تعتبر عملية توسيع أحد الشرايين القلبية Coronary angioplasty وسيلة علاجية لفتح السدّ أو توسيع الضيق، في مجرى تلك الشرايين. وهي إحدى وسائل العلاج التدخلي intervention غير الجراحي. ويُمكن لهذه الوسيلة أن تُحسّن من مستوى الأعراض الناجمة عن سد الشريان أو ضيقه، مثل الشكوى من ألم الصدر أو ضيق التنفس. كما يُمكن اللجوء إليها كوسيلة علاجية طارئة لحالات النوبة القلبية، وذلك لفتح سد الشريان وتقليل مستوى الضرر الواقع على عضلة القلب.
ويتم في العملية إدخال مؤقت لبالون في الشريان القلبي، ثم نفخه، كي يتوسع مجرى الشريان. وفي الغالب يتم إدخال دعامة معدنية stent لتثبيتها في ذلك الموضع المتضيق والذي تم للتو توسيعه. وذلك في محاولة لمنع إعادة تضيقه restenosis. وهذه العملية شائعة اليوم في العالم، ويُجرى منها الملايين سنوياً.
التوسيع بالبالون:
لمن تُجرى عملية التوسيع بالبالون؟
حينما لا تُفلح الأدوية، أو تغيرات نمط سلوكيات الحياة، في تخفيف آثار وجود ضيق في أحد الشرايين القلبية التي تم تشخيص وجودها، أو حينما يُصاب المرء بنوبة قلبية، فإن الطبيب ربما يطرح اللجوء إلى وسيلة توسيع الشريان بالبالون، كحل علاجي للوضع. ويتم إجراء قسطرة استكشافية لتقييم وضع الشريان ولتحديد مدى إمكانية إجراء توسيع له بالبالون.
وفي العموم، فإن أنسب حالات التضيق الشرياني للعلاج بالتوسيع البالوني هي التي تكون قصيرة الطول، والتي يُمكن الوصول إليها بالبالون، والتي لا تتواجد في المدخل الرئيسي لشرايين الجزء الأيسر من القلب، وحينما لا يكون ثمة حالة غير مستقرة من فشل القلب.
أما في حال فشل القلب، أو وجود التضيق في مدخل الجزء الأيسر من الشرايين التاجية، أو وجود عدة تضيقات وذات أطوال كبيرة، أو أن الشرايين صغيرة، أو لدى مريض بالسكري، فإن الحل سيكون اللجوء إلى العلاج بإجراء عملية التخطي للشرايين التاجية (coronary artery bypass surgery (CABG. ومع ذلك كله، ولدى حالة كل مريض، يخضع القرار، بين الجراحة أو التوسيع بالبالون، للمناقشة بين الأطباء حول ما هو أنسب.
التحضير للتوسيع بالبالون:
قبل الخضوع للإجراء المبرمج سلفاً لعملية توسيع الشريان التاجي بالبالون، يُراجع الطبيب الحالة، وخاصة إجراء الفحص السريري للمريض ونوعية الأدوية التي يتناولها. وسيتم إعطاءه إرشادات حول التوقف عن الأكل والشرب قبل العملية، وغالباً من منتصف ليلة العملية. وتُجرى فحوصات عامة أخرى، تشمل تحليل الدم وأشعة الصدر ورسم تخطيط القلب وغيرها، مما يرى الطبيب ضرورته.
ويجب على المريض إتباع التوجيهات الطبية حول ما يتم تناوله من أدوية قبل العملية، أي إما التوقف عن بعضها أو البدء بتناول أنواع أخرى. وخاصة حينما يكون المريض مُصاباً بالسكري أو يتناول أدوية لتمييع الدم.
ويتم إجراء العملية التدخلية لتوسيع شرايين القلب في مختبرات خاصة، تُدعى مختبرات قسطرة القلب cardiac catheterization laboratory. ويقوم بإجرائها طبيب القلب المتخصص في إجراء القساطر، ويُساعده فريق من الفنيين والممرضين المتخصصين في هذا الأمر العلاجي التشخيصي. كما يجب توفر مساندة فريق جراحي القلب، نظراً لاحتمالات الحاجة إلى الخضوع لعملية القلب حال حصول أي مضاعفات محتملة.
تخدير موضعي:
ولا تُعتبر عملية التوسيع التدخلي عملية جراحية، لأن ما سيتم إجراءه هو شق صغير جداً لجلد أعلى الفخذ، أو المعصم. وذلك للوصول إلى تمكين دخول القسطرة catheter ، أي الأنبوب الرفيع والطويل، إلى شريان أعلى الفخذ، أو إلى شريان المعصم. ولا تستغرق عملية القسطرة التشخيصية لشرايين القلب أكثر من نصف ساعة في الغالب. وقد تطول العملية حين الحاجة إلى توسيع أحد الشرايين، أو عدد منها.
والغالب هو إجراؤها عبر شريان الفخذ. وقبل البدء، يتم تنظيف منطقة أعلى الفخذ بمحلول تعقيم، ثم وضع قطع قماش صناعية لتغطية كامل المنطقة، ماعدا دائرة بقطر حوالي 10 سم. كما ويتم وضع وسائد الأقطاب الكهربائية الصغيرة Small electrode pads ، لتخطيط القلب المتواصل طوال العملية، أي لرصد مقدار نبض القلب وإيقاعه.
وبعد ذلك، تُحقن مادة من العقار المخدر في منطقة الإربة groin ، أي أصل وأعلى الفخذ، كتخدير موضعي. ولا يحتاج الأمر إلى تخدير كلي، في حال العلاج للشرايين. ولذا سيكون المريض متيقظاً لما يدور حوله. بل إن المطلوب أن لا يكون المريض غائباً عن الوعي، كي يستجيب لما يُطلب منه خلال العملية، مثل أخذ نفس عميق، أو الإخبار عن أي شيء يُضايقه،وخاصة ألم الصدر أو ضيق النفس.
وبالإمكان إعطاء المريض عقاراً مهدئاً ومخففاً للألم بدرجة متوسطة. ويُعطى المريض أدوية في الوريد لزيادة سيولة الدم ومنع حصول أي جلطات.
مراحل التوسيع التدخلي:
وبعد بضع دقائق من الحقن الموضعي للمادة المُخدرة، والتأكد من فقد الإحساس بالألم في تلك المنطقة الصغيرة، يتم إدخال إبرة متوسطة الحجم، مقارنة بالإبرة الدقيقة لسحب الدم من الأوردة العادية، لتصل إلى شريان الفخذ. ويُشق في الجلد فتحة صغيرة لا تتجاوز 6 ملم، أو نحوها، في العادة.
وعبرها يتم إدخال وتثبيت قسطرة صغيرة في ما بين الجلد ومجرى الشريان الفخذي. وهنا ينتهي أي ألم بالنسبة للمريض، لأن الخطوات ، ووصولاً لكل ما سيجري في القلب وشرايينه، لا يشعر بها المريض. بل ربما فقط يراها على الشاشة التلفزيونية أمامه.
ثم يجري إدخال سلك موجه guide wire رفيع، يعمل على توجيه مسار القسطرة الأنبوبية الرفيعة، التي يجري إدخالها لاحقاً، وصولاً إلى القلب وشرايينه. ويتم الدخول إلى الشرايين، وتحديداً نحو المنطقة المتضيقة أو المسدودة. ثم تجرى محاولة عبور ذلك السد أو الضيق بالسلك الموجه، كي يُمهد الطريق لدخول الأنبوب الحامل في مقدمته البالون غير المنفوخ. ومتى ما تم تثبيته في منطقة الضيق بدقة، وتم التأكد من ذلك، يجري نفخ البالون.
وقطر البالون يكون مناسباً لقطر الشريان ومدى الضيق. وهنا تجرى المحاولات العملية الدقيقة جداً في العمل على توسيع ضيق الشريان دونما التسبب بأي أذى على الشريان نفسه، عبر نفخ البالون وتفريغه من الهواء، عدة مرات.
وضمن آليات غاية في التعقيد والدقة، يتم التأكد من نجاح محاولة إصلاح الخلل في مجرى الشريان، وتدفق الدم من خلاله، وذلك عبر تتابع أخذ صور بالأشعة لحقن مادة ملونة يجري ضخها في الشريان. ثم يتم تثبيت الدعامة المعدنية بالنفخ بالبالون أيضاً. وربما يلجأ طبيب القلب مباشرة إلى توسيع الضيق عبر تثبيت الدعامة رأساً.
ويرى المريض عادة كل ما يُجريه الأطباء في شرايين قلبه، إلا أنه لا يشعر مطلقاً بأية أعراض جراء كل ما يحصل، اللهم إلا نوع من ألم في الصدر لدى البعض، وخاصة عند طول أمد نفخ البالون وسد مجرى الشريان أثناء توسيعه.
رحلة النقاهة:
والغالب إما أن يُغادر المريض المستشفى في الليل أو يبيت ليلة فيها. وفي حالات قليلة قد يرى الطبيب لدواع صحية، ضرورة بقاء المريض بضعة أيام لمراقبة الحالة الصحية لديه.
وخلال ما بعد مغادرة مختبر القسطرة، يتم سحب القسطرة الصغيرة المثبتة في شريان الفخذ. والأمر يتطلب عناية من الطبيب وجهاز التمريض، كما يتطلب تعاوناً تاماً من المريض. والسبب أن سحب القسطرة يتبعه العمل على على الشريان لمنع أي نزيف دموي موضعي في أعلى الفخذ.
والاحتمال هنا وارد لحصول هذا، نظراً لقوة في الشريان، وب سهولة تسريب الدم منه إلى الأنسجة المجاورة، ونظراً لتلقي المريض لأدوية مسيلة للدم، ما يُسهل حصول النزيف. وحينما يكمل الطبيب عملة بدقة، فإن على المريض أن يُسهم في حماية نفسه من حصول النزيف، وذلك عبر الالتزام الدقيق بتعليمات الطبيب حول الاستلقاء على الظهر وعدم ثني مفصل الورك، وغيرها من التعليمات حول حركة المشي لاحقاً أو قيادة السيارة أو غيرها.
ومن المهم ملاحظة أن الأمور ، حينما تحصل حتى بعد الخروج من المستشفى، تتطلب مراجعة الطبيب على وجه السرعة. وهي حصول نزيف أو انتفاخ في منطقة إدخال القسطرة بأعلى الفخذ، أو حصول ألم أو شعور بعدم الراحة في تلك المنطقة، أو ظهور علامات التهاب ميكروبي فيها، مثل الاحمرار أو الصديد أو الحمى، أو حصول تغيير في لون أو حرارة الرجل التي تم في فخذها القسطرة. أو الشعور بالإعياء أو الضعف جراء القيام بمجهود لا يتسبب بالعادة بأي إعياء أو تعب. والأهم هو عودة أو ظهور الشعور بألم في الصدر أو ضيق في النفس.
ومن الضروري التنبه إلى أهمية تناول السوائل، وفق الإرشاد الطبي، لتخليص الجسم من الآثار الضارة المحتملة لمادة الصبغة الملونة المستخدمة بالتصوير خلال مراحل القسطرة، وتجنب القيام بأي مجهود عنيف أو متوسط في الأسبوع الأول لما بعد القسطرة. ويخضع السماح بالسفر أو قيادة السيارة أو ممارسة العملية الجنسية لتوجيه الطبيب بسؤاله مباشرة عن هذه الأمور قبل مغادرة المستشفى، نظراً لأن ثمة عدة عوامل تتحكم في نوعية النصيحة آنذاك.
وعادة ما يستطيع المريض العودة لعمله خلال أسبوع، أو وفق ما يراه الطبيب من مدة أطول نظراً للحالة الصحية.
مرحلة ما بعد توسيع الشريان..عٍشْ الحياة بطريقة صحية:
لا تُمثل توسعة الشريان القلبي المتضيق أو إعادة فتح مجرى الشريان القلبي المسدود، نهاية العلاج. بل إن الواقع يُشير إلى أن ما يتم خلال القسطرة من معالجات لأمراض الشرايين، أو حتى خلال عملية القلب المفتوح لتخطي الشرايين المتضيقة أو المسدودة، إنما هو حل مؤقت. ويجب أن يسمع المريض عبارة \"حل مؤقت\" جيداً، ويستوعب كل أبعاد ما تعنيه، والشأن هنا هو حديث عن القلب الذي ترتبط حياة الإنسان بمدى سلامته، وليس أي أمر أخر.
والسبب في هذا الكلام، أن أي إجراء جراحي أو تدخلي إنما هو لإصلاح أحد المضاعفات المتقدمة جداً لمرض تصلب الشرايين العصيدي. وتحديداً هو إصلاح فقط لتضيقات أو سدد، نجم عن طول أمد تراكم ترسب الكولسترول.