نصف جسد ( قصة واقعية) ـ إيمان القدوسي
كان يوما مختلفا في حياة ( فايزة ) الفتاة الريفية الجميلة ، ظهرت نتيجة الدبلوم ونجحت بتفوق كانت تتقافز من فرحتها وهي تقف وسط زميلاتها ، كانت تدفعهن بيدها فتكاد تطرحهن أرضا ، فهي قوية طويلة عفية مثل أرض الريف الخصبة ، تعالت ضحكات وصرخات الفتيات وهي تعكس صخب الفرحة الجميل ، وكانت هي من تطلق القفشات والدعابات التي تثير كل تلك البهجة .
أخيرا استقلت الأتوبيس عائدة لقريتها وهي تفكر في وجه أمها عندما تخبرها بالنتيجة ، مات أبوها قبل أن تستوعب ملامحه وترك وراءه زوجات وأبناء بلا حصر كانت هي آخرهم ، تتعجب وهي تفكر كيف استطاع والدها الفلاح الفقير أن يترك كل هذه الذرية ؟ الله يرحمه ،أمها هي كل دنياها وإخوتها غير الأشقاء يعاملونها بجفاء ولكنها تعذرهم وتحب الجميع خاصة في هذا اليوم السعيد .
هاهي قريتها تبدو رابضة خلف الحقول فلتستعد بسرعة وتقف بجوار الباب حتي تتمكن من النزول ، ( عن إذنك يا ابا ، بعد إذنك ياخاله ، علي إيدك اليمين يا أسطى سوف أنزل هنا ) كانت تلك هي كلماتها الأخيرة قبل أن تسمع الانفجار المدوي وتغيب عن الوعي .
في المستشفي التي ظلت لشهور طويلة ترقد فيها ، استوعبت علي مهل ما حدث ، انفجر الأتوبيس المتهالك لاصطدامه بسيارة نقل واشتعلت فيه النيران ، وهي حملها الباب الذي كانت تقف بجواره وقذف بها الانفجار في حقل زراعي ، كانت أغلب إصاباتها كسور وأسوأها كان بسبب شظايا الزجاج التي أضاعت عينها اليمني وشوهت وجهها ، وأخيرا خرجت بمسامير تربط عظامها ومشية عرجاء وعين واحدة ووجه مشوه ، كانت الإصابات كلها في الجانب الأيمن .
حصلت علي تعويض مادي من جهة ما أصلحت به حال الحجرة التي تقيم بها مع أمها وحققت أحد أحلامها القديمة ، وهي بناء دورة مياه ملحقة بالحجرة ومستقلة عن بيت العيلة ، وأوفي أحد المسئولين بوعده لها عندما زار المصابين في المستشفي ، فوفر لها فرصة عمل بالدبلوم في مكان شبه حكومي .
كان ذهابها للعمل بداية أمل جديد في حياتها ، وتدريجيا استعادت روحها المرحة وشخصيتها المحبة الجذابة وأصبحت هي بهجة المكان كما كانت أيام المدرسة ، في كل يوم لديها الجديد الذي تفاجئ به الزملاء ، جمعية للزميلة التي أوشكت علي الزواج وتقبضها الأول ، حل لطفل زميلة أخري كانت لا تعرف أين تتركه في فترة العمل فاقترحت تركه مع والدتها ، فطائر لذيذة من صنعها يأكلونها معا ، لكنها لم تتخيل أبدا ما حدث في ذلك اليوم .
طلب المهندس الزراعي المشرف علي المكتب ( الباشمهندس جمعه ) كما كانوا يدعونه ، طلبها للزواج قالت بصراحتها وتلقائيتها ( حذاري من الشفقة ، أنا لا أمتلك سوي نصف جسد ) لكن الزواج تم وكان زواجا سعيدا وفي احتفال قبول ابنتهم الكبري طالبة بكلية الطب قال الزوج المحب : ( من كانت تمتلك روحك وقدرتك علي العطاء والحب وإبداعك في تجميل الحياة عليها أن تعتبر نفسها ملكة جمال حقيقية )