نظرة للظواهر الجديدة فى شهر رمضان هذا العام
تعتبر موائد الرحمن من التقاليد الشائعة فى مصر خصوصا والدول العربية عموما . و تاريخيا يعود
هذا التقليد الى عهد الدولة الطولونية حيث يعتبر الأمير احمد بن طولون هو أول من أقام مائدة
الرحمن في مصر و ذلك في السنة الرابعة لولايته و فى العصر الحديث منذ عام 1967 تولي بنك
ناصر الاجتماعي الإشراف علي موائد الرحمن والإنفاق عليها أموال الزكاة, و تعد المائدة التي تقام
بجوار الجامع الأزهر أشهر هذه الموائد حيث يفطر عليها أربعة ألاف صائم يوميا .
كل يغني على ليلاه!!
و برغم ما لهذا التقليد من أهمية قصوى تساهم فى زيادة التلاحم و التكافل بين المصريين إلا أن
بعض الشوائب قد طرأت عليه نتيجة للتطبيق الخاطئ له من جانب بعض السياسيين و الأثرياء و
الفنانين .
فموائد الفنانات التي تتربع على رأسها مائدة الفنانة المصرية فيفي عبده و الراقصة المصرية دينا
و الفنانة الاستعراضية شيريهان تحظى بشهرة واسعة لما تقدمه من طعام فاخر ينافس الأطعمة
المقدمة فى فنادق الخمس نجوم إضافة إلى مبالغ مالية لكل مفطر على هذه الموائد.. و للأسف نجد
أن بعض الفنانين هذا العام فى مصر استغلوا موائد الرحمن للترويج لفنونهم و لأنفسهم بطريقة أو
بأخرى.
وهناك موائد رجال السياسة و الاقتصاد مثل مائدة الدكتور ميلاد حنا أحد أشهر السياسيين الأقباط,
ورجال الأعمال مثل محمد فريد خميس ومحمد أبو العينيين وأحمد عز .
ولعل أشهر تلك الموائد هي المائدة التي يقيمها سنويا الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب
المصري في حي السيدة زينب حيث مقر دائرته الانتخابية..و بالطبع يتم تفسير قيام هؤلاء بتدبير هذه
الموائد من قبل المعارضة بأنه محاولة لشراء الأصوات و اكتساب شعبية.
ظواهر إيجابية!!
هذا العام كان رمضان فى مصر على موعد مع عدة ظواهر ايجابية تتعلق بموائد الرحمن و بإطعام
الصائمين . فمثلا نجد انتشار ظاهرة توصيل الطعام للمنازل من موائد الرحمن في عدد كبير من
الجمعيات الخيرية و المساجد و يعد مسجد مصطفى محمود بالقاهرة اكبر مثال على ذلك حيث يتم
توزيع نحو 5000 وجبة يوميا يتبرع بقيمتها أهل الخير. و يتم توصيل الطلبات للمنازل لغير
القادرين أو توصيل الإفطار لفئات معينة مثل الأسر الفقيرة غير القادرة علي الانتقال للموائد أو حتى
موظفي الحراسات أو مجندي الشرطة العاملبن في المرور.
أيضا قامت جمعية (رسالة) الخيرية بإعداد 10 ألآف كيس كبير مطبوع عليها عبارة
( إملأ الكيس بأي أطعمه جافه مثل: – أرز – مكرونة- زيت- بلح.. وأكسب معنا ثواب إفطار
صائم ) ، حيث تؤكد الجمعية أن كل ما علي المتبرع أن يقوم به هوالاتصال بمندوب الجمعية علي
أرقام تليفونات مبينة علي الكيس كي يقوم بجمع الأكياس الممتلئة بالطعام من المتبرعين لإعادة
توصيلها إلي المحتاجين .
إن ظاهرة موائد الرحمن و انتشارها و ازدياد عدد روادها ليس فقط مؤشرا على اتساع رقعة العمل
الخيرى و التطوعى فى مصر...ولكنه من وجهة نظرى مؤشر على تدهور المستوى المعيشى
للفرد... فمثلا كشفت دراسة لكلية الآداب بجامعة القاهرة أن موائد الرحمن أصبحت مقسمة إلى
عدة أنواع.. الأول تتولى الإشراف عليه المساجد و يتم تمويلها من أموال الزكاة الخاصة بالمساجد
بجانب تبرعات الأهالى.
والثانية هي موائد القادرين التي يقيمها بعض الأغنياء وتقام أمام منازلهم أو متاجرهم. والثالثة
موائد الشباب أو "الموائد التطوعية" ويتطوع للقيام بها عدد من الشباب الذين يتولون الإشراف
عليها من حيث إعداد الطعام، وعلى كل متطوع أن يشارك أسرته في الإعداد والإشراف ومراسم
الاستضافة.
وتبين وفق نتائج دراسة حديثة أعدتها لجنة الفتاوى بالأزهر الشريف عام 2001 أن القائمين على
موائد الرحمن في القاهرة وحدها ينفقون عليها ما يزيد عن مليار جنيه. وأشارت الدراسة إلى أن
عدد رواد موائد الرحمن في مصر يقدر بحوالي 3 ملايين مواطن.
هذا كله لم يمنع من وجود بعض المعارضة لموائد الرحمن بشكلها الحالى...
في العام الماضى أطلقت محافظة الإسكندرية دعوة لإلغاء موائد الرحمن في رمضان وتحويل
نفقاتها إلى إعانات مادية تصل المحتاجين والفقراء . و برغم من أن هذه الدعوة وقتها لم تجد اى
صدى لكنه تم اعتبارها أول محاولة لتقنين عمل موائد الرحمن و إزالة الفوضى و التصنع منها .. و
فى هذا قال الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
أن إقامة موائد الرحمن لا شيء فيها من الناحية الشرعية ولكن الذي يؤخذ عليها هو الإسراف في
إعدادها فأصبحنا نسمع عن موائد الرحمن خمس نجوم مع انه يكفي لإفطار الصائم تمرة أو كوب
من العصير وقليل من الطعام....كما رأى أيضا انه ليس من المستحب أو الضرورى أن يتم
التصريح باسم صاحب المائدة....بل يجب أن يكون هذا العمل ابتغاء مرضاة الله دون اى نية
للحصول على شهرة أو أصوات انتخابية أو خلافه .
وبرغم هذه الانتقادات تبقى موائد الرحمن من أهم مظاهر شهر رمضان المبارك فى العالم
العربى ... و تبقى الأمنيات فى أن تزدهر كل الظواهر المشابهة فى هذا الشهر الكريم...وان
تضمحل و تختفى كل العادات السيئة فى هذا الشهر مثل فوانيس رمضان المبالغ فى اسعارها و
اشكالها مثل فانوس (كرومبو) تلك الشخصية الكارتونية المصرية التى غزت كل ما يتعلق برمضان
و اصبحت تعد آخر صيحات فوانيس رمضان....أو الزيادة الكبيرة فى اسعار السلع الغذائية و الزحام
المرورى الخانق فى فترات ما قبل الأفطار..او حتى كم المسلسلات الهائل الذى يجمد بعض
المشاهدين العرب فى أمكنتهم أمام التلفاز...وينسيهم أن هذا هو شهر الرحمة..والتراحم.