“اظهر كما أنت وكن كما تظهر”جلال الدين الرومي
من الأسئلة التي أحملها معي من زمن قراءاتي لقصص الحب شعرا أو نثرا هو لماذا تفشل قصص الحب؟ لماذا تبدو كأنها منذورة لنهايات مآساوية مبللة بالدمع، مخنوقة بأنفاس الحسرة ، ومسودة شروخ على مرايا القلب ؟ هكذا من قصة ليلى وقيس وعنتر وعبلة وموليير وجولييت، من قصصنا، الى قصص زملاء الدراسة ،الى قصص زملاء العمل… يظل الفشل في الغالب الأعم هو الخاتمة!!
ولأننا مجتمعات متعبة و لانملك من الرفاهية ما يجعلنا نتحدث بحرية عن منطقة العواطف هذه ، أونلتفت الى أسباب فشلنا أو نجاحنا فيها، لأن سياق معاناتنا الاقتصادية والاجتماعية يجعلنا نشعر بتفاهة مناقشة أسباب الفشل في علاقاتنا العاطفية ،وانه من الاجدر دائما أن نتحدث عن أسباب فشل أنظمتنا السياسية في ارساء الديمقراطية، أو أسباب الفشل المدرسي أوحتى أسباب الفشل الكلوي ومعاناة أصحابها خاصة واننا بلا تغطية صحية متينة حتى حين نحمل بطاقة انخراط في صناديق الضمان الجتماعي والصحي، لكن مع ذلك يظل الولوج الى هذه المناطق العاطفية مسألة مهمة لأن الامرليس قاصرا على فشل قصص الحب بين الرجال والنساء، بل إن هذه الخواتم الباردة تشمل علاقة الحب التي قد تتخذ مظهر الصداقة بين امرأة وأخرى، أو رجل وآخر، بين زملاء العمل، زملاء الدراسة، بين الجيران، بين أعضاء في جمعية ما أو شركاء في عمل ما ….
في البداية يحدث التعارف، ثم نرى الانسجام والمودة والتعاون، ونرى المشاريع تبرمج ويخطط لها ،وقد ينفذ جزء منها، ثم فجأة يتوقف الأمر، فيختفي الإقبال ليظهر العزوف، وتندلع الخصومات، وتحدث الانسحابات وتتوقف تبعا لذلك المشاريع، كأن الامر يتعلق فعلا بقصص يجب أن تكون فيها حبكة وذروة ثم نهاية كئيبة، كما يجدر بالقصص دائما، ومع أن الأفلام العربية الكلاسيكية وأفلام السينما الهندية كانت تصنع للعشاق نهاية سعيدة، وكانت تعيد بلقطة واحدة بناء علاقات أسرية منكسرة، أو صداقة منتهية الصلاحية ، لكن في الواقع يظل منحنى الحب في الغالب الاعم منطلقا من نقطة ما ، وحين يصعد إلى ذروته ينزل إلى عمق سحيق ليظل هناك الى الأبد، وحين نسمع أحدهم أو احداهن تبوح انها تزوجت عن قصة حب نحس بغير قليل من الدهشة والغبطة، كأننا نسمع خبرا خارقا، وحين تعمر صداقة ما الى اللحد يبدو الامرجديرا بالتسجيل في دفتر غيينس.
إن المسألة ليست بسيطة لأنها ليست قصصا تنتهي فقط، بل ان ذلك يترك خلفه تداعيات واحباطات، ويستتبع ظهور أمور أخرى مثل الأمهات العازبات والأ طفال مجهولي النسب، ثم إن فشل قصص الحب بعد الزواج يستتبع الطلاق، وكل ذلك يستلزم دراسة منطقة العواطف والبحث عن كيمياء تفاعلاتها وكيفية قيادة العواطف نحو النجاح والاستمرار واكتساب المهارت العاطفية كما يقول دانييل جولمان في كتابه “الذكاء العاطفي” و ضرورة ادارة حياتنا العاطفية ليست وليدة الابحاث المتعلقة بعواطف الانسان والتي حمل عقد الثمانينات أكثرها اثارة بفضل ما اتاحته التكنولوجيات الجديدة لتصوير المخ وكيف تعمل الخلايا في الأثناء التي نفكر فيهاأو نشعربالحب والكراهية أو نتخيل أونحلم وكيف تتحرك مراكز المخ الخاصة بالعاطفة فأرسطونفسه سبق أن أشار في كتابه “الأخلاق الى نيقوماخوس” الذي تناول فيه الفضيلة والشخصية والحياة الطيبة الىضرورة ادارة حياتنا العاطفية بذكاء فعواطفنا اذا مورست ممارسة جيدة ستحوز الحكمة، ان المشكلة في رأي ارسطو ليست في الحالة العاطفية ذاتها ،ولكن في سلامة هذه العاطفة وكيفية التعبير.
حين ننصهر في كيمياء الحب يصعب ان نتكهن نهاية حزينة، بل نفترض النجاح، و نظل مشدوهين ومشدودين إلى الحبيب، نسبغ عليه من مخيلة عاشقة كل الاوصاف المشتهاة، نحلم، ينبت في أعيننا وميض الحب، ننساق وراء الاستيهامات ،ونرسم حياة مشتركة في مخيلتنا ونعيشها بشكل ما ، نشبه في ذلك الاطفال وهم يشيدون قصورهم الرملية رغم أن اصغرلمسة من موجة أو حركة من أنامل غاضبة أو طائشة يمكن أن تدمرها.
على غير المعتاد ظهرت الانسة العابسة في المكتبة المجاورة، نشيطة ، تجيب طلبات الزبائن بمرح وبابتسامة شاسعة، فحدست أن حبا أصاب سهمه قلبها ، لأن الحب والمشاعر الرقيقة كما يقول دانييل جولمان تعمل على اثارة الجهاز العصبي الباراسمبتاوي ،الذي يطلق مجموعة من ردود الفعل تشمل الجسم كله ،وتولد حالة من الفرح والهدوء والرضا ،وتسهل التعاون مع الاخرين، هكذا فسرت فرحها المفاجىء، وأدركت سره حتى قبل ان تبوح لي انا المواظبة على اقتناء الجرائد منها، والثرثرة معها في احوال الكتب والمجلات، وأحوال الطقس وأحيانا أحوال العالم حين يتسع المجال، ولهذا لم استغرب حين رأيتها نشيطة تسلمني جرائدي بخفة ،وتترنم بمقاطع غنائية أو تغوص في شرود مباغت .
قلت لها ذات صباح لم تنتبه فيه الى وجودي:
-ايتها العاشقة هل سأظل انتظر هنا الى يوم القيامة، أعطيني جرائدي
ضحكت وقالت :
- كيف عرفت؟
- مافي العين لاتغفله العين.
ولان الفرح معد كما الحزن، كنت أمر عليها دائما حتى اني اصبحت اقتني منها جرائد سبق واطلعت عليها في مواقعها بالانترنيت ،فقط لان فرحها كان يمنحني احساسا جميلا بالحياة، ومقولة جاور السعيد تسعد مسألة نفسية اثبتها العلم السيكولوجي أيضا .. بعد شهرين من الطيران في سماوات الحب وقراءة دواوين نزار قباني وتغيير اللوك والاستماع الى الاغاني من ام كلثوم الى نانسي عجرم وتعبئة الهاتف بعشرات من البطاقات للرد على الرسائل، والاتصال بالحبيب ، والولوج المستمر إلى السيبر للدردشة معه، وحتما عشرات من المواعيد في المقاهي والحدائق وبناء الكثير من الأحلام ووو.. فجأة بدت الأنسة بوجه متعب وعابس، متشحة بألوان غامقة وعيون يشوبها احمرار البكاء، ولان تقاسم الفرح يعني تقاسم الحزن أيضا حين يأتي، دعوتها لشرب فنجان قهوة
قالت :
-انه شخص غامض قدر وضوحي كان غموضه، ادعاءاته كثيرة، ولاأعرف ماذا أصدق منها وماذا لاأصدق؟
قلت في نفسي ولهذا قال مولانا جلال الدين الرومي:” اظهر كما انت وكن كما تظهر”.
قالت:انه أب ،وقد أخفى عني ذلك مع اني سألته مليون مرة ،وكان يقول انه لم يسبق له الزواج .
قلت في نفسي لهذا قال مولانا جلال الدين الرومي:
“الحب هتك الأستار وكشف الأسرار”
قالت :
-كيف استمر مع شخص يملك كل هذه القدرة على كتمان أمور جوهرية مثل هذه ؟ أنا لاأعترض على وجود الأولاد، لكن على كتمانه أمر زواجه وانفصاله، انه سبب في انهيار ثقتي به ، لم أعد اشعر بالاطمئنان معه، تعلمين حين تخاف القطة على أولادها تأكلهم، وحين تخاف المرأة ولاتشعر بالاطمئنان تأكل قلبها..
فكرت انه ربما اخفى الامرمن اجل النصب والاحتيال على مشاعرها ،أو أخفاه خوفا من ان يخسرها ، وهناأخطأ قواعد الذكاء العاطفي و التعبير فخسرها من حيث أراد أن يكسبها، لكني لم أصدق حكاية أكل القلب هذه ، كنت أعرف انها فقط تحتاج بعض الوقت للشفاء من الصدمة، ولاشك سيعود القلب للنبض للشخص ذاته أو لشخص آخر، يقول دانييل جولمان:” نحتاج دائما لاعادة التعلم العاطفي والشفاء من الصدمة”، ويستشهد بما قاله الدكتور هيرمان” الشفاء من أعراض ا ضطراب مابعد الصدمة يتطلب ثلاث مراحل -الاحساس بالامان وتذكر تفاصيل الصدمة -الندم على الخسارة التي ترتبت عليها واخيرا- بناء حياة طبيعية من جديد”،ولأن الهموم العاطفية تسمم الحياة مع ذلك من حسن حظنا ان ثمةعلاقات حميمية تربطنا باشخاص لها قيمة علاجية تحمينا من الاكتئاب.قالت لي طبيبة نفسية اسبانية لاحظت خلال زلزال 2004بالحسيمة غياب العيادات النفسية في المدينة ” من حسن حظكم انكم تتكلمون مع بعضكم، وتبوحون بالأسرار وأحيانا لاتفرقون بين العام والخاص في قاعات الانتظار، في الأسواق، في الحدائق، في وسائل النقل، في المقاهي، في اجتماعات الأسرة ،،، من هنا مازلتم تتمتعون بصحة نفسية جيدة،أظن دون ذلك كنتم ستقصدون عيادات نفسية ،ولأن هذا يحتاج لدخل مادي وتغطية صحية أظن كنتم ستعانون كثيرا على المستوى النفسي”.
لكن مدى الجرأة التي نحملها في مجال البوح أ والفضفضة يضيق كلما تعلق الأمر بالمشاعر الخاصة واحباطات الفشل في علاقات حميمية ،في حين نميل الى البوح اكثر بالهموم العامة ،أو التي لاتضعنا موضع ازدراء أولاتنتقص من تصورات الرزانة و الاحترام التي يحملها الآخر عنا ، وهذا يحرمنا من الشفاء الذي يمكن ان توفره لنا المساندة العاطفية، ولهذا ينصح روبين هوداشابا من أتباعه في كتابه مغامرات روبن هود المرحة قائلا( احك لنا مشاكلك وتحدث بحرية …ان فيضا من الكلمات يخفف دائما من آلام القلوب) ،وتجد نصيحة روبن هود تأييدا علميا من السيكولوجي جيمس بنيييكرحيث أكد ان الاعتراف والتنفيس عن المشاعر المؤلمة او الفضفضة او حتى كتابة الأفكار والأحزان المؤلمة تخفف توترات مابعد الصدمات ، وتحسن فعالية المناعة وفعالية انزيمات الكبد.
في المرة الاخيرة التي رأيت فيها صاحبة المكتبة كانت تنسق الكتب بشكل جميل في الرفوف وتذكرت ما قاله ديان تايس” ان الناس يتحولون الى مبدعين في محاولاتهم الهروب من الكآبة واليأس..” .
إننا في آخر الامر نعيد بناء الانسجام مع ذواتنا العاطفية،ونرمم شروخها بمخططات أخرى تجعلنا نواصل الحياة، لكن اذا كنا نتحاج محاربة الأمية الأبجدية كي نتمكن من القراءة ونتحاج محاربة الأمية المعلومياتية كي نستفيد من الانترنيت وتدفق المعلومات، فلاشك نحتاج بشكل ما، محوالأمية العاطفية واكتساب مهارات تقي عواطفنا الفشل وتجعلنا نستفيد من تدفق المشاعر بيننا.
من الأسئلة التي أحملها معي من زمن قراءاتي لقصص الحب شعرا أو نثرا هو لماذا تفشل قصص الحب؟ لماذا تبدو كأنها منذورة لنهايات مآساوية مبللة بالدمع، مخنوقة بأنفاس الحسرة ، ومسودة شروخ على مرايا القلب ؟ هكذا من قصة ليلى وقيس وعنتر وعبلة وموليير وجولييت، من قصصنا، الى قصص زملاء الدراسة ،الى قصص زملاء العمل… يظل الفشل في الغالب الأعم هو الخاتمة!!
ولأننا مجتمعات متعبة و لانملك من الرفاهية ما يجعلنا نتحدث بحرية عن منطقة العواطف هذه ، أونلتفت الى أسباب فشلنا أو نجاحنا فيها، لأن سياق معاناتنا الاقتصادية والاجتماعية يجعلنا نشعر بتفاهة مناقشة أسباب الفشل في علاقاتنا العاطفية ،وانه من الاجدر دائما أن نتحدث عن أسباب فشل أنظمتنا السياسية في ارساء الديمقراطية، أو أسباب الفشل المدرسي أوحتى أسباب الفشل الكلوي ومعاناة أصحابها خاصة واننا بلا تغطية صحية متينة حتى حين نحمل بطاقة انخراط في صناديق الضمان الجتماعي والصحي، لكن مع ذلك يظل الولوج الى هذه المناطق العاطفية مسألة مهمة لأن الامرليس قاصرا على فشل قصص الحب بين الرجال والنساء، بل إن هذه الخواتم الباردة تشمل علاقة الحب التي قد تتخذ مظهر الصداقة بين امرأة وأخرى، أو رجل وآخر، بين زملاء العمل، زملاء الدراسة، بين الجيران، بين أعضاء في جمعية ما أو شركاء في عمل ما ….
في البداية يحدث التعارف، ثم نرى الانسجام والمودة والتعاون، ونرى المشاريع تبرمج ويخطط لها ،وقد ينفذ جزء منها، ثم فجأة يتوقف الأمر، فيختفي الإقبال ليظهر العزوف، وتندلع الخصومات، وتحدث الانسحابات وتتوقف تبعا لذلك المشاريع، كأن الامر يتعلق فعلا بقصص يجب أن تكون فيها حبكة وذروة ثم نهاية كئيبة، كما يجدر بالقصص دائما، ومع أن الأفلام العربية الكلاسيكية وأفلام السينما الهندية كانت تصنع للعشاق نهاية سعيدة، وكانت تعيد بلقطة واحدة بناء علاقات أسرية منكسرة، أو صداقة منتهية الصلاحية ، لكن في الواقع يظل منحنى الحب في الغالب الاعم منطلقا من نقطة ما ، وحين يصعد إلى ذروته ينزل إلى عمق سحيق ليظل هناك الى الأبد، وحين نسمع أحدهم أو احداهن تبوح انها تزوجت عن قصة حب نحس بغير قليل من الدهشة والغبطة، كأننا نسمع خبرا خارقا، وحين تعمر صداقة ما الى اللحد يبدو الامرجديرا بالتسجيل في دفتر غيينس.
إن المسألة ليست بسيطة لأنها ليست قصصا تنتهي فقط، بل ان ذلك يترك خلفه تداعيات واحباطات، ويستتبع ظهور أمور أخرى مثل الأمهات العازبات والأ طفال مجهولي النسب، ثم إن فشل قصص الحب بعد الزواج يستتبع الطلاق، وكل ذلك يستلزم دراسة منطقة العواطف والبحث عن كيمياء تفاعلاتها وكيفية قيادة العواطف نحو النجاح والاستمرار واكتساب المهارت العاطفية كما يقول دانييل جولمان في كتابه “الذكاء العاطفي” و ضرورة ادارة حياتنا العاطفية ليست وليدة الابحاث المتعلقة بعواطف الانسان والتي حمل عقد الثمانينات أكثرها اثارة بفضل ما اتاحته التكنولوجيات الجديدة لتصوير المخ وكيف تعمل الخلايا في الأثناء التي نفكر فيهاأو نشعربالحب والكراهية أو نتخيل أونحلم وكيف تتحرك مراكز المخ الخاصة بالعاطفة فأرسطونفسه سبق أن أشار في كتابه “الأخلاق الى نيقوماخوس” الذي تناول فيه الفضيلة والشخصية والحياة الطيبة الىضرورة ادارة حياتنا العاطفية بذكاء فعواطفنا اذا مورست ممارسة جيدة ستحوز الحكمة، ان المشكلة في رأي ارسطو ليست في الحالة العاطفية ذاتها ،ولكن في سلامة هذه العاطفة وكيفية التعبير.
حين ننصهر في كيمياء الحب يصعب ان نتكهن نهاية حزينة، بل نفترض النجاح، و نظل مشدوهين ومشدودين إلى الحبيب، نسبغ عليه من مخيلة عاشقة كل الاوصاف المشتهاة، نحلم، ينبت في أعيننا وميض الحب، ننساق وراء الاستيهامات ،ونرسم حياة مشتركة في مخيلتنا ونعيشها بشكل ما ، نشبه في ذلك الاطفال وهم يشيدون قصورهم الرملية رغم أن اصغرلمسة من موجة أو حركة من أنامل غاضبة أو طائشة يمكن أن تدمرها.
على غير المعتاد ظهرت الانسة العابسة في المكتبة المجاورة، نشيطة ، تجيب طلبات الزبائن بمرح وبابتسامة شاسعة، فحدست أن حبا أصاب سهمه قلبها ، لأن الحب والمشاعر الرقيقة كما يقول دانييل جولمان تعمل على اثارة الجهاز العصبي الباراسمبتاوي ،الذي يطلق مجموعة من ردود الفعل تشمل الجسم كله ،وتولد حالة من الفرح والهدوء والرضا ،وتسهل التعاون مع الاخرين، هكذا فسرت فرحها المفاجىء، وأدركت سره حتى قبل ان تبوح لي انا المواظبة على اقتناء الجرائد منها، والثرثرة معها في احوال الكتب والمجلات، وأحوال الطقس وأحيانا أحوال العالم حين يتسع المجال، ولهذا لم استغرب حين رأيتها نشيطة تسلمني جرائدي بخفة ،وتترنم بمقاطع غنائية أو تغوص في شرود مباغت .
قلت لها ذات صباح لم تنتبه فيه الى وجودي:
-ايتها العاشقة هل سأظل انتظر هنا الى يوم القيامة، أعطيني جرائدي
ضحكت وقالت :
- كيف عرفت؟
- مافي العين لاتغفله العين.
ولان الفرح معد كما الحزن، كنت أمر عليها دائما حتى اني اصبحت اقتني منها جرائد سبق واطلعت عليها في مواقعها بالانترنيت ،فقط لان فرحها كان يمنحني احساسا جميلا بالحياة، ومقولة جاور السعيد تسعد مسألة نفسية اثبتها العلم السيكولوجي أيضا .. بعد شهرين من الطيران في سماوات الحب وقراءة دواوين نزار قباني وتغيير اللوك والاستماع الى الاغاني من ام كلثوم الى نانسي عجرم وتعبئة الهاتف بعشرات من البطاقات للرد على الرسائل، والاتصال بالحبيب ، والولوج المستمر إلى السيبر للدردشة معه، وحتما عشرات من المواعيد في المقاهي والحدائق وبناء الكثير من الأحلام ووو.. فجأة بدت الأنسة بوجه متعب وعابس، متشحة بألوان غامقة وعيون يشوبها احمرار البكاء، ولان تقاسم الفرح يعني تقاسم الحزن أيضا حين يأتي، دعوتها لشرب فنجان قهوة
قالت :
-انه شخص غامض قدر وضوحي كان غموضه، ادعاءاته كثيرة، ولاأعرف ماذا أصدق منها وماذا لاأصدق؟
قلت في نفسي ولهذا قال مولانا جلال الدين الرومي:” اظهر كما انت وكن كما تظهر”.
قالت:انه أب ،وقد أخفى عني ذلك مع اني سألته مليون مرة ،وكان يقول انه لم يسبق له الزواج .
قلت في نفسي لهذا قال مولانا جلال الدين الرومي:
“الحب هتك الأستار وكشف الأسرار”
قالت :
-كيف استمر مع شخص يملك كل هذه القدرة على كتمان أمور جوهرية مثل هذه ؟ أنا لاأعترض على وجود الأولاد، لكن على كتمانه أمر زواجه وانفصاله، انه سبب في انهيار ثقتي به ، لم أعد اشعر بالاطمئنان معه، تعلمين حين تخاف القطة على أولادها تأكلهم، وحين تخاف المرأة ولاتشعر بالاطمئنان تأكل قلبها..
فكرت انه ربما اخفى الامرمن اجل النصب والاحتيال على مشاعرها ،أو أخفاه خوفا من ان يخسرها ، وهناأخطأ قواعد الذكاء العاطفي و التعبير فخسرها من حيث أراد أن يكسبها، لكني لم أصدق حكاية أكل القلب هذه ، كنت أعرف انها فقط تحتاج بعض الوقت للشفاء من الصدمة، ولاشك سيعود القلب للنبض للشخص ذاته أو لشخص آخر، يقول دانييل جولمان:” نحتاج دائما لاعادة التعلم العاطفي والشفاء من الصدمة”، ويستشهد بما قاله الدكتور هيرمان” الشفاء من أعراض ا ضطراب مابعد الصدمة يتطلب ثلاث مراحل -الاحساس بالامان وتذكر تفاصيل الصدمة -الندم على الخسارة التي ترتبت عليها واخيرا- بناء حياة طبيعية من جديد”،ولأن الهموم العاطفية تسمم الحياة مع ذلك من حسن حظنا ان ثمةعلاقات حميمية تربطنا باشخاص لها قيمة علاجية تحمينا من الاكتئاب.قالت لي طبيبة نفسية اسبانية لاحظت خلال زلزال 2004بالحسيمة غياب العيادات النفسية في المدينة ” من حسن حظكم انكم تتكلمون مع بعضكم، وتبوحون بالأسرار وأحيانا لاتفرقون بين العام والخاص في قاعات الانتظار، في الأسواق، في الحدائق، في وسائل النقل، في المقاهي، في اجتماعات الأسرة ،،، من هنا مازلتم تتمتعون بصحة نفسية جيدة،أظن دون ذلك كنتم ستقصدون عيادات نفسية ،ولأن هذا يحتاج لدخل مادي وتغطية صحية أظن كنتم ستعانون كثيرا على المستوى النفسي”.
لكن مدى الجرأة التي نحملها في مجال البوح أ والفضفضة يضيق كلما تعلق الأمر بالمشاعر الخاصة واحباطات الفشل في علاقات حميمية ،في حين نميل الى البوح اكثر بالهموم العامة ،أو التي لاتضعنا موضع ازدراء أولاتنتقص من تصورات الرزانة و الاحترام التي يحملها الآخر عنا ، وهذا يحرمنا من الشفاء الذي يمكن ان توفره لنا المساندة العاطفية، ولهذا ينصح روبين هوداشابا من أتباعه في كتابه مغامرات روبن هود المرحة قائلا( احك لنا مشاكلك وتحدث بحرية …ان فيضا من الكلمات يخفف دائما من آلام القلوب) ،وتجد نصيحة روبن هود تأييدا علميا من السيكولوجي جيمس بنيييكرحيث أكد ان الاعتراف والتنفيس عن المشاعر المؤلمة او الفضفضة او حتى كتابة الأفكار والأحزان المؤلمة تخفف توترات مابعد الصدمات ، وتحسن فعالية المناعة وفعالية انزيمات الكبد.
في المرة الاخيرة التي رأيت فيها صاحبة المكتبة كانت تنسق الكتب بشكل جميل في الرفوف وتذكرت ما قاله ديان تايس” ان الناس يتحولون الى مبدعين في محاولاتهم الهروب من الكآبة واليأس..” .
إننا في آخر الامر نعيد بناء الانسجام مع ذواتنا العاطفية،ونرمم شروخها بمخططات أخرى تجعلنا نواصل الحياة، لكن اذا كنا نتحاج محاربة الأمية الأبجدية كي نتمكن من القراءة ونتحاج محاربة الأمية المعلومياتية كي نستفيد من الانترنيت وتدفق المعلومات، فلاشك نحتاج بشكل ما، محوالأمية العاطفية واكتساب مهارات تقي عواطفنا الفشل وتجعلنا نستفيد من تدفق المشاعر بيننا.