يوميات شهر مارس
وقفت امامي ، تلفتت يميناً و يساراً، إبتسمت وقالت ’’ إسمي سعاد‘‘.
9 مارس 2009
أقف عند باب السينما لربع ساعة مرت ثقيلة ، أكره الانتظار ، أنتظر صديقاً لا يبالي كثيراً لما إنا فيه من توتر ، غداً أعرف نتيجة امتحان الفصل الدراسي الأول ، هذا عامي الجامعي الأخير وعلي إنهاؤه بشكل يليق . طالت مدة التأخير عن اللازم فهممت بالمغادرة .
أوقفت التاكسي ،فكرت ملياً، جبنت فتراجعت , وقاد السائق بعد سباب سمعت بعض من بذاءته وهو يرحل. عدت مجدداً أمام باب السينما علَّه يخرج هذه المرة بعذرٍ و إن كان ملفقاً فتهدأ ثورتي ، سأنتظر بعض الوقت .
أقف والدقائق تنطوي واحدة تلو الأخرى , وصديقي لم يخرج .
انفتح باب السينما فتوقعته هو , لكنه لم يكن هو , كانت هي !! يا خالق الأكوان كيف أوقعتني في هذا الفخ فلم أفهم أني منقاد إلي عذابي ، كرهت الانتظار فقتلتني الصدفة .
خرج صديقي أخيراً من السينما يمسح بالمنديل الورقي يده ، سألته ما الذي أخره ، رد بشئ من التعب مغص شديد قاده لدورة المياه. أوقفت تاكسياً ركبنا فيه بسرعة وغادرنا.
الوجه غصت في تفاصيله ، تفرست فيه كثيراً فحفظت كل ملامحه ، عينان عسليتان شعرت في البدء من بريقهما بشيء من الزرقة ، شفتان صغيرتان تطل من بينهما ابتسامة صغيرة ، والشعر ، غطته بحجابها الوردي فزاد من جمال ما بدا من تقاسيمها الجميلة ، الحاجب المنقوش بعناية و الأنف الصغيرة، كل شيء كان واضحاً فحفظته ، وأحببته .
* * *
لطالما تمنيت الذهاب للسينما ، أحب تجربة الأشياء الجديدة ، في الأسبوع الماضي ركبت دراجة أخي الصغير ، لا لأظهر أني حتي وإن كنت أنثي فأنا أقوم بفعل صبياني ، لكنه شيء جديد كان عليا تجربته ، وقعت فجرحت ذراعي لكن،لا بأس بتضحية قليلة من أجل غاية أسمي.
كان الفيلم رائعاً، او هكذا رأيته فربما البهجة بهذي التجربة عظمت من أمر الفيلم ، لا أدري ، لكني لم أملُّه . خرجت مع أختي وخطيبها وأنا مازلت أتذكر بعض الجمل التي قالها البطل للبطلة :
أحبك ، لا تسأليني كيف.
حتى الموت لن يفرق بيننا.
غداً، عند الواحدة، أكون انا بين يدي الطبيب ومشارطه ، يمهدني للموت.
غداً، عند منتصف الليل تكون هي مع عريسها. وانا وحيداً في قبري.
أحب الأفلام الرومانسية والأغاني و الأشعار وطالما تنكرت بالمذاكرة وأنا غارقة في ديوان لنزار قباني ، تعجبني خيالاته، وأكره عريه. حين أطالع وجوه الشباب والرجال ، لا أري ما يدهشني أو يستحق إعجابي ، حتى أكثرهم وسامة لا يهموني كثيراً فهم عادة حمقي و نرجسيين . أبحث فيهم عن نوع مميز ، حقيقةً هو هذا النوع المجنون الذي يحب من أجل الحب ويرتكب من أجله الحماقات. أحب أن أحب ، لكني لا أعير لما يقال عن جسدي الكثير ، أعرف أني جميلة لكن هذا يجعلني في موضع المتهمة ، هكذا أرى نفسي ، حين يحاول شخص ملاطفتي فأوبخه ، وهم دائماً لا يستحسون هذا التوبيخ ، هكذا رجال هذا الزمن .
13مارس 2009
كل ليلة تأتي، تفتح باب الغرفة وتنظر لي باسمة ثم تجلس أمام المرآة تمشط شعرها وأنا أتابعها مندهشاً ، تقترب مني ، تهمس في أذني فأغرق في عذوبتها ، تعانقني طويلاً فأضعف ، تقبلني فأستسلم ، لكنني عند اللحظة الحاسمة أهرب ، تتبعني فأهرب ، تلحق بي ، تحدق في فتفهمني ، تنام ورأسها علي صدري ، وعندما أستيقظ أتحسس مضجعي فلا أجدها، تكون قد رحلت - حسناً ستأتي هذه الليلة أيضاً .
15-16-17-18 مارس 2009
مالي هذه الأيام ؟ حالي تغير، الكل لاحظ ، أحس أن الكل يعرف ، فضح سري.
كل يوم أجيء إلي السينما ، لا أشاهد بل انتظر امام الباب ، أدمنت الإنتظار، أحببته ،مادام فيه الرجاء سأنتظر. أربع أيام وانا انتظر امام الباب لكنها لا تأتي ، دب اليأس في قلبي وشعرت حينها ان من يحرك خيوطي لا يهمه أمري ، يضحك أطفاله الصغار ولا يهمه أن أبكي ، يا من تحرك دميتك ، الا تدلها علي من يسعدها ؟ مزق خيوطك ودعها تتعلم السير وحدها لربما تلتقي بأليفها ، فتهنأ ، أعتق يا سيدي دميتك.
19 مارس 2009
الساعة الواحدة ظهراً
الجامعة مزدحمة هذا اليوم وأكثر ما أكرهه هو الزحام . أسكن في قرية صغيرة من مركز العسيرات،قرية صغيرة بها عشرة بيوت فقط ،شارع يبعد عن السكة الحديد بمسافة عشرين متراً ، تفصل بينهما ترعة ليست بالواسعة ، طالما سبحت فيها. كل ذلك غمرني بحس قوي للضوضاء فصرت أكرهها.
محاضرات هذا اليوم كثيرة وأنا يقتلني الجوع وقريباً لحقه العطش، ذهبت للكافيتيريا، إبتعت ساندويتشاً وعلبة كولا وهممت بالإنصراف وإستدرت بسرعة ، لكنني اصطدمت بفتاة فانسكبت الكولا علي قميصي ووقع الساندوتش ، وإنحنيت لألتقطه ثم إعتدلت وفي أذني بقايا جملة " إنت أعمي ! " . وقفت لأحدثها أو لأعتذر، نظرت لها ، نظرت لها طويلا وسادت لحظة صمت . انها هنا امام الكافيتيريا ما الذي عاد بي إلي ليلة ذهبت إلي السينما وإنتظرت أمام الباب . إنها هي ، العينان، الشفتان والأنف الصغير ، هنا كل هذا البريق الأبيض .
لم أنتبه إليها إلا وهي تغادر. حسناً ، كتاب حملته العام الماضي بين يديها ، إنها حتماً زميلتي.
شكراً لك يا من تحرك الدمية.
19 مارس 2009
الساعة 10 مساءاً
سيدي المؤلف ، من فضلك غير بعض الشيء في قصتي ، إصطدمت بها ، نهضت ، نظرت لي فتذكرتني ، عانقتني أمام الجميع ثم قبلتني ، آآآه أنا مؤلف فاشل .
ما الذي حدث ؟ أهو القدر الذي يجعلك تصاب بالمغص فلا تخرج من بيتك فيخيب ظن من كان يتربص بك ؟
حتما هو ، القدر رائع في بعض اللحظات . الآن اصبحت المشكلة أسهل عرفت إلي أين أسير ولماذا ، لنرسم الخطة ، سأتقرب منها بأية طريقة ، أعرف أنها المرة الأولي ، لا بد من مرة أولي في كل شيء ، لا لتنجح بل لتبوء بالفشل . سأصارحها فللصدمة مفعولها الأكيد ، ستنذهل حتماً ، لكنها بعد تكرار التجربة لن تقاوم الريح وتعيش التجربة . غداً ، أنتظرها وأخبرها ، ستندهش ، لكن ليس كثيراً.
20 مارس 2009
التاسعة صباحاً
لماذا كرهت المحاضرات ؟ لكن منذ متي أحببتها ؟ ساعتان من الإستماع لحديث رتيب لا يخلوا من التنمق،
الدكتور لا يحب مشاركة الأراء ويبدأ بالعزف المنفرد الممل فيصيبني التوتر حتي أكاد أن أنهض من مقعدي لأعلن أمام الجميع أنك يا سيدي شخص فاشل .
لا أحب اللذين يأتون للجامعة فيقطعونها ذهاباً و إياباً كي يطالعوا وجوه الآخرين اللذين هم أيضاً يطالعون وجوههم ، الجبناء.
أختي الكبري علمتني أسوأ العادات الطلابية ، اللف طول النهار في نفس الطرقات لأري نفس الوجوه ، حسناً سأستريح هنا علي هذه الأريكة ، حتى تنتهي هي من جولتها الإستطلاعية.
* * *
أدخل من البوابة الرئيسية ، أسير لا ألتفت لا يميناً ولا يساراً ، سأقصد المبني الكبير حيث محاضرة النقد المقارن . لكن السيد حرك الدمية إلي عقدة الحدث . رأيتها جالسة علي الأريكة .ليحرك السيد الدمية .
الآن سأنفذ الخطة ، ذهبت إليها ووقفت أمامها ، حدقت في عينيها كثيراً فنطق لساني دون أن آمره :
- منذ رأيتك أول مرة أحببتك ، أحبك كثيرا كثيراً كثيراً ، ما إسمك ؟
- أنا أحبك أيضاً منذ رأيتك في الكافيتيريا ، قل لي ما إسمك أنت أولاً ( Stop )
عفواً ، خيال الدمية واسع ، لنعود إلي البداية .
الآن سأنفذ الخطة ، ذهبت إليها ووقفت أمامها ، حدقت في عينيها كثيراً.
* * *
ممكن أتحدث معك لخمس دقائق ( جرئ ، لم يتوقع ذلك ) ؟
نعم ، تتحدث ، لماذا ؟ حضرتك تعرفني ، أعرفك ؟
لا يهم ، سنعرف بعضنا لاحقاً .
لأ ، لا أريد أن أعرفك ولا تعرفني.
لما كل هذا ( لماذا غضب ) ، أتحدث معك ولست أهينك؟
لا، واذهب من فضلك حالاً .
حسناً،حسناً، هل يحمل هذا الوجه الجميل كل هذه القسوة والعن.........
من فضلك ، تفضل ، تفضل .
تمزق حبل فوقعت الدمية .
* * *
فشلت ، أنا أبله ، أبله. أمسك بالوردة كي أشمها ، فتذبل من قسوة يدي ، أحمق . لكنني لست المذنب . شكراً سيدي المؤلف.
* * *
تنويه!
لا تسبق أحداث القصة.
* * *
الرجال حمقي ،لو نظرتي لهم ريبة مثلاً ظنوك معجبة ، كل رجل يحس بأنه نجم مشهور ،ترتمي النساء تحت قدميه ،سحقاً.
مثل هذه الأمور تحدث معي كثيرا ، لا أبالي ، لا أذعن ، لا أحب مثل هذه العلاقات .
لكن هل أنا حقاً قاسية ، لا تحس . أحسد أحياناً زميلاتي حين أراهن يتحدثن في هواتفهن وأنا أعلم أن من علي الطرف الآخر كائنات مذكرة. أعود لنفسي سريعاً ، فارسي لا يملك الهاتف الجوال.
لماذا إتهمني بالقسوة؟ كل من كانوا يفشلون معي ينصرفون يجرجرون ذيول الهذيمة ، لماذا هو غضب ؟ إنه رد الفعل الرجولي الطبيعي ، الرجال مهما تنوعت أشكالهم ، لكنهم حمقي .
* * *
لن أكرهها ، أنا اقتحمت خلوتها بغير إذن أو صفة وما جري كان عقاب عادل .
جاءتني ليلاً ، بكت بين يدي ، قبلتني ، نامت بين أضلعي ، وعندما نهضت ، كانت قد رحلت .
22 مارس 2009
11 صباحا
أحب في يوم الخميس أنه يبشر بيوم العطلة ، تقل فيه المحاضرات ، ويعود الكثير من المغتربين إلي مدنهم وقراهم ، فتبدوا الجامعة خالية وحينها تختفي الضوضاء فأستريح.
هل أنا أستحق الاهتمام ، الأنثوي طبعاً ؟
يري الناس في ملامحي شيء من الغرابة ، جسدي النحيل مع قامتي المتوسطة صبغاني بملمح الذي سيودع الدنيا قريباً ، لكنهم يقولون انني مقبول ، لا يهم ، الأخلاق أهم !
إقتربت من مبني محاضراتي ، توقعت أنني ربما أري فتاتي المجهولة ، وذاك ما حدث ، رأيتها تضحك مع شاب ، تضحك ، مدت يديها وصافحته ، أعطاها علبة مغلقة ، قبلتها ووضعتها بحقيبته ( تتخبل الخيوط فتقع الدمية) نظرت ، لا ادري لماذا أحسست بدمعة لم أبكها إنحدرت علي خدي ، هذه المرة رأتني ، حدقت بشيء من الغضب ( هذا الغضب يكون لي يا آنسة).
رجعت للوراء وأنا أحدق فيها ، أشحت بوجهي وسرت مسرعاً .
* * *
11 مساءاً
ماذا حدث ؟
خطيب أختي صافحني ، أعطاني شيئاً لأعطيه بدوري لها . ما الذي أغضب ذاك الشخص. غيرة .
أعرف أن الغيرة لا تفارق الرجل مهما كانت ثقته في المرأة . لكن ما الذي جعله يغضب ويسير كالمجنون ، رأيته بعدها في حنق شديد وهويحدث زملائه بصوت عالٍ ، أحسست مدي حنقه لكنه لم يرني . أيحبني حقاً ؟ ما الذي دفعه لمخاطبتي وطلب التعارف ، لماذا غضب حين رآني مع رجل آخر ؟
لا تتسرعي .
لكني ( عذراً أيها السادة ) .
منذ جاء لي يطلب التعارف وانا في حيرة شديدة . إعتدت الجلوس علي نفس الأريكة عله يحاول مرة اخري ، عله ، لكنه لم يعد الكرة ( كبرياء الرجل النادر الوجود) . رأيته أكثر من مرة ، يطالع الجريدة اليومية ، يشتري ألطعام من الكافيتيريا و ينزوي به ليأكل في ركن بعيد ، مثلي تماماً ، شئ غريب فيه ، المحه من بعيد حين يضحك فتبرز عضلات وجهه وأريد ان أقترب منه لأسمع صوت ضحكته .
أعترف أيها السادة ، أحببته .
29 مارس 2009
أجلس وحدي في الطرقة ، أتابع المارة ، أتلصص عليهم حين ينظرون لي ،الفتية لا يهتمون والبنات يثقبنني بنظرة إرتياب ، أكره حين ينظر الناس لي .
ها هي صديقتي تقترب من بعيد ، ستمر أمامي وتنظر لي نظرتها التي إعتدت ان افهم محتواها ، يا أبله .
تهدأ الخطوات ، تقف ، فأنهض .
* * *
صباح الخير
صباح النور ، أعرف انك جئت لتسأليني لماذا أردت التعرف بك ، اليس كذلك ؟
لا...
نعم !!!
جئت لأقول لك إن الرجل الذي كان يقف معي منذ أسبوع كان خطيب أختي ، ليس غير .
* * *
سأضحك من نفسي كثيراً حين أذكر ما فعلت ، الحمد لله أني لا أملك هاتفاً جوال ، هكذا سأكلمه كل يومٍ وجها لوجه.
* * *
سأرقص ، وأغني ، وأدعي أنني أذكي البشر ، أجملهم ( مهلاً ، مزقت الدمية الحبال ، السيد الذي كان دمية يسير الآن علي خشبة المسرح دون توجيه ) كنت شبه مغشياً علي . لم أحس بنفسي إلا وهي تسألني عن إسمي فأجبتها بسرعة :
حسام.
إبتسمت وقالت : إسمي سعاد ، في ثالث سنة ، وعندي محاضرة السبت الساعة 8 وسأنتهي الساعة 4 .
* * *
ممدوح التايب