بعد فشله المتكرر في أفلام من عينة »بوحه«، وكركر وبوشكاش وكتكوت، اعتقدنا أن محمد سعد قد استوعب الدرس تماما وأدرك أنه في مأزق حرج، وأن الجمهور قد أصابه الملل من تقديم نفس الشخصية التي إشتهر بها وهي الليمبي، التي قدمها للمرة الاولي في فيلم "الناظر" أمام الراحل علاء ولي الدين! ويعود محمد سعد ليؤكد لجمهوره أن ليس في الإمكان أفضل مما كان، فيلم الليمبي »8 جيجا«، خليط من كل أفلامه السابقة، وبشكل خاص فيلم "اللي بالي بالك"، تترات الفيلم تقول إن القصة لمحمد سعد، والسيناريو لنادر صلاح الدين، ولكن بعد مشاهدتك لأحداث الفيلم سوف تتأكد أن محمد سعد كانت له اليد الطولي في السيناريو وفي كل مايخص الفيلم، حتي الاخراج والمونتاج !شاهدت الفيلم في أول يوم عرض وقد امتلأت القاعه بجمهور من أهل الخليج، جاء وهو مستعد للضحك علي أي حاجه، ولكنه لم يضحك إلا علي نكتتين لا علاقة لهما بالاحداث! قد نتجاهل أحيانا المنطق عندما نشاهد فيلما كوميديا، لأن الكوميديا هي فن الخروج عن المنطق، ولكن بشرط أن يتم هذا بشكل منطقي!! حاتقولي إزاي ؟؟ يعني مثلا لو افترضنا أننا أمام شخصية بلهاء وأفعالها غير متوقعة، فإن هذا لابد أن يكون له هدف، وأن يكون داخل سياق منتظم حتي لا يتحول الأمر الي نوع من العبث، والتهريج، وعلي عكس مايتوقع البعض فإن أفلام الكوميديا الفارس لابد لها من سيناريو محكم للغاية، مثل فيلم طاقية الاخفاء مثلا، الذي يقوم علي افتراض أن مخترع ما، تمكن من عمل طاقيه تخفي من يضعها علي رأسه، وأن شخصا شريراً اكتشف هذا السر، وقام بأعمال إجرامية وهو يرتدي طاقيه الاخفاء، فلم يكتشفه أحد، طبعا أكيد شفت الفيلم، وأكيد »فطست« من الضحك وأنت تتابع عبد المنعم إبراهيم "صاحب الطاقيه" وهو يتلقي الصفقات من توفيق الدقن "الشرير" عندما يسأله العلبه دي فيها إيه؟؟ فيلم سرطاقية الإخفاء تم إنتاجه عام 1959 وهو من إخراج نيازي مصطفي ،أما السيناريو فقد شارك فيه المخرج مع عبد الحي أديب شيخ كتاب السيناريو كما كانوا يطلقون عليه، عارف بقي مين اللي حوار الفيلم؟؟ السيد بدير أحد العباقرة الذين صنعوا أفلاما كوميدية لانزال نستمتع بها حتي الآن رغم مرور أكثر من نصف قرن علي إنتاجها، وأنا أذكر هذا المثال للتأكيد علي أن صناعة فيلم كوميدي محتاجه تركيز مش تهبيل وعبط، أمافيلم الليمبي »8 جيجا« فهو ايضا يقوم علي افتراض صعب حدوثه، حيث يقرر أحد العلماء "يوسف فوزي" أن يزرع شريحه في جسد الليمبي "محمد سعد" الذي فقد ذاكرته بعد أن وقع علي قشره موز، وارتطم رأسه بالأرض! وعلي تلك الشريحة العالم ذاكره بديله سعتها 8جيجا،ضمنها كل ملفات المواليد والوفيات في مصر، مضافا لها القانون الجنائي،مما جعل الليمبي يتحول من شخص عبيط وتافه، مهمته جلب الزبائن للمحامي، والترافع امام القاضي عندما يتخلف المحامي عن الحضور، إلي عالم نابغه في شئون القانون يترافع في القضايا الكبري، ويتناول أجرا ضخما يتيح له أن ينتقل من حياه الفقر، الي حياة البذخ الشديد! فينسي اصله ويتجبر علي الفقراء، ويعتدل لسانه بعد أن كان "معووج"، وطبعا أي عيل صغير له علاقه بالكمبيوتر لابد أن يفهم أن إضافة ذاكرة بديلة، لا تحقق لإنسان تفوقا في أشياء لايعرفها وليس له فيها أي نوع من الخبرات، وإلا لكان الكمبيوتر اللي يحمل ذاكره تصل الي ثلاثمائة جيجا تمكن من التفكير والمرافعة في المحاكم؟؟ أن تركيب شريحة لإنسان غبي وجاهل لا تضيف له قدرات فائقة، ولا تحوله الي إنسان شرير يدوس علي الفقراء، وإذا افترضنا أننا سوف نتجاوز عن المنطق من أجل الإضحكاك، فمع الاسف فإن أحداث الفيلم فقيرة جدا في الإضحكاك، وظهر محمد سعد كمن يعصر نفسه ويمتهن موهبته كي يثير الضحك ولكن بلا فائدة، فقد حفظ الجمهور كل حركاته وألاعيبه، ولم يعد لديه مايغري المشاهد علي المتابعة! ويبدو أن محمد سعد شاهد وهو صغير مسرحية محمد صبحي "انتهي الدرس ياغبي" التي ألفها لينين الرملي وتأثر بها جدا، حتي أنه إستعار أسلوب أداء صبحي، عندما تمرد علي العالم الذي كان يعالجه"محمود المليجي"وأنتابته حالة من النكوص، وعاد شخصاً يعاني من التخلف العقلي، نفس الحكايه ونفس الأداء قام به محمد سعد، وكأنه مصاب بحاله من الصرع! أما مي عز الدين، فهي تنتحر فنيا بقبولها مثل هذا الدور الذي لم يضف لها شيئا، فهي موجودة في معظم المشاهد ولكنه وجود غير مؤثر مثل أية قطعة في الديكور، وإذا كان منطقها أنها تشارك في فيلم سوف يحقق نجاحا تجاريا كبيرا، يجعل الناس تتذكرها، فأن "نقبها طلع علي شونه"لأن الفيلم لن يلقي قبولا لدي الجمهور الذي لابد أن يكون قد أصابه الضجر من هذا التهريج الذي قام به محمد سعد طوال الفيلم! مما يحتم عليه أن يعلن وفاه شخصية الليمبي نهائيا ،بدلا من أن يضطر لإعلان وفاه شعبيته!!
|