بلغ الثقب فى طبقة الأوزون فوق الدائرة القطبية الشمالية أعلى مستوى له هذا الربيع, لا سيما بسبب استمرار وجود مواد ضارة فى الجو.
هذا التحذير الجديد أطلقته الأمم المتحدة مؤخرا حيث أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أن كمية الأوزون التى تحمى الأرض من الأشعة فوق البنفسجية تراجعت إلى معدلات قياسية فوق القطب الشمالى بسبب استمرار تواجد المواد المضرة بالأوزون فى الجو وحذرت من شتاء قارس البرودة فى الطبقة العليا من الغلاف الجوى.
وقالت المنظمة - فى بيان لها صدر منذ أيام - "إن المشاهدات التى سجلت من الأرض وبواسطة منطاد فوق المنطقة المحيطة بالقطب الشمالى, وكذلك بواسطة الأقمار الصناعية, أظهرت أن طبقة الأوزون فقدت نحو 40 % فى هذه المنطقة بين بداية فصل الشتاء وآخر شهر مارس الماضى, وأوضحت أن الرقم القياسى السابق وصل إلى 30% خلال فصل الشتاء, حيث تقوم طبقة الأوزون بحماية الأرض من الأشعة فوق البنفسجية ذات الآثار الضارة على الصحة.
والأوزون ذلك الغاز الأزرق الباهت شديد السمية, والذى يعنى اسمه "أوزون" فى اللغة اللاتينية "رائحة", وهو مركب كيميائى يتكون من اتحاد 3 ذرات أكسجين, وهو ذو رائحة مميزة رائحة البحر التى تعزى لتصاعد كميات قليلة من الأوزون, الذى تفوق سميته مركبات أول أكسيد الكربون والسيانيد.
ويتصف الأوزون بأنه يتفكك بالتسخين, وذلك عندما تتجاوز درجة الحرارة مائة درجة مئوية, كما يتصف بقابليته للذوبان فى الزيوت العطرية وبحساسيته الشديدة للصدمات والاهتزازات, كما أنه قابل للانفجار إذا وجدت معه وهو سائل بضع ذرات من الغازات العضوية.
ويمثل وجود طبقة الأوزون ضرورة لاستمرار الحياة على كوكب الأرض, حيث تمثل حزاما واقيا ودرعا حاميا من الأشعة فوق البنفسجية, كما أنها تمتص جزءا كبيرا من الإشعاعات الكهرومغناطيسية وخاصة الإشعاعات التى تتصف بطاقتها العالية التى يتراوح طول موجاتها بين 240 و320 نانومترا.
والأوزون يتم تدميره بواسطة التأثر بجزيئات مواد الكلورين, والبرومين, والهيدروجين, وأوكسيد النيتروجين, بالإضافة إلى أن بعض المواد الكيماوية الأخرى خاصة مجموعة مركبات الكلوروفلوروكاربون.
ويؤدى تناقص الأوزون إلى زيادة الأشعة فوق البنفسجية التى تؤدى بدورها إلى انتشار سرطان الجلد, ونقص المحاصيل الزراعية, وتدمير الثروة السمكية, وإصابة الثروة الحيوانية بالأمراض.
ويرجع السبب الرئيسى لإحداث ثقب الأوزون إلى تلوث البيئة بالكيماويات, وتصل هذه الكيماويات إلى منطقة الستراتوسفير عن طريق البخاخات أو الأيروسولات والطيران النفاث وإطلاق الصواريخ إلى الفضاء والتفجيرات النووية.
والأوزون الموجود فى الغلاف الجوى للأرض فى حالة توازن ديناميكى, حيث يتعرض لعمليتى البناء والهدم بصورة مستمرة ومتوازنة ومتساوية فى المقدار, وذلك فى الظروف الطبيعية, ويمثل هذا التوازن ناموسا كونيا حتى تستقر الحياة.
وقد بدأ الاهتمام الدولى بمشكلة ثقب الأوزون "أولى مراحله عام 1972" مع بدء الحوار حول طائرات الكونكورد الأسرع من الصوت, حيث يمكنها العبور فوق الأطلنطى فى ثلاث ساعات فقط, والتى تصنع احتكاكات فى الجو ينتج عنها ارتفاع درجة الحرارة ومخلفات تؤثر على طبقة الأوزون.
وبالرغم من سمية الأوزون, فإن له استخدامات عديدة فى الكثير من العمليات الصناعية التى تطبق فيها عمليات الأكسدة, كما أنه مادة مبيضة تستخدم لتبييض مختلف المركبات العضوية وخاصة الشموع والزيوت, بل ويستخدم فى إزالة الروائح الكريهة من بعض المواد الغذائية, ويستعمل فى صناعة بعض الأدوية مثل الكورتيزون.
كما يستخدم الأوزون فى تعقيم وتكرير المياه ومعالجة مياه الشرب, حيث وجد أنه أسرع من الكلور 3200 مرة فى قتل البكتريا والفيروسات, فضلا عن الفطريات والطفيليات, وبدون أى آثار جانبية, والأوزون يعد عاملا منظفا للبيئة, لكن زيادة نسبته عن الحد المسموح به تحوله إلى عنصر ضار ومتلف ومدمر لها.
وقد حصل العالم الألمانى "أوتو فاريورج" على جائزة نوبل لعامى 1931 و1944 عن أبحاثه فى الاستخدام العلاجى للأوزون خاصة فى مجال علاج السرطان, ويستخدم الأوزون
كعلاج للأعصاب وحالات ضعف الذاكرة وفتور الدورة الدموية, ويؤكد الأطباء الفرنسيون الذين يستعملون الأوزون فى الطب وعلاج الأمراض أن جرعات قليلة من الأوزون تفيد فى
تنقية الجسم من السموم وإزالة التوتر النفسى.
وقد اعترف الأطباء بالأوزون كوسيلة علاجية فى العديد من الدول الأوربية مثل إيطاليا والنمسا وفرنسا وسويسرا وإنجلترا وغيرها من الدول مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية حتى وصل إلى مصر, ويعتمد الاستخدام الطبى للأوزون على تنشيطه لخلايا الجسم الطبيعية بشكل آمن عن طريق زيادة نسبة الأكسجين المتاحة للخلايا إلى الحد الأمثل الذى يسمح بإطلاق المطلوب من الطاقة لأداء وظائفها الكاملة, ورفع درجة مناعتها لمقاومة الأمراض.
كما أنه يثبط الفيروسات والبكتريا والفطريات والخلايا السرطانية عن طريق اختراقها وأكسدتها, ونظرا لتعدد فوائده وانتشار استخدامه فى المجالات الطبية والصحية العامة, أنشىء عام 1973 الاتحاد العالمى للأوزون.
ويعتبر العالم "ماتينوس فان ماركوس" أول من اكتشف وحضر الأوزون عام 1758, ثم حضره "كريستيان سشونيين" فى عام 1860م وأطلق عليه "الأوزون", ويتم تحضير الأوزون
فى المختبر بالاعتماد على تحليل جزيئات الأكسجين باستخدام الطاقة, ويتحقق ذلك عن طريق تحرير غاز الأكسجين الجاف والمبرد حتى درجة الصفر المئوى فى جهاز خاص يسمى
"مولد الأوزون", ثم يتم إحداث تفريغ كهربائى هادىء داخل الجهاز, فيتولد بذلك غاز الأوزون.
ويتكون الأوزون بشكل طبيعى نتيجة التفريغ الكهربى الناتج عن البرق, كما يتكون من جراء النشاطات البشرية فى طبقة الستراتوسفير بواسطة التفاعلات الكيموضوئية, وطبقة الستراتوسفير إحدى أهم طبقات الغلاف الجوى, وتعرف أيضا بطبقة الأوزونوسفير لأنها غنية بغاز الأوزون, ويبلغ سمكها 40 كم.
وفى العشرة كيلومترات الأولى من هذه الطبقة, تظل درجات الحرارة ثابتة "حوالى 55 درجة مئوية تحت الصفر", ثم ترتفع درجات الحرارة تدريجيا لتصل فى نهاية الطبقة إلى حوالى مائة درجة مئوية, وذلك لوجود غاز الأوزون الذى يمتص الأشعة الحرارية ويعكس معظم الأشعة فوق البنفسجية.
وأدى انحسار طبقة الأوزون إلى تنبيه العالم بالخطر وتحذير المجتمع الدولى بضرورة اتخاذ خطوات فعالة وإجراءات عملية تحد من استخدام المواد الكيماوية التى تساعد على انحسار طبقة الأوزون, وكانت هناك استجابة لذلك من قبل فى الدول المتطورة, ولكن ذلك لم ينطبق على الدول النامية.
أما عملية استبدال تلك المواد الكيماوية, فتحتاج إلى إجراءات معقدة, كما أن لها نتائج سلبية من حيث تأثير المواد البديلة على البيئة وبالتالى لا بد من دراسة ومعرفة مدى ملاءمتها وتأثيراتها الجانبية على البيئة, كذلك تقدير تكلفتها وتأثيرها على الطاقة بكل أشكالها.
أما بداية الأزمة, انحسار الأوزون, فقد بدأت عام 1972 عندما تم إنشاء "برنامج البيئة التابع لهيئة الأمم المتحدة وذلك أثر انعقاد مؤتمر ستوكهولم حول البيئة, وعلى أثر ذلك تم نشر الوثائق الأولى التى تحذر من موضوع انحسار طبقة الأوزون, وفى عام 1985 عقد مؤتمر فيينا بغرض المتابعة والتأكيد على ضرورة حماية طبقة الأوزون.
وفى أغسطس 1987, تم الإعلان عن توقيع الدول الصناعية المهمة آنذاك على أول وثيقة لحماية الأوزون فى مونتريال - كندا وسميت الوثيقة "بروتوكول مونتريال", وقد قامت 47 دولة بالتوقيع على الوثيقة, لكن لم يبدأ بتنفيذ محتوياتها قبل فبراير عام 1989.
ونصت الوثيقة على ضرورة تخفيض استعمال المركبات المستنفذة لطبقة الأوزون, ولكن تم لاحقا توقيع 120 دولة على بروتوكول مونتريال, كما تم الإسراع فى تنفيذ التوصيات الواردة فى البروتوكول إلى الضعف, أى تم الاتفاق على أن يكون عام 1995 هو نهاية إنتاج تلك المواد واستبدالها بمواد أخرى بديلة لا تسبب انحسار طبقة الأوزون, كما أنه تم شمول مواد مثل هيدروكلوروفلوروكاربون ومواد أخرى تحتوى على الكلورين والبرومين إلى مجموعة الكيماويات التى نصت الوثيقة على منع استعمالها.
ودعم بروتوكول مونتريال الدول النامية فى جهودها للحصول على مواد بديلة وتطبيق تقنية مناسبة للحفاظ على البيئة, أما الدول التى لم تخضع لمتطلبات بروتوكول مونتريال فقد واجهت ضغوطا دولية بشأن تقليل تزويدها بالمواد الخام, والإمكانات المطلوبة فى التصنيع.
وفى عام 1995 عقد اجتماعا فى فيينا حيث تقرر الطلب من الدول الإسراع فى التخلص من المركبات التى تزيد انحسار الأوزون, وعقد عقب ذلك فى عام 1996 المؤتمر الثامن
حول الأوزون فى كوستاريكا, وكانت الغاية من المؤتمر إيجاد الدعم والتمويل المالى للدول النامية لمساعدتها فى تنفيذ مقررات مؤتمر مونتريال.
إن التفكير بما سوف تكون عليه حالة الكرة الأرضية بعد 20 -30 عاما من الآن إذا وصلت نسبة انحسار طبقة الأوزون إلى 40-50% هو كارثة, وعلى العلماء أن يقوموا بواجبهم بعمل المزيد من البحوث وتقصى الحقائق والتوقعات.
كما أن علي القادة إلزام حكوماتهم بتطبيق بروتوكول مونتريال, وعلى الدول الغنية مساعدة الدول الفقيرة بالدعم المالى والتقنى لاستبدال المواد التى تساعد على انحسار طبقة الأوزون بمواد بديلة, وعلى الدول أيضا أن تلتزم بالحفاظ على صحة الإنسان وكل الكائنات الحية على الأرض كجزء أساسى من سياسة الحفاظ على البيئة
بشكل عام.
إن موضوع الأوزون هو موضوع صراع الإنسان ضد الطبيعة وصراع الطبيعة ضد الإنسان, لكن التحذير المهم للدول لتزيد من جهودها لحل المشاكل الكثيرة للبيئة التى سوف
تواجهها أجيال المستقبل هى جزء من الحفاظ على الأمن والصحة العامة, وهو ما لا يتأتى إلا بتعاون دولى وتنمية مستمرة خاصة للدول النامية.
|