- المسرحية
كتب "عبد الكريم برشيد" مسرحية" ابن الرومي في مدن الصفيح"[1] في خريف 1975 بمدينة الخميسات ، وانتهى من كتابتها في متم نفس السنة بمدينة الدار البيضاء. نشرت لأول مرة على صفحات مجلة *الآداب البيروتية* في عددها الثالث سنة 1978.بعد ذلك في مجلة *الفنون المغربية* في عددها الأول من سنة 1979.لتظهر في حلة جديدة سنة 2006 حيث قامت دار النشر* اديسوفت البيضاء*بطبعها ونشرها.
في ربيع 1979 قدمت مسرحية" ابن الرومي في مدن الصفيح" في المهرجان الوطني لمسرح الهواة بمراكش ،حيث حازت على جائزة أحسن نص مسرحي وقد تزامن هذا التقديم مع تأسيس جماعة المسرح الاحتفالي وصدورها بيانها الأول. يقول في هذا الصدد برشيد" لقد كتبت هذه المسرحية قبل ظهور البيان الأول للمسرح الاحتفالي سنة76.وبالرغم من ذلك فقد جاءت تحمل كل إرهاصات المسرح الاحتفالي.."[2]
إن النص المسرحي" ابن الرومي في مدن الصفيح" عبارة عن سلسلة من اللوحات تعكس كل واحدة منها حدثا من الأحداث ،كل لوحة تجسد عملا فنيا متكامل الأجزاء فهي ورشة بحث في عناصر الصراع التاريخي والطبقي بين شرائح المجتمع العربي انطلاقا من عصر ابن الرومي وانتهاء بعصر مدن الصفيح.
1*دلالـة العنوان :
يحمل عنوان المسرحية" ابن الرومي في مدن الصفيح" حمولة رمزية بين عصرين: العباسي ببساطته في نمط الحياة و سذاجتها، بين أمل العيش وافتقار المحيط.والحاضر بتراثه الفاحش وصفيحه المذل.ويلعب دائما عبد الكريم برشيد على ورقة المزج بين الماضي و الحاضر،واستحضار التراث في ثوب الأنا الحاضر لتتفاعل المعاصرة و الأصالة في حلة احتفالية، ينهل من معينها كل مسرحيين الهواة أيا كانوا.فهو –عبد الكريم برشيد-المرجع وعمله(النص المسرحي/كتابته) السبيل لامتطاء سفينة المسرح وريحه.
2 *دلالة رسم الـغـلاف : يتكون الغلاف من مستويين:
أ-المستوى الأول: لغوي ويشتمل على أربعة عبارات:
*الأولى توجد في أعلى الغلاف، وتعين اسم الكاتب (الدكتور عبد الكريم برشيد) وهي مكتوبة بلون ابيض.
*الثانيـة توجد تحت اسم الكاتب وبالتحديد في وسط الغلاف وتعين اسم المسرحية* ابن الرومي في مدن الصفيح* وهي مكتوبة بلون احمر.
*الثالثـة توجد في وسط الغلاف على الجهة اليسرى وهي مكتوبة بلون ابيض وتعين نوع المؤلف (نص مسرحي) *الرابعـة توجد في أسفل الغلاف وهي مكتوبة بلون ابيض وسط شريط احمر وتعين الاتجاه المسرحي الذي ينضوي تحته النص: احتفال مسرحي في سبع عشرة لوحة.
ب-المستوى الثاني : أيقوني وهو عبارة عن صورة فوتوغرافية ملونة، توجد في القسم الأسفل من الغلاف،تضم في فضائها خمس شخصيات مسرحية: ثلاثة رجال وامرأتان في وضعية حركية و تجاوبية تدل على وجود حوار وانفعالات جارية بينهم.وفي الخلفية تبرز معالم الديكور،وهي بمثابة مباني عتيقة تطل من ورائها صومعة مضاءة.
هذه تمثل وتجسد لحظة من لحظات تحققها فوق خشبة المسرح.ونرى أن اللون الغالب على وجه الغلاف هو اللون الأسود مما يعني أن الأمر يتعلق بحالة النفسية والتشاؤمية لبطلنـا ابن الرومي.
- فما علاقة هذه الدرامية بحكاية *ابن الرومي في مدن الصفيح*التي ستقدمها لنا هذه المسرحية ؟
3* الحكايـة :
فضاء المسرحية امتداد لكل المدن العربية التي تعيش وطأة التهميش والفقر، سكانها بسطاء، حرموا من أدنى شروط العيش. وتطرح المسرحية إلى جانب هم الإنسان في بلوغ قوته اليومي،هاجس المكان/المأوى كهدف ثان في حياة متقلبة.ليصير الإفراغ وحلول البنايات الجديدة الشاهقة عوض الواقع-الحي القصديري-آفة مجتمع الحي .وتحضر عريب رغم واقع المجون منقذ ابن الرومي من عزلته و إخراجه إلى معانقة هموم ومشاكل ذاته/المجتمع.
4*الفضاء في *ابن الرومي في مدن الصفيح*
يظل عبد الكريم برشيد في احتفاله المسرحي وفيا لفضائه الأثير الممثل في ساحة الحي:
" يرفع الستائر عن ساحة نحيط بها مجموعة من دور القصدير وأخرى من القصب.
ظلام شبه تام تنبعث من "النوافذ" أضواء خافتة ترسلها شموع هزيلة ..." [3]
إن الساحة تشكل البؤرة التي سيلتقي فيها ابن دنيال بجمهوره، فهي فضاء الفرجة التي تتيح إمكانية استعادة لحظات حميمية ولقاء مباشرا بين الممثلين والجمهور دون فواصل أو قطائع. وفي حوار الطفل وابن دنيال:
يقول الطفل: ترى أين تمضي دائما هذه العربة؟.
ابن دنيال: إلى ساحة بغداد والشام.[4].
مما يؤشر على الحضور المكثف والاستراتيجي للساحة، فابن دنيال حيث حل وارتحل تشكل الساحة فضاءه الأثير.
وإذا كان المسرح في بداياته بسيطا، فإن الاحتفالية في نصوصها الإبداعية لا تشذ عن هذه القاعدة إذ لا نكاد نجد من العناصر المؤثثة للفضاء المسرحي سوى عنصر الإضاءة بوصفها لغة درامية تقوم بوظيفة التبئير عبر الإشارة إلى الفضاءات الأخرى المشكلة للنص الدرامي.
"تنطفؤ الأنوار بينما يبقى الستار مسدا بفتحة متحركة تكشف
عن رجل متحرك يخترق صفوف الجمهور"[5] .
إننا إزاء فضاء الخشبة حيث يقدم ابن دانيال وابنته فرجاتهما،وهو فضاء ليس في نهاية المطاف سوى فضاء الساحة/فضاء اللعب. هذا، وقد وظفت الإضاءة كتقنية تسعف في خدمة ثنائية الإخفاء والكشف، إذ نجد في اللوحة المسرحية المعنونة بـ "ابن الرومي يفتح الباب..." ما يلي:
" يغرق المنظر الخلقي داخل بقعة مظلمة. تُحرك إلى الأمام قطع سينوغرافية تمثل دار ابن الرومي يسمع طرق شديد على الباب "[6] إن غاية هذه الإشارة الواردة في هذا الإرشاد المسرحي هي رسم البيت الذي به يحيا ابن الرومي في وحدة قاتلة وعزلة مملة بعيدا عن هموم الناس وقضاياهم. وكذا الدلالة على الفقر والتهميش، وغياب أي استراتيجية ناجحة قادرة على تحسين الوضع. يقول المقدم وهو في ساحة الحي:
»اسمعوا لقد قرر أعضاء المجلس البلدي أن يقوموا بترحيل سكان هذا الحي إلى مكان ما... فعليه فلابد من إفراغ حي القصدير حالا حتى يمكن هدمه وبناؤه فنادق سياحية جميلة«[7] .
ورغم حقارة الحي ووضعه المزري، فإن أهله يجمعهم شغف للاجتماع حول خيال الظل الذي لا ينفصل عموما عن همومهم وقضاياهم الآنية وانشغالاتهم الراهنة يقول ابن دانيال:
" سأحكي عن شاعر فقير مثالكم في أكواخ الخشب والقصدير سنحكــي عن ابن الرومي الجديد ... سادتي امنحوني أحداقا واسعة وسمعا مرهفا فأنا لست مؤرخا. لا ولست معلم صبيان وعليه فإن كل مشابهة مع التاريخ
إن هي إلا اتفاق ومحض مصادفة ".[8]
إن حكاية الشاعر الفقير هاهنا هي حكاية ابن الرومي الذي أقفل الباب خلفه وابتعد عن الناس وانتكاسات الحياة وإحباطاتها ليوصف بالخوف والتشاؤم والقلق والانغلاق الذي سيتحول إلى انفتاح تام وتواصل كامل مع الناس عندما وعي بأن شقاءه يرتبط بوضعه الاجتماعي المزري في حي فقير حيث سيادة الغبن والظلم والاستغلال والتفاوت الاجتماعي ليقرر الاختلاط والنضال ممثلا بذلك نموذج الإنسان الاحتفالي العاشق للحياة والرغبة في النضال.
ولم يكن فضاء الحي القصديري قاتما تماما وسلبيا كليا، بل تضمن دلالات أخرى تجعل الحياة فيه أمرا ممكنا والاستمرار في العيش فيه متاحا، من قبيل العلاقات الاجتماعية الوطيدة بين ساكنيه مما يؤشر على التضامن والتعاون والتآزر وهو ما يجسد حوار ابن الرومي وأشعب المغفل. (صص 25-26).
علاوة على لحظات وجدانية وعلاقات حميمية منحت ابن الرومي شحنة نفسية في مواجهة الفقر ويتعلق الأمر بعلاقة العشق بينه وبين عريب الجارية:
-ابن الرومي: عشقتك قبل أن تكون الألوان والرداء، لو أحببتك والرداء يا فاتنة، لجعلت منك اثنين وأنت واحدة، حين أراك لا أرى شيئا سواك. في حضرتك تختفي كل الأشياء إلا أنت يا عريب...
-عريب: لم تجبني يا ابن الرومي... كيف تهواني
-ابن الرومي: شفافة كالنور كالضياء كغمامة وردية صافية كالنبع بلا لون بلا ظل، أهواك يا جارية،
*****
أهواك يا عريب أهواك عارية...[9]
فإذا كان بيت ابن الرومي سجنا قاتما وموحشا، فإن شخصية عريب قد أضفت عليه نوعا من حيوية الحياة، فهي القلب النابض بالحب التي لا يهمها سوى إظهار جمال جسدها حتى يكون لها تأثير على عين الرجل يقول ابن الرومي:
" عريب، الكون ظلام وعماء، فكيف بلا نور أهتدي؟
امنحيني رفقتك فأنا الآن سجين الإسمنت والحجارة، سجين هذا السقف،
سجين بغداد، سجين وساوسي وأوهامي السقيمة....
من غيرك لا أستطيع شيئا، فامنحيني يدك يا امرأة، امنحيني يدك." .[10]