كما سمحت اليهودية بالطلاق حتى بدون أسباب، فالعهد القديم أعطي الزوج حق تطليق زوجته حتى إن كان فقط لا يحبها: "إذا تزوج رجل بامرأة مثيرة للاستياء لأنه اكتشف شيئاً غير مهذب عنها ، يكتب لها وثيقة الطلاق ويسلمها لها ويخرجها من المنزل. وإذا تزوجت بعد أن تركت المنزل برجل آخر ولم يحبها، يكتب وثيقة الطلاق ويسلمها لها ويخرجها من منزله، أو إذا توفى لا يستطيع زوجها الأول الذي طلقها أن يتزوجها مرة أخرى بعد أن أصبحت مدنسة." (التثنية 24: 1-4). أثارت الآيات السابقة جدلا كبيرا بين الباحثين اليهود لأنهم اختلفوا على تفسير كلمة "مثيرة للاستياء" و"غير مهذب" و"لا يحبها". وقد سجل التلمود آراءهم المختلفة: "قالت مدرسة شماي لا يجب أن يطلق الرجل زوجته إلا إذا اكتشف سوء سلوكها الجنسي، بينما قالت مدرسة هيلل بأنه يمكن أن يطلقها حتى بمجرد أن تفسد له طعاماً. أما الحاخام أكيبا فيقول إنه يمكن أن يطلقها بمجرد أن يجد امرأة أجمل منها"[35].
يتبع العهد الجديد رأي مدرسة شماي بينما يتبع القانون اليهودي رأي مدرسة هيلل والحاخام أكيبا[36]. وبما أن رأي مدرسة هيلل هو السائد فإنه أصبح من التقاليد المتبعة في القانون اليهودي أن يطلق الرجل زوجته بدون أي سبب. والعهد الجديد لا يعطي الرجل الحق فقط في أن يطلق المرأة المثيرة للاستياء وإنما أيضاً يجعل طلاق الزوجة السيئة واجبا عليه: "تتسبب الزوجة السيئة في الذل والهيئة الكئيبة والقلب المجروح. بطيء اليد ضعيف الركبة الرجل الذي فشلت زوجته في إسعاده. النساء هن أساس الخطيئة وبسببها سنموت جميعاً. لا تدع الكيس المقطوع يسرب ولا تسمح للزوجة السيئة أن تقول ما تشاء فإذا لم تقبل سلطتك طلقها وأرسلها بعيداً." (Ecclesiasticus 25:25)
وقد سجل التلمود عدة أفعال معينة من الزوجات أجبرت الأزواج على طلاقهن: "إذا أكلت في الطريق وإذا شربت بشره في الطريق وإذا أرضعت في الطريق، يقول الحاخام مير في كل هذه الحالات يجب أن تترك زوجها"[37] كما جعل التلمود طلاق المرأة العاقر إجباريا (التي لا تلد لمدة عشر سنوات): "يعتقد حاخاماتنا: إذا تزوج الرجل امرأة وعاش معها عشر سنوات ولم تنجب، يجب عليه أن يطلقها"[38].
والزوجات من جهة أخرى لا يمكنهن أن يبدأن الطلاق طبقاً للقانون اليهودي. ومع ذلك يمكن للمرأة اليهودية أن تطلب الطلاق أمام المحكمة اليهودية لكن بسبب قوي جدا. والدوافع المتوفرة للمرأة لتطلب الطلاق قليلة جدا وتتضمن أن يعاني الزوج من عيب جسدي أو مرض جلدي أو عدم أدائه للواجبات الزوجية إلى آخر ذلك. يمكن للمحكمة أن تصدق على طلب الزوجة بالطلاق لكن لا يمكنها أن تحل الزواج، الزوج فقط هو من يستطيع ذلك بإعطاء الزوجة وثيقة الطلاق. ويمكن للمحكمة أن تجلده أو تغرمه أو تسجنه أو تحرم عليه الكنيسة لتجبره على تسليم الزوجة الوثيقة اللازمة للطلاق؛ وإذا عاند الزوج وكان قوياً بما يكفي يمكنه عدم منحها الوثيقة لأجل غير مسمى. والأسوأ من ذلك هو أنه يمكن أن يهجرها بدون طلاق أي غير متزوجة وغير مطلقة. ويمكنه الزواج من أخرى أو العيش معها فقط بدون زواج وينجب منها أطفالاً شرعيين تبعاً للقانون اليهودي. وفي المقابل لا يمكن للمرأة أن تتزوج من آخر ما دامت مرتبطة بزوجها قانونيا ولا يمكنها أن تعيش مع آخر لأن ذلك يعتبر زنا وأولادها منه غير شرعيين لمدة عشرة أجيال. وهذه المرأة المعلقة يطلق عليها (agunah أي المرأة المقيدة)[39]. يوجد اليوم في الولايات المتحدة ما يقرب من 1000 أو 1500 امرأة على هذا الوضع بينما يوجد في إسرائيل ما يقرب من 16000. وقد يبتز الأزواج آلاف الدولارات من الزوجات المقيدات في مقابل الطلاق اليهودي[40].
وفيما يخص الميراث وصف الحاخام إبستين ببلاغة موقف التوراة تجاه ميراث المرأة من أقاربها المتوفين: "إن العادة المستمرة التي لم يخرقها أحد منذ عهد التوراة لا تعطي أفراد العائلة من الإناث- الزوجة أو البنات- أي حق في ميراث ممتلكات العائلة. فمن القواعد الأولية لنظام الميراث أن المرأة تعتبر جزء من ممتلكات العائلة كما أنها بعيدة كل البعد عن الشخصية القانونية للوارث مثل العبيد. بينما تبعاً للقانون الموسوي يكون للبنات الحق في الميراث عند عدم وجود ورثة من الذكور لكن الزوجة ليس لها الحق في الميراث حتى طبقا لهذه الشروط"[41]. لماذا كان أعضاء الأسرة الإناث يعتبرن جزء من ممتلكات العائلة؟ الحاخام إبستين يجيب: "قبل الزواج يكنّ من أملاك الأب وبعد الزواج من أملاك الزوج"[42]. تُختصر قوانين الميراث في توراة العهد القديم في سفر العدد 27: 1-11. فالزوجة لا تأخذ شيئاً من ممتلكات زوجها بينما يكون هو وريثها الأول حتى قبل أولادها. يمكن للابنة أن ترث في حالة عدم وجود أبناء ذكور. أما الأم فليست وريثة أبدا لكن الأب يرث. النساء الأرامل والبنات في حالة وجود أبناء ذكور يكنّ تحت رحمتهم. ولهذا السبب تكون الأرامل والبنات الأيتام أكثر الأفراد فقراً في المجتمع اليهودي. علاوةً على ذلك تقول اليهودية: "المرأة لا تتمتع بالحكمة سوى في أمور الغزل"[43]. و"النساء جشعات"[44] و "تنبعث منهن رائحة عرق كريهة (يجب أن يستخدمن العطور)، صاحبات الصوت الأعلى (صوتها حاد)"[45]. وقد شرح الحاخامات كل هذا التمييز اعتماداً على قصة الخلق، يشرح آر. جوشوا لتابعيه: "النساء لهن رائحة كريهة لأنهن خلقن من اللحم ولسن مثل الرجال الذين خلقوا من الأرض..."[46]
هذه الآراء والأحكام في خصوص المرأة في الديانتين المسيحية واليهودية، تهين المرأة بشكل لا يصدق، فهي تعتبرها في أفضل الحالات دون الرجل في الحقوق وهي طبعا غير مساوية له بل مجرد تابعة وأمة تخدمه ويعاملها كمجرد عقار يملكه ويتصرف فيه كيفما شاء. هذه العنصرية ضد المرأة في الغرب تسببت في إطلاق حركة حقوق المرأة سنة 1848 في الولايات المتحدة على يد 'Elizabeth Cady Stanton' ومجموعة من زميلاتها من منطلق أن وثيقة الاستقلال الأمريكية والتي كتبت قبل سبعين عامًا من هذا التاريخ نصت على ‘أن الله خلق الرجل والمرأة مساويين في الحقوق والواجبات، وأن الله منحهما حق الحياة والحرية والسعادة’