"]هل الأرض كروية في القران الكريم[/color]
رفض علماء المسلمين عامة الفلسفة الإغريقية في بداية دخولها إلى الدول الإسلامية في عصر الترجمة أيام العباسيين ثم اتضح للبعض منهم صحتها بعد أن درسوها من اجل نقدها غير أنهم فهموها وتأكدوا من صحة كثير مما ذكرته بالبراهين العقلية فحاولوا إثبات أنها لا تخالف القرآن بل وذهب بعضهم بعدها إلى محاولة إثبات إن هنالك في القرآن ما يدعم ما ثبت عندهم صحته من الفلسفة والعلوم، غير أنه لم يبلغ الكذب يوما من الأيام عند علماء الإسلام ما بلغه في هذا الزمان باختراع ما يسمى بالإعجاز العلمي في القرآن والإدعاء بوجود أكثر أو كل ما اكتشفه العلم حتى اليوم في القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام عن طريق تغيير معاني القرآن رغم أنف اللغة العربية ومعاجمها لتصير دالة على ما أرادوه لمعنى القرآن
وفي هذا الموضوع سأتطرق إلى الآيات التي يدل ظاهرها على تسطيح الأرض وأذكر تفسيرها ومعاني الكلمات من المعاجم العربية للتأكد من صحة التفسير وبعدها أذكر دلائل على إن الفلسفة هي التي علمت علماء المسلمين أن الأرض كروية وبعد تيقنهم من صحة الفلسفة في ذلك بدئوا يؤولون النصوص التي يدل ظاهرها على أن الأرض مسطحة من أجل التوفيق بين الدين وبين الفلسفة وأقوال من يدعونهم في ذلك الوقت بأهل الهيئة (أي علماء الفلك) وهذا هو أقصى ما وصل إليه الأقدمون من تدليس
أما ما نراه اليوم من ادعاءات الإعجاز العلمي والسبق العلمي القرآني للقول بأن الأرض كروية فلم أجد أحدا من علماء المسلمين السابقين له مثل هذه الجرأة في الكذب على الدين والعلم معا
نصوص ظاهرها دال على تسطيح الأرض
ولنبدأ بذكر النص القرآني (والى الأرض كيف سطحت) وننقل تفسيرها ثم ننقل معاني الكلمات من المعاجم العربية لنتأكد من صحة التفسير ومطابقته للغة أو عدمه
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ..الغاشية آية 20
تفسير الطبري
وَقَوْله : { وَإِلَى الْأَرْض كَيْف سُطِحَتْ } يَقُول : وَإِلَى الْأَرْض كَيْف بُسِطَتْ , يُقَال : جَبَل مُسَطَّح : إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ اِسْتِوَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28703 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِلَى الْأَرْض كَيْف سُطِحَتْ } : أَيْ بُسِطَتْ , يَقُول : أَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ هَذَا بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُق مَا أَرَادَ فِي الْجَنَّة
تفسير القرطبي
سُطِحَتْ
أَيْ بُسِطَتْ وَمُدَّتْ
تفسير الجلالين
والى الأرض كيف سُطِحَتْ
أي بُسِطـَت، فيستدلون بها على قدرة الله تعالى ووحدانيته، وصدرت بالإبل أشد ملابسة لها من غيرها، وقوله سُطحت ظاهر في أن الأرض سطح، وعليه علماء الشرع لا كرة كما قاله أهل الهيئة(علماء الفلك) وإن لم ينقص ركنا من أركان الشرع
قلت
وهذا اعتراف صريح بأن لفظ القرآن ظاهر بأن الأرض سطح لا كرة، حيث إن اللفظ سَطح يتضمن معنى الاستواء وهو مخالف للكروية، أما قوله بأن ذلك لم ينقص من أركان الشرع ركنا فيجب أن نفهمه على ضوء الزمان الذي عاش فيه فهذا الكلام كان في القرن التاسع الهجري حيث معلومة كروية الأرض قد اشتهرت كما يذكر هو نفسه عن علماء الهيئة في وقته بل قد تبناه بعض علماء الإسلام الذين درسوا الفلسفة قبله بقرون مثل الغزالي المتوفى سنة 505 والذي حذر الناس من رفض تلك اليقينيات لئلا تضر بالدين إذ يسهل على الملحدين نقضه كما سيأتي لاحقا
والآن لنر ماذا تقول المعاجم العربية
لسان العرب
سطَح الشيء يسطحهُ سَطْحًا بسطهُ. ومنهُ في سورة الغاشية وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أي بُسِطَتْ حتى صارت مهادا
المحيط
سَطَحَ يَسْطَحُ سَطْحاً :سطح الشيءَ: بَسَطَهُ وسوّاهُ - وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ
الغني
سَطَحْتُ، أسْطَحُ، اِسْطَحْ، مص. سَطْحٌ. 1. "سَطَحَ البَيْتَ" :سَوَّى سَطْحَهُ. 2."سَطَحَ عَدُوَّهُ أَرْضاً": طَرَحَهُ أَرْضاً، صَرَعَهُ
الوسيط
(سَطحَهُ)-َ سَطْحًا: بَسَطَهُ وسَوّاه. فهو مَسْطُوحٌ، وسَطِيحٌ. ويقال: سَطَحَ الله الأرضَ. وفي التنزيل العزيز:وإلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ . وسطحَ الخُبْزَ بالمِحْوَر، والثريدةَ في الصَّحْفَةِ. وسطح فلانا: صرعَهُ فبسَطهُ على الأرض. وسطح البيتَ: سوَّى سَطحَهُ
سَطَّحَهُ): سَطَحَه
انْسَطَحَ): انبسطَ
قلت
كما بينت معاجم اللغة إن الفعل (سَطـَحَ) يقتضي الاستواء والبسط، إذا الفعل سُطح يدل ظاهره على التسوية فالسطح لا يدعى كرة أبدا والكرة لا تكون مبسوطة أبدا
إن كلمة سطح تقتضي الاستواء وبما أن الحديث عن الأرض ككل وليس على قطعة منها فإن وصفها بذلك يدل ظاهره على إن الأرض سطح عند مؤلف القرآن، غير أن بعض علماء المسلمين ومنذ معرفتهم بكروية الأرض عند دراستهم للفلسفة بدءوا يحملون معنى هذه الآيات على المساحة الصغيرة من الأرض حيث تكون ممهدة للناس وفراشا لهم وصالحة للحياة والتنقل فيها واتخاذ الطرق وأنها لا تعارض حقيقة أن الأرض كرة، كما حاول آخرون تأويل تلك النصوص لتعني في رأي العين فقط كما فعلوا ذلك من قبل مع آية غروب الشمس في عين حمئة كما فعل ابن كثير
إن علماء الإسلام هؤلاء أدركوا إن مدافعة العلم بالقرآن ستكون دلالة قاطعة على كذب القرآن فاشتروا بعض دينهم بكله بدل أن يذهب إيمان الناس وذلك بعد أن تبين لهم صدق كثير مما جاءت به الفلسفة وبصورة قطعية
ولنأخذ آية أخرى
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.. الرعد 3
تفسير الطبري
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْض } يَقُول ـ تَعَالَى ذِكْره ـ : وَاَللَّه الَّذِي مَدَّ الْأَرْض , فَبَسَطَهَا طُولًا وَعَرْضًا
تفسير القرطبي
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ
لَمَّا بَيَّنَ آيَات السَّمَاوَات بَيَّنَ آيَات الْأَرْض ; أَيْ بَسَطَ الْأَرْض طُولًا وَعَرْضًا
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِي
أَيْ جِبَالًا ثَوَابِت ; وَاحِدهَا رَاسِيَة ; لِأَنَّ الْأَرْض تَرْسُو بِهَا , أَيْ تَثْبُت ; وَالْإِرْسَاء الثُّبُوت ; قَالَ عَنْتَرَة : فَصَبَرْت عَارِفَة لِذَلِكَ حُرَّة تَرْسُو إِذَا نَفْس الْجَبَان تَطَلَّع وَقَالَ جَمِيل : أُحِبّهَا وَاَلَّذِي أَرْسَى قَوَاعِده حُبًّا إِذَا ظَهَرَتْ آيَاته بَطَنَا وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء : أَوَّل جَبَل وُضِعَ عَلَى الْأَرْض أَبُو قُبَيْس. مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَرْض كَالْكُرَةِ
ثم يقول
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْل الْكِتَاب الْقَوْل بِوُقُوفِ الْأَرْض وَسُكُونهَا وَمَدّهَا , وَأَنَّ حَرَكَتهَا إِنَّمَا تَكُون فِي الْعَادَة بِزَلْزَلَةٍ تُصِيبهَا
قلت
هذا رأي القرطبي حيث يصرح بكل وضوح أن النص يعارض القول بأن الأرض كرة وأن أتباع الأديان الثلاثة يقولون بمدها(بسطها) ووقوفها وسكونها
الجلالين
ا(وهو الذي مدّ) بسط (الأرض وجعل) خلق (فيها رواسي) جبالا ثوابت
والآن ننتقل إلى معنى الفعل (مدّ) في المعاجم
المحيط
مدّ اللهُ الأرضَ: بسطها - هُوَ الَّذِي مَدَّ الَأرْضَ وَجَعَل فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهارًاً
محيط المحيط
وقال اللحياني : مدَّ اللهُ الأَرضَ يَمُدُّها مَدًّا بسطها وسَوَّاها . وفي التنزيل العزيز: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ؛ وفيه: وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا
وفي لسان العرب
ويقال مدَّ اللّه الأرض أي بسطها
كما تجد في القرآن دليلا آخر على إن الأرض مبسوطة كما في النص أدناه
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا..نوح 19
تفسير القرطبي
أَيْ مَبْسُوطَة
تفسير الجلالين
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا
مبسوطة
أضف إلى ذلك وصف الأرض بأن لها مغرب ومشرق حيث تغرب الشمس في عين عند مغرب الشمس كما في قصة ذي القرنين
وقد تكلمنا في هذا الموضوع كثيرا فلا حاجة للإعادة
والآن ماهي أدلة علماء الإسلام على كروية الأرض من القرآن؟
الدليل الأول
لنبدأ بالآية التي اشتهرت في القرن العشرين
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا.. النازعات 30
علماء الإسلام أعادوا اكتشاف هذه الآية في القرن العشرين وقالوا أنها تدل على كروية الأرض فلا بد من مناقشتها في هذا الموضوع
قالوا إن الفعل (دحا) يدل على جعل الشيء على هيئة البيضة
ولنحتكم إلى المعاجم لنرى صحة ذلك أو عدمه
المحيط
دحا الشّيْءَ: بسَطه - والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا
الغني
دَحَا اللَّهُ الأرْضَ" : بَسَطَهَا. والأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاها -قرآن
دَحَاهَا فَلمّا رآهَـا اسْتَـوَتْ عَلَى الْمَاءِ أرْسَى عَلَيْهَا الجِبالا - ابن بَرِّي
الوسيط
دحا الشيءَ: بسطه ووسعه. يقال: دحا اللهُ الأَرض
الدَّحْيَةُ: القِرْدة
الدِّحْيةُ: رئيس الجُند
القاموس المحيط
دَحَا): الله الأرضَ(يَدْحُوهَا وَيَدْحَاهَا دَحْواً) بَسَطَها
والرَّجُلُ جامَعَ والبَطْنُ عَظُمَ واسْتَرْسَلَ إلى أسْفَلَ
وادْحَوَى) انْبَسَطَ
والأُدْحِيُّ) كَلُجِّيٍّ ويُكْسَرُ
وَالأُدْحِيَّةُ والأُدحُوَّة) مَبِيضُ النَّعامِ في الرَّمْلِ
قلت
إذن الفعل (دحا) الشيء بسطه ووسعه، ودحا الله الأرض أي بسطها ويدل ظاهره على إن الأرض منبسطة لا كرة كما يقول الاعجازيون، لكن الاعجازيين هربوا من معنى الفعل حيث لم يجدوا في المعاجم ما ينسب له غير ما ذكرنا وهو بالتأكيد لم يعجبهم فذهبوا يبحثون في الأسماء المشتقة منه، وبعد بحثهم خرجوا علينا بقول عجيب، ألا وهو إن الدحية تعني بيضة النعام مستغبين بذلك كل من أتى قبلهم من فطاحل العربية والتفسير، وكما رأينا في الوسيط فإن (الدَّحْيَةُ : القِرْدة، الدِّحْيةُ: رئيس الجُند) أما الأُدْحِية في المعاجم فهي مبيض النعام كما ورد أعلاه في القاموس المحيط وكما سيرد في لسان العرب، ورغم أن الأسماء المشتقة من الفعل لا تهمنا في شيء إذ أن الوارد في النص القرآني هو الفعل الذي لم يعجبهم معناه في المعاجم العربية، لكن لا بد من معرفة سبب تسمية الأُدْحِيَة بهذا الاسم
دحا) في لسان العرب
دحا الله الأرض بسطها
ادحوَى الشيءُ إدحواءً انبسط
الأُدْحِيُّ والإِدْحِيُّ مَبِيض النعام في الرمل. وهو أُفْعُول من دحوت لأنها تدحوهُ برجلها ثم تبيض فيهِ وليس للنعام عشٌّ
الأُدْحِيَة والأُدْحُوَّة الأدحيُّ
مَدْحَى النعام موضع بيضها ....انتهى
قلت
إذن، الأُدْحِيُّ والإِدْحِيُّ والأُدْحِيَة والأُدْحُوَّة : مَبِيض النعام في الرمل
وسمي بذلك لأن النعام تدحوه(أي تبسطه) برجلها ثم تبيض فيه
أو كما يقول القرطبي في تفسيره كما سيأتي: لِأَنَّهُ مَبْسُوط عَلَى وَجْه الْأَرْض
وبذلك يظهر حجم التدليس الذي يمارسه الاعجازيين، فالفعل(دحا) يعني بَسَط، والادحية لم تسمَّ بهذا الاسم إلا لأن النعام تبسط موضع بيضها قبل أن تبيض فيه وب فهو توكيد أن معنى الفعل دحا هو (بسط)، بعد هذا كله لن أستغرب أي شيء من الاعجازيين فإن الغاية عندهم تبرر الوسيلة ولو كانوا قد احتاجوا إلى جعل معنى الفعل (دحا) مثلا (يعينه رئيسا للجند) أو (ليجعله قردةً) ليثبتوا إعجازهم المزعوم لادعوا ذلك بحجة أن الدِّحية تعني رئيس الجند أو أن الدَّحية تعني قردة
لنقتبس من تفسير القرطبي ما يلي
اقتباس
والأرض بعد ذلك دحاها
أَيْ بَسَطَهَا . وَهَذَا يُشِير إِلَى كَوْن الْأَرْض بَعْد السَّمَاء . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي أَوَّل " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى: " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا, ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء " [ الْبَقَرَة: 29 ] مُسْتَوْفًى وَالْعَرَب تَقُول: دَحَوْت الشَّيْء أَدْحُوهُ دَحْوًا: إِذَا بَسَطْته. وَيُقَال لِعُشِّ النَّعَامَة أَدْحَى ; لِأَنَّهُ مَبْسُوط عَلَى وَجْه الْأَرْض. وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت : وَبَثَّ الْخَلْق فِيهَا إِذْ دَحَاهَا فَهُمْ قُطَّانُهَا حَتَّى التَّنَادِي وَأَنْشَدَ الْمُبَرِّد : دَحَاهَا فَلَمَّا رَآهَا اِسْتَوَتْ عَلَى الْمَاء أَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا وَقِيلَ : دَحَاهَا سَوَّاهَا ; وَمِنْهُ قَوْل زَيْد بْن عَمْرو : وَأَسْلَمْت وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ لَهُ الْأَرْض تَحْمِل صَخْرًا ثِقَالَا دَحَاهَا فَلَمَّا اِسْتَوَتْ شَدَّهَا بِأَيْدٍ وَأَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا
وكما رأينا فإن (دحا) تعني بسط وهو وارد في كلام شعراء العرب قبل الإسلام فهل في كلامهم إعجاز علمي هو الآخر وما هو أصل الإعجاز، كلام محمد أم كلام من جاءوا قبله؟
وقد نسي الاعجازيين إن هنالك إشكالا آخر في تلفيق هذا المعنى للفعل (دحا) لأن الآيات التي سبقتها تقول بوجود الليل والنهار وان الدحو حدث بعد ذلك، وبما أن الليل والضحى لا ينتجان إلا عن حركة الأرض البيضاوية الشكل حول نفسها فلا يمكن حدوث الليل والضحى قبل تحقق كروية الأرض، وكما في النص أدناه
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها
والسؤال هنا يطرح نفسه، أي ليل وضحى هذا الذي تتكلم عنه الآية إن لم تكن الأرض قد أخذت شكلها الكروي ودارت حول نفسها لتنتج الليل والضحى؟
وهكذا يتبين تدليس الاعجازيين السافر واستغلالهم لثقة الناس البسطاء بهم؟
وأحب أن أنقل ما قاله الأستاذ عادل لطيفي والذي ينبه إلى استغباء المسلمين لعلمائهم ومفسريهم السابقين واتهامهم بعدم فهم معاني القرآن، حيث يقول:
كنت أدرس في إحدى الدول الخليجية، ووجدت نفسي أقدم درسا في مادة الجغرافيا حول كروية الأرض اعتمادا على الآية القرآنية "والأرض بعد ذلك دحاها"، ويجب تفسير الدحي هنا على أنه مؤشر على كروية الأرض
هذا مثال صارخ على التجني على النص القرآني وعلى التاريخ إضافة إلى استغباء المسلمين الأوائل والمفسرين ثم طلاب اليوم...انتهى
المصدر
الدليل الثاني
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ... الزمر 5
استدل ابن حزم بهذا النص على أن الأرض كروية في القرآن متجاهلا ذكر المصدر الحقيقي لعلمه ذلك وهو الفلسفة اليونانية التي درسها وعلم كروية الأرض منها ومتجاهلا أيضا كل ما أوردته من نصوص قرآنية يدل ظاهرها على أن الأرض سطح وإنها مبسوطة ولنناقش هذا النص القرآني ونبين كيف أنه خطأ علمي
إن الحديث عن تكوير الليل على النهار والعكس وقوله (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)كما في نص قرآني آخر هو بحد ذاته خطأ علمي، إذ إن ذلك يدل على أنهما شيئان زائدان عن شروق الشمس وغروبها
ومن العجيب أن أكثر كلام الاعجازيين يدور حول إثبات أن الفعل (كوّر) يعني (لفه على جهة الاستدارة) وهو بالفعل واحد من معاني الفعل، لكن هل كلف أحدٌ منهم نفسه قبل ذلك أن يسأل السؤال : هل إن الليل والنهار يتحركان؟
سواء كانت هذه الحركة على جهة الاستدارة أو مستقيمة أو حلزونية أو غيرها من الحركات؟
هلا عرفتم لنا معنى الليل والنهار في القرآن؟
أليس الليل والنهار ناتجان عن دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس فتقابل ضوء الشمس فيصير نهارا أو تدابره فيصير ليلا؟
فهل إن النهار مثلا هو الذي يأتينا من جهة الشمس ويدور حول الأرض ليوصل الضوء إلى الجهة البعيدة منها عن الشمس، أم إن الأرض هي التي تدور فتقابل جهة الشمس أو تدابرها؟
إن الاعجازيين يتجاهلون هذه النقطة المهمة تماما
نعم، لو كان القرآن قد قال (يُكوّرُ الأرضَ على النهار ويُكوّرُ الأرض على الليل) لكان ذلك صحيحا، أي إن الأرض تلتف على جهة الاستدارة فيقابل نصف الأرض قرص الشمس فيكون نهارا ويدابر النصف الآخر من الأرض قرص الشمس فيكون ليلا، أليس هذا ما يحصل بالفعل أم إن الاعجازيين يرون أن النهار هو من يلتف حول الأرض ليقابل الوجه الآخر البعيد عن الشمس!!!!
اعتقد أن الفكرة قد وصلت
وبالمناسبة، فإن ابن حزم عندما استدل بهذا النص القرآني، فهو وإن تغاضى عن مسألة أن الليل والنهار لا يتحركان لكنه كان معتقدا بأن الشمس هي التي تدور حول الأرض حيث إن هذا هو اعتقاد الفلاسفة وعلماء الدين كليهما في ذلك الوقت، فقد يكون ابن حزم قد اعتبر قدوم النهار من قدوم الشمس ويكون بذلك ممكنا أن نعتبر النهار يتحرك على سبيل المجاز، لكن حتى هذا الاحتمال الضئيل لم يتركه العلم لسوء الحظ حيث اتضح في القرن العشرين إن النهار ينتج عن دوران الأرض حول نفسها، وهذه نكتة لطيفة يجب الانتباه لها
أقوال علماء المسلمين الذين ينفون كروية الأرض
إن مذهب المسلمين الذين لم يدرسوا الفلسفة واكتفوا بالنصوص الدينية كان دوما متمثلا بأن الأرض مبسوطة وقد ذكرنا ما قاله القرطبي في تفسيره بأن الذي عليه المسلمون وأهل الكتاب هو مدّ الأرض(أي بسطها) ووقوفها وسكونها وكذلك ما قاله جلال الدين المحلي في تفسير الجلالين حيث اعترف إن ظاهر نص القرآن يدل على أن الأرض سطح وأن القول بأنها كرة هو قول أهل الهيئة - أي علماء الفلك
ولنأت إلى عبد القاهر البغدادي المتوفى في عام 429 هـ حيث لم تكن الفلسفة قد اشتهرت بعد بين علماء المسلمين فتجده يذكر الإجماع أهل السنة على نفي كروية الأرض ووقوفها وسكونها
قال عبد القاهر في كتابه الفرق بين الفرق: ص318
إن أهل السنة أجمعوا على وقوف الأرض وسكونها
واستدل على بسط الأرض في كتابه أصول الدين ص 124 بمعنى اسم الله الباسط، فقال: لأنه بسط الأرض وسماها بساطاً خلاف زعم الفلاسفة والمنجمين أنها كروية.. انتهى
و ذكر أن أهل السنة اجمعوا على ما ينافي كروية الأرض فقال
وأجمعوا على أن الأرض متناهية الأطراف من الجهات كلها
وكان هذا رأي صاحب المواقف الإيجي أيضا رغم انه من المتأخرين وقد تطور علم الفلك في زمانه حيث قال:ا
إن الأرض مبسوطة وأن القول بأنها كرة من زعم الفلاسفة
انظر المواقف في علم الكلام للإيجي: 199، 217، 219
إضافة إلى هذه الأدلة على إن الفلسفة هي مصدر معلومة كروية الأرض فإنه لا بد من الإشارة إلى إن علماء المسلمين لم يعرفوا علوما لم تعلمها الفلسفة وأخطأوا جميعا في الأمور التي أخطأت فيها الفلسفة والنصوص الإسلامية المقدسة مثل ثبوت الأرض فكلا الفريقين من الفلاسفة وعلماء المسلمين أجمعوا على ثبوت الأرض وسكونها مع اختلافهم في شكلها إذ إن ذلك كانت ما تنصص عليه الفلسفة السائدة في ذلك الوقت وكذلك الأديان فكان خطأ مشتركا بين الدين والفلسفة وب حُرِم المسلمون المعاصرون من الإشارة إلى أحد من علمائهم السابقين يقول بحركة الأرض ودورانها ولذلك السبب (اتفاق الفلسفة والإسلام على خطأ واحد) تأخر إعجاز دين الإسلام في هذه المسألة حتى القرن العشرين حيث ظهر على يد زغلول النجار وغيره من الاعجازيين الذين عجزوا عن إيجاد دليل على حركة الأرض في أقوال السابقين حتى القرن العشرين فاضطروا إلى الاعتماد على أنفسهم في ذلك إذ إن طبيعة إعجاز القرآن المزعوم عجيبة فهي لا تظهر قبل أن يكتشف الناس ما حاول القرآن التعبير عنه لكن دون جدوى!!!
من أين عرف علماء المسلمين كروية الأرض؟
بعض علماء الإسلام عرفوا كروية الأرض قبل أوربا بزمن كابن حزم المتوفى سنة 456هـ وأبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505هـ وابن طفيل أبو الوفاء المتوفى سنة 513هـ ومن أتى بعدهم ودرس ذلك كالرازي وابن تيمية وابن كثير وغيرهم، لكن السؤال هو: من أين علموا كروية الأرض؟، هل علموا ذلك من الفلسفة أم من القرآن؟
والجواب على ذلك إن معلومة كروية الأرض مصدرها الفلاسفة كما ذكرنا حيث انه لا يوجد بين علماء المسلمين الذين لم يدرسوا الفلسفة من قال بكروية الأرض إلا إن ينقلوه عن من درس الفلسفة من علماء المسلمين الآخرين
ولنبدأ بابن حزم المتوفى سنة 456هـ وهو من أوائل علماء المسلمين الذين قالوا بكروية الأرض حيث اشتغل بالفلسفة وتأثر بها وذهب يحاول التوفيق بينها وبين الدين، ليس في العلوم الطبيعية فحسب بل حتى في مسائل الصفات الإلهية، وتذكر الويكيبيديا أنه شرح منطق أرسطو و أعاد صياغة الكثير من المفاهيم الفلسفية و ربما يعتبر أول من قال بالمذهب الاسمي في الفلسفة الذي يلغي مقولة الكليات الأرسطية
المصدر
وقد ذكر ابن تيمية وابن عبد الهادي والألباني عن ابن حزم الظاهري أنه جهمي في الصفات وذكروا إن اشتغاله بالفلسفة والمنطق كان سببا في ذلك
يقول ابن تيمية بعد أن ينتقد عقيدة ابن حزم في الأسماء والصفات
وغلطه في ذلك بسبب أنه أخذ أشياء من أقوال الفلاسفة ، والمعتزلة عن بعض شيوخه ، ولم يتفق له من يبين له خطأهم ، ونقل المنطق بالإسناد عن متى الترجمان ، وكذلك قالوا: إذا قلنا: موجود وموجود ، وحي وحي لزم التشبيه فهذا أصل غلط هؤلاء .وانظر نحوه في كتاب : الرد على المنطقيين ص131 -132
ويقول ابن تيمية في الصفدية 2/178
ابن حزم ، وهو ممن يعظم الفلاسفة
وفي الفتاوى 9/274: ....وهي الفلسفة الأولى ، والحكمة العليا عندهم وهم يقسمون الوجود إلى: جوهر وعرض .والأعراض يجعلونها تسعة أنواع ، هذا هو الذي ذكره أرسطو وأتباعه يجعلون هذا من جملة المنطق لأن فيه المفردات التي تنتهي إليها الحدود المؤلفة ، وكذلك من سلك سبيلهم ممن صنف في هذا الباب كابن حزم وغيره
وقال العلامة ابن عبد الهادي في طبقات علماء الحديث 3/350
وقد طالعت أكثر كتاب " الملل والنحل" لابن حزم ، فرأيته قد ذكر فيه عجائب كثيرة ، ونقول غريبة ، وهو يدل على قوة ذكاء مؤلفه ، وكثرة اطلاعه ، لكن تبين لي أنه جهمي جلد لا يثبت من معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل كالخالق ، والحق ، وسائر الأسماء عنده لا تدل على معنى أصلا كالرحيم ، والعليم ، والقدير ، ونحوها ، بل العلم عنده هو: القدرة ، والقدرة هي العلم ، وهما عين الذات ، ولا يدل العلم على معنى زائد على الذات المجردة أصلا ، وهذا عين السفسطة ، والمكابرة .وكان ابن حزم في صغره قد اشتغل في المنطق ، والفلسفة ، وأخذ المنطق عن محمد بن الحسن المذحجي ، وأمعن في ذلك فتقرر في ذهنه بهذا السبب معاني باطلة ، ثم نظر في الكتاب ، والسنة ، ووجد ما فيها من المعاني المخالفة لما تقرر في ذهنه ، فصار في الحقيقة حائرا في تلك المعاني الموجودة في الكتاب ، والسنة ، فروغ في ردها روغان الثعلب ، فتارة يحمل اللفظ على غير معناه اللغوي ، ومرة يحمل ويقول: هذا اللفظ لا معنى له أصلا ، بل هو بمنزلة الأعلام ، وتارة يرد ما ثبت عن المصدوق كرده الحديث المتفق على صحته في إطلاق لفظ الصفات
قلت
وهكذا نعلم كيف صار النص (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) عند ابن حزم دالا على كروية الأرض فكل همه أن يوفق بين ما درسه من المنطق والفلسفة في صغره وبين النصوص الإسلامية
لقد كان هذا ديدن علماء الإسلام الذين يدرسون الفلسفة لغرض نقدها انتصارا للدين فيدركون قطعية كثير منها مما يخالف الدين فيبدأ الصراع بين النص الديني والفلسفة في عقل الفيلسوف الفقيه، هذا الصراع الذي ينتهي إما بتأويل النص الديني أو برفض جزء من الفلسفة ومحاولة نقده وصولا إلى إثبات النص المقدس ، أما بالنسبة للغزالي فقد زاد على ذلك كله اللجوء إلى التصوف ليعوض به النقص الذي أصاب إيمانه جراء دراسة الفلسفة ومعرفة يقينيات تخالف النصوص الدينية لذا حَرّم الاشتغال بعلم الكلام والفلسفة على العوام، وقد حذر الغزالي الناس من رفض يقينيات الفلسفة لئلا تضر بالدين إذ يسهل على الملحدين نقضه كما سيأتي لاحقا
فالغزالي درس فلسفة ابن سينا المتوفى سنة 428هـ والتي هي في مجملها أرسطية لينقدها لكنه أدرك صحة كثير منها عند دراستها فتبنى كروية الأرض وعظم حجم الشمس وحقيقة كسوفها وغيرها من العلوم الطبيعية التي علم قطعية صحتها والأمر في هذا أوضح من إن نسهب في شرحه
والظاهر إن ما تعلمه الغزالي من ابن سينا لم يشفع له، فكفره وكفر الفلاسفة في ثلاث مسائل وبدّعهم في عشرين منها
ولنقرأ كلام الغزالي فيما علمه عن كروية الأرض وكسوف الشمس عند دراسته للفلسفة لغرض نقدها واثبات تهافتها فاعتقد إن منه ما هو صحيح قطعا ومن ذلك كروية الأرض وكسوف الشمس وبدأ يحذر الناس من ادعاء تعارضه مع الدين لئلا تضعف ثقة الناس به وذكر أن معارضتها يمكن أن تكون دليلا للملحدين على إثبات خطأ الدين
قال الغزالي في كتاب معيار العلم، ص 2
عرف العقل ـ ببراهين لم يقدر الحس على المنازعة فيها ـ إن قرص الشمس أكبر من كرة الأرض، بأضعاف مضاعفة
وأضاف، ص 51
إن الواقفين على نقطتين متقابلتين من كرة الأرض تتقابل أخمص أقدامهما، ونحن بالضرورة نعلم ذلك
ومن العجيب حقا أن المسلمين اليوم ينقلون هذه الأقوال كدليل على إن الإسلام هو صاحب الفضل في تلك المعرفة ولا يشيرون إلى الفلسفة اليونانية (صاحبة الفضل عليهم في معرفة ذلك) حيث إن الغزالي يقول بوضوح أن العقل هو الذي عرف ذلك بالبراهين وأنه يعرف ذلك بالضرورة، والرجل لم يستدل بآية أو حديث على ذلك كما فعل ابن حزم من قبله
ومن الطبيعي للغزالي الذي درس الفلسفة وصرح بوجوب قبول كثير مما ورد في فلسفة الطبيعيات أن يعلم ما علم بفضل فلسفة الإغريق، فأي فضل للإسلام في ذلك ونصوصه
قال الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة ذاكرا ما يجب إن لا ينكر من الفلسفة والتحذير من ادعاء تعارض اليقينيات من الفلسفة مع الدين موضحا إن ذلك يدل على خطأ الدين لا على خطأ الفلسفة، حيث يقول:-
كقولهم خسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب
ويقول بعد استعراضه لكيفية حدوث كسوف الشمس في فلسفة الطبيعيات:
وأن هذه الأمور يقوم عليها براهين هندسية حسابية لا يبقى معها ريبة فمن يطلع إليها ويحقق أدلتها حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوف وقدرهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء إذا قيل له أن هذا على خلاف الشرع لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع
ثم يقول:
وأعظم ما يفرح به الملحد أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا وأمثاله على خلاف الشرع فيسهل عليه طريق إبطال الشرع.. انتهى كلام الغزالي
قلت
هكذا أسس الغزالي بعد دراسته للفلسفة من اجل نقدها فكرا جديدا يقوم على دراسة الفلسفة والتأكد مما هو يقيني وعدم نقده وإلا ألحق ذلك الضرر بالدين وكان دليلا قطعيا على بطلان الدين ومخالفته لليقينيات من الفلسفة والعلم، هذا الفكر الذي تبعه ابن حزم أيضا وزاد عليه بمحاولة إيجاد شيء من نصوص القرآن لتكون دالة على كروية الأرض بل ثم ابن تيمية وتلامذته وغيرهم، كما تبعه كثير من الأشاعرة واشتغلوا بالمنطق ودرسوا الفلسفة
ولا بأس من نقل بعض أقوال الرازي حيث تقدم علم الفلك في وقته وقد درس الفلسفة والفلك أيضا فصرح بأن المسألة ثبتت بالدلائل ولا يمكن رفضها حيث قال في تفسيره
ثبت بالدلائل أن الأرض كرة، فكيف يمكن المكابرة فيه؟
كما قال في عدم إمكان غروب الشمس في العين الحمئة (كان الذي يقال: إنها تغيب في الطين والحمئة كلاماً على خلاف اليقين وكلام الله تعالى مبرأ عن هذه التهمة، فلم يبق إلا أن يصار إلى التأويل الذي ذكرناه
وهذه الأقوال تبين بصراحة منهجه في تجاوز النصوص بتأويلها لئلا يحدث تصادم مع الدين
وهكذا أسس علماء المسلمين قاعدة جديدة في التفسير لمن أتى بعدهم فقالوا (إنْ تعارض ظاهر النص مع صريح العقل وجب تأويل النص وصرفه عن ظاهره) حيث كان هذا بديلا ناجعا عن التصريح بأن القرآن اخطأ أو أن السنة المتواترة أخطأت في هذا النص أو ذاك، هذا المنهج في التفكير بدأه المعتزلة وطبقوه على نطاق واسع شمل الذات الإلهية والصفات واضطـُهدوا بسبب ذلك من قبل أهل السنة الذين تعلموا فيما بعد ذلك المنهج وطبقوه على نطاق محدود لم يتعد إلى الذات والصفات بل في اختلاف الدين مع العلوم كما في موضوعنا هذا وغيره الكثير، كان ذلك كله بعد إن أكد لهم الغزالي وغيره قطعية ما توصلت إليه فلسفة الطبيعيات في كثير من الأمور فأولوا النصوص القرآنية المتعارضة مع العلم مع استمرارهم في ذم المعتزلة والفلاسفة وإنكار فضل فكرهم على المسلمين والذي كان سيطور دولهم لو كان قد استمر ولم يضطهد أتباعه على أيدي المتدينين التقليديين من المذاهب الأخرى الذين ما زالوا يلعنوهم حتى يومنا هذا
ولنأت الآن إلى أبي الوفاء المتوفى سنة 513هـ فهو معاصر للغزالي
تذكر موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة نقلا عن ابن الجوزي في مقدمة كتاب المنتظم:-
اقتباس
قال أبو الوفاء بن عقيل: الأرض على هيئة الكرة على تدوير الفلك، موضعه في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة، والنسيم يحيط بها كالبياض من البيضة حول المحّة، والفلك يحيط بالنسيم كإحاطة القشرة البيضاء بالبياض المحيط بالمحة، والأرض مقسومة نصفين بينهما خط الاستواء، وهو من المشرق إلى المغرب، وهو طول الأرض، وهو أكبر خط في كرة الأرض كما أن منطقة البروج أكبر خط في الفلك، وعرض الأرض من القطب الجنوبي الذي تدور حوله بنات نعش. واستدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة
المصدر
لكن من هو أبو الوفاء ابن عقيل؟
أبو الوفاء ولد سنة 431هـ وتوفي سنة 513هـ ولنرَ من هو هذا الشخص الذي يتباهى به أهل الموسوعة هذه:
انه ابن عقيل الإمام العلامة البحر ، شيخ الحنابلة أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري ، الحنبلي المتكلم ، صاحب التصانيف ، كان يسكن الظفرية ومسجده بها مشهور
أخذ علم العقليات عن شيخي الاعتزال أبي علي بن الوليد ، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبي الحسين البصري ، فانحرف عن السنة
قال أبو الوفاء: وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء ، وكان ذلك يحرمني علما نافعا
قال ابن الجوزي: كانوا ينهونه عن مجالسة المعتزلة ، ويأبى حتى وقع في حبائلهم ، وتجسر على تأويل النصوص ، نسأل الله السلامة
وفي " تاريخ ابن الأثير " قال : كان قد اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته على ابن الوليد ، فأراد الحنابلة قتله ، فاستجار بباب المراتب عدة سنين ، ثم أظهر التوبة
وقال ابن عقيل في " الفنون " : الأصلح لاعتقاد العوام ظواهر الآي ، لأنهم يأنسون بالإثبات ، فمتى محونا ذلك من قلوبهم ، زالت الحشمة
المصدر
قلت: بالتأكيد إن من يدرس علم العقليات على أيدي عقلاء المعتزلة لا بد أن ينحرف عن السنة إذ لا يمكن الجمع بينهما، إذ إن من يَضِل عن طريق العمى يـُبصر
وهكذا نرى كيف أن من يدعون بالمنحرفين عن السنة والمطلوبين للقتل في تأريخ هذه الأمة بسبب دراستهم للعلوم العقلية عند المعتزلة، تلك العلوم التي عرفوا بها كروية الأرض وغيرها من علوم الفلك التي نرى اليوم أهل السنة يتباهون بمعرفتهم بها في موسوعة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في الوقت الذي يضللونهم في كتب أخرى لدراستهم تلك العلوم، وصدق من قال إذا لم تستح فافعل ماشئت
وبالنسبة للغزالي ففي الوقت الذي أذكر له اعترافه بقطعية صحة فلسفة الطبيعيات في كثير مما ذكـَرَته وهو الشيء الذي لم تقدر عليه الكنيسة في أوربا بعده بما يقارب أربعة قرون، فإنني ألومه أشد اللوم على عدم حثه الناس على دراسة الفلسفة التي علمته هذه الحقائق بل اختار عوضا عن ذلك تكفير الفلاسفة وتحريم دراسة علم الكلام والفلسفة على عوام الناس حيث ألف كتاب (إلجام العوام عن علم الكلام) وذلك حفاظا على إيمانهم بعد إن علم مدى شك الإنسان بالدين عند دراسته علم الكلام والفلسفة ومعرفة مدى صعوبة التوفيق بينها وبين الدين
كان هذا بيانا لحقيقة ما ذكره القرآن مما ينافي كروية الأرض وتحقيقا للأدلة المزعومة على كرويتها من القرآن وعن نسبة علماء المسلمين ما تعلموه من علوم الفلسفة اليونانية إلى نصوص القرآن وذلك عند دراستهم للفلسفة من اجل نقدها فتأثروا بكثير مما ذكرته بعد اطلاعهم على حقائق دامغة فيها فحاولوا التوفيق بينها وبين الدين ثم بدءوا يحاولون إيجاد ما قد يدل عليه من القرآن حتى تطور هذا الفن من التدليس إلى ما يسمى اليوم بالإعجاز العلمي في القرآن والسن