حلم ؟! .. أم أمل ؟! .. أم واقع ؟!!
في يوم مشمس من الايام الاوائل لي بالجامعة اصابتني الدهشة عندما رأيت في حديقة الكلية وردة " بنفسجية " غاية في الروعة سحرني لونها و شذاها و كل ما فيها خطف نظري إليها بقوة فصرت في غير وعيي من روعة المنظر فاقتربت رويدا ً نحوها و قد ارتسمت بسمة خفيفة علي شفتاي و حملقة بسيطة من عيناي حتي وقفت أمامها و انحنيت علي ركبتي و دققت النظر فيها و مددت يدي نحوها و فجأة انتفض جسدي اذ انجرحت من أشواكها فنظرت إلي جانبي فوجدت لافته ( رجاءً ممنوع اللمس ) ثم نظرت إلي الساعة فوجدت نفسي و قد تأخرت عن ميعاد أحد المحاضرات فسرت نحو المدرج و انا أنظر خلفي لا استطيع أن احرك عيناي عنها فعلمتني أول درس و هو أن الحب أعمي . و لم تفت الفرصة في يوم من الايام إلا أن أمر أمامها و أنظر إليها خلسة أرسل لها من بعيد رسائل مفقودة فيكاد شغفي إليها أن يفضحني كلما أنظر إليها أتعلم درسا ً جديدا ً .. سيطرت عليَّ سيطرة لا تصدق وازدحمت مشاعري فضلا ً إلي أني لم اهتم ابدا ً بالورد و الازهار من قبل و عندما جلست إلي اصحابي في أحد الليالي جذب انتباهي حديثهم عن الورد فقال أحدهم :" الورد أجمل مخلوق ممكن تشوفه في الدنيا بيعمل راحة نفسية و تهذيب للنفس و الروح و منظره كله طهر و جمال " ، فسألته : " زرعت ورد قبل كدة ؟ " ، قال : " لا لكن قريت عنه في كتب كتير " ، فسألته: " و قريت ايه بقي ؟ " ، قال : " ان الورد هو الطبيعة الصامتة النابضة بكل الوان الحياة " ، فتراجعت بظهري إلي الوراء و سكت هنيهة أخذ شهيقا ً عميقا ً و قلت : " بالظبط كدة ". ثم قال أخر : " انا بقي نفسي ازرع وردة في يوم من الايام بس مش لاقي وردة مناسبة و بدور علي وردة مناسبة لغاية دلوقتي لكن مش لاقي ". فقاطعنا ثالث و قال: " كل ده كلام فارغ و تافه كمان انا شوفت ورد كتير و ما حسيتش باي نبض و الكلام اللي بتقوله ده انتو دماغكو فاضية " ، فنظرت اليه و قلت : " انت زرعت ورد قبل كدة ؟ " ، قال : " ايوة و اكتر من مرة كمان " ، قلت : " و حسيت بايه بقي ؟ " ، قال : " و لا اي حاجة مجرد اني اقطفها و اشمها شوية و ارميها و ازرع غيرها لكن طبيعة ايه و صامته ايه " ، فقلت : " امممم .. معلش ... اصلي احساس الفنان يختلف عن احساس الحيوان " ، فنظرنا إلي بعضنا و اخذنا في الضحك و انهينا ليلتنا بتلك الدعابة و ذهب كل حي لحال سبيله لكنها كانت ليلة شاقة شابها الارق و انشغال البال و الأسي فقد لاحظت من حديث اصحابي أن الورد أصبح مُرتَزَقة يرتزق منه المرتزقون لا منحة يمنحها المحبون .
خرجت من غرفتي في مساء اليوم فوجدت أمي و قد انتهت من صلاة العشاء و بعد أن قبلت يداها تحدثت معاها بشأن وردتي و قلت دلّيني يا أمي فقد ضاق صدري ما زلت طفلا ً صغيرا ً تحركه مشاعره دون النظر لخطأ أو صواب اريد وردة اريدها بقوة و لا اريد وردة غير تلك الوردة مهما كلفني الامر و مهما كان الثمن فقالت : حلم و أمل و واقع فسألتها ما الذي تقصده بحلم و أمل و واقع قالت : اذا عرفت الفرق بينهم وجدت الحل و يجب أولا ً أن تعلم ان حياتك مثل القطار في أوله جرار يشد باقي العربات اذا انقلب انقلب القطار بأكمله , دراستك هي جرار حياتك فاعطها الاولوية كي يأتي قطارك عربة تلو الاخري . و علي الرغم من أني فكرت مليا ً فيما دار بيني و بين أمي من حديث مازلت عنيداً, صممت علي أني من الغد لابد أن ازرع هذه الوردة في بيتي مهما كان الثمن ؛ لأني تمنيت علي الله أن تظل بجانبي طيلة عمري تهون عليَّ همومي بنظرة إليها تكون دعامتي التي تقويني إن تغلبني الظروف تكون جنتي التي تأويني إن ضاقت بيا الدنيا و اشتعلت شمعة الحماس بداخلي يوم بعد يوم أكثر فأكثر فأخذت في هذا بالفعل و اعطيت هذا كل وقتي و جهدي و كل يوم أقف أمامها أرويها و انتظر نموها يوم تلو الاخر و لكن بلا فائدة ظلت النبتة كما هي بدون أي استجابة فغمرتني حالة من الحزن العميق و اشتعلت مشاعري بلا حطب و يأتي اليوم و اقوم بالفعل المعتاد و التجربة تبوء بالنتائج المعتادة عندها اصبح قلبي به صوت محبوس يصرخ قائلا ً : ماذا تريدين أكثر من هذا ؟ و ارفع يدي للسماء قائلا ً : يــــا رب ......... و جلست بالليل وحيدا ً اسند برأسي علي يدي أفكر و أفكر .. أقول لنفسي : لماذا هذه الوردة دون غيرها ؟! أمامي الورود كثيرة اذا نظرت لأي منها تفتحت اوراقها ... لو أني اعطيت أي منها نصف هذا الاهتمام لصرخ لونها من شدة الفرح لكنها ورود مزيفة و انا أجلُّ وردتي عن أن أنزل بها إلي مثل ذلك و لن أجد أفضل منها وردة لكن تقصر يدي أن أقدم شيء أغلي من روحي لأجلها. فما العمل اذا ؟! انا لا أغرس إلا طيّب الورود و لا أقرب من الورد المزيف و لا أسومه ثم اسمع صدي صوت لاصحابي الذين نصحوني بألا أخوض مثل هذه التجربة و سينفونية صاخبة تعزف في اذني .. " ورد ايه و كلام فارغ ايه " , " انسي .. انت بتنحت في الصخر يا محمد يا ابني " ، " ابقي اتغطي قبل ما تنام " ، " بلاش تشارلز ديكنز كتير مالو يا ابني المنفلوطي " . و أقول في ذات نفسي من لامني عليكي و الله ما ألومه لو أنه شم رحيقك كان استحق الرد و لكن روحه من شذا عطرك محرومة . خرجت من غرفتي فوجدت أمي تؤدي صلاتها ... فتراجعت لغرفتي ثانية و عينايا تبتدران في البكاء و أقول: "القطرانقلب يا امي كان عندك حق.... يا ريتني سمعت كلامك و رتبت قطري احسن من كدة " .
دخلت إلي البلاكون أنظر إليها .. اناجيها.. و أرجو منها رد لكنه كان نداء بلا اصغاء وانحنيت إلي الارض ادقق فيها فرأيت نبتا ً ضعيفا ً فلم أعلم أهذه بداية أم هي بداية النهاية فازداد الموقف غموضا ً و سألتها : ما الذي قصرت فيه كي تقسى عليَّ ؟ أهذا عقاب منك ظناً أني اردت قطفك في البداية ؟ - فأنتي هكذا تنادي دموعي بأعلي صوتك - لا و ربي ما أردت هذا قط فانا لم أصدق عينايَ أن وردة مثلك اتخذت الارض لها مكانا ً للسير ليس بين سُحب الوهم و لا سماء السراب فاردت أن اتيقن .. معقولة ! أنتي طبيعة ملموسة أمامي شئ أكبر من أي غرام و هيام جذبني إليكي و ربي يعلم بما تخفي نفسي و ما تكن ظنوني , انجذبت اليكي دون النظر الى العواقف أكانت بالسلب أم بالايجاب و الان اهديكي نفسي و اهديكي ما هو أغلي فماذا يكون الثواب ؟... ترضين بالجفاء ثواب ؟! وردتي ... اذا اردت أن تعرفي من انا فانظري إلي نفسك ستجديني .. في شهدك في عطرك في صمتك و في سكونك حتي في شوكك و لونك ستجديني . - و أخذت احدثها من قلبي لقلبها - وردتي قوي الظلام دائما ما تحاول ابعادي عن النور أبحث عن الحقيقة و لا أجدها أو أجدها حقيقة مذيفة فما هي الحقيقة ؟ ... وردتي إما أن تدليني أي السبل التمس في سبيل رضاكي فقد ضاقت كل السبل أمامي و إما أن تخبريني الفرق بين الحلم و الأمل و الواقع .. لقد جعل الله عبرتي في وردة مثلك .. نعم .. كلما انظر إليكي اتعلم درسا ً جديدا ً فأنتي من علمني أن الورد وفي يصون العهد و لا يجرح إلا من به صفة مذمومة .. رأيت كيف فرعك يحمل الشوك لكنك بمصدر الشهد مختومة لذا يُبني قدر فتي متيم مثلي بقوة عزومه لاحظت كيف الضد يظهر جمال الضد فإن جمالك ازداد في نظري أكثر و أكثر عندما انجرحت من شوكك .. فالوردة التي يشمها أي عابر سبيل تفقد عبيرها .. الوردة التي يقطفها أحد بسهولة يلقيها علي الارض بنفس السهولة ...أنتي حقا ً وردة أحلامي لذا فلن اتخلي عنك لحظة مهما اشتدت الظروف و ضاقت حلقاتها و رجوت أن ترحمي من ضحي بكل ما ملكت يداه و بقدر ما سقط من دموع عيناه فقط لأجلك أنتي .. تمنيت لو تكون لديك رغبة إليَّ فاستعين بإرادتك علي إرادة الظروف .. و إن غبت أو اقتربت إن تتذكريني أو تنسييني ستجديني كما كونت عليه بنفس الخوف عليكي بنفس اللهفة إليكي ستجديني كما كونت ، و قد مضي الليل إلا أقله و لم يبق من سواده في صفحة هذا الوجود إلا أسطر معدودة حتي شق الصبح نوره و لكن رأيت الشمس ترسل خيوط طفيفة من بعيد فنظرت إلي نبت وردتي نظرة خوف شديدة و ارفع يدي إلي السماء و أقول ربي لا تقطع رجائي لكن فجأة ابتلعت الغيوم نور الشمس تماما فتبدل خوفي علي وردتي بخيبة أمل فانحنت رأسي إلي الأرض أسفا ً و تعلق الدمع في محجر عيني لا يفيض و لا يغيض و عُدّت إلي غرفتي محمل بالأسي و اغلقت الباب فاذا بصوت أمي يناديني من بعيد : " محمد ... محمد اصحــــــى ... الساعة سبعة " ففتحت عيني فاذا بي ملقي علي فراشي و نور الشمس يملئ الغرفة فقفزت من علي فراشي و جريت و فتحت باب البلاكون بلهفه .
تـــــــــــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــ ـــــــــت
written by / mohammed magdi ( freebooter )