السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
يرى أهل الفكر التقليدي أنه في زمن موسى عليه السلام, حدث أن مات رجل يهودي مقتولا. و لم يعرفوا القاتل الجاني .و ظلوا يتبادلون التهم , و يتدارءون بينهم عبء الجريمة .
و لبيان حقيقة القاتل , أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يأمر قومه بذبح بقرة .ثم رمي جثة القتيل ببعض اللحم .فقام القتيل و أخبرهم عن القاتل الحقيقي .ثم مات من جديد.
و الحقيقة أن تفسيرا كهذا , لا عبرة فيها و لا قيمة له لأنه يتعارض مع صريح القرآن الكريم في كثير من الآيات القرآنية العظيمة التي حكمت يقينا و قطعا باستحالة رجوع الأموات إلى الدنيا مرة أخرى.
و قد رأينا بعض البراهين القرآنية في موضوع الذي مر على قرية .
و ليس من سنن الله تعالى أن يفصح الميت عن قاتله لمجرد ضربه بلحم بقرة .
و ليس في الأمر معجزة أصلا .
و هذا تفسير يستحي أصحابه من طرحه على البشر العقلاء الذين يحترمون عقولهم .و يحترمون العلم و المنطق.
ضف إلى كل هذه التناقضات , ما هي الفائدة أو العبرة من تفسير كهذا؟.
الجواب لا شيء.
سوى تشويه صورة الغسلام الحنيف .
لكن ما هو البديل ؟.
البديل ما تقدمه الأحمدية الطاهرة النقية , لأن ينسجم مع كتاب الله المجيد كله, و لا يقبل المعجزات العبثية التي لا يقبلها عاقل إلا أن يغمض فيها.
في سورة البقرة , ذكر الله تعالى حوادث كثيرة.كل حادثة بدأت لكلمة (( و إذ )).{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (67) سورة البقرة.
و كل حادثة منفصلة عن غيرها من الحوادث.
لكن أهل الفكر التقليدي ربطوا بين حادثتين مختلفتين .حادثة ذبح البقرة .و حادثة أخرى ذكرها الله بعد الأمر بذبح البقرة .و لو صح تفسير القوم لذكرت حادثة القتيل قبل حادثة ذبح البقرة .
لكن القوم يقبلون كل التناقضات .
لم يكن حال بني إسرائيل أيام موسى عليه السلام ليعزب عن علم الله تعالى .و كانت طبيعة اليهود يومها تميل للتأثر بمحيطهم الغالب عليهم .و لا ننسى أنهم طلبوا من موسى أن يجعل لهم إله كما لغيرهم آلهة .
و تأثرهم بالمصريين الوثنيين يومها , الذي يقدسون البقر, جعلهم يفكرون في اتخاذ بقرة إله لهم من دون الله تعالى .
فأراد الله تعالى أن يكسر تلك الوثنية من قلوبهم و إلى الأبد.فأمر نبيه موسى أن يأمرهم بذبح بقرة , و تقطيعها و أكل لحمها .
لأنهم بفعلهم هذا سيدركون تماما أنها مجرد بقرة , كائنا حيا سخره الله تعالى للبشر للإنتفاع به .
و عندما يرون البقرة تنحر , و يسل دمها ثم تتخبط و تموت .و لم ترد عن نفسها شيئا .سيدركون أنهم أخذأوا طريق الحق بتفكيرهم في عبادة غير الله تعالى .
هنا ندرك العبرة من القصة .لأنها تصب في صلب قضية توحيد الله تعالى و محاربة الوثنية .
لكن في التفسير السابق , و للأسف الشديد , نراه تفسيرا خرافيا , يسيء للإسلام الحنيف .
ثم تأتي حادثة القتيل , بعد حادثة البقرة , و لا علاقة لها البتة بقصة البتة بقصة البقرة .
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} (72) سورة البقرة.
قتل الرجل اليهودي و تمارى القوم كل يدرء عن نفسه التهمة و لم يعرف القاتل .فأراد الله تعالى أن يعلمهم كيفية البحث و التحري لمعرفة الحقيقة .من خلال ملابسات القضية نفسها.فقال: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (73) سورة البقرة.
لقد توهم أصحابنا أن كلمة(( ببعضها )) تعود على البقرة .فخرجوا لنا بتفسير مناقض لقول الله تعالى (( فيمسك التي قضى عليها الموت)) , مناقض لسنن الله في ملكوته .
و الحقيقة أن كلمة (( ببعضها)) تشير إلى ملابسات قضية القتل نفسها .
أي قوموا بفحص كل كبيرة و صغيرة في قضية القتيل .و استنبطوا الأدلة من خلالها.
من هم أصحاب القتيل ؟.
من كان منهم على عداوة معه؟.
و أين كان فلان ؟.
و اين كان القتيل ؟.
و هكذا.
فنضرب القضية لما تحتويه من ملابسات , و لا شك أننا سنخرج إلى حقيقة القاتل .
أما ذلك التفسير السطحي المناقض لكتاب الله العليم الحكيم , فلا أراه سيستمر بعد مجيء نور الحق , و علوم القرآن الكريم الذي أفاضها الله تعالى على أيدي خادم رسول الله عليهما الصلاة و السلام .