-1-
أصبح من المعروف والواضح، لكل ذي بصر وبصيرة، أن الجماعات الإسلاموية السياسية، وعلى رأسها "جماعة الإخوان المسلمين"، تستغل الدين بشدة وشراسة متناهية، لتحقيق أغراضها السياسية، والوصول إلى كراسي الحكم. وأصبح الوصول إلى الحكم شبقاً سياسياً لدى هذه الجماعات منذ 1942، عندما رشَّح حسن البنا نفسه للانتخابات التشريعية، وأقنعه النحاس باشا بالتراجع، مقابل صفقة سياسية معروفة. ولكن الشبق السياسي لم يمنع الشاب البنا من الترشُّح مرة ثانية في الدورة اللاحقة. وهذا الشبق السياسي لدى الشاب البنا، مثله مثل الشبق الجنسي عند بعض الشباب والشابات. وتحوّل هذا الشبق في حدته وإسرافه من ثمَّ إلى جنون سياسي/ديني، تمثَّل في رفع شعار عاطفي، ومتشنج، ومهيّج، ولكنه خالٍ من المضمون الواقعي والعقلاني بمقاييس هذا العصر، وهو شعار: "الإسلام هو الحل"، الذي اعترف أكثر الدعاة الدينيين، ومنهم الكويتي طارق سويدان، بأنه شعار فارغ، لا يعني غير الكيد والإغاظة للآخرين.
-2-
قالت الأخبار من القاهرة في الأمس، أن الأمن المصري، منع كل المرشحين المنتمين للإخوان المسلمين من استخدام شعار: "الإسلام هو الحل"، باعتباره شعاراً دينياً شوفينياً، يُحظر استعماله.
ورغم أننا لا نرتاح لتدخل الأمن في حرية الانتخابات، إلا أننا نرى أن هذا المنع جاء في مكانه السليم، وزمانه الصحيح. إذ أصبح هذا الشعار المُبتذل، وسيلة لاستجداء أصوات الناخبين من ذوي "التدين الشعبي" البسيط، المختلط بالطرق الصوفية، والخرافات، والأساطير، والعادات والتقاليد الفرعونية، وغير الفرعونية، الذي يعجُّ بهم الشارع المصري. وهؤلاء البسطاء الفقراء الجوعى، هم من يشترون شعار "جماعة الإخوان المسلمين": "الإسلام هو الحل". وهؤلاء هم الطبقة الاستهلاكية الرئيسية لهذا الشعار. فجاء منع رفع هذا الشعار، حماية لهذه الطبقة من استغلال "الخوارج الجُدد".
فما معنى شعار: "الإسلام هو الحل"؟
-3-
شعار: "الإسلام هو الحل"، شعار خاص بـ "جماعة الإخوان المسلمين"، وفي مصر خاصة.
فهم الذين نسجوه، وفصَّلوه، وخيَّطوه على مقاسهم، ومقاس الشارع المصري البسيط، ذي التدين الشعبي الساذج.
فلا جماعة إسلاموية/سياسية أخرى ترفع هذا الشعار السياسي المُتلبِّس بالدين. ومن النادر أن نشاهد هذا الشعار خارج مصر.
وهذا الشعار، لا يُرفع إلا في الانتخابات السياسية، وفي المهرجانات والمظاهرات السياسية.
فغرض هذا الشعار سياسي في الدرجة الأولى. وهدفه استدرار عطف الناخبين والأنصار، لدعم وتأييد "الجماعة"، في أهدافها السياسية.
ويستخدم هذا الشعار في مصر، في الدرجة الأولى، لعلم "الجماعة" بأن الشارع المصري شارع متدين، بل هو أكثر تديناً - بشكل شعبي - من أي شارع عربي آخر. كما أن بساطة وسطحية هذا التدين شديدة جداً، ولا تتوفر في أي شارع آخر. لذا، كان من السهل على "الإخوان المسلمين" تسليك هذا الشعار، وضخه في شرايين هذا الشارع.
-4-
شعار: "الإسلام هو الحل"، شعار ضد الإسلام ذاته!
وهو يعني - خطأً - أن الإسلام مُطلقٌ وجامعٌ في امتلاكه الحلول لكل مشكلات العالم والبشر على مرِّ التاريخ، وتقلُّب العصور، واختلاف المجتمعات، وطبائع الحياة في هذا الكون. ولا يشاركه العلم، بكافة وجوهه، في بناء هذا العالم، ومجتمعاته. وهذه هرطقة مرفوضة لم يأتِ بها الإسلام قط، الذي ترك للناس حرية التصرف بحياتهم، وإدارة هذه الحياة. فالإسلام دين وعقيدة توحيدية. وقد ركَّز في أركانه المؤسِسَة على موضوع التوحيد كباقي الأديان السماوية الأخرى، وترك إدارة شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للناس فهم أدرى بشؤون حياتهم، التي تتبدل، وتتغير، وتتطور، بتبدلهم وتطورهم. وكان الإسلام عقلانياً وواقعياً، حين نفى عن نفسه إدارة شؤون الناس على مرِّ التاريخ، وعبر القارات. فترك للناس أصحاب الشأن ذلك، مع مراعاة عدم المس بجوهر العقيدة. وهذا من حقه، ومن حق أية إيديولوجيا دينية، أو سياسية، أو فكرية.
-5-
أما أن يصبح "الإسلام هو الحل"، في كل العصور ولجميع المشكلات، وهو ما يعني إلغاء وإنكار لكل ما في هذا العالم من بشر آخرين، ومعارف، وأفكار. فتلك هرطقة دينية، لم يأت بها دين من الأديان، ولا إيديولوجيا من الأيديولوجيات، وإنما روَّجَ لمثل هذه الهرطقات، الممتطون لظهور هذه الأديان وتلك الإيديولوجيات، والمتاجرون بها، والمنتفعون منها، والمستغلون لها، لكل يجعلوا من هذه الأديان ومن تلك الإيديولوجيات، علفاً صالحاً لكل زمان ومكان.
فبئس ما يفعلون.
وبئس ما يقولون، إلا كذباً، وهرطقة، وضحكاً، على عقول البسطاء والسُذَّج الذين يشترون مثل هذه البضاعة الخاسرة، في كل زمان، ومكان.
فلا عجب!
-6-
لم تأتِ الأديان، إلا لكي تحارب الرذيلة، والفاحشة، والمنكر، من الأفعال والأقوال. ولكنها لم تأتِ لكي تضع الحلول، لكل مشاكل العصور والبشر. ولو كانت تهدف إلى ذلك، لظهر دين في كل قرن من الزمان، ولظهر معه نبي هادٍ أيضاً. ولكن الأديان كانت أذكى وأعقل من هذا. فظهرت فقط في عصور غابرة، كان العلم فيها متخلفاً، والعقل البشري فطرياً، والبشر تخشى عواقب الطبيعة، بل وتعبد بعض مظاهرها، تجنباً لشرورها. أما وأن العلم البشري قد تقدم هذا التقدم المذهل في كافة المجالات، وأن العقل البشري لم يعد عقلاً ساذجاً وفطرياً، وأن البشر لم يعودوا يخشون الطبيعة وكوارثها، بل سيطروا عليها، وتنبأوا بعواقبها، فلم يعد هناك حاجة لدين جديد، ينظر في كل هذا. وبقيت الأديان السماوية السابقة على وضعها، مكتفية بما جاءت، وبشَّرت به. وهي البشارة، التي لا تقول أن الحل المطلق، والنهائي، والكامل الشامل، في دين من الأديان، وإنما الحل في منجزات العقل البشري الناظر، والباحث، والمحلل، والناصح.
فأفلا يعقلون؟!
وهذا ما يقوله كل ذي بصر وبصيرة.
أما الدجالون والمشعوذون فلا.
السلام عليكم.