جبريل عليه السلام الملك المقرب من الله عز وجل ، هو الرسول بين الله ورسله عليهم الصلاة والسلام ، قال الشيخ حافظ الحكمي [1]رحمه الله في معرض حديثه عن الملائكة ( فمنهم الموكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله عليهم الصلاة والسلام وهو الروح الأمين جبريل عليه السلام ) وقد نقل الإمام ابن القيم رحمه الله [2] عن بعض السلف أن ( منزلته من ربه منزلة الحاجب من الملك ).
أما معنى كلمة جبريل فهي كقولك عبد الله ، أخرج البخاري[3]عن عكرمة رحمه الله قال: جبر وميك و سراف : عبد ، ايل الله
نص كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على جملة من صفات جبريل عليه السلام ، إلى القارئ الكريم جملة منها ..
1- أنه مخلوق من نور.
جبريل عليه السلام كسائر الملائكة مخلوق من نور كما جاء في صحيح مسلم[1] من حديث عائشة رضي الله عنها قول النبي صلى الله عليه وسلم ( خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم ) .
2- من صفاته عليه السلام القوة.
ولقد ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ذكر شيء من صفة خلقه عليه السلام.
فوصفه ربه سبحانه وتعالى بالقوة قال تعالى(ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (التكوير:20)
وقال تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى،ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) (النجم:5-6)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعليقاً على آية النجم( (ذُو مِرَّةٍ ) أي ذو قوة قاله مجاهد والحسن وابن زيد وقال ابن عباس ذو منظر حسن وقال قتادة ذو خلق طويل حسن ولا منافاة بين القولين فإنه عليه السلام ذو منظر حسن وقوة شديدة ).
ونقل القرطبي رحمه الله في تفسيره[2] عن الكلبي رحمه الله ( وكان من شدة جبريل عليه السلام أنه اقتلع مدائن قوم لوط من الأرض السفلى فحملها على جناحه حتى رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نبح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها......) ثم ساق رحمه الله قصصاً تدل على شدة جبريل عليه السلام وقوته لا تعدو عن أن تكون من الإسرائيليات.
وجاء في البداية والنهاية للإمام ابن كثير رحمه الله قوله[3] ( وقد ورد في صفة جبريل عليه السلام أمر عظيم قال الله تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (النجم:5) قالوا كان من شدة قوته أنه رفع مدائن قوم لوط وكن سبعاً بمن فيها من الأمم وكانوا قريباً من أربعمائة ألف وما معهم من الدواب والحيوان وما لتلك المدن من الأراضي والمعتملات والعمارات وغير ذلك رفع ذلك كله على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب وصياح ديكتهم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها فهذا هو شديد القوى .
3- حسن الخلق وبهاء المنظر .
وقوله( ذُو مِرَّةٍ) (النجم:6) أي خلق حسن وبهاء وسناء كما قال في الآية الأخرى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) أي جبريل رسول من الله كريم أي حسن المنظر البداية ذي قوة أي له قوة وبأس شديد عند ذي العرش مكين أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله ذي العرش المجيد (مطاع ثم) أي مطاع في الملأ الأعلى أمين أي ذي أمانة عظيمة ولهذا كان هو السفير بين الله وبين أنبيائه عليهم السلام الذي ينزل عليهم بالوحي فيه الأخبار الصادقة والشرائع العادلة.
4- عظم خلقه عليه السلام .
ذكر الامام ابن جرير رحمه الله في تفسيره[4] - بسنده – عن عبد الله ما كذب الفؤاد ما رأى قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملأ مابين السماء والأرض إسناد جيد قوي
وفي الصحيحين من حديث عامر الشعبي عن مسروق قال: كنت عند عائشة فقلت أليس الله يقول (ولقد رآه بالأفق المبين) ، (ولقد رآه نزلة أخرى) فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: إنما ذلك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين رآه منهبطاً من السماء إلى الأرض ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض).
5- له ستمائة جناح.
وقد كان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزل عليه في صفات متعددة كما قدمنا وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين له ستمائة جناح كما روى البخاري عن طلق بن غنام عن زائدة الشيباني قال سألت زرا عن قوله (فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال حدثنا عبد الله يعني ابن مسعود أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح .
( وقال الإمام أحمد - ثم ساق السند - عن عبد الله قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق يسقط من جناحه التهاويل من الدر والياقوت ما الله به عليم.
وقال أحمد أيضاً - ثم ساق السند – عن ابن مسعود في هذه الآية( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتشر من ريشه التهاويل الدر والياقوت .
وقال أحمد - ثم ساق السند – عن ابن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جبريل على السدرة المنتهى وله ستمائة جناح، وهذه أسانيد جيدة قوية انفرد بها أحمد
وقال أحمد - ثم ساق السند – عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل في خضر تعلق به الدر إسناده صحيح ) [5] .
هذه صفة جبريل عليه السلام كما جاءت في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن هذه العظمة والقوة التي اتصف بها جبريل عليه السلام لتدل دلالة أكيدة على عظمة من خلقه سبحانه وتعالى .
ثم من جهة أخرى تجد أن هذا الملك الكريم القوي الشديد يراه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء حينما مر بالملأ الأعلى ويجده كالحلس البالي[6]من خشية الله[7]، وزاد الطبراني في بعض طرقه فعرفت فضل علمه بالله علي. قال الإمام المناوي رحمه الله[8]( شبهه به لرؤيته لاصقاً بما لطى به من هيبته الله تعالى وشدة فرقه منه و الخشية التي تلبس بها هي التي ترقيه في مدارج التبجيل والتعظيم حتى دعي في التنزيل بالرسول الكريم وعلى قدر خوف العبد من الرب يكون قربه) .
وفي ذلك اشارة لنا للتعرف لله سبحانه وتعالى وخشيته والخوف منه جل جلاله فهل تفطنا لذلك .
[1] [4/2294]
[2] تفسير ابن كثير [ 4/248]
[3] البداية والنهاية [1/44-45]
[4] 27/49
[5] البداية والنهاية 1/ 44
[6] كساء رقيق يبسط على الأرض أو على ظهر البعير
[7] الحديث في صحيح الجامع [ 2/1021]
[8] فيض القدير [5/520]
[1] معارج القبول [ 2/658]
[2] إغاثة الهفان [2/136]
[3] صحيح البخاري [4/1628]