الغرفة
تأليف: رضا الهجرسى
سأترك للقارئ الحكم على صدق هذة القصة أو عدم تصديقها. ..وسأدع بطلتها تقص عليكم قصتها..
الجزء الأول
..كانت فرحة أبى وأمى كبيرة عند نجاحى بالثانوية العامة ..وأنا وحيدتهم وكل أمالهم فى الحياة ..خبت هذة الفرحة عندما القانى التنسيق الى أحدى جامعات المحافظات البعيدة.وحاول أبى أستخدام جميع معارفة لنقلى الى احدى كليات القاهرة ..فوعدوة ..ولكنهم أكدوا علية أن أذهب الى كليتى وأسجل نفسى وأحضر محاضراتى ..لحين نقلى ..وأكدوا لة ..أن الأمر لن يستغرق أكثر من أسبوع أو أسبوعين..وأعطاة أحد أصدقاءة المقربين كارت توصية الى مشرفة بيت الطالبات حتى تمنحنى غرفة بصفة مؤقتة ..وسافرنا أنا وأبى وحين قابلتنا المشرفة.. لاحظت الأمتعاض الشديد على وجهها وأعتذرت فجميع الغرف شغلت بالكامل ..وأننا اتينا متأخرين وحاول أبي فى أستماتة أن يقنعها أن أقامتى لن تزيد عن أسبوع أواسبوعين ..ولكنها أصرت ..وفوجئنا
بصوت أحدى الطالبات التى كانت واقفة خلفنا وهى تقول ..
- يا أبلة ..هناك غرفة خالية فى نهاية الممر ..
نظرت أليها المشرفة فى غضب شديد ..وصرخت فى وجهها وطلبت منها العودة الى غرفتها ..وهنا صمم أبى على الحصول على هذة الغرفة والأ سيشكوها بالوزارة ويتهمها بأنها تتصرف بالغرف وتحجزها لمعارفها ...وهنا أحسست بأستسلام المشرفة ..ولكنها نظرت فى عينى نظره أنخلع لها قلبى وسألتنى المشرفة—
- هل تصلين ..وتقرأين القران ...ورد أبى بحماس
- أن أبنتى والحمد للة لا تترك فرضا ..
مدت يدها فى أحد أدراج مكتبها وأخرجت مفتاح وناولتة بيد مرتعشة ..وأشارت ناحية غرفة فى نهاية الممر ..ومنعت أبى أن يصطحبنى حسب اللوائح التى تمنع دخول الرجال داخل الغرف ..وودعنى أبى ليلحق بالقطار..وبدأت أسير نحو غرفتى ونظرات المشرفة التى كانت تتابعنى فى أصفرار وجة ورعشة يدها تزداد كلما أقتربت خطواتى من باب غرفتى..ووضعت المفتاح بالباب ..
و أفزعنى صوت أرتطام كرسى المشرفةبألارض..وهى تقف فزعة..
تحملق بى برعب شديد فسرتة ساعتها أنه غضب من فقدها الغرفة ..وفتحت الباب ودخلت وأغلقتة خلفى خوفا من تراجعها ..
وبدأت أستكشف المكان..غرفة رائحتها كريهة لعدم تهويتها ..بها سريرين ودولاب ..و حمام داخلى ..ووضعت شنطتى على أحد الأسرة
أنخلع قلبى عندما سمعت صوتا من ناحية الحمام يقول..
- لا ..هذا سريرى ..ضعى شنطتك على السرير الأخر ..
أستدرت فزعة ..فوجدت فتاة جميله رقيقة الوجة ..جعلتنى أبتسامتها أسترد بعض هدوئى ..وتقدمت نحوى وهى ما زالت تبتسم..وفى صوت رقيق ..
- أنا زميلتك ..ألم تذكر لك الأبلة المشرفة ..أن لك زميلة بالغرفة ..
وقفت ومددت يدى لأسلم عليها ولكنها تجاهلت يدى وأعطتنى ظهرها ..وأرجعت يدى الى جانبى وقلت لنفسى أنها لم ترى يدى الممدودة أليها..وجلسنا نتعارف ونتسامر فى ود وضحك وقد أحبها قلبى بسرعة لروحها ومرحها المحبب..وبدأ النوم يداعبنى من أرهاق السفر وأغلقنا النور بعد أن ذهبت كلا منا الي سريرها ..وفورا أستغرقت فى نوم عميق ..ورأيت كابوسا مفزعا ..أوزعتة الى الأرهاق الشديد الذى تعرضت له.رأيت رفيقتى في الغرفة جالسة علي سريرها والنار مشتعلة فى سريرها تحيط بها من جميع الجوانب وهى تنظر لى و تبتسم ..قمت مفزوعة صارخه والخوف يكاد يقتلنى ..وأعتدلت فىسريرى والعرق يتصبب منى ..ونظرت فى أتجاة سرير رفيقتى فوجدتة خاليا ..وكأن أحدا لم ينم علية ..أستغفرت وقرأت بعض الأيات القرانية لأزيل هذا الكابوس البشع من نفسى ..وقمت لأجهز نفسى للذهاب الى أولى محاضراتى الجامعية ..وأقنعت نفسى أن رفيقتى بالغرفة قدغادرت مبكرة لأمرا يخصها ..وبعد أن أرتديت ملابسى وجهزت كتبى ..أتجهت ناحية الباب لأغادر ..فوجئت بطرق خفيف على الباب ..
وفتحت الباب. فوجدت أمرأة عجوز طاعنة فى السن تتحرك بصعوبة بالغة ..دخلت دون أستئذان ..وجلست على سرير الفتاة وهى تنظر ألية بحب شديد وتتحسس علية بكلتا يديها برقة ورفعت طرف الملاءة وأخذت تشمة بأنفاس عميقة وهى تغمض عينيها ..وفجأة نظرت فى أتجاهى بود شديد وطيبة..وبصوت مرتجف
- أطمئنى ..يا أبنتى ..أنا أم رفيقتك ..هل رأيتها ..هل تكلمتى معها ..
وفى ود شديد رددت على سؤالها لأطمئنها على أبنتها .
- نعم رأيتها وتكلمت معها وهى بخير أطمئنى يا أمى..
وقفت بصعوبة ..وأتجهت نحوى وأحتضنتنى وأخذت تشمنى وكأنها تبحث عن رائحة أبنتها ..ثم نظرت فى عينى برجاء شديد..
- أذا رأيتها مرة أخرى ..أستحلفك باللة ..أن تقولى لها ..أن أمها لا ذنب لها..وأنها لم تكن تدرى أن زوج أمها الفاجر كان يعتدى عليها
- وأن موتها قد هد حياتى.. وجعلنى أعيش كالموتى..
وقفت فزعة وجسدى يرتعد والخوف يكاد يخرس لسانى ...
- ماذا تقولين أيتها العجوز المخرفة ..موت من ..وأقول لمن ..
- ألم تذكر لك المشرفة ..أن أبنتى قد أشعلت النار فى جسدها وماتت محترقة .. على هذا السرير ..وفى هذة الغرفة ...
لم أرد عليها ..تركت كل شئ وخرجت مسرعة..وقدماى تصطدمان ببعضهما ..تكاد لا تحملانى..وجسدى يرتجف..وأخذت أجرى وقلبى يكاد ينخلع من صدرى رعبا ..
فى أتجاة محطة القطار ..
الجزء الثاني
الغرفة
________
ما زالت الفتاة تواصل سردها لأحداث حكايتها الغريبة على مسامعى ..وأنا ما زلت أعتقد أنها خيال فتاة .. تمر بفترة المراهقة المتأخرة تبيت لأول مرة فى حياتها فى مكان غريب عليها وتحرم من أحضان أمها الدافئة وحماية أبيها والأمان التى تشعر بة فى وجودهم .. دعونا من معتقداتى التى هزتها بشدة قصة هذة الفتاة ومقاومة عقلى المستميتة فى عدم تصديقها ..ولنسمع باقى قصتها ..
- عندما فتحت لى أمى الباب ..أرتميت فى أحضانها وشعرت أمى بى وصرخت عندما وجدتنى أرتعد وجسدى ينتفضد بشدة بين يديها ورفعت رأسى بين يديها ..وتكررت صرختها عندما رأت أصفرار وجهى ..وكادت أن تفقد وعيها فزعا ..عندما رأت خصلات الشعر الأبيض ..وقد تخللت شعرى الأسود كسواد الليل ..وكما نقولها بالبلدى.. شعرى طقطق...وهنا قاطعتها ورفعت نظرى الى شعرها ..وأنقبض قلبى وبدأت أشعر بخوف شديد تسلل بداخلى وبدأت أفكارى ترتبك ..عندما رأيت خصلات الشعر الأ بيض المنتشرة فى شعرها الأسود الداكن ..فمن المؤكد ان الفتاة تعرضت لفزع رهيب ..هدأتها وقلت لها وأنا أبتسم أبتسامة كاذبة ..
- اهدأى يا أبنتى فأنا أعرف باقى ما حدث لك من غياب عن الوعى ..ودخولك مستشفى الأمراض النفسية والعصبيه ..وتناولك المستمر للمهدئات ..فحاولى أن تنسى وتواصلى حياتك كأن شيئا لم يحدث ..فهزت رأسها بالموافقة فهى تعتبرنى فى منزلة أبيها ..وترتاح فى مناقشة الأ مور الأدبية معى..وهنا دخل أبوها
- هه أرتحتى لما حكتيلة ..ما أنت المنافس بتاعى ..فرددت علية ضاحكا..
- أنت بتغير منى ولا أية ..وضحكنا جميعا وشاركتنا الضحك ..حتى أقتحمت علينا أمها وعلامات الأستغراب بادية على وجهها ..وهى تقول ..
- فية أتنين ستات جايين يزوروكى ..تساءل الأب..
- من الجيران ..
- لا ..مش م الجيران ..دى أول مرة أشوفهم ..
- طب ..دخليهم ..يمكن جيران ..جايين يقوموا بالواجب ..فزيارة المريض ..صدقة ..وجايز جيران جداد دخليهم..خرجت وسمعت عبارات الترحيب من الأم وهم يقتربون من باب الغرفة ..
دخلت سيدتان تسند أحداهما الأخرى من يدها حتى لا تقع فهى تتحرك بصعوبة بالغة ..ساعدت الأم فى أجلاسها وجلست الأخرى بجانبها تمسح وجهها بمنديل ..وكانت تتنفس بصعوبة ترمى وجهها للخلف فى محاولة لألتقاط أنفاسها ..وعندما رفعت رأسها ونظرت فى أتجاة الفتاة فى حب ورجاء ..وتلاقت أعينهما ..فوجئنا جميعا ..بصراخ الفتاة المتواصل ووضعت وجهها فى صدر أبيها وقبضت على يدى وأخذت تضغط عليها بقوة وهى تواصل الصراخ ..وهى تردد ..
- أبعدوها عنى ..أبعدوها عنى ..هى ..هى ..أبعدوها ..
- كادت أصابع يدى تتكسر من ضغطها الشديد عليها ..ونقلت الخوف والرعب الذى شعرت بة الى من خلال أصابعها الضاغطة ..وأخذ أبيها يربت عليها لتهدئتها ..وأتجهت الأم الى المرأتين غاضبة ..
- أنتوا مين ..وعايزين أية من بنتى ..
فوجئنا جميعا بالمرأة العجوز تخطف يد الأم وتقبلها والدموع تنهمر من عينيها بغزارة ..وهى تستعطفها ..
- عايزاها تسمعنى ..أبوس أيدك ..خليها تسمعنى .. ردت الأم فى غضب .
- أنتى مش شايفة حالتها بقت أزاى لما شفتك ..تسمعك أزاى وهى فى الحالة دى ..أنتوا أكيد مجانين ..وأتفضلوا أطلعوا برة ..أنتوا ضيعتوا علاج شهر كامل ..وأخذت الأم تدفعهم بقسوة ليغادروا ..وفجأة أحسست بيد الفتاة التى كادت تعصر يدى ترتخى ..وتترك حضن أبيها ..وتقف وتتجة ناحية المرأة العجوز وأختها ..وقد أرتسمت على وجهها أبتسامة خفيفة وتحركت وكأنها منومة مغناطيسيا ..وبكل الود والحب أخذت المرأة العجوز فى أحضانها وأخذت المرأة تتشممها في حب ثم أحتضنت أختها فى حب وعادت وجلست بجانبنا وقد عاد الدم الى وجهها وعادت أشراقتة مع أبتسامة ودودة للمرأتين ...أرتمت أمها فى ذهول على أقرب كرسى ..وجلست المرأتان وهم يتبادلون مع الفتاة نظرات كلها ود وحب ..وأنا وأبيها نفغر أفواهنا فى ذهول تام ونجلس دون حراك ..
وفجأتنا الفتاة بموافقتها على السفر ودخول الغرفة ..وبعد مجادلات ورفض من الأب والأم ..وبالطبع منى ..صممت الفتاة وأصرت أصرارا غريبا على السفرودخول الغرفة ..أنصاعت الأم خوفا أن تنتكس حالتها وأصرت على السفر معها ورضخ الأب ..رغم محاولاتى المستميتة معة ليرفض ..وتركتهم وأنا فى حالة من الغضب والأرتباك الشديد فى معتقداتى وأيمانى بعدم وجود عالم ما وراء الطبيعة ..وأن هناك عالم أخر يشاركنا أرضنا...ومر شهران وأنا أعيش فى هذة المتاهة والأرتباك الذى حدث فى عقلى ومعتقداتى ..وأقاوم فضولى أن أذهب الى صديقى و أسرتة لأعرف ماذا حدث..أنتابتنى الكوابيس من منامى ..أهملت عملى ..وقررت المواجهة لأعرف الحقيقة مهما كان تأثيرها على حياتى الفكرية ..قادتنى قدمان مترددتان فى الذهاب ..أقدم قدم وأرجع الأخرى ..وفجأة وجدتنى وجها لوجة مع الفتاة ..ونظرت الى وجهها وقد أرتدت الية نضارتة وشبابة . وأبتسامتة الرقيقة ..وفوجئت .بها وعلامات التعجب على وجهها..
- مالك يا عمى أنت عيان ..وشك مصفر ..وخاسس قوى ..وأية السواد اللى حوالين عينيك دة ..
وظهر أبيها وأمها وهم يلقون بعبارات الترحيب ..ولكنهم يسألون نفس السؤال ..مالك أنت عيان..وصرخت فيهم وأنا أكاد أبكى ..
-أنتوا اللى عملتوا فية كدة ..وأنا لازم أعرف أية اللى حصل ..مش عارف أعيش ..ولا أنام ..ولا أفكر..
أبتسموا جميعا وهدأونى ..وبدأت الفتاة تكمل قصتها..منذ شعرت بنسمة على وجهها ..تنفستها بعمق وتغير أحساسها تماما من الرعب الشديد الى شعور بالهدوء والسكينة ..وأنها تعرف هاتين المرأتين منذ ولادتها .ووافقت على السفر ..وعلمت من الأم وأختها ..أنهم أتهموا زوج الأم فى النيابة بأنة هو الذى أعتدى عليها بعد أن أثبت تشريح جثتها بأنها كانت تحمل جنينا وفى شهرها الثانى ..وبرأتة النيابة لعدم ثبوت الأدلة ..
وأن روح الفتاة لن تصعد الى بارئها ..الا بعد الأخذ بثأرها وعقاب الجانى على فعلتة البشعة ..وأن فتاة الغرفة لم تظهر لأحد قبلها أو تكلمة ..والفتيات السابقات لها فى الغرفة ..كانت تشعل النار فى ملابسهم ..حتى يتركوا الغرفة ..
والأم متأكدة أنها ستكشف لى عن الجانى ..وأننى الوحيدة القادرة على أن أهدى روحها الى طريق الخلاص ..
وصلنا الى سكن الطالبات ..والعجيب.. بأننى لم أشعر بأى خوف أو تردد ..بل أنتابنى شعور باللهفة على لقائها ..وتناولت المفتاح من يد المشرفة المرتعشة ..بيد ثابتة ..وهنا سمعت صوت المؤذن يؤذن لصلاة العشاء مما زاد الطمأنينة والسكون لروحى ..وأتجهت بخطوات ثابتة الى الغرفة وفتحت باب الغرفة ..ثم أغلقته خلفى ...
.ووجدتها جالسة على سريرها وكأنها كانت فى أنتظارى ..وعلى وجهها نفس الأبتسامة التى أستقبلتنى بها أول مرة ..وجلست على سريرى أبادلها نفس الأبتسامة ..كالمرة السابقة ..وأخذنا نتبادل الحديث الودى ..
- وفجأة ..تغيرت ملامح وجهها وصرخت ..وهى تختفى تدريجيا
- زوج أمى برئ ..أنة زوج خالتى ..
ووجدت نفسى وحيدة فى الغرفة ..وأخذت أبحث عنها فى أرجاء الغرفة ولكنها أختفت تماما ..حتى رائحة هواء الغرفة تغير فى أنفى ..فتيقنت أن روحها قد صعدت الى بارئها بعد أن حملتنى أمانتها الثقيلة..
ووقعت فى حيرة شديدة فخالتها التى ساهمت فى تربيتها ..ماذا سيحدث لها بعد أن تعرف الحقيقة ..وماذا سيحدث بينها وبين أختها وهى التى كانت تأتمنها على أبنتها وتتركها تبيت عندها ..كأم ثانية لها ..وقررت أن أخفى الحقيقة ..فضررها أكثر من فائدتها ..وخرجت وأنا مصممة على أخفاء الحقيقة ..وعندما خرجت ..سألتنى أمها بلهفة ..
- قابلتيها يا بنتى ..قالت لك مين المجرم اللى عمل فيها كدة ..
ونظرت الى خالتها وهى الأخرى تسألنى بألحاح ..
- أبوس أيدك ..يا بنتى ريحينا وقوليلنا الحقيقة مهما كانت مرة..
وكنت مصممة على أخفاء الحقيقة ..وعندما نطقت وجدتنى أنطق بالحقيقة دون أى أرادة منى..أو تعمد..
- اللى عمل كدة ..جوز خالتها ...
ولا أدرى بعد ذلك ماذا حدث بينهما.. وعدت انا وأمى وأبى ..دون أن ننتظر لنرى ماذا سيحدث بين الأختين وزوج الخالة ...
بعد أن أنهت قصتها وعلى وجهها تلك الأبتسامة البريئة .. خرجت مهرولا تاركا... هذا المكان قبل أن ..أجن ...
( النهاية )