حين تهبط قرية كلاحين أبنود، التي تبعد 10 كيلو مترات من بندر قنا يكفى أن تسأل عن جحا عبد الرسول -وتعطش الجيم مع كسرها في النطق- كي يقول لك الأولاد في الشوارع أنت تسأل على الراجل اللي خلفته أمه وكان عمرها 73 سنة؟ حين تجيب لهم بنعم يشيرون لمنزله ويتركونك.
في بيته الذي يعج بصور أمه فهيمة محمد راشد بنت عم فاطمة قنديل والدة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى يقابلك الابن جحا حين تحدثه عن أمه كأنك تحدثه عن شيء لم يرحل في جوانحه رغم وفاتها منذ سنوات قليلة عن عمر يناهز الـ120 عاما.
يقول جحا لـ"بوابة الأهرام": الناس لم تكن تصدق أن أمى فهيمة أنجبتنى وعمرها 73 سنة بس دى الحقيقة، أمى قصتها كانت زى الست سارة عليها السلام كان أبى يحبها كثيرا ومن أجل أن أولادها يموتون بعد عمر سنة تزوج اثنتين دفعة واحدة وأنجب منهما إخوتى غير الأشقاء وأمى لم تغر من ضرتيها وعاشت بينهما لمدة 23 سنة وخدمت في بيت زوجها وحين أكملت الخمسين وانقطعت الدورة الشهرية عنها فقدت الأمل في الإنجاب ولكن حين تعدت السبعين بثلاث سنوات عاودتها الدورة ثانية وكان ذلك كما قالت لي فى حادثة مشهورة في عائلتنا.
يضيف جحا: كان هناك عرس لأولاد عمومتنا بالغوازي والمزمار وبعد العرس بفترة اجتمعت بأبى لتكون حاملا بى ويكون حملها وإنجابها لي عام 1960 حديث الناس في القرية والقرى المجاورة وأطلقت على اسم جحا خوفا على من الموت وأطلق أبى على اسم محمد ليكون اسم أمى هو الشائع بين الناس.
يصمت ثم يسترسل: أنا كنت حلم أمى، فحين كانت تذهب للنهر لتملأ البلاص تحلم بولد والغريب أن كل أحلام أمى تحققت، حيث حلمت بولد ذكر سعيد ويحب الفرح فأتيت لها مثلما حلمت، وحلمت حين شاهدت التليفزيون أول مرة بأن يكون لي ولد ضابط في الجيش فدخل ابنى الكلية الحربية، وحلمت أن أكون لي أولاد كثيرة فأنجبت 5 أولاد ذكور و3 بنات وحلمت أن أكون صاحب مال كى أجعلها تحج لبيت الله الحرام فكنت كذلك أرسلتها لعرفات وعمرها 114 عاما وحين أراد محافظ قنا السابق اللواء عادل لبيب تكريمها وإعطاءها أموالا رفضت لأن أحلام أمى واجبة النفاذ أقمت لها فرحا في الحج كأنها رئيسة جمهورية مصر العربية وجعلت لها مكانا لائقا في منزلي حين اشتكت الحر الشديد.
يصمت ويدخلني حجرتها ويدعونى للمشاهدة: كما ترى، جعلت منزلها مكيفا فاخر الأساس وأفضل من حجرة امرأة تشغل منصب وزيرة فمن مثل أمى فهيمة يأخذه الحنين فيخرج صورتها من جلبابه أتذكر أن محافظ قنا السابق اللواء عادل لبيب أرسل مخبرين ليتأكد من صدق كلام الناس وحين تأكد من صدق الناس والواقعة حدثها عن أحلامها التي تحققت بداية من وقوفها على النهر وهى تتمنى ولدا ذكرا ونهاية بأحلامها العديدة فقال لها: "اعطنى بعض أحلامك ياجدة لكنها كانت تعيش في صمت مطبق وهو يتمنى بعض أحلامها".
يجلس جحا ويقول: في حجرتها أستريح وأتذكر أننى الطفل الوحيد فى العالم اللي كانت تربيه واحدة عجوزا لما كان عمرى 10 سنوات كان عمر أمى 83 سنة ولكن الأمان كله أمى وهى كانت رءوفة بى وحنونا حتى في موتها كانت حنونا فهي ماتت قبل عيد الأم بـ20 يوما كي لا أبكى كثيرا وكي لا أكون الابن الوحيد الذي يحتفل بذكرى أمه في أعياد الأم، تشعرني كلمته بانسجام فأنتشى طربا بكلمة الله، يسمعنى ويسترسل: أعيش في حجرتها أزين كل الحوائط بصورتها وأذهب لمدفنها بالكعك والفواكه، كثيرا ما أبكى وكثيرا أيضا أضحك لأننى أصر على أن أكون حلمها.. جحا الذي يضحك ويكون سعيدا.. جحا الذي يتذكر أمه التي أنجبته فى عمر 73 عاما والتي ربته في حجرها وهى عجوز والتي طاف بها حول الكعبة وهى 114 عاما والتي حملها على كتفه ذاهبا بها إلى مثواها الأخير وهى في عمر 120 ودي حكاية جحا وأمه العظيمة يا أستاذ.