تحركت عقارب الساعة فى هدوء .. و قد مر الوقت و ازداد القلق بداخلى .. نظرت الى صورتى بالمرآة .. انظر الى تلك الملابس الأنيقة التى ارتديها للمرة الأولى بحياتى .. و افتخر بنفسى و أناقتى فى تلك الثياب ..
حتى جاء الوقت المناسب الذى انتظره .. و قد غادرت منزلى متجها الى ذلك العنوان المكتوب فى إحدى الوريقات المتواجدة معى ..
***
وصلت الى وجهتى بصعوبة .. إنها حارة صغيرة , ذات شورع ضيقة و متشابهة .. لكن هذا لم يمنعنى من الاستمرار فى طريقى .. و واصلت بحثى عن ذلك البيت الذى أقصده .. حتى اقتربت منه بعدما لاحظت اهتمام سكان تلك الحارة بوجودى ..
شعرت بتلك النظرات التى تحدق بى .. و تلك النساء التى تقف بالشرفات و تشير الىّ .. و تهمس الى بعضها البعض .. حتى قابلتنى طفلة صغيرة .. فسألتها و أنا أشير الى إحدى البيوت :
- هو ده بيت الحاج سعد ؟ لم تجيبنى الطفلة .. و انما سألتنى فى سعادة :
- أنت عريس أختى فاطمة ؟
أومات برأسى .. و قد اصطحبتنى تلك الطفلة الى البيت .. و تجرى أمامى و تصرخ بصوتها الرفيع أننى قد وصلت .. بعدها سمعت كما هائلا من الزغاريد .. و قد زادت دهشتى أكثر حين دخلت الشقة و وجدت ذلك العدد الكبير من الرجال و النساء بالداخل ..
***
جلست و الجميع يحدق بى .. و تزداد دقات قلبى , و العرق يتصبب منى , و وجهى يزداد حمرة .. حتى قطع صمتى ذلك الرجل العجوز الحاج سعد :
- أهلا بك يا استاذ ..
- أهلا بك يا عمى ..
بعدها صمتّ مرة أخرى حتى شعرت بالقلق يتسرب إليه .. فقطعت صمتى .. و تنحنحت :
- أنا جاى أطلب ايد الآنسة فاطمة ..
لم أكمل حديثى حتى انطلقت الزغاريد مرة أخرى .. ءأنتم منتظرون تلك الجملة .. و ما تلك الزغاريد على غير العادة .. إننى لم أفعل شيئا سوى طلب الزواج .. حتى قطع تفكيرى الحاج سعد :
- و أنت حضرتك اسمك أيه , و بتشتغل أيه , و تعرفها منين ؟
- أنا اسمى عمرو .. طبيب .. و عرفت فاطمة بالصدفة .. و سألت عنكم و عرفت كل خير ..
صمت الرجل مجدد .. و أنا أدرك مدى سعادته التى ظهرت بعينيه .. و قد أكملنا ذلك الحديث التقليدى الذى يتواجد عند كل طلب للزواج ..
- أنا يابنى معنديش مانع .. بس زى ما أنت عارف .. لازم ناخد رأى العروسة ..
ابتسمت , فقد كان هذا ما انتظره منذ قدومى اليهم .. بعدها قامت زوجته و اتجهت الى إحدى غرف الشقة .. و أنا انتظر بفارغ الصبر .. و من ينظر الىّ يشعر بمدى ثقتى من معرفة الرد قبل قدوم أم العروس لتخبرنا به .. حتى جاءت أم العروس و همست الى الحاج سعد .. بعدها ابتسم و نظر الى :ّ
- يا دكتور عمرو .. مبروك .. العروسة موافقة ..
" ماذا .. ما هذا .. لم يكن ذلك الرد الذى انتظره ... اتلك خيانة ؟!! " قالتها نفسى فى صدمة .. بعدما توقف عقلى عن التفكير .. و عدتّ بذاكرتى الى أيام مضت ..
- أنتى زعلانة ليه يا فاطمة ؟
- نفس مشكلة كل يوم .. خلاص مش قادرة استحمل .. نظرات أهلى و الناس ليا بتقتلنى ..
- نظرات أيه ؟
- أنت عارف إن كل البنات اللى فى سنى اتجوزا .. حتى اللى متجوزتش بيتقدم لها بدل العريس عشرة .. و هما اللى بيرفضو .. أما أنا مفيش واحد حتى اتقدم .. و الناس بدأت تتكلم .. و نظرات أهلى مش مريحانى .. خلاص مش قادرة استحمل ..
- أنتى عارفة إن الجواز قسمة و نصيب ..
- عارفة بس أهلى مش مقدرين .. و كل يوم بتحصل مشكلة بين أهلى و الجيران بسبب الموضوع ده ..
تذكرت نفسى حينما صمتّ و مكثت أفكر .. و قد خطرت لى تلك الفكرة :
-فاطمة .. أنتى أوفى صديقة لى .. و انتى الوحيدة اللى بقدر أحكى لها كل أسرارى و أنا مطمن .. علشان كدة أنا عندى فكرة ..
-فكرة أيه ؟
-هى مشكلتك إن مفيش عرسان بيتقدموا .. و أهلك زعلانين من كدة ؟
-اه
-بسيطة .. أنا هتقدم لك .. و ترفضى لأى سبب .. و كدة يبقى الموضوع اتحل .. و انتى اللى بترفضى العرسان .. و خصوصا إن أهلك مش عارفينى ..
قطع تذكرى الحاج سعد .. و سألنى هل تناسيت نفسى من الفرحة .. أما ماذا .. فنظرت اليه .. و أفكر ماذا أفعل فى ذلك المازق الذى لم يكن فى بالحسبان .. هل أخبرهم الحقيقة و أنجو بنفسى .. و أخونها كما خانتنى .. و لكن كيف أخونها .. و أسبب لها أكبر جرح بحياتها و أكون السبب به .. و هى أقرب اصدقائى .. ماذا أفعل هل أرضى بالأمر و اتزوجها .. لكن كيف اتزوجها و هناك أخرى تنتظرنى لزواج حقيقى .. و فاطمة لا أشعر نحوها سوى شعور الصداقة .. إنه أصعب اختيار بحياتى ..
***
بدأ الصراع يشتد بداخلى , و وصل الى ذروته .. و اتفقد عواقب قرارى الذى سأتخذه .. حتى استقر تفكيرى , و نظرت الى الحاج سعد .. و اضطررت الى الكذب :
- أنا نسيت أقول لحضرتك إنى مقاطع أهلى .. و مطرود من البيت ..
نظر الىّ مبتسما :
- و لا يهمك يا دكتور .. تقعدوا معانا .. البيت كبير ..
باءت تلك المحاولة بالفشل كى يعيد تفكيره مرة أخرى .. و يرفض طلب زواجى .. فواصلت كذبى :
- أنا كمان قدمت استقالتى من الشغل .. لأنى مش مرتاح فيه .. و لسة بفكر اشتغل حاجة جديدة ..
ابتسم :
- سيب الموضوع ده عليا .. أنا أعرف كتير عندهم شغل لك محترم ..
فشلت تلك المحاولة أيضا و فشلت كل محاولاتى .. و أيقنت أنهم لن يعدلوا عن قرارهم بأى حال من الأحوال .. حتى طلبت أن اتحدث الى فاطمة بمفردنا .. و قد وافق ..
***
دخلت فاطمة .. و لم يتواجد سوانا بالغرفة مفتوحة الباب .. و قد تساقطت دموعها دون أن تتحدث فنظرتّ اليها :
- ليه يا فاطمة عملتى كدة ؟!!
- أنا آسفة يا عمرو .. مش عارفة ليه لما دخلت أمى .. نسيت كل حاجة .. و وافقت ..
- وافقتى ليه ؟!
صمتت قليلا .. و مازالت الدموع بعينيها ثم بدأت تتحدث :
- لما قلت لهم إن فيه عريس هيجى .. حسيت أد أيه الفرحة فى عنيهم .. و فجأة لقيت ماما عرّفت كل الجيران و اللى نعرفهم .. و مع كدة قلت أنى هنفذ اللى اتفقنا عليه .. بس فجأة حبيت انى أكمّل فرحتهم .. و وافقت لما دخلت ماما تعرف رأيى ..
- بس أنتى عارفة أننا أصدقاء و بس .. و عارفة انى مرتبط بانسانة تانية .. و متفقين على الجواز ..
صمتت فاطمة مرة أخرى و نظرت الىّ بعدها :
- عمرو .. أنا مش هقدر أقول دلوقت انى مش موافقة .. لأنهم لو حسوا اننا بنضحك عليهم ممكن يقتلونا .. ثم بدأت فى البكاء :
- دوّر على أى سبب قوله لبابا .. خلّيه هو يرفضك .. و كأن محصلش حاجة .. و أنا اسفة بجد ..
لم استطع إخبارها أننى قد أختلقت أعذارا لوالدها بالفعل كى أجعله يعيد تفكيره و يرفض طلبى .. حتى دخلت علينا إحدى صديقاتها المقربات و قالت لفاطمة فى دعابة :
- اليوم ده يتكتب لكى فى التاريخ ..
- ليه ؟ .. هو أنا أول واحدة يتقدم لها عريس ؟!
- لا .. أول واحدة يتقدم لها عريسين فى يوم واحد ..
نطقنا أنا و فاطمة فى صوت واحد :
- عريسين !!!!!
أكملت صديقتها و حدثتنى :
- بصراحة أنا مكنتش أعرف انك اتقدمت لـ فاطمة .. و كان فى شاب معجب بيها جدا .. و طلب منى أنه يجى معايا يتقدم لـ فاطمة .. و لبس بدلة بيضة جميلة جدا .. بس لما وصلنا و عرفنا إن فيه عريس .. زعل جدا و رجع ..
سألتها فى لهفة :
- هو مشى أمتى ؟
- لسة حالا .. زمانه لسة فى الحارة ..
هنا أمسكت بيد فاطمة .. و انطلقت بها مسرعا الى الخارج .. حتى سألنى والدها متعجبا :
- أنت واخد فاطمة و رايح فين ؟!!
أجبته فى سعادة بالغة :
- فيه عريس جاى لبنتك يا حاج .. و لازم نلحقه ..
قلت تلك الجملة .. و لم أعيره انتباه بعدها .. و انطلقت مع فاطمة نبحث عن ذلك العريس .. أسرع فى البحث كى أحقق حلم صديقتى .. أسرع ممسكا بيدها .. نجرى و نطوى شوارع الحارة بأقدامنا .. تبحث عينانا عن صاحب البزة البيضاء .. نجرى و تزداد سرعة انفاسنا و قلوبنا تنتفض بقوة .. و أهل فاطمة يحاولون اللحاق بنا .. و لايعلمون الى أين نذهب .. و نسأل من نقابلهم عن صاحب البزة البيضاء .. أين ذلك العريس ..
***
بحثنا فى كل مكان و لم نجده .. حتى نظرت الىّ فاطمة و قد حل الإجهاد عليها .. و ابتسمت ابتسامة ساخرة :
- عرفت نصيبى عامل ازاى ؟ ..
لم أجيبها و فضلت السكوت .. و قد أيقنت أن زواجى منها هو قدرى بعدما ضاع أملى فى العثور على ذلك العريس .. و سألت نفسى هل كنت ابحث عن عريسها حبا لها , و إرادة السعادة الدائمة لها .. أم كى أنجو بنفسى من زواجها .. بعدها بدأ الصراع يشتد بداخلى
- لماذا لا أكون أنا من يتزوجها ؟!!
- ماذا ينقصها عن غيرها ؟!! حتى ابتسمتّ و نظرتّ اليها :
- فاطمة .. أنا عاوز اتجوزك فعلا ..
لم أكمل حديثى حتى أبعدتنى عنها ضربة قوية من الخلف .. ففوجئت بأنها من أبيها الذى نظر الىّ فى غضب :
- أبعد عن بنتى يا مجنون .. على آخر الزمن أجوّز بنتى لمجنون .. طلبك مرفوض ..
لم تحزننى تلك الكلمات بقدر ما اسعدتنى كلماته لـ فاطمة حين نظر اليها فى عطف .. و أخبرها بأنها جوهرته الثمينة .. و لن يعطيها الا لمن يستحقها .. و سيظل معها فى انتظار نصيبها ..
بعدها عدت الى بيتى من جديد .. و جلست أفكر كثيرا فيما حدث .. حتى أمسكت بهاتفى الخلوى .. و أرسلت اليها رسالة قصيرة كتبت فيها :
حتى جاء الوقت المناسب الذى انتظره .. و قد غادرت منزلى متجها الى ذلك العنوان المكتوب فى إحدى الوريقات المتواجدة معى ..
***
وصلت الى وجهتى بصعوبة .. إنها حارة صغيرة , ذات شورع ضيقة و متشابهة .. لكن هذا لم يمنعنى من الاستمرار فى طريقى .. و واصلت بحثى عن ذلك البيت الذى أقصده .. حتى اقتربت منه بعدما لاحظت اهتمام سكان تلك الحارة بوجودى ..
شعرت بتلك النظرات التى تحدق بى .. و تلك النساء التى تقف بالشرفات و تشير الىّ .. و تهمس الى بعضها البعض .. حتى قابلتنى طفلة صغيرة .. فسألتها و أنا أشير الى إحدى البيوت :
- هو ده بيت الحاج سعد ؟ لم تجيبنى الطفلة .. و انما سألتنى فى سعادة :
- أنت عريس أختى فاطمة ؟
أومات برأسى .. و قد اصطحبتنى تلك الطفلة الى البيت .. و تجرى أمامى و تصرخ بصوتها الرفيع أننى قد وصلت .. بعدها سمعت كما هائلا من الزغاريد .. و قد زادت دهشتى أكثر حين دخلت الشقة و وجدت ذلك العدد الكبير من الرجال و النساء بالداخل ..
***
جلست و الجميع يحدق بى .. و تزداد دقات قلبى , و العرق يتصبب منى , و وجهى يزداد حمرة .. حتى قطع صمتى ذلك الرجل العجوز الحاج سعد :
- أهلا بك يا استاذ ..
- أهلا بك يا عمى ..
بعدها صمتّ مرة أخرى حتى شعرت بالقلق يتسرب إليه .. فقطعت صمتى .. و تنحنحت :
- أنا جاى أطلب ايد الآنسة فاطمة ..
لم أكمل حديثى حتى انطلقت الزغاريد مرة أخرى .. ءأنتم منتظرون تلك الجملة .. و ما تلك الزغاريد على غير العادة .. إننى لم أفعل شيئا سوى طلب الزواج .. حتى قطع تفكيرى الحاج سعد :
- و أنت حضرتك اسمك أيه , و بتشتغل أيه , و تعرفها منين ؟
- أنا اسمى عمرو .. طبيب .. و عرفت فاطمة بالصدفة .. و سألت عنكم و عرفت كل خير ..
صمت الرجل مجدد .. و أنا أدرك مدى سعادته التى ظهرت بعينيه .. و قد أكملنا ذلك الحديث التقليدى الذى يتواجد عند كل طلب للزواج ..
- أنا يابنى معنديش مانع .. بس زى ما أنت عارف .. لازم ناخد رأى العروسة ..
ابتسمت , فقد كان هذا ما انتظره منذ قدومى اليهم .. بعدها قامت زوجته و اتجهت الى إحدى غرف الشقة .. و أنا انتظر بفارغ الصبر .. و من ينظر الىّ يشعر بمدى ثقتى من معرفة الرد قبل قدوم أم العروس لتخبرنا به .. حتى جاءت أم العروس و همست الى الحاج سعد .. بعدها ابتسم و نظر الى :ّ
- يا دكتور عمرو .. مبروك .. العروسة موافقة ..
" ماذا .. ما هذا .. لم يكن ذلك الرد الذى انتظره ... اتلك خيانة ؟!! " قالتها نفسى فى صدمة .. بعدما توقف عقلى عن التفكير .. و عدتّ بذاكرتى الى أيام مضت ..
- أنتى زعلانة ليه يا فاطمة ؟
- نفس مشكلة كل يوم .. خلاص مش قادرة استحمل .. نظرات أهلى و الناس ليا بتقتلنى ..
- نظرات أيه ؟
- أنت عارف إن كل البنات اللى فى سنى اتجوزا .. حتى اللى متجوزتش بيتقدم لها بدل العريس عشرة .. و هما اللى بيرفضو .. أما أنا مفيش واحد حتى اتقدم .. و الناس بدأت تتكلم .. و نظرات أهلى مش مريحانى .. خلاص مش قادرة استحمل ..
- أنتى عارفة إن الجواز قسمة و نصيب ..
- عارفة بس أهلى مش مقدرين .. و كل يوم بتحصل مشكلة بين أهلى و الجيران بسبب الموضوع ده ..
تذكرت نفسى حينما صمتّ و مكثت أفكر .. و قد خطرت لى تلك الفكرة :
-فاطمة .. أنتى أوفى صديقة لى .. و انتى الوحيدة اللى بقدر أحكى لها كل أسرارى و أنا مطمن .. علشان كدة أنا عندى فكرة ..
-فكرة أيه ؟
-هى مشكلتك إن مفيش عرسان بيتقدموا .. و أهلك زعلانين من كدة ؟
-اه
-بسيطة .. أنا هتقدم لك .. و ترفضى لأى سبب .. و كدة يبقى الموضوع اتحل .. و انتى اللى بترفضى العرسان .. و خصوصا إن أهلك مش عارفينى ..
قطع تذكرى الحاج سعد .. و سألنى هل تناسيت نفسى من الفرحة .. أما ماذا .. فنظرت اليه .. و أفكر ماذا أفعل فى ذلك المازق الذى لم يكن فى بالحسبان .. هل أخبرهم الحقيقة و أنجو بنفسى .. و أخونها كما خانتنى .. و لكن كيف أخونها .. و أسبب لها أكبر جرح بحياتها و أكون السبب به .. و هى أقرب اصدقائى .. ماذا أفعل هل أرضى بالأمر و اتزوجها .. لكن كيف اتزوجها و هناك أخرى تنتظرنى لزواج حقيقى .. و فاطمة لا أشعر نحوها سوى شعور الصداقة .. إنه أصعب اختيار بحياتى ..
***
بدأ الصراع يشتد بداخلى , و وصل الى ذروته .. و اتفقد عواقب قرارى الذى سأتخذه .. حتى استقر تفكيرى , و نظرت الى الحاج سعد .. و اضطررت الى الكذب :
- أنا نسيت أقول لحضرتك إنى مقاطع أهلى .. و مطرود من البيت ..
نظر الىّ مبتسما :
- و لا يهمك يا دكتور .. تقعدوا معانا .. البيت كبير ..
باءت تلك المحاولة بالفشل كى يعيد تفكيره مرة أخرى .. و يرفض طلب زواجى .. فواصلت كذبى :
- أنا كمان قدمت استقالتى من الشغل .. لأنى مش مرتاح فيه .. و لسة بفكر اشتغل حاجة جديدة ..
ابتسم :
- سيب الموضوع ده عليا .. أنا أعرف كتير عندهم شغل لك محترم ..
فشلت تلك المحاولة أيضا و فشلت كل محاولاتى .. و أيقنت أنهم لن يعدلوا عن قرارهم بأى حال من الأحوال .. حتى طلبت أن اتحدث الى فاطمة بمفردنا .. و قد وافق ..
***
دخلت فاطمة .. و لم يتواجد سوانا بالغرفة مفتوحة الباب .. و قد تساقطت دموعها دون أن تتحدث فنظرتّ اليها :
- ليه يا فاطمة عملتى كدة ؟!!
- أنا آسفة يا عمرو .. مش عارفة ليه لما دخلت أمى .. نسيت كل حاجة .. و وافقت ..
- وافقتى ليه ؟!
صمتت قليلا .. و مازالت الدموع بعينيها ثم بدأت تتحدث :
- لما قلت لهم إن فيه عريس هيجى .. حسيت أد أيه الفرحة فى عنيهم .. و فجأة لقيت ماما عرّفت كل الجيران و اللى نعرفهم .. و مع كدة قلت أنى هنفذ اللى اتفقنا عليه .. بس فجأة حبيت انى أكمّل فرحتهم .. و وافقت لما دخلت ماما تعرف رأيى ..
- بس أنتى عارفة أننا أصدقاء و بس .. و عارفة انى مرتبط بانسانة تانية .. و متفقين على الجواز ..
صمتت فاطمة مرة أخرى و نظرت الىّ بعدها :
- عمرو .. أنا مش هقدر أقول دلوقت انى مش موافقة .. لأنهم لو حسوا اننا بنضحك عليهم ممكن يقتلونا .. ثم بدأت فى البكاء :
- دوّر على أى سبب قوله لبابا .. خلّيه هو يرفضك .. و كأن محصلش حاجة .. و أنا اسفة بجد ..
لم استطع إخبارها أننى قد أختلقت أعذارا لوالدها بالفعل كى أجعله يعيد تفكيره و يرفض طلبى .. حتى دخلت علينا إحدى صديقاتها المقربات و قالت لفاطمة فى دعابة :
- اليوم ده يتكتب لكى فى التاريخ ..
- ليه ؟ .. هو أنا أول واحدة يتقدم لها عريس ؟!
- لا .. أول واحدة يتقدم لها عريسين فى يوم واحد ..
نطقنا أنا و فاطمة فى صوت واحد :
- عريسين !!!!!
أكملت صديقتها و حدثتنى :
- بصراحة أنا مكنتش أعرف انك اتقدمت لـ فاطمة .. و كان فى شاب معجب بيها جدا .. و طلب منى أنه يجى معايا يتقدم لـ فاطمة .. و لبس بدلة بيضة جميلة جدا .. بس لما وصلنا و عرفنا إن فيه عريس .. زعل جدا و رجع ..
سألتها فى لهفة :
- هو مشى أمتى ؟
- لسة حالا .. زمانه لسة فى الحارة ..
هنا أمسكت بيد فاطمة .. و انطلقت بها مسرعا الى الخارج .. حتى سألنى والدها متعجبا :
- أنت واخد فاطمة و رايح فين ؟!!
أجبته فى سعادة بالغة :
- فيه عريس جاى لبنتك يا حاج .. و لازم نلحقه ..
قلت تلك الجملة .. و لم أعيره انتباه بعدها .. و انطلقت مع فاطمة نبحث عن ذلك العريس .. أسرع فى البحث كى أحقق حلم صديقتى .. أسرع ممسكا بيدها .. نجرى و نطوى شوارع الحارة بأقدامنا .. تبحث عينانا عن صاحب البزة البيضاء .. نجرى و تزداد سرعة انفاسنا و قلوبنا تنتفض بقوة .. و أهل فاطمة يحاولون اللحاق بنا .. و لايعلمون الى أين نذهب .. و نسأل من نقابلهم عن صاحب البزة البيضاء .. أين ذلك العريس ..
***
بحثنا فى كل مكان و لم نجده .. حتى نظرت الىّ فاطمة و قد حل الإجهاد عليها .. و ابتسمت ابتسامة ساخرة :
- عرفت نصيبى عامل ازاى ؟ ..
لم أجيبها و فضلت السكوت .. و قد أيقنت أن زواجى منها هو قدرى بعدما ضاع أملى فى العثور على ذلك العريس .. و سألت نفسى هل كنت ابحث عن عريسها حبا لها , و إرادة السعادة الدائمة لها .. أم كى أنجو بنفسى من زواجها .. بعدها بدأ الصراع يشتد بداخلى
- لماذا لا أكون أنا من يتزوجها ؟!!
- ماذا ينقصها عن غيرها ؟!! حتى ابتسمتّ و نظرتّ اليها :
- فاطمة .. أنا عاوز اتجوزك فعلا ..
لم أكمل حديثى حتى أبعدتنى عنها ضربة قوية من الخلف .. ففوجئت بأنها من أبيها الذى نظر الىّ فى غضب :
- أبعد عن بنتى يا مجنون .. على آخر الزمن أجوّز بنتى لمجنون .. طلبك مرفوض ..
لم تحزننى تلك الكلمات بقدر ما اسعدتنى كلماته لـ فاطمة حين نظر اليها فى عطف .. و أخبرها بأنها جوهرته الثمينة .. و لن يعطيها الا لمن يستحقها .. و سيظل معها فى انتظار نصيبها ..
بعدها عدت الى بيتى من جديد .. و جلست أفكر كثيرا فيما حدث .. حتى أمسكت بهاتفى الخلوى .. و أرسلت اليها رسالة قصيرة كتبت فيها :
ستظلين دائما و أبدا صديقتى الوفية .. و سأنتظر معكى أيضا نصيبك .. و أظنه سيأتى قريبا .. فى القريب العاجل ..
توقيعى : أنا .. عريس الهنا ..
توقيعى : أنا .. عريس الهنا ..