كان يجلس على تلَّة ، ضامًّا إليه ركبتاه ، واضعا عليهما ذقنه ، ملصقا قدماه المتورِّمتان واحدة بالأخرى و هو يحرّك أصابعه باستمرار من شدة البرد ، عليه قميص أسود بالٍ مرقّع قد أكل عليه الدهر و شرب. إنه شاب جِذعٌ وسيم ، يميل أكثر إلى العزلة ، لا يخالط أكثر الناس ، و لكنه كان يجالس أهل الخير و يطيل الصمت عندهم مترقبا حركاتهم و سكناتهم، كثيراً ما يخرج باكراً قُبَيل الصبح يجلس على تلكم التلّة التي يجد فيها خير أنيس له ، و يصوب نظره نحو الأفق مرتقبا سطوع الفجر الجميل. كان عزيز النفس لا يرضى أن يتكفف الناس يحسبه الآخرون غنياًّ من التعفُّف ، و لا يسأل أبواه إلحافا ، بل ينطلق كل صباح وسط الأحياء ينادي على بضاعته ، فيبيع ما كُتب له أن يبيع ثم يعود إلى كوخه ببضع دريهمات يعيش بهنَّ إلى الغد. في أحد الأيام كان يتجول كعادته في المدينة فنادته إمرأة من وراء فتحة بابها - أيها الفتى ، هاتِ ما عندك. فاقترب يُريها بضاعته ، لكنها زادت - إني ضعيفة النظر ، أدخل كي أرى. فدخل ، و إذا به يتفاجأ بالمرأة تغلق الباب و تعرض عليه جسدها - إما أن تفعل ما آمرك أو أصيح بالناس و أقول لهم اقتحم عليّ بيتي. فأوجس منها خيفة و هو يدافع عباراته و احمرَّ وجهه ثم قال - دعيني أولا أقضي حاجتي ، أين الخلاء ؟ - هو هناك. أشارت بأصبعها. فذهب يتحسس منفذا للخروج لكنه لم يجد ، ثم لفت انتباهه صندوق ففتحه ، فإذا به يجد الصندوق عبارة عن مجمع للفضلات ، فأخذ يلطخها على جسده ثم خرج إلى المرأة ، فلما رأته ألقت عليه بضاعته و طردته من البيت و هي تصيح به - أخرج ، أخرج.... فخرج يسعى في المدينة و الأطفال يركضون وراءه و يرمونه بالحجارة ، - أحمق ، أحمق ، معتوه.... ذهب إلى كوخه فاغتسل ، و لا تزال رائحة المسك تُشَمُّ منه حتى مات.
|