1
هو والجميلات
قضى حياته ينتقل من زهرة إلى أخرى .. وكل زهرة أجمل من الأخرى ولا يكتفي بالزهرات الجميلة من حوله , بل يقلب الصفحات في كل المجالات باحثا عن الهات الجمال النسائى .. حتى إن أحلامه الصبيانية ذاتها أرهقته في محاولاته اليومية لاستمالة الجميلات نحوه إنه الطمع الوحيد الذي يمارسه مع نفسه .. وكانت هذه الرغبة تدفعه نحو الفل في كل ما يريده , ولم يكن يبدأ علاقة من العلاقات الإنسانية مع زميله له أو صديقة أو قريبة حتى ينهيها بسرعة سعيا وراء بداية جديدة وكل بداية جديدة تنتهي قبل أن تنسج خيوطها عنده لتصنع حكاية صالحة لأن يقول عنها : علاقة فالجميلات من حوله كثيرات حتى كاد جمالهن من حوله أن يعمي بصره وبصيرته .
ومنذ أن عشق إحدى الجميلات وتركته لأنه لم يقل لها بأنها تشبه إحدى الممثلات ثم اكتشف أن أحد الشبان اختطفها من بين يديه بعد أن قال لها إنها تشبه الممثلة الصغيرة والتي تثير المراهقين بدلالها على شاشات العرض السينمائي ومنذ ذلك اليوم قال في نفسه : ما اتفه عقل الأنثى إذا كانت جميلة .. فقد كان يعتقد كثيرا " في قدسية الأنثى وطهارتها ولم يكن يصدق أي عيب في حقها وعليها حتي ممثلات السينما كن يمثلن لديه نساء من عالم آخر وكان يضرب الممثل دائما " بما يظهر على الممثلة الكبيرة التي تشبه الحمامة من وقار واتزان وتعقل , والتي تركت زوجها المخرج السينمائي وابنتها لتتزوج ممثلا " انيقا " و " صغيرا " باسم الحب وتدور المسبحة مع تلك الممثلة التي كان يتوسم فيها روح ملائكية بيضاء صافية لكي تبني علاقة وتهدمها حتي تبني علاقة أخرى لكي تهدمها .. وعرف أن العالم الآخر الذي يعشنه أولئك النساء ليس العالم المثالي أو الأفضل وإنما هو عالم أكثر اتساخا " من العالم الذي نعيشه نحن البشر العادين رغم قساوته علينا في بعض الأحيان .. ومع توارد الحكايات عن ذلك العالم الذي يشع بالأضواء والشهرة اكتشف أن حظ الجميلات فيه أكثر من العاقلات لأنهن يملكن مؤهلات للعرض تجذب إليهن الناس وكلما كن يعرضن جمالهن أكثر كلما تزاد شهرتهن أكثر وهكذا تتركز عقولهن في جمالهن فلا يستطعن الحكم على الأمور باتزان وتعقل وتدور حولهن الحكايات عن مغامراتهن لتصبح وسيلة تسلية أخرى تقدمها الصحف والمجلات لجمهورها من القراء وتحول ذلك العالم البيضاوي في نظرة إلي عالم صفراوي يتحول فيه الإنسان إلى سلعة معروضة للبيع والشراء ومحكومة بقانون العرض والطلب الاقتصادى , وكلما كانت الانثى جميلة كلما زاد سعرها لازدياد الطلب عليها مع قلة المعروض من أمثلها .. يا للتفاهة .
وعاد ليقول في نفسه : ما اتفه عقل الأنثى إذا كانت جميلة ومشهورة حتى في الجغرافيا التي كان يدرسها , خرائط أرض وسكان ومناخ وطبيعة اكتشف خريطة أخرى ترسمها المرأة بجمالها فكلما , كانت إحدى البلدان تزدحم بالحسناوات كلما كانت تلك الدولة إطلالة للسياح من كل حدب وصوب فتصبح بفضل الجمال الأنثوي دولة سياحية من الدرجة الأولى ..
وفي الدول السياحية لا وجود للرجل ولا كيان . والمرأة تملك كل الميدان .
وعندما تلعب المرأة وحدها في الميدان تصبح الفوضى نظاما " ويتحول العبث إماما " ويكون الهوى هو العقيدة والإيمان , تكون الدولة السياحية جميلة مثل المرأة الجميلة ولكنها تفكر بجمالها وجمال نسائها فقط .. وكان " أديب" بطل قصتنا يرى في المرأة قيمة وهذه القيمة يحددها عقلها وليس جمالها والإيمان بأن جمال المرأة طاغية لا بد من مقاومته تحول لديه إلى عقيدة راسخة وثابتة يدافع عنها . وكم هي الروايات التي تتحدث عن طغيان الجمال وجبروته على صاحبته أو على الآخرين فتلك الإنسانة التى كانت حديث بلدته لجمالها الباهر , أصابها جبروت الجمال بالنرجسة فبلغت الخامسة والثلاثين من عمرها دون زواج لأنها لم تجد من يستحق جمالها , وما أتعس ذلك الرجل الذي أصابه جبروت المرأة بجمالها فوقع قلبه عند هواها , وغدرت به , حتى بلغ الخمسين من عمره دون زواج بحثا عنها عند الآخريات .. ولقد سمع رواية على لسان والده يرددها دائما عن رجل ذو مركز كبير زاره في منزله , فكان يشاهد امرأة محدودة الجمال تشرف على الضيافة بالمنزل بطريقة لبقية وذكية ودهش عندما عرف أن هذه المرأة المحدودة الجمال هي زوجة ذلك الرجل الثري الوسيم وهو القادر على الزواج بأجمل منها أضعاف المرات .. وكان السر عند ذلك الرجل في أنه مرتاح البال وهادئ النفس مع زوجته فهي مطيعة وربة بيت , وعاقلة ومتزنة , ولا يخاف عليها أن تركها وحيدة , ولا يفكر في مشكلة تواجهه أن رافقها في نزهه قصيرة , لقد اختارها ليستريح ذهنه عن التفكير بجمالها .. أما إذا كانت جميلة فسوف يشغل أربعة أخماس يومه في التفكير بها وإرضائها والخوف منها وعليها ..