يبدو أن الآثار الإسلامية ستظل دائما محل أنظار السارقين والمخربين الذين يعبثون بتاريخ مصر وآثارها وهم مطمئنون الآثار الإسلامية تحول قصر المسافر خانة إلى وكر لتعاطى المخدرات وتناول الكحوليات، ومقلب للقمامة ومرتع للحيوانات الضالة.
مسلسل الإهمال يستمر لينذر بأن المصائب لم تعد تحمل المزيد، فما كان يتم فى الخفاء يتم الآن فى العلن، وقصص سرقة الآثار التى كنا نسمع عنها يبدو أنها أصبحت من الأدبيات البائدة، فلصوص الآثار استغنوا عن مهاراتهم وخططهم طويلة المدى للاستيلاء على الآثار، وأصبحت سرقة الآثار "عينى عينك" وفى وضح النهار.
الدليل على هذا سرقة آثار مصر بأكثر ميادين القاهرة ازدحاما، "ميدان رمسيس" فبأمان تام واطمئنان كبير سرق اللصوص شباك سبيل "أم الأمير محمد على" الواقع بشارع الجمهورية خلف مسجد الفتح، أى فى منطقة لا تغيب عنها الشرطة ليلا أو نهارا، ومكان مزدحم يمشى الواحد فيه بالكاد، إلا أن اللصوص كان لهم رأى آخر، فوقفوا، وكسروا، ونهبوا وحملوا "سريقتهم" ومشوا مطمئنين، فى واقعة أقرب ما تكون للفضيحة منها للسرقة العادية إذ يشترك فى مسئولية حماية هذا الأثر كلا من المجلس الأعلى للآثار، ووزارة الأوقاف، وشرطة السياحة والآثار، والأمن العام، وجريدة الجمهورية "التى استغلته كمخزن"، كل جهة من هذه الجهات تتحمل مسئولية حماية هذا الأثر، من غير أن ينقص من مسئولية أحدها شيئا.
يقع السبيل بأول شارع الجمهورية، وبالتحديد خلف جامع الفتح، وبانيه هى السيدة زيبا قادين بنت عبد الله المعروفة باسم أم الأمير محمد على الصغير، وتم إنشاؤه سنة 1867 ميلادية، أى أنه بحكم القانون يعتبر أثرا، وكما يقول الدكتور أيمن فؤاد سيد فإن حالة هذا الأثر المعمارية والحضارية هى ما تضاعف من قيمته التاريخية، فيعتبر هذا السبيل من الأسبلة التى شهدت التحول الحضارى لنظم توزيع المياه، قبل أن تقوم شركة "خورييه" أول شركة توزيع مياه حديثة، بتغيير شكل الحياة فى مصر وتوصل المياه إلى البيوت بالمواسير والحنفيات، ولا يقل هذا السبيل من حيث الروعة والدقة المعمارية والأهمية التاريخية عن سبيلى أم عباس وسليمان السلحدار، ويكاد يفوقهما من حيث الاكتمال المعمارى والروعة فى التشكيل، وإذا ما قارنا صورة القديمة بصورة الحديثة فسيتبين لنا أنه يكاد يكون محافظا على جماله وروعته، وأنشأته السيدة "زيبا" فى هذه المنطقة التى كانت منعزلة للتيسير على الناس، وإمدادهم بالمياه بالقرب من الميناء القديم، وبقى هذا السبيل يمارس دوره الوظيفى حتى بعد إمداد القاهرة بالمياه عن طريق المواسير، وذلك بتزويده بحنفيات ليقوم بدوره على أكمل وجه.
ويبدو أن هذه المعلومات التى تبرز قيمة الأثر لم تشغل أحدا، وهو ما عرض الأثر إلى الكثير من الإهمال بداية مع ثورة يوليو، وكما قال أحد أهم مسئولى الآثار - فضل عدم الإعلان عن اسمه: "إن ثورة يوليو كانت تضمر عداء شديدا لأسرة محمد على وآثارهم، لذلك لم تعتن بالسبيل برغم قيمته التاريخية الكبيرة، واستغلت وضعه كوقف وأهدته لجريدة الجمهورية التى استخدمه كمطبعة، ولما أرادت توسعة مطابعها ونقلها من هذا المكان لم تترك الأثر للمجلس الأعلى للآثار، وأبقت عليه كمخزن، أما الآن فيتم استخدامه فى عدة أغراض لا تتناسب مع قيمته التاريخية، منها مثلا كمحل لبيع الأحذية والناحية الأخرى لبيع الكتب".
كل هذه الممارسات المخالفة مهدت لسرقة الأثر وتفتيت محتوياته الثمينة، فتم سرقة شباكه القيم بطريقة غريبة، تاركا علامات الاستفهام عن كيفية السرقة فى ميدان عام، فوفق تأكيد الخبراء، يزن هذا الشباك ما يقرب من 750 كيلو من النحاس الخالص، وسرقة شباك بأكمله وثلاثة أرباع الشباك الملاصق له تزيد المحصلة إلى 1250 كيلو تقريبا، ومن المرجح أن يتم استغلال محصلة السرقة كـ"خردة" وتباع بالكيلو، غير معتبرين لقيمتها الفنية والتاريخية، والغريب أن عملية السرقة هذه تم اكتشافها بالصدفة بعد أن تمت تماما، وما كان من القائمين على المكان إلا أن وضعوا جنازير حديدية على الشباكين المتبقيين، وكأن من سرق الشباك سيستعصى عليه أن يكسر الجنازير، وبالفعل أحد الشبابيك الأخرى فقد جزءاً كبيرا من أجزائه.
وبرغم أن الإجراءات القانونية المتبعة فى مثل هذه الحالات قد تمت فى سرية كبيرة، وهناك اتجاه إلى تحميل "غفير" الآثار لمسئولية هذه الفضيحة كلها، لكن تظل المشكلة كما يؤكد الخبراء تتحملها كل من وزارة الداخلية ووزارة الثقافة، ووزارة الأوقاف، وجريدة الجمهورية، فالداخلية تتهرب من مسئوليتها وتلقيها على "الآثار" والآثار تقدم غفير للمحاكمة، والجميع يلقون بالمسئولية من على كاهلهم، وبصرف النظر عما ستصير إليه هذه القصة إلا أنها تفجر قضية أصبحت ملحة وضاغطة وتشكل خطرا حقيقيا على الآثار الإسلامية والتى يتم استخدامها بطريقة لا تتناسب مع أهميتها الأثرية ولا تراعى حرمتها وقيمتها، فمن غير المعقول أن يتم استخدام "أثر" كمخزن" أو مصنع أو مدرسة، أو مطبعة، وأن تتركه الدولة معرضا للتبديد دون أن تتحرك، والغريب فى الأمر أن يتم التعتيم على هذه الواقعة الفاضحة، دون أن يدرك الرأى العام تفصيلها، ولا أن يشارك فى توجيه الاتهام إلى المقصرين فيها، ليمر حادث سرقة شباك سبيل أم الأمير محمد على كما مرت مشكلة سرقة مسجد "الفكهانى" و"الصالح طلائع" الأثريان، و"الطنبغا المردانى" ، و"جانم البهلوان"، وسبيل "رقية دودو"، ومن المتوقع أن تلاقى مئات المنشآت الأثرية نفس المصير إذا ما لم تتغير الأحوال، وتتشارك الجهات المعنية مع الرأى العام فى حماية الآثار بالشكل الذى يمنع تكرار هذه "الفضائح".
مسلسل الإهمال يستمر لينذر بأن المصائب لم تعد تحمل المزيد، فما كان يتم فى الخفاء يتم الآن فى العلن، وقصص سرقة الآثار التى كنا نسمع عنها يبدو أنها أصبحت من الأدبيات البائدة، فلصوص الآثار استغنوا عن مهاراتهم وخططهم طويلة المدى للاستيلاء على الآثار، وأصبحت سرقة الآثار "عينى عينك" وفى وضح النهار.
الدليل على هذا سرقة آثار مصر بأكثر ميادين القاهرة ازدحاما، "ميدان رمسيس" فبأمان تام واطمئنان كبير سرق اللصوص شباك سبيل "أم الأمير محمد على" الواقع بشارع الجمهورية خلف مسجد الفتح، أى فى منطقة لا تغيب عنها الشرطة ليلا أو نهارا، ومكان مزدحم يمشى الواحد فيه بالكاد، إلا أن اللصوص كان لهم رأى آخر، فوقفوا، وكسروا، ونهبوا وحملوا "سريقتهم" ومشوا مطمئنين، فى واقعة أقرب ما تكون للفضيحة منها للسرقة العادية إذ يشترك فى مسئولية حماية هذا الأثر كلا من المجلس الأعلى للآثار، ووزارة الأوقاف، وشرطة السياحة والآثار، والأمن العام، وجريدة الجمهورية "التى استغلته كمخزن"، كل جهة من هذه الجهات تتحمل مسئولية حماية هذا الأثر، من غير أن ينقص من مسئولية أحدها شيئا.
يقع السبيل بأول شارع الجمهورية، وبالتحديد خلف جامع الفتح، وبانيه هى السيدة زيبا قادين بنت عبد الله المعروفة باسم أم الأمير محمد على الصغير، وتم إنشاؤه سنة 1867 ميلادية، أى أنه بحكم القانون يعتبر أثرا، وكما يقول الدكتور أيمن فؤاد سيد فإن حالة هذا الأثر المعمارية والحضارية هى ما تضاعف من قيمته التاريخية، فيعتبر هذا السبيل من الأسبلة التى شهدت التحول الحضارى لنظم توزيع المياه، قبل أن تقوم شركة "خورييه" أول شركة توزيع مياه حديثة، بتغيير شكل الحياة فى مصر وتوصل المياه إلى البيوت بالمواسير والحنفيات، ولا يقل هذا السبيل من حيث الروعة والدقة المعمارية والأهمية التاريخية عن سبيلى أم عباس وسليمان السلحدار، ويكاد يفوقهما من حيث الاكتمال المعمارى والروعة فى التشكيل، وإذا ما قارنا صورة القديمة بصورة الحديثة فسيتبين لنا أنه يكاد يكون محافظا على جماله وروعته، وأنشأته السيدة "زيبا" فى هذه المنطقة التى كانت منعزلة للتيسير على الناس، وإمدادهم بالمياه بالقرب من الميناء القديم، وبقى هذا السبيل يمارس دوره الوظيفى حتى بعد إمداد القاهرة بالمياه عن طريق المواسير، وذلك بتزويده بحنفيات ليقوم بدوره على أكمل وجه.
ويبدو أن هذه المعلومات التى تبرز قيمة الأثر لم تشغل أحدا، وهو ما عرض الأثر إلى الكثير من الإهمال بداية مع ثورة يوليو، وكما قال أحد أهم مسئولى الآثار - فضل عدم الإعلان عن اسمه: "إن ثورة يوليو كانت تضمر عداء شديدا لأسرة محمد على وآثارهم، لذلك لم تعتن بالسبيل برغم قيمته التاريخية الكبيرة، واستغلت وضعه كوقف وأهدته لجريدة الجمهورية التى استخدمه كمطبعة، ولما أرادت توسعة مطابعها ونقلها من هذا المكان لم تترك الأثر للمجلس الأعلى للآثار، وأبقت عليه كمخزن، أما الآن فيتم استخدامه فى عدة أغراض لا تتناسب مع قيمته التاريخية، منها مثلا كمحل لبيع الأحذية والناحية الأخرى لبيع الكتب".
كل هذه الممارسات المخالفة مهدت لسرقة الأثر وتفتيت محتوياته الثمينة، فتم سرقة شباكه القيم بطريقة غريبة، تاركا علامات الاستفهام عن كيفية السرقة فى ميدان عام، فوفق تأكيد الخبراء، يزن هذا الشباك ما يقرب من 750 كيلو من النحاس الخالص، وسرقة شباك بأكمله وثلاثة أرباع الشباك الملاصق له تزيد المحصلة إلى 1250 كيلو تقريبا، ومن المرجح أن يتم استغلال محصلة السرقة كـ"خردة" وتباع بالكيلو، غير معتبرين لقيمتها الفنية والتاريخية، والغريب أن عملية السرقة هذه تم اكتشافها بالصدفة بعد أن تمت تماما، وما كان من القائمين على المكان إلا أن وضعوا جنازير حديدية على الشباكين المتبقيين، وكأن من سرق الشباك سيستعصى عليه أن يكسر الجنازير، وبالفعل أحد الشبابيك الأخرى فقد جزءاً كبيرا من أجزائه.
وبرغم أن الإجراءات القانونية المتبعة فى مثل هذه الحالات قد تمت فى سرية كبيرة، وهناك اتجاه إلى تحميل "غفير" الآثار لمسئولية هذه الفضيحة كلها، لكن تظل المشكلة كما يؤكد الخبراء تتحملها كل من وزارة الداخلية ووزارة الثقافة، ووزارة الأوقاف، وجريدة الجمهورية، فالداخلية تتهرب من مسئوليتها وتلقيها على "الآثار" والآثار تقدم غفير للمحاكمة، والجميع يلقون بالمسئولية من على كاهلهم، وبصرف النظر عما ستصير إليه هذه القصة إلا أنها تفجر قضية أصبحت ملحة وضاغطة وتشكل خطرا حقيقيا على الآثار الإسلامية والتى يتم استخدامها بطريقة لا تتناسب مع أهميتها الأثرية ولا تراعى حرمتها وقيمتها، فمن غير المعقول أن يتم استخدام "أثر" كمخزن" أو مصنع أو مدرسة، أو مطبعة، وأن تتركه الدولة معرضا للتبديد دون أن تتحرك، والغريب فى الأمر أن يتم التعتيم على هذه الواقعة الفاضحة، دون أن يدرك الرأى العام تفصيلها، ولا أن يشارك فى توجيه الاتهام إلى المقصرين فيها، ليمر حادث سرقة شباك سبيل أم الأمير محمد على كما مرت مشكلة سرقة مسجد "الفكهانى" و"الصالح طلائع" الأثريان، و"الطنبغا المردانى" ، و"جانم البهلوان"، وسبيل "رقية دودو"، ومن المتوقع أن تلاقى مئات المنشآت الأثرية نفس المصير إذا ما لم تتغير الأحوال، وتتشارك الجهات المعنية مع الرأى العام فى حماية الآثار بالشكل الذى يمنع تكرار هذه "الفضائح".