أول مرة اقتنعت أو أقنعت نفسي وجوارحي بإمكانية أي شخص على إنشاء مشروعه الخاص كانت في السنة الجامعية الاخيرة وبدأت فعلياً بعدها بخمس سنوات!! وقبل هذه القناعة كنت على يقين أن الوظيفة هي مستقبل العامة والتجارة هي مستقبل أبناء الهوامير (مصطلح خليجي يشير إلى المكانة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالية). ياترى ما الذي أخرني للوصول لهذه القناعة .. ؟ قد تكون سياسة القطيع التي يتم توارثها في الأسر والمدارس والمرتكزة على أنك لا تستطيع أو لست مؤهلاً كفاية لتقوم بذلك، ومن أين لك كل هذه الأموال لتبدأ مشروعك؟؟!! . وربما الفلسفة، لا أقصد علم الفلسفة ولكن فلسفة الأعمال وعنها سأتحدث.
لن أخوض في شؤون الفلاسفة لأني لا أعرف ما هي الفلسفة كعلم – إن كانت كذلك- ولكن الفلسفة التي أعرفها في عالم الاعمال (البزنس) هي مزيج من:
* الخوف من المجهول.
* التسويف.
* المبالغة في تخيل عالم الاعمال وأنه بحر عميق لايرحم الضعفاء ويأكل الكبير فيه الصغير.. الخ.
* المعتقدات السائدة بالرضا بالنصيب وعدم الجري خلف المال.
* المال مصدر للجشع والطمع وتدمير الحياة الأسرية.
* مازلت صغيراً على عالم الأعمال.
* أصبحت كبيراً ومشغولاً بالعائلة والأولاد.
* التعلل بعدم وجود الفكرة.
* التعلل بعدم وجود المال.
* وأسباب أخرى.
ولن أتحدث أكثر من ذلك في شأن الأعذار فلربما ينتهي العمر ولا تنتهي الأعذار التي تمنعنا عن فعل أمر ما أو ترك أمر ما!! ولكي تبدأ مشروعك الصغير بدون فلسفة عليك بالاقتناع تماماً بأنك قادر على فعل ذلك. وكيف تقنع نفسك بذلك؟؟ هذه مشكلتك.. اقرأ .. اسأل.. سافر إذا استطعت ، جالس التجار الموثوقين المعروفين إن استطعت او استفد من تجاربهم (في قائمتي كل من سعيد لوتاه رجل الأعمال المعروف من الإمارات والشيخ سليمان الراجحي من السعودية وقد يفيدني القراء بأسماء أكثر ).. شاهد أفلام الإلهام inspirational movies مع العلم ان هذه القائمة خاصة بي وبإمكانك أن تأتي بحلول كثيرة لإقناع نفسك بأهمية أن يكون لك عملك الخاص. وبعد ذلك كل الخطوات معروفة ولاتحتاج إلى فلسفة:
الفكرة:
نجهد أنفسنا كثيراً للحصول على فكرة لم يسبق لها مثيل في بلدنا أو حول العالم. وقد يكون لنا نصيب من المديح على هذه الفكرة العبقرية ولكن مع تطبيقها تبدأ الصعوبات التي تقضي على كل الأحلام الجميلة التي كانت قبل ذلك. ليس بالضرورة أن تكون الفكرة سابقة لعصرها وجديدة كلياً وذات بعد إبداعي أو فني، فبعض الأفكار عبارة عن تقليد ناجح لأفكار موجودة فعلاً ويعرفها الناس ولكن الطريقة هي التي تميز فكرة عن فكرة. الطريقة تشمل طريقة التسويق وعرض المنتجات أو الخدمات والبيع وخطط تطوير تلك الفكرة.
على سبيل المثال في مجال الملابس:
محمد يبيع الملابس الجاهزة بكل أنواعها.
سعيد يبيع الملابس الجاهزة المخصصة للمناسبات.
ماهر يبيع الملابس الجاهزة المخصصة للأطفال.
مريم تصمم الأزياء ولديها مشغل للخياطة.
وغيرهم يبيع للحوامل، وغيرهم يتخصص في الإيطالي وآخر في التركي أو الهندي أو .. أو.
والفكرة الأساسية هي بيع الملابس. ونفس الطريقة تنطبق على شتى المجالات.
إذاً لا تتعب نفسك في اقتناص الأفكار الذهبية وحولك مناجم كثيرة من الذهب تسمى الأسواق. تكفيك جولة في الأسواق لتخرج بعشرات الأفكار … ولكن المهم أن تبدأ .. ابدأ في البحث عن فكرتك بدون فلسفة.
دراسة الجدوى وخطة العمل:
يعتقد الكثيرون أن هذه الخطوة تحتاج إلى خبير. لذلك قد يتجاوزها البعض إلى تطبيق المشروع مباشرة دون أي دراسة، أو يقفون عاجزين لأن الخبراء سيطلبون مبلغاً من المال لقاء الدراسة. والواقع أن هناك حل وسط وهو أن تقوم بها أنت. وفي رأيي الشخصي أفضل دراسات الجدوى للمشاريع الصغيرة هي التي تتم عن طريق أصحاب تلك المشاريع. بدون فلسفة ابدأ بتعلم كيفية عمل دراسات الجدوى عن طريق الجهات الموثوقة.. سجل في دورة متخصصة أو اسأل وتابع المواقع المتخصصة وموضوع دراسة الجدوى قابل للتعلم لو توافرت الرغبة. ابدأ من اليوم.. دعك من الفلسفة.
التمويل:
كثيراً ما سمعت هذا الحوار أو كنت طرفاً فيه..
هو: أريد أن أنشئ مشروعاً قوياً وفكرته غير مسبوقة و..و..
أنا: رائع ومتى ستبدأ؟
هو: لا أعرف!! بصراحة ينقصني التمويل.
أنا: والحل؟
هو: لا أدري .. لنصبر ونرى.. قد أحصل على زيادة في الراتب أو .. لا أدري.
وهكذا ينتظر حتى يأتي من يقوم بذلك المشروع بثقة ونجاح وعندها يشعر صاحبي بالصدمة وبأن “الفلوس” هي السبب.
والواقع أن التمويل مهم ويجب أخذه بجدية، ولكن إذا لم تستطع توفير المال فبالتأكيد يستطيع غيرك. ابحث عن المستثمرين الجادين (وستجد). ابحث عن صناديق تمويل المشاريع الصغيرة (متوفرة في العديد من الدول). ابحث عن شريك جاد.. أبحث عن المؤسسات التي تقدم حاضنات الأعمال .. الخلاصة أن المال مهم ويمكن توفيره لوفكرت وفكرت وفكرت .. ابدأ وبدون فلسفة.
وبعد أن تكمل الخطوات اللازمة لإنشاء مشروعك الصغير .. ابدأ مرحلة جديدة من الخطوات العملية الفعالة وبدون فلسفة:
· احضر المعارض العامة والمتخصصة في مجال عملك، قابل الموردين والاختصاصيين وكبار التجار، كوّن شبكة من المعارف في مجال تخصصك وفي مجال الأعمال أيضاً.
· تابع النشرات الاقتصادية من باب التعود وليس بالضرورة أن تكون خبيراً في كل شيء، ستفيدك معلومة هنا وفكرة هناك، وستسمع من الخبراء وتأخذ منهم ما يفيدك، قد تحصل على عناويين بعضهم وتتواصل معهم.. انصح بقناة سي ان بي سي العربية.
· استمع إلى عملائك، شارك في عمل الشركة اليومي بين الحين والآخر .. كن في الصفوف الأمامية مع موظفيك وعملائك، فهذا هو المكان الوحيد الذي يعكس مدى نجاحك في مشروعك. خصص وقتاً لتغبر قدميك في ميدان العمل.
· لا تنس حق الله عليك في مالك.. لا تنس زكاة المال أو أي نشاط خيري يفرضه عليك دينك (ان كنت غير مسلم) والأعمال الخيرية .. خصص لها جزءً من وقتك وميزانية عمل، وستجد أثر ذلك عليك سريعاً.
· تعلم باستمرار، السوق متغير التوجهات والتقنيات وعليك أن تكون مواكباً لكل متغير وتتعامل معه بالشكل المطلوب. استمر في حضور الدورات والندوات وحلقات النقاش حول الأعمال.
. فكر إيجابياً في موضوع الشراكة وأبحث عن الشريك المناسب.
. أولاً وأخيراً .. احفظ التوازن في حياتك قدر المستطاع بالحرص على الصحة والبيئة والعلاقات الأسرية، والجانب الروحي (العبادة). المعركة الأولى التي يجب ان تكسبها هي التوازن والتصالح مع النفس.
هذه أفكار سريعة وبدون فلسفة، لتبدأ التفكير في مشروعك الصغير. وهي ليست خريطة طريق أو خطة عمل لكيفية البدء في المشاريع الصغيرة .. إنها خواطر محفزة .. وأرجو ان تكون كذلك.
اتمنى الفائدة للجميع.
*مصدر الصور Istockphoto