في واقعة نادرة، احتكم ضباط فلسطينيون من حركة فتح وأعضاء قبيلة في سيناء إلى القضاء العرفي بمدينة العريش لإنهاء خلاف أدى إلى معركة استخدمت فيها العصي وتم التراشق خلالها بالحجارة والزجاجات الفارغة وأطلقت الأعيرة النارية في الهواء، مما أسفر عن إصابة اثنين من أبناء قبيلة «الفواخرية»، وانتهت الجلسة العرفية التي عقدت ليل الجمعة بإجبار ضباط من فتح كانوا يقيمون في العريش، على دفع غرامة مالية مخففة، حيث راعت المحكمة العرفية الظروف التي يمر بها الفلسطينيون، مؤكدة أن الأفعال التي قاموا بها كانت تستحق إجبارهم على دفع مبلغ يفوق المبلغ المحكوم به عشرة أضعاف.
جرت أحداث هذه القضية بمدينة العريش أيام عيد الأضحى المبارك الماضي حينما تعدى أحد المراهقين من أبناء ضباط فتح المقيمين بالعريش على فتاة من قبيلة «الفواخرية»، مما أدى إلى نشوب معركة بالطوب والحجارة بين أهالي الطرفين، ونتج عن ذلك إصابة شاب من قبيلة «الفواخرية» في رأسه وتم نقله إلى «مستشفى العريش العام»، وكاد ذلك يؤدي إلى صراع طويل لولا تدخل مشايخ قبيلة «الفواخرية» وعقلائها وأطراف فلسطينية، وارتضى الجميع الاحتكام إلى القضاء العرفي في أقرب وقت.
وطبقا للتقاليد، تم عقد الجلسة العرفية بعد ارتضاء الطرفين بما سيسفر عنه حكم القضاء العرفي. وعقدت الجلسة بديوان يحيى الغول، وهو من أشهر القضاة العرفيين في سيناء، وبحضور أهل المجني عليهما من قبيلة «الفواخرية»، وعلى رأسهم عبد الحميد سلمى، عضو مجلس الشورى بمحافظة شمال سيناء، وبعض أهالي الجناة من الفلسطينيين، إلى جانب عدد من القضاة العرفيين ومشايخ ووجهاء وكبار الطرفين.
وبدأ القاضي يحيى الغول جلسة التقاضي بطلب تحديد كفيل لكلا الطرفين، وهو الشخص الذي يقع على عاتقه سداد الحق الذي يعاقب به الطرف الذي كفله خلال المدة المحددة ودون تأخير، وقد تكفل أحد كبار قبيلة «الفواخرية» من طرف قبيلته، إلا أنه لم يتقدم أحد ليكفل الطرف الفلسطيني، فأعلن أحد كبار قبيلة «الفواخرية» موافقته على أن يكفل الفلسطينيين بنفسه.
واستهل القاضي العرفي يحيى الغول الجلسة بقوله: «إننا نقدر الظروف التي يمر بها إخواننا الفلسطينيون ولا نفرق بينهم.. فالفلسطينيون إخوة أعزاء لنا، ويرتبط البعض منا بعلاقات مصاهرة معهم، ولن نبخسهم حقهم أو نجور عليهم في الحكم، وسنعطي كل ذي حق حقه طبقا للقضاء العرفي النزيه، وأنه إذا كان بعض الفلسطينيين قد ارتكبوا خطأ في حق أبناء قبيلة (الفواخرية) يعاقبهم عليه القانون العرفي، فلن نستخدم معهم الغلظة، وسنتساهل معهم إلى أقصى حد نظرا لظروفهم».
ثم بدأت مراسم الجلسة باستماع القاضي العرفي إلى أسباب الخلاف، وما حدث من الطرفين وأدى إلى المشاجرة.
وبعد الاستماع إلى الطرفين حدد القاضي العرفي ثلاث نقاط تستوجب الحق عنها لصالح قبيلة «الفواخرية»، وهي تعدي صبي فلسطيني على فتاة من قبيلة «الفواخرية» بالأيدي، وإصابة شاب من قبيلة «الفواخرية» في رأسه نتيجة تبادل قذف الطوب والحجارة والزجاجات الفارغة.. مما أدى إلى احتجازه لمدة ثلاثة أيام في «مستشفى العريش العام»، وتلفظ أحد الفلسطينيين بألفاظ غير لائقة تجاه قبيلة «الفواخرية». وقد حاول كبير الفلسطينيين إثبات أن الفلسطيني الذي تعدى بالأيدي على الفتاة هو صبي غير متزن عقليا، فطلب منه القاضي تقديم شهادة تثبت صحة كلامه بذلك، ولكنه عجز عن تقديم هذا الإثبات، وهنا أصبح الحق مكتسبا لقبيلة «الفواخرية».
وفي نهاية الجلسة أعلن القاضي العرفي الحكم متمثلا في إلزام الفلسطينيين برفع راية بيضاء طولها متر في متر على منزل الفتاة التي تعرضت للاعتداء بالأيدي، وتحديد أحد وجهاء مدينة العريش لرفعها، وإلزام الفلسطينيين بغرامة قدرها خمسون ألف جنيه للشاب المصاب.
وأوضح القاضي العرفي أن مثل هذه الأفعال كانت تستوجب تغريم مرتكبيها أكثر من خمسمائة ألف جنيه، إلا أنه تم تخفيض الغرامة مراعاة لظروف الإخوة الفلسطينيين.
وكما جرى العرف، فقد طلب القاضي والحاضرون عمل «جاهة» (كرامة) لهم، وذلك بالتنازل عن جزء من المبلغ المستحق، فتنازلت أسرة الشاب المصاب عن مبلغ ثلاثين ألف جنيه تكريما للقاضي والحاضرين، ليصبح المبلغ المتبقي عشرين ألف جنيه، واجب السداد.