محمد عبدالله عبدالحي، مواطن في أواخر الأربعينات أو بداية الخمسينات من عمره، ساقه القدرلأن يكون أحد ركاب قطار 959 المتجه من القاهرة إلي بورسعيد مرورًا بالزقازيق مساء الاثنين الماضي 21 يونيو، وفجأة أصيب بنزيف حاد نتيجة اصطدامه بقطعة حديد عند كوبري ميت نما بالقرب من قليوب، الرجل يتألم والنزيف مستمر، والركاب يبحثون عن طبيب في القطار، أو أي وسيلة لإسعاف الرجل، أو حتي رباط شاش، وبعد عجزهم وفشلهم، لم يجدوا إلا قطعة قماش ربطوا بها الجرح، بينما هو «غرقان في دمه» و كل راكب «غرقان في عرقه» لأن التكييف كان مفصولاً في يوم كانت درجة الحرارة فيه لا تحتمل!
كاتب هذا السطور لم يجد حلاً سوي أن يتصل بالمهندس علاء فهمي وزير النقل وهو يعرفني وأعرفه جيدا، لكنه لم يرد، فبعثت له برسالة عبر المحمول قلت له فيها «إن هناك مواطناً سيموت علي قطار كذا ولا يجد من يسعفه، أرجوك حاول إنقاذه» إلا أن السيد الوزير لم يعر الرسالة اهتماماً وكأن حياة مواطن لا تهمه، لم يتحرك ولم يتصل ولم يسأل أو يستفسر، بعثت للوزير بالرسالة رغم اختلافي مع سياساته عندما كان رئيساً لهيئة البريد أقوم بتغطية أخبارها، اعتقدت أن الضمير وحياة المواطنين عنده أهم وأكبر، لكن النتيجة كانت خذلاناً مبيناً .
أصبت ومن حولي بخيبة أمل، فكلنا عاجزون ولا نعرف كيف ننقذ الرجل الذي لم يعد قادراً علي النطق من شدة الألم ويلتقط أنفاسه بصعوبة، وليس معه أحد من أقاربه، وبينما نحن حياري وأحد الركاب يمسك بورقة كرتون للتهوية عليه، وجدنا من يقول: «أبشروا معنا سيادة النائب»، ذهبت وفي اعتقادي أنه أحد أعضاء مجلس الشعب، قلت في سري « معقولة النواب بيركبوا القطار مع البني آدمين؟» وعندما وصلنا إلي سيادة النائب فإذ به نائب رئيس هيئة السكة الحديد مرة واحدة.. أحمدك يا رب!
أجري النائب اتصالاته واستدعي رئيس القطار وطالبه باعطاء تعليمات للسائق بأن يتوقف في أقرب محطة وأن يطلب له الإسعاف، وأخذنا نطمئن الرجل الذي ينزف، حتي توقف القطار في محطة «قها»، وحمله البعض ووضعوه علي الرصيف، ولم تكن سيارة الاسعاف قد أتت، فإذ بالقطار يتحرك والكل يجري ليركب، ويبقي من ينزف وحده إلا أن قائد القطار توقف مرة أخري حتي جاءت السيارة وأخذته، ولم نعرف ماذا حدث له، لذا وثقت ما حدث بالصوت و، لعلنا نجد مسئولاً يتحرك في هذا البلد، فاليوم مواطن ينزف وغداً قد يصاب مواطن آخر بذبحة صدرية أو غيبوبة كبدية، بينما المسئولون في غيبوبة أبدية!
ذكرتني الواقعة بمقالات الكاتب الساخر عمر طاهر عن حادثة مبكية في يناير الماضي، عن مواطن فقد حياته خلال رحلة قطار متجهة من الأقصر إلي سوهاج بعدما لم يجد من يسعفه، ناشد «طاهر» وزيري النقل والصحة والقطاع الخاص لتوفير طبيب ومواد طبية لإسعاف ركاب القطارات، فاستجاب صاحب صيدليات «العزبي» وتعهد بالتكلفة، ووعد وزير الصحة بالاستجابة ولم يفعل شيئاً علي أرض الواقع، أما وزير النقل فساق «الطناش» كعادته، فالوزارة التي خوتت دماغ اللي خلفونا بإن المصري اللي حق يقول للغلط لأ، أصبحت ترفع شعار.. المصري اللي علي حق، يركب قطر ويموت من غير حق ولا مستحق!
لمشاهدة الفيديو: