تشهد مصر بعد الثورة الشعبية المباركة فترة انتقالية حرجة ومرحلة مخاض عسير ، فشباب مصر الذين قاموا بالثورة لأجل قلب نظام الحكم ،واستبداله بنظام مدني ديموقراطي تحترم فيه الحريات ولاتنتهك فيه كرامة المواطنين ، لازالوا يرابطون بشتى الوسائل كالاعتصامات التي توقفت لقدسية رمضان الكريم و الندوات والكتابات ...لازالوا يحاربون لأجل أن تحيا ثورتهم وتتحقق مطالبهم جميعا ، ولكن هذه الوقفة من باب مصر لاقت الكثير من الرياح العاتية التي أرادت النيل منها ، فكلنا نتذكر الأيام الأولى بعد إسقاط مبارك ، والأحداث التي أعقبتها كانعدام الأمن وظهور البلطجية والأحداث الطائفية وواقعة العباسية...إلى أن وصلنا إلى أحداث قسم العريش إذ اتضح أن هناك لاعبين جدد يريدون أن يظهروا على الساحة .فل هناك طائفة مارقة فى جماعة السلفيين تستهدف القيام بعمليات إرهابية ؟ وما الدافع الذى يقف وراء هذا النوع من العنف المنظم الذى تشهده هذه المدينة .
الحقيقة يكشفها لنا الدكتور عبد الرحيم على مدير المركز العربى للبحوث والدراسات والباحث فى شئون الجماعات الإسلامية حيث يقول: لو تتبعنا الخيط من بدايته سنجد انه بعد ان أعلنت الجماعة الإسلامية عن توقفها عن العنف وبعد أن توقفت حركة الجهاد هى الأخرى عن العنف منذ أن أصدرت مراجعاتها منذ هذا التاريخ نشأ على السطح جماعات جهادية اخرى على الجهة الشمالية عن شمال سيناء وهدفها أن تقيم إمارة إسلامية فى هذه المنطقة .. وكانت أبرز هذه التنظيمات الجهادية "التوحيد والجهاد" ويتواصل هذا التنظيم مع جيش الإسلام الفلسطينى الموجود فى غزة ، وهذا الجيش حليف لحركة حماس وقد شارك فى عملية اختطاف جلعاد شاليط أى ان هناك علاقة تنظيمية وثيقة جدا بين هذا التنظيم الجهادى المصرى وبين جيش الإسلام .. وتنظيم التوحيد والجهاد نشأ لأنه لابد لمصر أن تدور فى حلقة العنف الإسلامى بدعم وتوجيه من إيران التى لاتزال ترعى وتأوى 83 عنصراً من أشرس العناصر المتطرفة المصرية وترفض تسليمها للأمن المصرى .. وفى عام 2004 بدأ هذا التنظيم يقوم بتفجيرات وحوداث إرهابية فى مصر كان أولها حادث تفجيرات طابا 2004 ثم تفجيرات شرم الشيخ 2005 ثم تفجيرات دهب 2006 وأخيرا تفجيرات المشهد الحسينى 2009.. وكان هذا التنظيم يقف وراء هذه العمليات وينفذها ويضم عناصر مصرية شرسة منها خلف مصطفى وغيره ممن ذهبوا إلى الجيش الإسلامى وتدربوا به وأخذوا أموال وسلاح حيث نشأ هذا التنظيم فى 2002 فى شمال سيناء على وجه التحديد ويقوده الدكتور خالد مساعد الذى تم اعداده فى جيش الإسلام .
ويضيف الدكتور عبد الرحيم على أن جهاز الأمن المصرى نجح فى تعقب هذا التنظيم بعد التفجيرات الإرهابية التى دبرتها ، وتم بالفعل القبض على 90 فرداً من أعضائها وقد حكم على 9 منهم بالاعدام و37 بأحكام مختلفة ومتفاوتة وقتل منهم حوالى 11 فى المطاردات ثم هرب حوالى 70 عنصراً من عناصر التنظيم ، وقد اعتقد الأمن المصرى أنه أغلق القضية ولكن سرعان ما عادت العناصر الهاربة مرة أخرى بعد أن استغلت حالة الفوضى والانفلات الأمنى التى اعقبت الثورة فى مصر وقد قامت بتنظيم صفوفها استعدادا لتنفيذ مخططات جديدة فى العريش بمساعدة من جيش الإسلام الفلسطينى .
ويذكر الدكتور عبد الرحيم على أن حركة حماس أرادت ان تستفيد من الأوضاع الأمنية السيئة فى مصر بعد سقوط النظام المصرى الذى كان يقف حجر عثرة فى وجهها فيما يتعلق بفتح المعبر حيث انها اعتقدت انه بعد زوال حكم مبارك أصبح بإمكانها فتح المعبر والتحرك فى مصر بحرية لكنها أخطأت فى تصور ذلك ..حيث ان المسألة ليست لها علاقة بنظام الحكم وإنما لها علاقة بالأمن ولهذا تقوم حماس بتوظيف هذه العناصر من أجل تحقيق مآربها .
ويؤكد الدكتور عبد الرحيم على ان حماس تريد فتح المعبر طوال الوقت وتريد ألا يتم تفتيش من تقوم السلطات المصرية بتفتيشهم وتريد أن يتم رفع العدد اليومى من عابرى المعبر من 300 إلى ألف وألا يخضع للتفتيش من هم أقل من 18 سنة وأكبر من 40 سنة هذا على الرغم من أن غزة تمتلىء بالحماعات الجهادية الخطيرة على الأمن العام.. ونلاحظ أيضا ان حماس قد بدأت هجوما عنيفا على النظام المصرى الجديد منذ شهر يوليو الماضى لإصراره على رفض ما تطلبه حماس حفاظا على الأمن المصرى الداخلى لأن حماس تريد ان تصبح المنطقة الشمالية لمصر بمثابة بديل لها تعمل فيها ما تريده لكن هناك معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل والمجلس العسكرى أعلن عن احترامه لها بعد توليه الحكم فى مصر خلال الفترة الانتقالية وبالتالى لو حدث مساس بهذا المر فسوف تقوم حرب على الحدود إذا لم تحترم مصر الاتفاقيات المنظمة للمعبر .. وحاليا لا يتوقف جيش الإسلام عن المناوشات وعن الدفع بعناصر من تنظيم التوحيد والجهاد لتحقيق أهدافه الخاصة والتى ربما تتبلور فى إقامة إمارة إسلامية فى مصر.
ولا يستبعد الدكتور عبد الرحيم على ان يكون تنظيم التوحيد والجهاد قد شارك بالفعل فى مليونية الجمعة الماضية والتى كانت من أجل لم الشمل الإسلامى مع العلم أن الرايات السوداء التى ارتفعت فى الميدان هى راية هذا التنظيم وهى راية تنظيمات أخرى مماثلة حيث يرفعها حزب التحرير الإسلامى وتنظيم القاعدة والجيش الإسلامى ، وهى فى الأصل الراية التى كان يرفعها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فى غزواته حيث كانت راية سوداء تحمل عبارة التوحيد" لا إلله إلا الله" .
ويرفض الدكتور عبد الرحيم على ما يقال حول ضلوع تنظيم التكفير والهجرة فى أحداث العريش الأخيرة فهذا لا يرقى لمستوى المناقشة العلمية حيث أن جماعة التكفير لها فلسفة وطريقة خاصة فى التكفير تقوم على تكفير المجتمع ثم الرحيل أو الهجرة بعيدا عنه ثم تكوين جيش قوى ثم العودة لتحرير المجتمع من الضلال ..
اما عن علاقة هذه التنظيمات الإرهابية بالسلفيين فيقول الدكتور عبد الرحيم على ان كل التيارات الإسلامية هى فى الأصل "سلفية" اى تتمسك بالسلف الصالح والإخوان أنفسهم عندما نشأوا قال حسن البنا أنها جماعة سلفية إذن السلفية هى فى تقديرى مفهوم عام تشمل داخلها الجماعات الإسلامية التى قد تتبنى مفهوم الحهاد فتصبح سلفية جهادية او التكفير فتصبح سلفية تكفيرية بل أن القاعدة نفسها هى جماعة سلفية جهادية وهذا النوع من السلفية الجهادية وجد فى مصر فى السبعينات وخرجت منها تنظيمات منها الجهاد والجماعة الإسلامية وكانت النتجية انهم قتلوا السادات يرحمه الله وكانت لهم اهداف خاصة .. المهم أنهم بعد ان تراجعوا عن العنف ظهر بديلا عنهم تنظيمات أخرى لا تقل شراسة فى غطار ما يسمى بالسلفية الجهادية ..
وكانت الجماعة السلفية بشمال سيناء أعربت عن استنكارها الشديد للهجوم على مدينة العريش وأحداث الجمعة الماضية التى راح ضحيتها 25 من القتلى والمصابين من المدنيين وقوات الشرطة والجيش وما تبعها من ترويع للمواطنين بمدينة العريش نتيجة لهجوم عناصر مجهولة من الملثمين المسلحين، والتى حاولت بعض وسائل الإعلام نسبتها للجماعة ، وأكدت قيادات الجماعة أنه لا صلة لها مطلقا (من قريب أو من بعيد) بمثل هذه الأعمال أو منفذيها وأنها تستنكر العنف طريقا للحوار.
وأكدت الجماعة فى بيان أصدرته تعقيبا على أحداث العريش أن حرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة المشرفة فلا يجوز بحال من الأحوال إهدار الدم المسلم البرىء بأى صورة من الصور ولأى سبب من الأسباب، ولذلك فإن الأحداث التى تمر بها بلادنا ليست من الإسلام فى شىء، وأن الهجوم على أقسام الشرطة وقتل الأبرياء والضرب العشوائى بالسلاح، مما يترتب عليه قتل وإصابة بعض الأبرياء من الناس عمل همجى غير مشروع.
كما نفى الدكتور صفوت عبد الغنى، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، علاقة الجماعة بالبيان الذى يتم توزيعه بسيناء والمتضمن دعوات لتحويل سيناء إلى إمارة إسلامية ، وأشار عبد الغنى إلى أن البيان قد يكون عملا مدبرا من " العلمانيين " لإثارة البلبلة والقلق والخوف من انتشار التيار الإسلامى فى مصر، وتحديدا بعد مليونية الجمعة الماضية.