشة العمر" فيه .
وقال محمد مرسي أحد شباب المنتفعين من مشروع ابني بيتك بمدينة العاشر، "إنه بعد الانتهاء من جميع المراحل كنا نتخيل أننا سوف ننقل امتعتنا ونعيش في منازلنا الجديدة، ولكننا كنا واهمين، فكل المناطق الموجود بها مشروع ابني بيتك هي مناطق "مقطوعة "، ليس بها ماء وكهرباء وخدمات ومرافق ومواصلات".
وأوضح مرسي أنه استدان من بعض اقاربه بعد ان أنهى كل ما يملكه من الأموال؛ حيث كانت " حسبته " الا تتعدى التكاليف 50 ألف جنيه، إضافة إلى الدعم، ولكنه اضطر إلى استدانة 50 ألف جنيه آخرين، خاصة بعد أن نصب عليه أحد المقاولين الذي أوكله بإنهاء جميع التشطيبات من أعمال الإنشاء ومواد البناء مقابل 70 ألف جنيه، وفوجئ بالمقاول يتركه هاربًا بعد المرحلة الثانية.
ويستكمل مرسي الحديث عن مأساته، وكيف أنه اضطر إلى أن يستكمل المرحلة الثالثة على حسابه لكي يحصل علي الدعم المقرر ورغم ذلك الا أنه لم يحصل على الدعم المحدد للمرحلة الثالة، رغم انه انتهى من التشطيبات منذ أكثر من 6 شهور.
وقال حامد عبد الستار أحد المستفيدين من المشروع، أنه انتهى من جميع أعمال التشطيب منذ أكثر من عام، وانه يريد أن يزوج نجليه في المنزل الذي وضع فيه "تحويشة العمر "، فجاء إلى المدينة وقرر السكن فيها، ولكنه فوجئ باستحالة العيش بداخلها فهي بمثابة "منفى "، فهو يشتري المياه من "بلبيس"، ولايوجد كهرباء بالمنطقة.
وأضاف عبدالستار، "رغم إنني قمت بتوصيل عدد المياه والكهرباء منذ أكثر من 6 شهور، غلا انني سحبت "توصيلة" بطريقة غير شرعية من أحد أعمدة الإنارة الموجودة أمام منزله"، وأشار إلى أنه يعاني أشد المعاناة من السرقات المتكررة أثناء الليل، فعندما يأتي المساء يحل الظلام الدامس في المنطقة والشوارع والمنازل، تنتشر سرقات الأبواب والنوافذ الخشبية وغيرها من " مستلزمات النجارة " كما اكد أنهم يعانون من " فرض الإتاوات " عليهم من بعض الأعراب والبدو حتي الآن .
منفى سكني
وأكد حسام علي أحد اصحاب الوحدات التي تم تشطيبها، أنه لاتوجد بالمنطقة مدارس ولا طرق ممهدة ولايوجد مستشفيات أو أي مرفق إسعاف، وهناك غياب لرجال الأمن جعل السرقات تنتشر، ولا يوجد أي حركة تجارية، وشبكات الصرف التي تم إنشائها تدهورت قبل لأن يتم استخدامها، مما يكشف عن الفساد واللامبالاة في تخطيط المدن الجديدة، فالشوارع غارقة في المياه بفعل مواسير المياه المتهالكة، ومن لا يملك سيارة خاصة لايستطيع أن يأتي إلى المنطقة ليطمئن على منزله.
وأضاف حسام علي ان هناك تباطؤ في توصيل المرافق، مما تسبب فى عرقلة البناء فى أكثر من مدينة وهدد جميع المستفيدين من المشروع رغم أن العقود الموقعة بين وزارة الإسكان وبين الشركات المسند إليها إتمام أعمال المرافق العامة هو تسليم مساحات الأراضى كاملة المرافق قبل تسليم المستفيدين لقطع الأراضى، ولكن ما حدث - والحديث على لسان حسام - أن هذه الشركات ضربت باشتراطات الوزارة عرض الحائط وأصبح الشباب والمواطنون ضحية سياسات متخبطة وعشوائية من جانب القائمين على المشروع.
وأشار حسام أنه تقدم بالعديد من الشكاوى إلى جهاز المدينة، ولكن بلا جدوى، مضيفًا ان المسئولون "غائبون " ، على الرغم من تكرار المطالبة بضرورة السرعة في توصيل المرافق إلى المنطقة.
وذكر مستفيد آخر من اصحاب المساكن التي تم تشطيبها رفض نشر إسمه، أنه انتهى من جميع التشطيبات، ولم يصرف الدعم المقرر حتى الآن، وذلك لأن مهندسي الجهاز يماطلون في إجراءات الإستلام - على حد قوله -، وقالوا له إن درجة اللون التي طلى بها الوحدة السكنية غير مطابق للإشتراطات الفنية المحددة، رغم انهم لم يحددوا درجات معينة من الالوان المحددة وهي الأصفر والاخضر، وأضاف انه قام بدهان المنزل أكثر من 3 مرات مما كلفنه الكثير.
إتاوات ونصب
وأكد جميع المستفيدين من مشروع ابني بيتك انهم عاشوا وخاضوا رحلة طويلة من العذاب والمعاناة منذ بداية العمل في المشروع حتى الآن وبعد التشطيب، وانهم تعرضوا للنصب والاستغلال من المقاولين بالمنطقة، وكذلك لطمع العرب والبدو وفرضت عليهم "الاتاوت"، وانهم عانوا من صعوبة الطرق غير الممهدة وانعدام وسائل المواصلات واقتصارها علي "التوك توك "، وتعرضوا كذلك لاستغلال اصحابه للمواطنين في "أجرة الركوب ".
ولم يكتف المستفيدون بذكر ماسبق، ولكنهم أضافو أن من اهم المشكلات التي تواجههم في مشروع ابني بيتك ندرة المياه وارتفاع أسعار مواد البناء من الحديد والأسمنت والطوب والرمل والزلط وغيرها، وتعرضهم لابتزاز مقاولي (العمال والحرفيين وأصحاب المعدات الثقيلة)، وانهم كانوا يبالغون في نقل مواد البناء بحجة أن الطرق غير ممهدة، وانه لايوجد أحد يستطيع نقل حمولات كبيرة والسير في هذه الطرق.
وأوضح صابر محمد صاحب قطعة أرض بالمشروع، أنه كان يشتري متر الزلط بـ 80 جنيه على رغم أن سعره لايتعدي 45 جنيه، ومتر الرمل بـ 27 جنيه رغم أن سعره 17 جنيه، وكان بعض المواطنين من سكان المناطق القريبة من المدن الجديدة يقومون "بتشوين " كميات كبيرة من مواد البناء داخل مواقع العمل ويبيعونها للمواطنين بأسعار مضاعفة.
واضاف صابر أن طن الأسمنت بلغ سعره 800 جنيه مع أنه كان يباع بـ 550 جنيه في ذلك الوقت، مما جعل تكلفة الدور الواحد في المشروع تتجاوز 60 ألف جنيه، إضافة إلى 500 جنيه يأخذها الإعرابيين والبدو من كل مواطن ينتهي من كل مرحلة، كما أن المياه التي كان من المفترض أن يتم توفيرها بواسطة جهاز المدينة كانت قليلة ولا تأتي إلا على فترات بعيدة، فكان كل مواطن يشتري "فنطاس المياه" حمولة 7 متر مكعب من المياه بـ 200 جنيه، وهي كمية لا تكفي لخرسانة "سقف واحد "، موضحًا أنهم تعرضوا لضغط كبير من جانب المسئولين عن المشروع فيما يتعلق بتحديد مدة لا تتجاوز عام واحد لإنهاء جميع المراحل الثلاثة لكي يتمكن كل مستفيد من صرف الدعم المقرر.
نهاية، تحول حلم الشباب إلى كابوس جعل بعضهم " يندم " على الإنضمام إلى هذا المشروع، واصبحوا على يقين أنهم لن يستطيعوا العيش في المكان الذي اختاروه ليسكنوا فيه إلا بعد مرور 5 أو 10 سنوات على الاقل، وهي المدة التي تحتاجها كل مدينة من المدن الجديدة التي يتم فيها إنشاء مشروع ابني بيتك لكي تصبح مؤهلة للعيش بها.
تحتاج تلك المشروعات السكنية الجديدة إلى بناء المدارس ومستشفيات واستكمال مرافق المياه والكهرباء والصرف الصحي ورصف الطرق وتوفير وسائل المواصلات بصورة آدمية، عند تحقيق كل هذه المتطلبات وتذليل تلك العقبات، نستطيع وقتها أن نتقبل التصريحات النارية التي تؤكد سير الحكومة بخطى ثابتة في اتجاه تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك فيما يتعلق باسكان الشباب ومحدودي الدخل.