ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله!
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}. قال القرطبي: هذا حض على الجهاد، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه، واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس. أجل، أيها المسلمون، وإن كان في ذلك تلف النفوس، فما بقاء النفوس إذا سكتت عن وقوع المستضعفين تحت سطوة المجرمين؟ ولا سلمت تلك النفوس التي ترى قتل المستضعفين من الرجال والولدان، واغتصاب النساء الحرائر، ولا تحرك ساكنا. ولا نامت أعين الجبناء الذين يقدرون على نصرة إخوانهم في الدين ولم يفعلوا، فسيأتيهم الدور وسيقولون: أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.
ليس النظام السوري بدعا من الأنظمة الطاغوتية القائمة في العالم الإسلامي، فهو مثلهم ولربما كان الأسوأ حتى اليوم في مشهد الثورات والانتفاضات التي تنشد التغيير وتريد إسقاط الأنظمة، بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى. عقودٌ من الظلم الفاضح، والقتل المستحر، ونهب الأموال على نحو غير مسبوق، وخيانة الأمة، ومولاة الكفار، وقتل الأخيار وحبس الأغيار والتنكيل بهم. عقودٌ طويلة، والشعب يريد إسقاط الأنظمة، ولكنه مستضعف لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا. ولكنه اليوم وجد حيلة التمرد وعصيان الأوامر والخروج إلى الشوارع والصعدات، وتجرأ على سَجّانه، وهتف بإسقاطه، وطالب بتغييره. وهو ما لم يكن في حسبان الأنظمة التي بلغت درجة الفرعونية القصوى، {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
لقد جن جنون الحكام لما رأوا الناس في الشوارع يهتفون بإسقاطهم، وفقدوا توازنهم وانهارت أعصابهم، فأصدروا الأوامر بقتل الناس، واعتقالهم وتعذيبهم، وتقييد إيديهم خلف ظهورهم، ورميهم في البطحاء على وجوههم، والدوس على ظهورهم ورؤوسهم بالأحذية وضربهم بأعقاب البنادق، وترك الجرحى منهم ينزفون حتى الموت، ومداهمة سيارة الإسعاف وقتل من فيها، والدخول إلى المستشفيات واختطاف الجرحى وإعدامهم بدم بارد، وغير ذلك من أساليب الإجرام الفرعونية الرهيبة. ولم لا؟ وهم يعتبرون الناس جرذانا، ويصفون المتظاهرين بالمندسين والخونة والخارجين والدخلاء والمأجورين وغير ذلك من الاتهامات العارية تماما عن أي دليل أو شبهة دليل. وتارة يقولون بوجود تمرد مسلح تقوم به مجموعات مسلحة لتنظيمات سلفية تحت شعار الجهاد مطالبين بإقامة إمارات إسلامية ووصفهم بـ"الإرهابيين" كي يبرروا قيامهم بالمجازر المتتابعة، وقصف الآمنين بالأسلحة الثقيلة التي كنا نعتقد أن الأنظمة قد اشترتها بأموالنا لتدك معاقل العدو وحصونه، وإذا بها تدك بيوتنا وقرانا ومدننا.
لقد حسم حكامنا أمرهم، وقرروا قتلنا وكسر إرادتنا، فقامت وحدات من جيوشهم بهذه المهمات القذرة، بعد قطع الماء والكهرباء والاتصالات عن الناس، واقتحموا التجمعات البشرية والسكنية، وتمركز قناصتهم فوق أسطح البنايات العالية لإطلاق النار على أي شيء يتحرك. وأضافوا إلى جرائمهم جريمة أبشع، وهي إطلاق النار على العسكريين الذين يرفضون أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، فقتل في ليبيا أعداد لا يعلمها إلا الله، ونقلت بعض الأخبار أن عدد الذين قتلهم الجيش السوري من هذه الفئة من العسكريين قد زاد عن الألف. وحيال هذا المشهد الدموي المعقد، فإن أنظمة الحكم الطاغوتية القائمة في العالم الإسلامي قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها عدوة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأنهم يريدون أن يتخذوا جيوشنا أداةً لقمعنا، بعد أن زعموا أنها تحمي الشعب، وأن الجيش هو سياجه! لقد كذبت الأنظمة علينا وعلى الجيوش، وأضعفت تسليحها وأنشأت منها قوات خاصة وحرسا ملكيا أو جمهوريا، وشكّلت منهما قوى ضاربة لحماية النظام من أي محاولات انقلابية لاستلام الحكم قد يقوم بها الجيش نفسه، ونشرت الأجهزة الأمنية القمعية لإحصاء أنفاس الجيش تماماً كما تحصي أنفاس الناس. فالآن عرفنا مهمة الجيوش الحقيقية في نظر الحكام، فحسبنا الله ونعم الوكيل. ولقد عبر الشاعر معتصم الحريري عن مكنونات ما يدور في خلد الناس في قصيدته التي قال فيها: (إفعل ما شئت فلن أهدأ، أوقدت النار ولن تطفأ، لن أخشى ظلمك بعد اليوم، وبكل وعيدك لن أعبأ، لن أترك خوفك يملكني، ونباح كلابك ترهبني، أبواقك من عقلي تهزأ. ولمَ سأخافك؟ مخلوق لا يملك من أمري شيئا، وكلانا للموت يُهيأ، فاعذرني قد مل فؤادي من رؤية وجهك ترأسني، وتصادر أحلام بلادي، وعلى تاريخي تتجرأ. من غدر عيونك تسرقني، وتقول بأنك وطني، والوطن المسكين تجزأ، من مكرك حين تراوغني، من سوف، سنصلح، وسنبدأ! من بطش وحوشك ترسلها، كي تقتل أطفالي ليلا، لينام صغيرك وليهنأ. تنذرني الفوضى، ما الفوضى إلّاك وبعض زبانية بمصائر شعبي لا تربأ، تاجرت بعاطفتي زمنا، كل الأعداء تحيط بنا، وأنا صدقت، ولكني من رؤية أمنك يرفسهم شهداءً، أبصرت عدوي، وعرفت بأنك مثلهم، بل إنك بينهم الأسوأ. مَن أخطر ذئب مقتنص، أم راع في طبع ذئاب؟ ما يصنع شعب بينهما، وإذا ما ضيم لمن يلجأ؟ فارحل، قد فاضت آلامي، من ظلمك ضاقت أيامي، دع وطني ينعم بسلام، وجراح الناس به تبرأ).
في جمعة التحدي لحاكم سوريا، وجمعة الغضب على حاكم ليبيا، وجمعة التغيير الحقيقي لأنظمة الجور في تونس ومصر، وفي جمعة المطالبة بإسقاط أنظمة الحكم الطاغوتية في الأردن والجزائر وغيرها من بلاد المسلمين، وفي جمعة الحقد على حاكم باكستان الغادر النذل، والذي مهد الطريق لقتل شيخ المجاهدين وهو في جواره – وبئس الجوار – فجوار الله أعز وأكرم، وفي جمعة رحيل حاكم اليمن الذي لا يقل نذالة وخسة عن حاكم الباكستان، وفي جمعة الاحتجاج على تعطيل شرع الله والحكم بما أنزل، وفي جمعة الوعيد والتهديد لهؤلاء الحكام وأعوانهم من غضب الله عليهم، وفي جمعة الإنذار لهم بأن الشعب سيسقطهم وسيحاكمهم وسيقتلهم قتل عاد وإرم، وفي جمعة الرضى بقضاء الله وقدره والتوكل عليه، وفي جمعة الثقة بنصر الله وتحقيق وعده، وفي جمعة السرور بنهضة أمتنا من كبوتها، وفي جمعة الأمل بإقامة حكم الله على أنقاض عروش الحكام الطواغيت وأنظمتهم، وفي جمعة البشرى بسقوط الرأسمالية وباقي أنظمة الكفر، وفي جمعة الشوق إلى اليوم الذي يصل فيه الإسلام إلى البيتين الأبيض والأحمر، ليثأر من أصحابهما لمقتل أبطالنا ومجاهدينا، وفي جمعة الرحيل، وفي جمعة الكرامة، والعزة، والشموخ نقول للمسلمين: إن بلاد المسلمين تئن تحت وطأة هذه الأنظمة الطاغوتية التي أينعت وحان قطافها بهدمها وإزالة آثار وجودها وأسباب قيامها.