وفي خبر آخر أن 5 آلاف عامل سعودي عاطلين عن العمل يتنافسون على 54 وظيفة في ميناء الملك عبد العزيز في الدمام، شرق المملكة.
فلماذا لم تخصص الجزيرة نشرات أخبارها ومساحاتها التحليلية للحديث عن انتحار 57 عاملا مصريا أو تخلي المؤسسات عن آلاف العاملين؟ ولماذا لم تتساءل الجزيرة مثلا: كيف يصطف 5 آلاف في بلد النفط والإمكانيات الهائلة من أجل 54 وظيفة؟ لماذا لا تقيم ملفات وبرامج للحديث عن واقع العمالة الكارثي في بعض دول النفط؟
واضح إذن أن القضية أكبر من تغطية حدث محلي عابر، وأكبر من بحث يومي في ما وراء الخبر، وإلا ما سمحت الجزيرة لنفسها، في أكثر من مشهد، أن تتخطى أخلاقيات المهنة وميثاق الشرف، وهي مسائل بنت عليها شهرتها عربيا، وتصورنا كإعلاميين أنها ستكون بداية لعصر إعلامي فضائي عربي جديد يتجاوز إعلام الشتائم وتصفية الحسابات إلى البحث عن نقاط الضوء وعلامات النجاح وإبرازها والتشجيع على الاقتداء بها.
لكن الجزيرة صدمتنا وآلمتنا كإعلاميين عرب نناضل من أجل تقدم هذه الأمة حين عملت بحماس غريب على امتداح المشاريع الفاشلة والتسويق لها، وتصفية الحساب مع التجارب الناجحة، وبالذات التجربة التونسية التي وصفها الكثير من الخبراء والشخصيات السياسية والاقتصادية العالمية بالمعجزة، وتأتي التقارير الاقتصادية والاجتماعية الدولية المختصة لتضع تونس في أفضل المراتب عربيا وأفريقيا من حيث جودة الحياة، وتنافسية الاقتصاد، والشفافية والنزاهة، والاستقرار وكبلد يطيب فيه العيش.
لماذا تتعمد "الجزيرة" تجاهل النجاحات اللافتة لهذا البلد العربي الذي لا يمتلك غازا ولا نفطا، وتصر على تضخيم التفاصيل الصغيرة التي تحدث فيه مثلما تحدث في أي بلد في العالم؟
التونسيون يقولون إن المسألة وراءها حكايات أخرى بعيدة كل البعد عن الإعلام وحقوق الإنسان، فهناك أطراف مهيمنة داخل إدارة تحرير الجزيرة تكره تونس لأنها لم تستسغ أبدا أن يمثل البلد الصغير جغرافيا والفقير إلى الثروات الطبيعية الاستثناء ويحقق ما عجزت عنه أموال النفط والغاز..
كانت تلك الأطراف تنتظر أن يعيش هذا البلد على انتظار الهبات والمساعدات المتبوعة بالمنّ والشفقة، لكنه خلق من الضعف قوة وراهن على الإنسان وصرف ميزانياته على التعليم والصحة والزراعة والسياحة ونجح في أن يحقق نموذجا تنمويا يستجيب لحاجيات شعبه وخاصة توفير مواطن العمل لأبنائه خريجي مختلف مستويات التعليم بما في ذلك التعليم الجامعي.
والتونسيون جميعا يعرفون أن الحكومة تبذل قصارى الجهد لتوفير آلاف مواطن العمل سنويا وتُغري القطاع الخاص بالامتيازات ليستقطب الخريجين الجدد ويوظفهم، والخطاب الرسمي التونسي يضع قضية البطالة في صدارة الاهتمامات.
وقد ذكر مؤسس صحيفة "العرب" الحاج أحمد الصالحين الهوني، رحمه الله، في أحد افتتاحياته "7/11/1995" أن الرئيس زين العابدين بن علي صرح له في أحد اللقاءات بأنه "لا ينام ما دام هناك تونسي يبحث عن عمل"، وهو تصريح تؤكده الوقائع والتقارير ويلمسه التونسيون والوافدون إلى البلاد على حد السواء، فخطابات الرئيس التونسي لا تخلو من حديث عن الشغل والبرامج والخطط الخاصة به.
ورغم أنها حققت خطوات كبيرة ولافتة في محاصرة البطالة وتخفيض نسبتها، فإن تونس تعترف بأن ما زال لديها الكثير لتفعله في هذا الملف خاصة مع الأعداد الكثيرة التي تدفع بها الجامعات والمعاهد المختصة إلى سوق العمل سنويا، تماما مثل غيرها من البلدان سواء أكانت متقدمة أو في طريق النمو.
ويقول التونسيون، أيضا، إن بعض الأطراف السلفية المتشددة النافذة في قناة الجزيرة تحقد على تونس لأنها اختارت بوعي أن تنحاز لتيار الإصلاح والاجتهاد الذي يجعل الإسلام داعما للتقدم والتطور، ومن ثمة تبنت مجلة الأحوال الشخصية التي قطعت مع استعباد المرأة وإذلالها وتغييب دورها في التنمية والبناء.
وتدعو المرأة في الكثير من الأقطار العربية الآن إلى الاقتداء بما وصلت إليه المرأة التونسية بفضل هذه الرؤية التنويرية لدور الدين.
وهي رؤية تمرّدت عليهم وهدمت سلطاتهم حين نجحت في إخراج المرأة من عباءة فقه التسلّط والتملّك وعقلية الحريم وجعلتها طرفا فاعلا ومنتجا وشريكا متكافئا مع الرجل في مهمة البناء الحضاري.
هذه الأجندة المفضوحة تحاول أن توهم الناس بأنها أجندة قطرية وتوظف هذه الدولة لخدمة أغراضها الاستراتيجية، مع أن قطر تقيم علاقات اقتصادية قوية مع غالبية الدول العربية ومنها تونس، وقد أمضى البلدان منذ أيام الكثير من الاتفاقيات ذات الصبغة الاقتصادية والسياحية.