أنحن مؤمنون باليوم الآخر؟
أخي في الله
تساءل معي أنحن مؤمنون حقا ؟ أمثلنا يؤمن بالله واليوم الآخر ؟ هل نعلم حقاً أن الموت آتينا لا محالة ثم نبعث من قبورنا إلى يوم الحساب ؟
أخي في الله
المؤمنون تصدق أفعالهم أقوالهم ، فالإيمان ليس لعبة يتلهى بها صاحبها ثم يدعها ويمضي .
قال الحسن البصري : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال .
فالإيمان إنما هو تكيف في النفس ، وانطباع في القلب ، وعمل في الواقع ، ثم لا تملك النفس الرجوع عنه حتى تستقر حقيقته في الضمير.
وقال الحسن أيضاً : هيهات هيهات أهلك الناس الأمانيُّ : قول بلا عمل ، ومعرفة بغير صبر ، وإيمان بلا يقين ، مالي أرى رجالاً ولا أرى عقولاً ، وأسمع حسيسا ولا أرى أنيساً ، دخل ـ والله ـ القوم ثم خرجوا ، وعرفوا ثم أنكروا ، وحرموا ثم استحلوا ، إنما دين أحدهم لعقة على لسانه ، إذا سئل : أمؤمن أنت بيوم الحساب ؟ قال : نعم . وكذب ومالك يوم الدين .
إخوتاه
هذه أخلاق المؤمنين : قوة في دين ، وإيماناً في يقين ، وعلماً في حلم ، وحلماً بعلم ، وكيساً في رفق ، وتجملاً في فاقة ، وقصداً في غنى ، وشفقة في نفقة ، ورحمة لمجهود وعطاء في الحقوق ، وإنصافاً في الاستقامة ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم في مساعدة من يحب ، لا يلمز ولا يغمز ، ولا يلغو ولا يلهو، ولا يلعب ولا يمشي بين الناس بالنميمة ، ولا يتبع ما ليس له ، ولا يجحد الحق الذي عليه .
سبحان الله هذه أخلاق المؤمنين فأين هم ؟!! وهل أنت منهم ؟!!
" رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [ التحريم /8 ]
أخي في الله ..
إنَّ الموت حقيقة لا يكابر فيها مكابر ، ولا يجادل فيها ذو عقل ؛ لأنَّ الموت مشاهد مكرور ، ولكن الناس غافلون أو متغافلون عنها ، ومع ذلك فكل حي سبيله الموت والرحيل من هذه الحياة ، تاركاً ما خوله الله خلف ظهره من أهل ومال ونعيم ، بل إن أهله الذين هم أهله هم الذين سيوارونه التراب بعد أن خمدت فيه الحياة.
أحبتي في الله …
إنَّ للعمر أيامه ، وللحياة نهايتها ، ولا ندري متى تنقضي أيام العمر ومتى تبلغ الحياة نهايتها ، ولكن كلنا يدري أن ذلك لن يطول.
قال الله : " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون " [الأعراف/34] فكيف بك إذا بلغت من الحياة النهاية ، وانتقلت منها إلى حياتك الأخرى ؟ أتراك ستنتقل من هذه الحياة إلى حياة أفضل منها أم إلى حياة أشقى وأتعس ؟!!
أحبتي في الله ….
نحن قوم مسافرون ، والطريق طويلة ، والعقبات كثر فتزود لآخرتك من دنياك ، ولا يلهينكم عن غايتكم فتات الطريق ، وبريق الشهوات وبهرج المال ، وحلاوة العيش فإن ذلك لن يدوم " قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ " [ النساء/78 ]
أخي في الله …
دعنا نفسح للحق في نفوسنا سبيلاً ، دعنا نعرف حقيقة الحياة ، تالله إن الحياة التي تخلو من السير على المنهج الإلهي… إن الحياة التي لا تتصل بالحي الذي لا يموت …إن الحياة التي تنخلع من ظل شريعة الله …إنها لحياة تافهة شائهة ، عذابٌ .. يعيش صاحبها يقاسي في نفسه لوعه ، وفي روحه جوعه ؛ لأنه يعيش دون أن يشعر بوجوده الحق ، ودون أن يعرف سبيله فاعرف ربك تعرف نفسك، وتعرف سعادتك ، وتُهدى لغايتك ، ودون ذلك حياتك سراب يلمع في وهج الشمس في حر الهاجرة ، يخيل إليك أنه شئ يُغنى ويقني ، ولكنه لا شئ إنه سراب .
" وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ " [ النور/39 ]
أخي في الله …
لا ألفينك وقد انقضت حياتك وحان حينك ، وولت عنك الدنيا مدبرة ، ونظرت إلى ماضي أيامك فإذا بك تشاهد ماضياً أليماً ، وأياماً سوداء قاتمة قضيتها في عصيان رب العالمين ، وقد خدعك في الحياة مظهرها وزخرفها فغابت عنك حقيقتها وغايتها، فعند ذلك تقوم باكياً حين تبلغ الروح الحلقوم والناس إليك ينظرون : رب امهلون وإلى الدنيا ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ، فيقال لك : لا ، لقد انتهت الحياة ومضت فترة الاختبار .
قال الله تعالى : " قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ " [ غافر/11 ]
وقال جل وعلا : " وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِير" [ فاطر/37 ]