كنت أعتقد أن السفر والرحلات إلى منتجعات الثلج هي فقط لممارسة رياضة التزلج على الجليد، ولكن بعد قراءتي عن هذه المنتجعات تعرفت على رياضة جديدة يمارسها السياح على الجليد هي «تنظيم التنفس» وهي رياضة حديثة تقدم في هذه المنتجعات، فقررت أن أسافر إلى أحد الأماكن القريبة وأشاهد هذه الرياضة عن قرب، فاخترت مدينة ساكلكنت التركية التي تقع قريبة جدا من مدينة أنتاليا الشهيرة في جنوب تركيا.
خريطة للمنتجع
الوصول إلى مدينة ساكلكنت SAKLEKINT يحتاج إلى شيء من الصبر، فمن الكويت إلى عمان في الأردن ثم إلى أنتاليا وبالسيارة إليها.. كان مطار أنتاليا الدولي مليئا بالمسافرين على غير ما توقعت، السياح في كل مكان، وفاجأتني طوابير الانتظار الطويلة للترانزيت إلى مدن تركية أخرى، لم يكن هناك أطفال.. مما يعني أنها فرصة لسياحة الكبار، في الخارج كان المشهد مختلفا، فوضى بسبب سائقي سيارات الأجرة غير المعتمدين، وسائقي الباصات الذين يبحثون عن عدد كامل ليتحركوا بهم، فرحت عندما قرأت على أحد هذه الباصات لوحة مكتوب عليها «ساكلكنت» ولكن بعد أن سار بنا قررت أن تكون المرة الأخيرة التي أستقل فيها باصا سياحيا من المطار إلى الفندق، فأجرة سيارة التاكسي الخاصة التي تقلك لوحدك لا تزيد على الباص إلا دينارين فقط ولكنها تستحق، خصوصا إذا كانت الرحلة عبر الجبال والسائق من عشاق التحدث في الموبايل، استغرقت الرحلة من المطار إلى ساكلكنت 45 دقيقة إلى أن وصلت إلى الفندق المصنوع بالكامل من الخشب الأصلي.
وضعت حقيبتي في الغرفة وخرجت على الفور لأشرب القهوة التركية في بهو الفندق وأتعرف على السياح ونوعيتهم، شد انتباهي منذ البداية أن النساء والفتيات يرتدين ثيابا ثقيلة في الأعلى ولكنهن يرتدين تنانير قصيرة في الأسفل بالرغم من برودة الجو الشديدة، قالوا إنها عادة قديمة لا يعرف أحد مصدرها، وأثناء فنجان القهوة الدافئ الذي لا يعدله شيء في هذا المكان المرتفع جدا عن سطح البحر، كان علي أن أعرف نفسي للسياح الموجودين في الفندق الصغير، وهي طريقة جديدة ابتكرتها مديرة الفندق الجديدة حيث تسعى من خلالها إلى أن يصبح سكان الفندق عائلة واحدة.
حشر مع الناس
كنا على مشارف المغرب، خرج جميع من كان في الفندق وخرجت معهم مصداقا للمثل القائل «حشر مع الناس عيد» وقفنا جميعا أمام الفندق ننظر إلى الأفق، كان واضحا أنهم ينتظرون مغيب الشمس، يا له من منظر رائع خلاب يستحق التصوير، وفي الطريق جلس مصورون محترفون بمعداتهم الثقيلة ليلتقطوا صورا جميلة، ولم يتعد منظر الغروب أكثر من ربع ساعة تغير بعده الجو على الفور، أمسى باردا جدا لدرجة أنه منعنا من الخروج إلى الشارع، فجلسنا في البهو ننتظر وجبة العشاء، لم يكن أمامنا خيارات متعددة في العشاء، ولكن لفت نظري أنه كان عبارة عن وجبات خفيفة من الخضروات.
استيقظت صباحا مع شروق الشمس، ولا ريب في ذلك لأنني دخلت فراشي مبكرا جدا بعد أن انتهت السهرة، وقفت عند باب الفندق فاكتشفت أنني آخر السياح استيقاظا من النوم، كان الجميع في فندقنا والفنادق المجاورة يسيرون في اتجاه واحد جماعات جماعات وكأنهم على موعد مع شيء معين، في منطقة تسمى أكساما AKSAMA كان الجميع يقف في صف واحد طويل، ووقف أمامهم مرشد سياحي، في البداية قلت في نفسي إن الأمر لا يستحق الانتظار الطويل.. ولكن الطابور كان يسير سريعا مما دعاني للوقوف فيه، وبعد خمس دقائق كنت مع أحد الرجال في العربة الإلكترونية التي تقلنا إلى الأعلى ــ تحسب أجرتها مع الفندق ــ تسير بنا العربة مسافة كيلو مترين فوق الجبل، ثم ننزل منها لنبدأ رحلة السير الهادئ والعلاج النفسي في المشي على الجليد.
مقهى كبير
سرنا أكثر من ساعتين ونصف الساعة على البساط الأبيض، وبعدها جلسنا في مقهى كبير كان يتسع للجميع، وشربنا الشاي والقهوة وأكلنا سندويتشا لذيذا وملعقة من العسل الطبيعي، وبعدها تابعنا الجزء الثاني من السير على الجليد لمدة ساعتين ونصف أخرى، ثم عدنا مرة أخرى إلى الفندق لنأخذ قسطا من الراحة، استعدادا لمرحلة التزلج على الجليد لمن يحب ذلك، أرشدني أحد السياح إلى رجل كان يرتدي زيا أخضر وقال إن الزي الأخضر يعني أنه المرشد والمدرب الخاص لمن لا يحسن التزلج، والجميل في الأمر أن الجميع كانوا يسعدون بمساعدة من يجهل ممارسة هذه الرياضة الجميلة.
لم تكن مدينة ساكلكنت مجرد منتجع للتزلج فقط، بل كانت ترقد في الطرف الآخر منها قرية جميلة هادئة لا يزيد عدد منازلها على 250 بيتا لا يزيد على طابق واحد، يأتي بعض السياح إليها ويستأجرون من هذه المنازل ليقضوا فيها أكثر من شهر كامل من أجل أن يمارسوا رياضة التأمل والسير على الجليد – سعر تأجير البيت لا يزيد على 100 دولار يوميا مع الخدمة – وبعد أن هبط الليل قالت لنا موظفة الاستقبال إن الفندق يعطي خصما خاصا لثلاثة مطاعم في القرية مع التوصيل لمن يحب أن يتناول طعام العشاء هناك، وأعطتنا أسماءها، ثم ابتسمت وقالت «هناك ممكن أن تأكلوا الكباب التركي الأصيل» كانت المطاعم فاخرة جدا بالرغم من صغر حجمها، وكانت الخدمة فيها بطيئة وكأنهم يختبرون صبر السياح، ولكن بعد أن يصل الكباب ينسيك فترة الانتظار الطويلة.
جورج
دعاني أحد السياح أثناء وجودنا على وجبة الإفطار في اليوم لمرافقتهم إلى جبل جورج، وافقت على الفور وأنا أتلفت حولي أبحث عن الجبل الذي سنذهب إليه فساكلكنت محاطة بالجبال من كل جانب، وكانت المفاجأة أن جبل جورج يبعد ساعة بالسيارة عن الفندق، وصلنا إليه فوقفنا مشدوهين أمام هذا المنظر الطبيعي الرائع، ما أروع الخالق المبدع.. كان الجبل مغطى بالثلوج وكأنه صبغ نفسه باللون الأبيض، وفي الأسفل كان يجري جدول من الماء البارد جدا من دون أن يتجمد، كان شيئا أروع من ما أتخيله، فالجبل كأنه لوحة بنية اللون يرتدي قبعة بيضاء ناصعة والماء زلال شفاف كأنه صنع من قوارير سليمان، يأتي السياح إلى هنا ليتحدّى بعضهم بعضا في المكوث في الماء أو السباحة فيه أو يركبون القوارب الصغيرة – تسمى كاراك – ليتجولوا لمدة ساعة كاملة.. إنها فرصة جميلة ليخلو الزوجان معا بعيدا عن أعين الفضولين أو الأبناء، والمفارقة العجيبة هنا أن درجة الحرارة أثناء المرور في أزقة الجبل ترتفع فيضطر المبحرون إلى خلع بعض ثيابهم الثقيلة، وأكثر المناظر روعة في هذه الرحلة السكاكين المدببة وهي الماء المتجمد النازل من الجبل.. وهي في الوقت نفــســه أكثر المناطق خـطــــورة.
كـهــوف
تحتوي ساكلكنت على 15 كهفا موزعة في الجهات الأربع حولها، وتعتبر زيارة هذه الكهوف من أكثر الرحلات متعة وجمالا، ويجتمع عدد كبير من السياح عادة لزيارتها ويقضون في الغالب النهار كله، يخرجون في الصباح الباكر ولا يعودون إلا قبل مغيب الشمس، ويقول المرشدون هناك ان أحد هذه الكهوف هو الكهف الذي لجأ إليه الفتية المؤمنون الذين نزلت فيهم سورة الكهف في القرآن الكريم، ولكن لم نر أي دليل داخلها يدل على صحة هذا الرأي.