لا يمكن للأمة أن تتقدم و لا أن تنال التميكن و العزة إذا ما كان حديثنا دوما مجاملات عبثية لا فائدة من ورائها.
صحيح أن الشيخ نبيل العوضي يقدم برنامج أروع القصص .ذلك أنه يقدم قصص القرآن الكريم .
لكن للأسف الشديد أحيانا تتحول هذه السلسلة إلى فهم سطحي سخيف يسيء للإسلام أكثر مما يخدمه.
سمعت الشيخ نبيل العوضي و هو يسرد فهمه لقصة عزير المذكور في قول الله تعالى :
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (259) سورة البقرة.
لقد كان الشيخ يسرد الفهم التوراتي للقصة و هو فهم بعيد كل البعد عن حقيقة كتاب الله المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه .
كان على الشيخ أن يتريث قليلا في طرح هذا الفهم الخرافي.و كان عليه أن يقوم بختم القرآن الكريم كله من أجل هذه المسألة.و لو أنه فعل هذا لما جانب الحق و الصواب.
أول ما كان يجب عليه أن يقوم به هو أن يبحث : هل قال القرآن الكريم بعودة الأموات إلى الدنيا؟.
عندها سيتفاجأ الشيخ العوضي و يدرك يقينا أنه يسبح ضد التيار.
لقد حكم القرآن الكريم و الحديث الشريف باستحالة عودة من مات إلى الدنيا و البراهين القرآنية كثيرة جدا في هذا الصدد .نذكر منها :
-يقول الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (16) سورة المؤمنون.
فالبعث يكون يوم القيامة بصريح القرآن.و لا يكون في أيام الدنيا هذه.
يقول الله تعالى : {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (95) سورة الأنبياء.
و يقول الله تعالى : {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (31) سورة يــس.
و يقول الله تعالى : {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (100) سورة المؤمنون.
و يقول الله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (167) سورة البقرة.
ثم يأتيك الجواب الشافي الكافي الذي يزيل كل التباس بفضل الله .
لقد جاء الكافر العنيد العاص بن وائل متحديا رسول الله ,و كان يحمل في يده عظاما نخرة.و قال لرسول الله : هل يستطيع ربك أن يحيي هذه العظام الرميم؟.
فقال له رسول الله : يحييها و يدخلك النار .
لكن الله لم يرفع التحدي الذي طرحه هذا الكافر في وجه رسول الله .
و لم يحي الله تعالى هذه العظام بالرغم من أن التحدي موجه لأفضل الخلق على الإطلاق.
و خلد القرآن الكريم هذه القصة في سورة يس.
و طلب الله تعالى من كل معاند يشك في قدرة الله تعالى أن يتدبر في النشأة الأولى فهي أبلغ من الموت و الإحياء.
يقول الله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} (77) سورة يــس.....إلى آخر سورة يس.
فثبت جليا أن القرآن الكريم قد حكم بعدم رجوع الموتى للدنيا .
ثم إنه حدث أن استشهد أحد الصحابة رضوان الله عليهم جميعا. فطلب الصحابة من رسول الله أن يدعو الله أن يحييه.
لكنه قال لهم : استغفروا لأخيكم .
و قال : لقد سبق القول من الله تعالى أنهم إليها لا يرجعون .
ضف إلى كل هذه الأدلة, أن رجوع أحد الأموات للدنيا مرة ثانية يطرح الكثير من الأسئلة الخطيرة .فهل سيكون محل امتحان مرة أخرى؟.
أم أنه سيكون إنسانا مؤمنا تقيا قطعا ؟.
و عليه فلا يكون أبدا تفسير الشيخ العوضي تفسيرا مقبولا مطلقا.
ثم إن عزير طلب من الله تعالى أن يريه كيف يحيي البلدة بعد موتها .
و لم يطلب منه أن يريه كيف يحيي الأموات.
لكن جواب الله لم يكن على قدر السؤال.ذلك أن الله تعالى أمات عزيرا , و احياه.
و لم ير عزير كيف أحيا الله الموتى أبدا.
ضف أن طعام و شراب عزير لم يتغير مطلقا .
و كذلك حماره لم يتغير أبدا.
لأن الله تعالى طلب منه أن ينظر إلى حماره و ليس إلى عظام حماره .
مما يثبت يقينا أن هذه القصة تحمل معان عظيمة لا يمكن أن تخالف القرآن و لو في ىية واحدة.
و القضية أن عزير تساءل كيف سيحيي الله بيت المقدس بعد خرابها.
فأراه الله كشفا روحانيا .لم يدم سوى لحظات فقط. قل إنها رؤيا.
رأى كيف أن هذه البلدة سيحييها الله بهد مئة سنة من ذلك الحين.
و العظام المذكورة في الىية الكريمة , إنما تعود على هياكل البلدة المنهارة .و كيف أنها عادت للحياة مرة أخرى بعد مدة مئة سنة.
و هذا ما يؤيده التاريخ.
أما اروع القصص بفهم الشيخ نبيل العوضي فهي أصبحت إساءة عظيمة لكتاب الله المجيد , و لله نفسه و العياذ بالله .
فعزير يطلب من الله أن يريه كيف يحيي البلدة, لكن الله يميته هو.سبحان الله عما تفهم يا نبيل العوضي.مع كل احتراماتي .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .