بعد هذه الحادثة فتر الوحي وانقطع مدة لا تقل عن أربعين يوما، اشتدّ فيها شوق النبي( صلى الله عليه وسلم) إلى الوحي وشقّ عليه تأخره عنه، وخاف من انقطاع هذه النعمة الكبرى: نعمة رسالته عليه (الصلاة والسلام) بين الله عز وجل وبين عباده ليهديهم إلى صراطه المستقيم.
فبينما النبي (صلى الله عليه وسلم )يمشى في أفنية مكة إذ سمع صوتا من السماء، فرفع بصره فإذا الملك الذي جاءه بغار حراء وهو جبريل (عليه السلام)، فعاد إليه الرعب الذي لحقه في بدء الوحي فرجع إلى أهله وقال: دَثِّرونى دَثِّرونى (التدثير بمعنى: التزميل).
فأوحى الله تعالى إليه:
يـَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرْ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ* وَلاَتَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ* وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ. فأنذر: حذر الناس من عذاب الله إذا لم يفردوه بالعبادة. فكبر: أي عظِّمْ ربك وخُصَّه بالتعظيم والإجلال. فطهر: أي حافظ على الطهارة والنظافة من الأقذار والأنجاس. والرجز فاهجر: أي اترك المآثم والذنوب. ولا تمنن تستكثر: أي لا تتبع عطاياك وهباتك بالطمع في أخذ الزيادة ممن تعطيه. ولربك فاصبر: أي اصبر على ما يلحقك من الأذى في سبيل الدعوة إلى الإسلام ابتغاء وجه ربك.
فكان ذلك مبدأ الأمر له( صلى الله عليه وسلم )بالدعوة إلى الإسلام وبعد ذلك تتابع الوحي ولم ينقطع