تردد في كتابة مذكرات الدعوة والداعية بعد أن ضبطت النيابة أجزاء من كتاب مذاكرات الدعوة والداعية حسن البنا..لكنه عاد وكتبها. لأنه كانت لديه رغبة ملحة في ذلك
حسن البنا تعود على تكوين الجمعيات منذ صغره..كانت أولها جمعية الأخلاق الحميدة..ثم جمعية منع المحرمات.
هرب من الكتاب الى المدرسة الإعدادية..ولم يوافق والده إلا بعد أن تعهد له بإتمام حفظ القرآن الكريم.
“على هامش مسلسل “الجماعة”..الذي سجل فيه وحيد حامد تاريخ مؤسس جماعة الاخوان المسلمين، ظهرت بقوة “مذكرات الدعوة والداعية“، وهي المذكرات التي كتبها حسن البنا بنفسه،وحيد حامد قال إنه استند الى مذكرات الدعوة والداعية حسن البنا، ولو أن الاخوان المسلمين كذبوا شيئا في مسلسل الجماعة ، فإنهم يكذبون بذلك مرشدهم حسن البنا فيما كتبه وقاله عن حياته، لكن الاخوان المسلمين أنفسهم يشككون أن يكون وحيد حامد استند الى مذكرات البنا، وأنه يقول ذلك فقط، من أجل كسب الرأي العام، ومن أجل أن يشوه تاريخ المرشد الأول للجماعة، وهو يرفع في وجه من يعارضه أن ما يقوله هو ما كتبه البنا بنفسه.
هنا ننشر فصولا من مذكرات الدعوة والداعية التي نشرتها جماعة الاخوان المسلمين في أكثر من طبعة،وقد اعتمدنا النسخة التي نشرتها الجماعة،حتى لا يزايد أحد علينا،ولعلها تكون فرصة،أن يعرف من يقرأ..أيهما الأصدق وحيد حامد أم الجماعة”
لا أدري لماذا أجد في نفسي رغبة ملحة في كتابة هذه المذكرات بعد أن أعرضت عن ذلك إعراضا تاما على أثر عثور النيابة على مذكراتي الخاصة سنة 1943 وما لقيت من المحقق من عنت وإرهاق في غير جدوي ولا طائل ولا موجب إلا تحميل الألفاظ آخر ما تحمل، واستنباط النتائج التي لا تؤدي إليها المقدمات بحجة أن هذه هي مهمة النيابة العمومية باعتبارها سلطة اتهام.
ولعل ضياع معظم هذه المذكرات بعد ذلك هو السبب المباشر نزولاً على هذه الرغبة، لأنه يظهر أنه من العزيز على المرء أن تضيع من بين يديه هذه الذكريات العزيزة، أو أنه يخشي عليها الضياع والنسيان وهي صفحات حياته، يسري بتلاوتها واستعراضها عن نفسه، ويتركها لغيره من بعده.. وبالرغم من هذا الضياع فإنني مازلت أذكر هذه الوقائع كأنها بنت الساعة.
ولعل هذا سبب آخر لرغبتي في الكتابة، حتى لا تأتي على هذا التذكر عوادي الزمن، واختلاف النهار والليل ينسي!.
ومهما يكن من شيء فأنا راغب في الكتابة، وسأكتب نزولا على هذه الرغبة، فإن يكن الخاطر رحمانياً فالحمد لله، وإن يكن غير ذلك فأستغفر الله، ويقيني أن هذه الكتابة إن لم تنفع فلن تضر، والخير أردت، والله ولى التوفيق.
وإن كنت أوصي الذين يعرضون أنفسهم للعمل العام ويرون أنفسهم عرضة للاحتكاك بالحكومات ألا يحرصوا على الكتابة، فذلك أروح لأنفسهم وللناس، وأبعد عن فساد التعليل وسوء التأويل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل!.
مدرسة الرشاد الدينية
رحم الله أستاذنا الشيخ محمد زهران صاحب مدرسة الرشاد الدينية، الرجل الذكي الألمعي، العالم التقي، الفطن اللقن الظريف، الذي كان بين الناس سراجا مشرقا بنور العلم والفضل يضيئ في كل مكان، وهو وإن كانت دراسته النظامية لم تصل به الى مرتبة العلماء الرسميين، فإن ذكاءه واستعداده وأدبه وجهاده ند جعله يسبق سبقاً بعيداً في المعارف وفي الإنتاج العام. كان يدرس العامة في المسجد ويفقه السيدات في البيوت. وأنشأ مع ذلك مدرسة الرشاد الدينية في سنة 1915 م. تقريبا لتعليم النشء على صورة كتاتيب الإعانة الأهلية المنتشرة في ذلك العهد في القرى والريف، ولكنها في نهج المعاهد الرائعة التي تعتبر دار علم وعمل! تربية على السواء ممتازة في مادتها وطريقتها، وتشتمل مواد الدراسة فيها- زيادة على المواد المعروفة في أمثالها حينذاك – على الأحاديث النبوية حفظا وفهما، فكان على التلاميذ أن يدرسوا كل أسبوع في نهاية حصص يوم الخميس حديثا جديد يشرح لهم حتى يفقهوه، ويكررونه حتى يحفظوه ثم يستعرضون معه ما سبق أن درسوه فلا ينتهي العام إلا وقد حصلوا ثروة لا بأس بها من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأذكر أن معظم ما أحفظ من الأحاديث بنصه هو مما علق بالذهن منذ ذلك الحين، كما كانت تشتمل كذلك على الإنشاء والقواعد والتطبيق، وطرف من الأدب في المطالعة أو الإملاء ومحفوظات ممتازة من جيد النظم أو النثر ولم يكن شيء من هذه المواد معروفا في الكتاتيب المماثلة. وكان للرجل أسلوب في التدريس والتربية مؤثر منتج، رغم أنه لم يدرس علوم التربية ولم يتلق قواعد علم النفس، فكان يعتمد أكثر ما يعتمد على المشاركة الوجدانية بينه وبين تلامذته، وكان يحاسبهم على تصرفاتهم حسابا دقيقا مشربا بإشعارهم الثقة بهم والاعتماد عليهم، ويجازيهم على الإحسان أو الإساءة جزاء أدبيا.
يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع الإحسان، كما يذيقها قوارص الألم والحزن مع الإساءة، وكثيرا ما يكون ذلك في صورة نكتة لاذعة أو دعوة صالحة أو بيت من الشعر- إذ كان الأستاذ يقرضه على قلة- ولا أزال أذكر بيتا من الشعر كان مكافأة على إجابة في التطبيق أعجبته فأمر صاحب الكراسة أن يكتب تحت درجة الموضوع.
حسن أجاب وفي الجواب أجادا فالله يمنحه رضا ورشادا
كما أذكر بيتا آخر أتحف به أحد الزملاء على إجابة لم ترقه فأمره أن يكتب تحت درجته:
يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا الفتي يا غارة الله
ولقد ذهبت مثلا وأطلقت على هذا الزميل اسماً فكنا كثيراً ما نناديه إذا أردنا أن نغيظه يا غارة الله. وإنما كان الأستاذ يوصي صاحب الكراسة بأن يكتب بنفسه ما يمليه عليه لأنه رحمه الله كان كفيفاً ولكن في بصيرته نور كثير عن المبصرين فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ولعلى أدركت منذ تلك اللحظة وإن لم أشعر بهذا الإدراك- أثر التجاوب الروحي والمشاركة العاطفية بين التلميذ والأستاذ، فلقد كنا نحب أستاذنا حباً جماً رغم ما كان يكلفنا من مرهقات الأعمال. ولعلى أفدت منه رحمه الله مع تلك العاطفة الروحية حب الاطلاع وكثرة القراءة إذ كثيراً ما كان يصطحبني الى مكتبته وفيها الكثير من المؤلفات النافعة لأراجع له واقرأ عليه ما يحتاج إليه من مسائل، وكثيراً ما يكون معه بعض جلسائه من أهل العلم فيتناولون الموضوع بالبحث والنظر والنقاش وأنا أسمع. وهكذا يكون لهذا الاتصال المباشر بين الأستاذ والتلميذ أجمل الآثار. وحبذا لو قدر ذلك المعلمون والمربون واعتمدوا عليه وعنوا به ففيه إن شاء الله الخير الكثير. وفي هذه المدرسة المباركة مرت فترة من فترات العمر بين الثامنة الى الثانية عشرة.
الى المدرسة الإعدادية
ولقد شغل أستاذنا بعد ذلك عن مدرسته، وعهد بها الى غيره من العرفاء الذين ليس لهم مثل روحه المشرق وعلمه الواسع وأدبه الجم وخلقه الجذاب، فلم يرق لهذا الناشئ الذي تذوق حلاوة هذه الخلال أن يصبر على صحبتهم، رغم أنه لم يتم القرآن حفظاً بعد، ولم يحقق رغبة والده الملحة في أن يراه حافظا لكتاب الله، فهو لم يتجاوز بعد سورة الإسراء ابتداء من البقرة- وهو نصف الختمة تقريباً- وعلى حين فجأة صارح والده في تصميم عجيب أنه لم يعد يطيق أن يستمر بهذه الكتاتيب وأنه لابد له من الذهاب الى المدرسة الإعدادية. والمدرسة الإعدادية حينذاك على غرار المدرسة الابتدائية اليوم بحذف اللغة الأجنبية وإضافة بعض مواد القوانين العقارية والمالية وطرف من فلاحة البساتين، مع التوسع نوعاً في دراسة علوم اللغة الوطنية والدين.
وعارض الوالد الحريص على أن يحفظ ولده كتاب الله، في هذه الرغبة ولكنه وافق عليها بعد أن تعهد له صاحبها بأن يتم حفظ القرآن الكريم من منزله. وما جاء أول الأسبوع حتى كان الغلام طالباً بالمدرسة الإعدادية يقسم وقته بين الدرس نهاراً، وتعلم صناعة الساعات التي أغرم بها بعد الانصراف من المدرسة الى صلاة العشاء، ويستذكر هذه الدروس بعد ذلك الى النوم، ويحفظ حصته من القرآن الكريم بعد صلاة الصبح حتى يذهب الى المدرسة.
جمعية الأخلاق الأدبية
وكان من بين أساتذة هذه المدرسة محمد أفندي عبد الخالق رحمه الله وكان مدرس حساب ورياضة، ولكنه كان صاحب خلق وفضيلة، فاقترح على طلبة السنة الثالثة أن يؤسسوا من بينهم جمعية مدرسية يطلقون عليها اسم جمعية الأخلاق الأدبية وضع بنفسه لائحتها، واعتبر نفسه المشرف عليها وأرشد الطلاب الى اختيار مجلس إدارتها. وكانت لائحتها الداخلية تتلخص في أن: من شتم أخاه غرم مليماً واحدا، ومن شتم الوالد غرم مليمين، ومن شتم الأم غرم قرشا، ومن سب الدين غرم قرشين، ومن تشاجر مع آخر غرم مثل ذلك – وتضاعف هذه العقوبة لأعضاء مجلس الإدارة ورئيسه- ومن توقف عن التنفيذ قاطعه زملاؤه حتى ينفذ، وما يتجمع من هذه الغرامات ينفق في وجوه من البر والخير، وعلى هؤلاء الأعضاء جميعاً أن يتواصوا فيما بينهم بالتمسك بالدين وأداء الصلاة في أوقاتها والحرص على طاعة الله والوالدين ومن هم أكبر سنا أو مقاماً.
وكانت ثروة مدرسة الرشاد الدينية سببا في أن يتقدم هذا الناشئ إخوانه وأن تتجه إليه أنظارهم حتى إذا أريد اختيار مجلس إدارة جمعية الأخلاق الأدبية وقع اختيارهم عليه رئيسا لهذا المجلس. وزاولت الجمعية عملها وحاكمت الكثيرين على مخالفات وقعت منهم وجمع من هذه الغرامات مبلغ من المال لا بأس به أنفق بعضه في تكريم الزميل الطالب لبيب اسكندر شقيق طبيب الصحة الذي نقل الى بلد آخر نقل أخوه معه، وأنفق البعض الآخر في تجهيز ميت غريب غريق ألقي به النيل الى جوار سور المدرسة فقامت الجمعية بتجهيزه من هذه الأموال. ولا شك أن جمعية كهذه تنتج في باب تكوين الأخلاق اكثر مما ينتج عشرون درسا من الدروس النظرية، وعلى المدارس والمعاهد أن تعني اكبر العناية بأمثال هذه الجمعيات…
على شاطئ النيل
وأذكر أن كان من أثر هذه الجمعية في نفوس أعضائها الناشئين أنني مررت ذات يوم على شاطئ نهر النيل حيث يشتغل عدد كبير من العمال في بناء السفن الشراعية، وهي صناعة كانت منتشرة في محمودية بحيرة، فلاحظت أن أحد أصحاب هذه السفن المنشأة قد علق في ساريتها تمثالا خشبيا عاريا على صورة تتنافي مع الأدب، وبخاصة وأن هذا الجزء من الشاطئ يتردد عليه السيدات والفتيات يسقين منه الماء، فهالني ما رأيت وذهبت فورا الى ضابط النقطة – ولم تكن المحمودية قد صارت مركزا إداريا بعد- وقصصت عليه. القصص مستنكرا هذا المنظر. وتدارك الرجل هذه الغيرة وقام معي من فوره حيث هدد صاحب السفينة وأمره أن ينزل هذا التمثال في الحال وقد كان، ولم يكتف بذلك بل إنه حضر صباح اليوم التالى الى المدرسة وأخبر الناظر الخبر في إعجاب وسرور. وكان الناظر مربيا فاضلا هو الأستاذ محمود رشدي – من كبار رجال وزارة المعارف الآن- فسر هو الآخر وأذاعه على التلاميذ في طابور الصباح مشجعاً إياهم علي. بذل النصيحة للناس والعمل على إنكار المنكر أينما كان. ويظهر أن هذا الاهتمام بمثل هذه الشئون قد انصرف عنه اليوم – مع الأسف- الكثير من النظار والضباط على السواء.
في المسجد الصغير
ولقد دأب كثير من تلامذة هذه المدرسة على أداء الصلاة في المسجد الصغير، وهو مسجد مجاور لها وبخاصة صلاة الظهر حيث تجمعهم فسحة بعد النداء.
ومن الطرائف التي أذكرها أن إمام هذا المسجد «الأهلي» الشيخ محمد سعيد رحمه الله، مر ذات يوم فرأي مؤذنا يؤذن وجماعة تقام وإماما يتقدم وعددا كثيراً من التلامذة -يزيد على ثلاثة صفوف أو أربعة يصلي فخشي الإسراف في الماء والبلي للحصير، وانتظر حتى أتم المصلون صلاتهم ثم عمل على تفريقهم بالقوة مهددا ومنذرا ومتوعدا، فمنهم من أذعن وفر ومنهم من وقف وثبت.
وأوحت الى خواطر التلمذة أن أقتص منه ولا بد. فكتبت إليه خطابا ليس فيه إلا هذه الآية (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين) ولا شيء في ذلك، بعثت به إليه في البريد مغرماً واعتبرت أن غرامة قرش صاغ كافية في هذا القصاص. وتد عرف رحمه الله ممن جاءته هذه الضربة وقابل الوالد شاكياً معاتباً، فأوصاه بالتلاميذ خيراً وكانت له معنا بعد ذلك مواقف طيبة عاملنا فيها معاملة حسنة، واشترط علينا أن نملأ صهريج المسجد بالماء قبل انصرافنا، وأن نعاونه في جمع التبرعات للحصر إذا ما أدركها البلي وقد أعطيناه ما شرط.
جمعية منع المحرمات
وكأن هذا النشاط الداخلي لم يرض رغبة هؤلاء الناشئين في العمل للإصلاح فاجتمع نفر منهم. كان من بينهم الأستاذ محمد على بدير المدرس بالمعارف الآن، والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي الموظف بالسكة الحديدية الآن، والأستاذ سعيد بدير المهندس الآن. وقرروا تأليف جمعية إسلامية باسم جمعية (منع المحرمات) وكان اشتراك العضو فيها يتراوح بين خمسة مليمات وعشرة أسبوعيا، وكانت أعمالها موزعة على أعضائها.
فمنهم من كانت مهنته تحضير النصوص وصيغ الخطابات، وآخر مهنته كتابة هذه الخطابات بالحبر الزفر، وثالث مهنته طبعها، والباقون توزيعها على أصحابها. وأصحابها هم الذين تصل الى الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الآثام أو لا يحسنون أداء العبادات على وجهها، خصوصا الصلاة، فمن أفطر في رمضان ورآه أحد الأعضاء بلغ عنه فوصله خطاب فيه النهي الشديد عن هذا المنكر، ومن قصر في صلاته ولم يخشع فيها ولم يطمئن وصله خطاب كذلك، ومن تحلي بالذهب وصله خطاب نهي فيه حكم التحلي بالذهب شرعا، وأيما امرأة شاهدها أحد الأعضاء تلطم وجهها في مأتم أو تدعو بدعوي الجاهلية وصل زوجها أو وليها خطاب، وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرا أو كبيرا يعرف عنه شيء من المآثم إلا وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهي عما يفعل. وكان من اليسير على الأعضاء لصغر سنهم وعدم اتجاه الأنظار إليهم أو وقوع الشبهة عليهم أن يعرفوا كل شيء ولا يتحرز الناس منهم. وكان الناس يظنون أن هذا من عمل أستاذنا الشيخ زهران رحمه الله ويقابلونه ويلومونه لوماً شديدا ويطلبون إليه أن يتحدث إليهم فيما يريد بدلا من هذه الكتابة. والرجل يتنصل من ذلك ويدافع عن نفسه، وهم لا يكادون يصدقون حتى وصله ذات يوم خطاب من الجمعية يلفت نظره الى أنه صلي فريضة الظهر بين السواري – وذلك مكروه – وهو عالم البلد، فيجب عليه أن يبتعد عن المكروهات ليبتعد غيره من العوام عن المحرمات.
وأذكر أن الشيخ رحمه الله دعاني حينذاك- وقد كانت صلتي مستمرة به في الدروس العامة وإن كنت قد تركت مدرسته أو مكتبته- لنراجع معا هذا الحكم في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ومازلت أذكر الموضوع كأنه اليوم وكنت اقرأ له وأنا أبتسم وهو يتساءل عن هؤلاء الذين كتبوا له ووجد أن الحق معهم -، وأنهيت ذلك الى أعضاء الجمعية فكان سرورهم به عظيماً.
واستمرت الجمعية تؤدي عملها أكثر من ستة أشهر وهي مثار عجب الناس ودهشتهم. حتى اكتشف أمرها على يد صاحب قهوة استدعي راقصة فوصله خطاب من الجمعية، وكانت الخطابات لا ترسل بالبريد اقتصادا في النفقات، وإنما يحملها أحد الأعضاء ويضعها في مكان يلفت نظر صاحبها إليها فيستلمها ولا يري من جاء بها. ولكن المعلم كان يقظاً فشعر بحركة حامل الخطاب فقبض عليه بخطابه وعاتبه عتابا شديدا أمام من في القهوة. وعرفت الجمعية عن هذا الطريق فرأي أعضاؤها أن يخففوا من نشاطهم ويعملوا بأسلوب آخر لمنع المحرمات.