علميني يا أمي كيفَ أنفضُ غبارَ أحزاني ؟..

علميني كيفَ يثورُ الوجعُ على الذاكرة ؟..

حدثني عن ضعفٍ يتملكني ..كيفَ أقتله ؟

كيفَ أنتصرُ لحياتي الموؤدة ؟

كيفَ أتوجهُ للأسفلِ لِأُنَقِبَ عن سعادتي دونَ أن تخنقني عبارات الغبار ..

كيفَ يلتصقُ الحرمانَ بجسدٍ منذُ ألفيَ عامٍ ولا يملَّه أبداً ؟

علميني عندما أصابَ بالدَوارِِ كيفَ أسقطُ في قلبُكِ وأبكي ؟

كيفَ أبني من ركامِ ذاكرتي .. حُلماً آخرَ لابتهالاتي ؟

كيفَ أنضُجُ فوقَ غطرستي و أكبُرُ رُغماً عن كلِ الطفولةِ التي تتوسلُ أصابعي !

ما عادَ يا أمي النومُ يسلِبُني ..ما عادَ الأرقُ يتملصُ من أوجاعي ..

ما عادَ الصمتُ يقتُلُني ..وتَهُزُني غرباتٍ ثلاثْ ..

غربةَ أحلامي ..التي انطفأتْ حينَ غرِقتْ مدينَتُنا بالموت ..

و غربةَ أيامي ..التي فقدتْ أنوثتَها حينَ اغتصبها الرحيلْ ..

وغربةَ أقلامي .. التي جفتْ رُغمَ منابعِ الألمِ التي تتشربُها حدِ العطشْ !

الصمتُ يا أمي أصبحَ صوتي .. أصبحَ يُغذي شلالَ الضجيجِ الذي تُحدِثُه روحي .. حينَ تصرخ في الأملِ .. عُدْ ..!

صرخاتُه تشبهُ صرخاتِ المقاعدِ التي تركناها بلا موعدٍ آخرَ .. وبلا وعدٍ في لقاءٍ جديد ..

تلكَ المقاعدُ افترشها اليأسُ واستفاقَ على أضرحةِ الجنونِ بلا متكأٍ يُرَوّيها بانتفاضاتهِ العديدة ..

بعضَ السكونِ انفضَّ على أحبالِ صوتي .. يفتلها ليصنعَ جديلةٍ تُزيّنُ مخلوقاً جديداً امتازَ بالهدوء

تتألقُ في ترتيبِ أجزائِها لذاكَ الدخيلِ على ضوضائي ..

صمتٌ يفرشُ حصيرَ استكاناته على عتباتِ جسدي ويغلقُ مساماتِ الحرفِ الذي ينزفُ من ثقوبِ ذاكرتي الأليمة ..

نوافذُ الروحِ ما عادتْ تجلبُ الهدوءَ والسكينة ..

تُراني يا أمي أشُقُ مِبضَعَ الحرفِ ببعضٍ من ألم ..

أينَ الوقتَ يا أمي ؟ ما عدتُ أقْدِرُ على قتلهِ .. لقد قتلني !!

أتذكرينَ يا أمي حينَ قلتِ لي : اضبطي ساعتُكِ على دقاتِ قلبُكِ وسوفَ تتأكدينَ أنَ العمرَ لحظة ..؟

ضَبطْتُها يا أمي .. وكانت أجملُ لحظةٍ أتنفسُها ..

حملني النبضُ لسمائي الثامنة وفقدتُ الحزنْ .. تسربَ يا أمي من جيوبِ معطفي

لمْ أحتملْ نبضاً كهذا الذي يمطرني الآنْ .. يُغرِقُني ..

أدركتُ يا أمي أن الوجعَ ليسَ عقيماً.. كما يزعُمون ..

الوجعُ يا أمي أنبتَ في رحمي ألفَ سعادةٍ كهذهِ .. وألفَ نبضٍ كهذا ..

وألفُ ألفُ عشقٍٍ ليسَ يشبِهُهُ شيءْ ..

الأسرارُ يا أمي تحرِضُني أن أفضحَ عشقي .. لا أتمالَكَها ..

أريدُ أن أخبِرَ العمرَ بألا يُسرعَ ..أريدُ أن أعشقَ بهدوء

أريدُ أن أتنفسَ ببطءٍ ..

أريدُ أن أتشربَ كل أنفاسِهِ بمساماتي الدقيقة..

أتدرينَ يا أمي ؟

إنني كلُ ليلةٍ أنام .. واللهِ يا أمي أنام ..

أدري أنني تملصتُ من عقلي .. لكنه واللهِ هَيام ..

اكتشفتُ يا أمي أن المطرَ عذبٌ ..لا كما قالوا..

بأنَ الخيانةَ غَرِقت في لجِ بحرٍ ثمَّ سقطت شمسٌ عليه فتبخرَ إلى أن صارَ غيماً في السماء..

فهطلَ كلَ شتاءٍ بملوحةٍ يَنخُرُ أجزائها خيانة..

لا يا أمي.. لا تصدقيهم !

المطرُ يا أمي نقاءٌ أبيضٌ .. ياسمينٌ دمشقيٌّ أنانيٌّ لا يقبلُ سوى النقاء..

كَقَلْبُكِ يا رفيقةَ روحي ..وقلْبَهُ..

خَبِّريهم باللهِ عليكِ يا أمي .. أنني الآنَ أنا ..

ولا أُشبِهُ سوى نفسي !

لمْ أعدْ تلكَ الفقيرةَ من حبْ ..

أصبحتُ عشقاً يترددُ كلَ مساءٍ إلى النجوم ..لكي تستوهبَ النورَ من عيناي..

خبئيني يا أمي سراً دفيناً .. في عُمرُكِ .. واتركيني ..

أنامُ ليلتي هذهِ من عشقٍ يدلِلُني ويسرِجُ أحلامَهُ في أوصالي..

وتعالَي نمتطي صهوةَ الروح..ونُحلِّقُ خلفَ النوارسِ حينَ تنام

دعينا نكونُ سرباً من غمام ..طوقاً من حمام ..

إنني الآنَ يا أمي "بحقٍ" أنااام ..!!

يارب تستمتعووووووووووووووووووووووووا