نقلا من كتاب (( مختصر منهاج القاصدين )) للعلامه الامام الشيخ احمد بن عبد الرحمن بن قدامه المقدسى رحمه الله .
محبه الله تعالى هى الغايه القصوى من المقامات , فما بعد المحبه من مقام الا و هو ثمره من ثمارها و تابع من توابعها , كالشوق و الانس و الرضا .
ففى الحديث الصحيح , ان رجلا سال رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الساعه فقال ( ماذا اعددت لها ؟ ) فقال ما اعددت لها من كثره صلاه و لا صيام الا انى احب الله و رسوله , فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ( المرء مع من احب , و انت مع من احببت ) .
و روى ان ملك الموت جاء الى الخليل ابراهيم عليه الصلاه و السلام ليقبض روحه , فقال له الخليل . هل رايت خليلا يميت خليله ؟
فاوحى الله عز و جل له فقال ( هل رايت حبيبا يكره لقاء حبيبه ؟) فقال الخليل لملك الموت يا ملك الموت اقبض .
و قال الحسن البصرى رحمه الله و رضى عنه ( من عرف ربه احبه , و من احب غير الله تعالى لا من حيث نسبته الى الله , فذلك لكهله و قصوره عن معرفته , فاما حب الرسول صلى الله عليه و سلم لا يكون الا من محبه الله , و كذلك حب العلماء و الاتقياء , لان محبوب المحبوب محبوب , و كل ذلك يرجع الى حب الاصل .
************************************************** *************************************
اعلى اللذات و اجلها معرفه الله سبحانه و تعالى و النظر الى وجهه الكريم .
و هناك من يعبدون الله طمعا فى الجنه و خوفا من الاخره و هذا هو الاصل , و لكن هناك عباد اخرون اختاروا ان يعبدوا الله لانه اله مستحق للعباده , اختاروا عباده الله لحب الله لا لجنه و لا لنار .
و لعل من اشهر هؤلاء رابعه العدويه المثال الحى على حب الله و حب رسوله صلى الله عليه و سلم فان من دعائها الماثور ( اللهم انى احبك , فان كنت تعلم انى احبك طمعا فى جنتك فاحرمنى منها و لكنى احبك , و ان كنت تعلم انى احبك خوفا من نارك فاحرقنى بها , و لكنى احبك ).
بعض العلماء نفى صحه ثبوت نسب هذا الدعاء لرابعه العدويه على اساس ان عباده الله هى للجنه و خوفا من النار .
و نرى ان الصواي قد خالف هؤلاء العلماء و سناتى بالرد من كتاب ابن الجوزى (( منهاج القاصدين)) و من كتاب ابن قدامه (( مختصر منهاج القاصدين )) و هما سلفيان معروفان .
نقلا عن الكتابين //
و العارفون بالله درجات عند الله متفاوتون , لا يدخل تفاوت درجاتهم تحت الحصر , و هذه الامور لا تدرك الا بالذوق , و الحكايه عنها قليل الجدوى , فهذا القدر ينبهك على ان معرفه الله تعالى الذ الاشياء و انه لا لذه فوقها و لهذا قال ابو سليمان الدارانى رحمه الله : ان لله عبادا ليس يشغلهم عن الله عز و جل خوف النار و لا رجاء الجنه , فكيف تشغلهم الدنيا عن الله !
و قال بعض اصحاب معروف الكرخى - من اشهر الزاهدين العابدين - , سالت معروف يوما فقلت له اى شيئ اهاجك على العباده ؟ فسكت . فقلت ذكر الموت ؟ فقال و اى شيئ الموت .
قلت ذكر القبر ؟ فقال و اى شيئ القبر .
فقلت خوف النار و رجاء الجنه ؟
فقال و اى شيئ هذا . ان ملكا هذا كله بيده , ان احببته انساك جميع ذلك , و ان كانت بينك و بينه معرفه انساك جميع ذلك .
و قال احمد بن الفتح , رايت بشر بن الحارث فى منامى فقلت له , ما فعل معروف الكرخى ؟
فحرك راسه ثم قال هيهات , حالت بيننا و بينه الحجب , ان معروفا لم يعبد الله شوقا الى جنته و لا خوفا من ناره , و انما عبد الله شوقا اليه فرفعه الله الى الرفيق الاعلى , و رفع الحجب بينه و بينه .
هذا اكبر دليل على ان دعاء رابعه العدويه ليس بالغريب لانه مقرر من ناحيه اخرى .
و نكمل رحلتنا مع الكتاب //
كل من لا يعرف الله تعالى فى الدنيا لا يراه فى الاخره .
و فى الشوق الى الله يقول الكتاب //
اعلم ان الامور الالهيه لا نهايه لها و انما يكشف لكل عبد من العباد بعضها و يبقى امور لا نهايه لها , و العارف بالله المشتاق اليه يعرف وجودها و يعلم ان ما غاب عنه اكثر مما عرفه .
كان ابراهيم بن ادهم من المشتاقين فقال يوما : يا رب ان كنت اعطيت احدا من المحبين لك ما يسكن قلبه قبل لقائك فاعطنى . فقد اضر بى القلق .
فقال ابراهيم , فرايته عز و جل فى المنام فقال : يا ابراهيم اما استحييت منى ؟
تسالنى ان اعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائى . و هل يسكن قلب المشتاق قبل لقاء حبيبه ؟
فقلت له يا رب : تهت فى حبك فلم ادر ما اقول .
انسان(احمد).