لم يحضر طابور الصباح، ورفض أن يكمل أسبوعه الدراسى الأول فى أولى سنواته بالمرحلة الإعدادية، وعلى غرار المشاهد الدرامية بالأفلام السينمائية، صعد أحمد محمد مرسى "12 عاما" إلى سطح منزله، ربط الحبل حول عنقه، وألقى بنفسه منتحرا، هاربا من المدرسة والحياة التعليمية.
مشهد يتكرر مئات المرات يوميا، رفض الأبناء الذهاب للمدرسة والضيق من الاستيقاظ المبكر، ومحاولات الأسرة إقناعهم بالتدليل وآخرون بالعنف والبعض بالنقاش، وما بين وذلك لا يتوجه هؤلاء الأطفال إلى الانتحار، فهل يصبح الانتحار هو رد الفعل طالب القرن العشرين للتعبير عن الرفض؟.
تباينت ردود أفعال طلاب المدارس للإجابة على السؤال، لكن الغريب هو رفضهم جميعا سلوك أحمد بالإقدام على الانتحار، وبطريقة عفوية أوضحت إجاباتهم دور الأسرة فى أسلوب التعبير عن الرفض أو نظرتهم نحو الانتحار.
عبد الرحمن حمدى – 13 سنة – كان مرتبطا بوالدته لدرجة جعلته يبكى بالساعات فى أولى سنواته الدراسية بالابتدائية، وبعد أن اشتد عوده، يعتبر عبد الرحمن المدرسة جزءا لا يتجزأ من حياته ليس بسبب التعليم وإنما "عشان بقابل أصحابى ونلعب كورة"، سألته عن رأيه فيما قام به أحمد، قال "لا حرام أنا أصلى وشيخ المسجد قال إن اللى ينتحر ربنا هيعذبه ويموت كافر".
وتتحدث سها جميل – 10 سنوات – عن والدتها التى تذاكر معها كل دروسها، وتخرج معها للتنزه كل يوم خميس بعد المدرسة، وتقول "أنا بحب الدراسة لكن مش بحب أروح المدرسة علشان مش بلاقى مكان أقعد فيه فى الفصل، وبنقعد 4 فى الديسك، بس
لما بتضايق بحكى لماما وهى بتقولى أعمل إيه".
أما زياد سمير– 15 سنة– فاستغرب من أن يكون رفض الذهاب إلى المدرسة سبب للانتحار، وقال "مفيش حد بيحب الاستيقاظ مبكرا والمذاكرة الصعبة والمعاملة السيئة من بعض المدرسين، لكن هذا لا يبرر أن يقوم الطالب بالانتحار"، أوضح زياد أنه منذ الصغر معتاد على الفضفضة مع والدته، لكنه بعد فترة لا يعرف لماذا تغيرت مشاعره وأصبح يحكى لأصدقائه، لكن يعود ويقول "والدتى لم تتخل عنى وعندما تلاحظ أى تغيير على تسألنى، أتهرب منها أحيانا، لكنى أعلم أنها تخاف على مصلحتى".
نور عبد الهادى– 16 سنة– قال "لا يمكن أن يكون السبب هو عدم الذهاب فقط إلى المدرسة، لأن معظمنا لا يحب الدراسة المملة، وقضاء كل الوقت ما بين الحصص والدروس والمذاكرة، لكن كلنا فى الوقت ذاته نعلم أن الانتحار حرام وليس الحل لمشكلاتنا، وإلا كان جميع طلبة الثانوية العامة انتحروا بسبب النفسى الملقى عليهم".
ويضيف، "للأهل دور كبير فى احتواء مشاكلنا، يختلف تأثيرهم حسب الطريقة التى يتعاملون بها معنا، وقد يكون الخوف من الفشل أمام الأهل أكبر من كره المدرسة".
من جانبها، رفضت الدكتورة فيروز عمر– الاستشارية النفسية– أن يكون السبب مجرد الذهاب إلى المدرسة لرفض الدراسة، مؤكدة وجود أسباب أخرى أدت إلى هذا الكره الذى وصل إلى حد الانتحار، قائلة، "قد يكون هذا الكره نابع من أحد الضغوط التى كان يعانى منها الطفل فى مدرسته، مثل مدرس يضربه أو طالب يتحرش به أو أحد يهينه ويعايره، ومن جانب آخر قد يكون من ضغط البيت عليه للنجاح فى الدراسة أو المذاكرة المتواصلة".
وتضيف، "يكون على الأسرة دور هام فى هذه الفترة لمعرفة سبب رفض الطفل الذهاب إلى المدرسة، فإذا لم يكن أحد الأسباب السابقة، فعلينا أن نعلم أن هناك ما يعرف بالاكتئاب عند الأطفال والذى- ليس كما هو شائع– ينتج عن الظروف النفسية المحيطة به، وإنما هو مرض يسببه خلل معين فى كيمياء المخ، يحتاج إلى الاكتشاف المبكر والذهاب إلى الطبيب النفسى وتناول أدوية الاكتئاب، وهذا المرض يؤدى إلى ميول انتحارية".
وأوضحت الدكتورة فيروز أن هناك انخفاضا فى وعى الأسر بإصابة الأطفال بمرض الاكتئاب أو معرفة أعراضه لسرعة حماية الأطفال، الذين تساعدهم صور الانتحار المنتشرة فى الأفلام والمسلسلات والكارتون العربية والأجنبية، حيث أصبحت طرقه قريبة من الأطفال وتؤصل العنف بداخلهم فى ظل غياب الأهل عن النقاش السليم والانتباه إلى تصرفات الأبناء، مع حثهم وزيادة الأمل والثقة بداخلهم للشعور بأن المستقبل سيكون أحلى وأنه يستطيع التغلب على مشاكله.