لغز ما يحدث في مصر من فوضى أمنية سيظل هكذا حتى يتبدد الكابوس وتحقق فيه لجان مستقلة ومختصة. لكن تطورات الوضع الأمني كما رواها شهود العيان تشير إلى فارق جوهري بين ما حدث في مصر وما حدث في تونس في مراحل الانتفاضة الأخيرة.
ففي تونس بدأت الردة العكسية من المجرمين وأعوان الأمن الموالين للنظام بعد فرار الرئيس المخلوع بالفعل، وقد فشلت في إعادته. في مصر بدأت هذه الردة واعمال الترويع عندما توارى النظام، وفي الوقت الذي يقول فيه إنه عازم على الإصلاح.
يتساءل كثير من المصريين ، كيف يمكن لحكومة خفية مقالة ممارسة سلطاتها كاملة بالتشويش على وسائل الإعلام وتعطيل الانترنت ووقف تراخيص محطة الجزيرة، على سبيل المثال، في حين تعجز عن تأمين المتحف المصري وآثار الأهرامات وعشرات السجون، هذا أحد الأسئلة الغامضة.
جهاز الشرطة المصرية، الذي يفوق قوامه مليون شخص، ليس فقط هو أمن الدولة الذي يحمي النظام سياسيا، لكنه شرطة السياحة وشرطة المرور وشرطة الموانئ، ومصلحة السجون ، فإذا سلمنا بقبول أن أمن الدولة والأمن المركزي انسحب حتى لا يتحقق حمام دم في الشارع، فلا أحد يعرف لماذا انسحبت شرطة السياحة؟ هل الشعب المصري والمتظاهرون يستهدفون شرطة السياحة وشرطة المرور، وشرطة الموانئ على معبر رفح؟
ورغم السمعة السيئة لهذا الجهاز على المستوى الشعبي، فإن المزايا لا تلحق إلا بعناصره المؤهلة من أكاديمية الشرطة من ضباط فما فوق، اما الجنود وأمناء الشرطة، فهي الطبقة التي تقابل بازدراء شعبي وأفق مسدود مهنيا، وهي لا تعتمد في حياتها إلا على ما تتحصل عليه من إتاوات و إكراميات "رشاوي" من جمهور المواطنين.
هذه العناصر هي التي كانت تضرب المتظاهرين بعنف وغضب مكتوم لم تستطع تفريغه في قيادتها ، وهي أيضا ذات الصلة الأوثق بالخارجين عن القانون في مناطقها السكنية، وهي أيضا أول من فر من الشارع عندما اختفى شبح القيادات الامنية.
لكن ذلك لا يعني أن كل الجهاز الأمني المصري ينتمي للنوع الأول، فسيناريو الانسحاب كان مناسبا أيضا لمن يصنفون أنفسهم في خانة الضباط والجنود المتعاطفين مع المتظاهرين ويرفضون استخدام العنف ضدهم.
هناك من يقول إن ما حدث كان سيناريو متوقعا، أو الورقة الأخيرة التي بأيدي النظام ليلعبها ليعرف المصريون ماذا يفقدون بسقوط النظام. وقد علق الصحفي عماد أديب، وهو من الشخصيات المفضلة للرئيس مبارك ، بالقول: نريد أن نعرف سر ما حدث بين الخامسة والنصف عصر الجمعة والعاشرة من مساء الليلة نفسها، أين تبخرت الشرطة أين ذهب عناصرها قبل حدوث تسليم وتسلم مع الجيش؟
أما الأمر الذي يجده المحللون والمراقبون في غاية الغرابة، فهو اعتماد مبارك سياسة التقسيط في التعامل مع بلد يشتعل، فهو أقال الحكومة، وعلى طريقة نكتة مصرية شهيرة، ترك للحكومة تحديد خطوات إقالتها وتنفيذها بتأني، والبقاء في مكاتبها دون ممارسة صلاحيتها ودون ظهور حكومة جديدة، فوزير الداخلية مقال واختفت أجهزته، فأين البديل؟ يتساءل كثيرون.
هناك أيضا تكهنات واسعة بأن الأمن لم ينسحب بسبب الضغوط من المتظاهرين، لكنه انسحب لإحراج الجيش وحرق ورقته سريعا ليصبح لدى الجهاز الأمني بعد فشله صك مفتوح بتسوية الأمر على طريقته.
وكما تصاعد الغضب على مراحل، تصاعد الانسحاب الأمني على مراحل لا تجد من يفسرها حتى الأن. في البدء انسحاب من ساحات المظاهرات، يعقبه أعمال نهب محدودة لبعض المتاجر في شوارع رئيسية على مرأى ومسمع الجميع وفي عاصمة لم تنقطع الكهرباء عنها حتى اللحظة، يعقبه مهاجمة مراكز الشرطة وإطلاق المحتجزين من المجرمين، في مرحلة تالية استهدفت السجون والوزارات وكل مصالح الدولة حتى المستشفيات ومخازن الغاز الطبيعي.
أحد قيادات مصلحة السجون، هو اللواء محمود البطران، لقي مصرعه عندما حاول وقف الهروب من السجن الرئيسي في المدينة، في الوقت الذي كان فيه الكثيرون قد انسحبوا.
هل ما يحدث هو فوضى حقيقية، هذا سيناريو وارد، فالمصريون ليسوا ملائكة وحزام الفقر الذي يطوق اكثر المناطق ثراء في القاهرة، هو صورة عبثية (نموذج فندق رمسيس هيلتون في التحرير وملاحقه التجارية، ومحيطه من عشش الترجمان، او وزارة الخارجية و كايرو تريد سنتر ووكالة البلح ) ، لكني عندما اتصلت بعدد من جيراني وأصدقائي ليل السبت الأحد، روى لي كل منهم رواية عن الفزع والسرقة والنهب ، سمعها وهو ما أحد للاستنفار الشعبي.
كان من الملاحظ أيضا، أن التليفزيون المصري، خصص كل إرساله ليل السبت – الأحد، لبث أنباء الحوادث على الهواء مباشرة لكي يلاحقها الجيش، ولك ان تتخيل وقع هذه البلاغات على جيش يسير بمدرعاته الثقيلة في عاصمة تطوقها العشوائيات بشوارعها وحواريها الضيقة.
في الصباح، كانت الصحف الحكومية، تملأ صفحاتها الأولى والداخلية بصور الخراب الذي عم القاهرة والمحافظات، دون الحديث عن المظاهرات ومطالب المتظاهرين، مع حجب مواقع الانترنت لصحف المصري اليوم والدستور الأصلي وغيرها ممن يقدمون تغطية حقيقية لما يحدث. والرسالة واضحة، أن الاحتجاجات وليس النظام، هو من تسبب في هذه الفوضى
ففي تونس بدأت الردة العكسية من المجرمين وأعوان الأمن الموالين للنظام بعد فرار الرئيس المخلوع بالفعل، وقد فشلت في إعادته. في مصر بدأت هذه الردة واعمال الترويع عندما توارى النظام، وفي الوقت الذي يقول فيه إنه عازم على الإصلاح.
يتساءل كثير من المصريين ، كيف يمكن لحكومة خفية مقالة ممارسة سلطاتها كاملة بالتشويش على وسائل الإعلام وتعطيل الانترنت ووقف تراخيص محطة الجزيرة، على سبيل المثال، في حين تعجز عن تأمين المتحف المصري وآثار الأهرامات وعشرات السجون، هذا أحد الأسئلة الغامضة.
جهاز الشرطة المصرية، الذي يفوق قوامه مليون شخص، ليس فقط هو أمن الدولة الذي يحمي النظام سياسيا، لكنه شرطة السياحة وشرطة المرور وشرطة الموانئ، ومصلحة السجون ، فإذا سلمنا بقبول أن أمن الدولة والأمن المركزي انسحب حتى لا يتحقق حمام دم في الشارع، فلا أحد يعرف لماذا انسحبت شرطة السياحة؟ هل الشعب المصري والمتظاهرون يستهدفون شرطة السياحة وشرطة المرور، وشرطة الموانئ على معبر رفح؟
ورغم السمعة السيئة لهذا الجهاز على المستوى الشعبي، فإن المزايا لا تلحق إلا بعناصره المؤهلة من أكاديمية الشرطة من ضباط فما فوق، اما الجنود وأمناء الشرطة، فهي الطبقة التي تقابل بازدراء شعبي وأفق مسدود مهنيا، وهي لا تعتمد في حياتها إلا على ما تتحصل عليه من إتاوات و إكراميات "رشاوي" من جمهور المواطنين.
هذه العناصر هي التي كانت تضرب المتظاهرين بعنف وغضب مكتوم لم تستطع تفريغه في قيادتها ، وهي أيضا ذات الصلة الأوثق بالخارجين عن القانون في مناطقها السكنية، وهي أيضا أول من فر من الشارع عندما اختفى شبح القيادات الامنية.
لكن ذلك لا يعني أن كل الجهاز الأمني المصري ينتمي للنوع الأول، فسيناريو الانسحاب كان مناسبا أيضا لمن يصنفون أنفسهم في خانة الضباط والجنود المتعاطفين مع المتظاهرين ويرفضون استخدام العنف ضدهم.
هناك من يقول إن ما حدث كان سيناريو متوقعا، أو الورقة الأخيرة التي بأيدي النظام ليلعبها ليعرف المصريون ماذا يفقدون بسقوط النظام. وقد علق الصحفي عماد أديب، وهو من الشخصيات المفضلة للرئيس مبارك ، بالقول: نريد أن نعرف سر ما حدث بين الخامسة والنصف عصر الجمعة والعاشرة من مساء الليلة نفسها، أين تبخرت الشرطة أين ذهب عناصرها قبل حدوث تسليم وتسلم مع الجيش؟
أما الأمر الذي يجده المحللون والمراقبون في غاية الغرابة، فهو اعتماد مبارك سياسة التقسيط في التعامل مع بلد يشتعل، فهو أقال الحكومة، وعلى طريقة نكتة مصرية شهيرة، ترك للحكومة تحديد خطوات إقالتها وتنفيذها بتأني، والبقاء في مكاتبها دون ممارسة صلاحيتها ودون ظهور حكومة جديدة، فوزير الداخلية مقال واختفت أجهزته، فأين البديل؟ يتساءل كثيرون.
هناك أيضا تكهنات واسعة بأن الأمن لم ينسحب بسبب الضغوط من المتظاهرين، لكنه انسحب لإحراج الجيش وحرق ورقته سريعا ليصبح لدى الجهاز الأمني بعد فشله صك مفتوح بتسوية الأمر على طريقته.
وكما تصاعد الغضب على مراحل، تصاعد الانسحاب الأمني على مراحل لا تجد من يفسرها حتى الأن. في البدء انسحاب من ساحات المظاهرات، يعقبه أعمال نهب محدودة لبعض المتاجر في شوارع رئيسية على مرأى ومسمع الجميع وفي عاصمة لم تنقطع الكهرباء عنها حتى اللحظة، يعقبه مهاجمة مراكز الشرطة وإطلاق المحتجزين من المجرمين، في مرحلة تالية استهدفت السجون والوزارات وكل مصالح الدولة حتى المستشفيات ومخازن الغاز الطبيعي.
أحد قيادات مصلحة السجون، هو اللواء محمود البطران، لقي مصرعه عندما حاول وقف الهروب من السجن الرئيسي في المدينة، في الوقت الذي كان فيه الكثيرون قد انسحبوا.
هل ما يحدث هو فوضى حقيقية، هذا سيناريو وارد، فالمصريون ليسوا ملائكة وحزام الفقر الذي يطوق اكثر المناطق ثراء في القاهرة، هو صورة عبثية (نموذج فندق رمسيس هيلتون في التحرير وملاحقه التجارية، ومحيطه من عشش الترجمان، او وزارة الخارجية و كايرو تريد سنتر ووكالة البلح ) ، لكني عندما اتصلت بعدد من جيراني وأصدقائي ليل السبت الأحد، روى لي كل منهم رواية عن الفزع والسرقة والنهب ، سمعها وهو ما أحد للاستنفار الشعبي.
كان من الملاحظ أيضا، أن التليفزيون المصري، خصص كل إرساله ليل السبت – الأحد، لبث أنباء الحوادث على الهواء مباشرة لكي يلاحقها الجيش، ولك ان تتخيل وقع هذه البلاغات على جيش يسير بمدرعاته الثقيلة في عاصمة تطوقها العشوائيات بشوارعها وحواريها الضيقة.
في الصباح، كانت الصحف الحكومية، تملأ صفحاتها الأولى والداخلية بصور الخراب الذي عم القاهرة والمحافظات، دون الحديث عن المظاهرات ومطالب المتظاهرين، مع حجب مواقع الانترنت لصحف المصري اليوم والدستور الأصلي وغيرها ممن يقدمون تغطية حقيقية لما يحدث. والرسالة واضحة، أن الاحتجاجات وليس النظام، هو من تسبب في هذه الفوضى