يتوافق في هذا العام موسم صيام شهر رمضان المبارك مع موسم توفر الثمار الطازجة لأشجار النخيل، ولئن كان من المشقة على عموم الصائمين إتمام الانقطاع عن تناول المأكولات والمشروبات طوال ساعات النهار، فإن حلول وقت لحظات مغيب الشمس يحمل لهم ذلك الأمل المفعم بالروحانية في ثبوت الأجر وقبول الصوم.
ومع البدء في تزويد الجسم بما يحتاجه من السوائل ومن مصادر الطاقة ومن العناصر الغذائية اللازمة لقيام أعضاء الجسم بوظائفها، أشارت موروثات الحكمة بشكل صريح إلى أن أفضل ما يُمكن للصائم تناوله في البداية هو رُطبات من ثمار النخل الطازجة، وإن لم يكن ثمة منها، فتمرات من ثمار النخيل الجافة بدرجة متوسطة، وإلا فالماء.
النخلة كانت ولا تزال رفيقة معيشة أهل مناطق الجزيرة العربية وبلاد الشام ووادي النيل وشمالي أفريقيا والمغرب العربي، وكذلك مناطق واسعة إلى الشرق من الخليج العربي.
ونتيجة لتنبه العقلاء في مناطق شتى من العالم إلى أهمية وفوائد تلك الشجرة العامرة بالخير والفوائد، زاد الاهتمام في المناطق التقليدية لزراعة النخيل، بشتى أنواع مظاهر ذلك الاهتمام العلمي والإنتاجي والتسويقي، بل وحتى انتشرت زراعة النخيل حتى في أقاصي الأرض، شرقاً وغرباً.
ووصلت إلى الولايات المتحدة وأجزاء من القارة الأميركية، وفق برامج مدروسة لاستجلاب أفضل الأنواع من بلاد الرافدين والجزيرة العربية والمغرب العربي.
وأصبحت الولايات المتحدة ليست فقط دولة مُصدرة للتمور، بل دولة مُصدرة لأجود أنواع فسائل النخل الصغير في العمر.
وأشجار النخيل اليوم لم تعد مصدراً محتمل الجدوى فقط في جانب إنتاج التمر وتوفيره لتناول المستهلكين بشكل مباشر على الموائد أو كحلويات طبيعية مع فنجان القهوة العربية أو في أشكال متنوعة من الحلويات المصنوعة من دقيق القمح أو بالمزج مع بودرة الشوكولاتة، بل تتعدى إلى كون الثمار تلك مصدراً لاستخلاص الدبس والسكر ولإنتاج الكحول الطبي، والاستفادة من النواة الصلبة للثمار، هذا ناهيك عن استخدامات سعف أوراق النخيل وغيرها من أجزاء الشجرة كاملة.
ولكن تظل ثمة نكهة خاصة لتلك العلاقة الحميمة والأزلية، ومنذ بدء فرض الصيام على المسلمين، فيما بين الصائمين وبين شجرة النخيل.
ولئن كان في الأصل لتلك العلاقة مبرراتها البيئية، نظراً لأن أشجار النخيل وثمارها المباركة، هي سيدة إمداد أهل الجزيرة العربية بحاجتهم من الثمار الغذائية الغنية بالسكريات والألياف والمعادن والفيتامينات، والتي يُمكن بسهولة تناولها طازجة، كما يُمكن بسهولة حفظها كي تكون متوفرة في حالة جيدة للتناول طوال العام.
إلا أن هذا المبرر البيئي لم هو السبب الوحيد للعلاقة الحميمة بين الصائمين وثمار أشجار النخيل، ذلك أن مكونات ثمرة الرطب الطازج أو التمر المجفف غير “المكبوس” أو “المكبوس”، تظل هي الأنسب والأفضل لبدء الصائم في تناول الطعام بعد ساعات من العطش والجوع جراء الامتناع الاختياري عن تناول الماء والأطعمة لتحقيق إتمام شعيرة الصوم على الوجه الواجب.
تناول الناس للتمور أو الرُطب، له ثلاثة أهداف
الأول هدف غذائي عام: أي تناول منتج غذائي نباتي في أي وقت من السنة للحصول على الطاقة والمعادن والفيتامينات والألياف.
والثاني، هدف غذائي خاص: أي تناول منتج غذائي نباتي سهل في إمداد الجسم بالطاقة وسهل على الأمعاء في الهضم لمنع حصول التلبك والتخمة، وهو ما يحصل في أوقات الصوم أو العمل الشاق أو الحمل والولادة أو أوقات المرض وفترات النقاهة .
والثالث، هدف علاجي: أي تناول منتج غذائي نباتي ثبتت فائدته في معالجة حالات من الاضطرابات الصحية أو الأمراض المخصوصة.
ولأن شأن التمر والرطب رفيع جداً لدى الإنسان، في المناطق العربية وغير العربية، لاعتبارات دينية صريحة في حثها على تفضيل تناولهما، ولاعتبارات غذائية بحتة ذات دوافع منطقية طبيعية، فإن عرض ملامح النظرات الصحية والطبية إلى جانب تناول ثمار النخيل يجب أن يكون عرضاً مرتباً ومٌقسماً، وهو ما يشمل خمسة عناوين:
- وبداية لدينا عنوان "التمر والرطب"، وذلك عند النظر إليهما كمنتج نباتي غذائي ذا تركيب متفاوت ومختلف، نتيجة لعوامل عدة، وذا قيمة غذائية عالية.
- ولدينا عنوان اعتياد "تناول الرطب أو التمر" من قبل الأصحاء من الناس، وفي أي مراحل العمر كانوا.
- ولدينا عنوان "تناول الرطب أو التمر"، كمصدر عالي للسكريات، من قبل مرضى السكري،
- ولدينا عنوان "تناول التمر أو الرطب" في أوقات إفطار الصائم.
- ولدينا عنوان "تناول الحوامل والوالدات حديثاً" للتمر أو الرطب.
ثمار النخيل
من أجود ما تجود به أشجار الصحاري والمناطق الحارة، ثمار النخلة. وضمن عناقيد كبيرة، تُسمى في الجزيرة العربية بالـ “عذوق”، جمع “عذق”، يتدلى انتاج النخلة من مجموعات لثمار الرطب المرصوصة بصفة “نضيدة” في العشرات من الأعواد الصفراء الطويلة التي تُسمى بالـ “شمارخ”، جمع “شمراخ”.
والنخلة البالغة تُعطي ما بين 8 إلى 16 من الـ “عذوق”، وعلية فإن النخلة البالغة، أي من بعد سن سبع سنوات من عمرها، قادرة على إعطاء ما بين 100 إلى 150 كيلوجرام من ثمار الرطب.
وتأتي ثمار النخلة، أي من الرطب، ضمن أنواع مختلفة، تبلغ الآلاف، ويُسمى كل نوع باسم خاص.
ولذا يختلف إنتاج الجزيرة العربية عن إنتاج بلاد الرافدين وإنتاج وادي نهر النيل وإنتاج شمالي أفريقيا وإنتاج المغرب العربي وإنتاج الولايات المتحدة وغيرهم من مناطق العالم المنتجة للتمور.
وحتى في الجزيرة العربية، تختلف أنواع التمور في إنتاج مناطق المدينة المنورة عن إنتاج القصيم أو إنتاج الإمارات أو إنتاج الأحساء أو إنتاج بقية مناطق جزيرة العرب.
وهذا الاختلاف في الأنواع، له تأثيرات على الاختلاف في الشكل والحجم واللون والطعم، والأهم له تأثيرات على الاختلاف في التركيب الكيمائي للمكونات من العناصر الغذائية النافعة والمفيدة.
وهناك أنواع من ثمار النخيل يتم تناولها وهي في مرحلة الثمار الطازجة، أي الرطب، وأخرى يتم تناولها في مرحلة النضج التام وشبه الجاف، أي التمر.
والتمر هناك ما يُتناول منه حبات متناثرة غير مكبوسة، أو "مكنوزة"، ومنها ما يُخزن بطريقة "الكنز" كي يتم تناوله في أي وقت من العام ولمدة طويلة.
وهناك أيضاً بالمقابل أنواع يتم تناولها في مرحلة الرطب وفي مرحلة التمر، و "مكنوزة" أو غير "مكنوزة".
وهذا التنوع الواسع في طيف توفر ثمار النخيل، يُعطي فرصة أكبر للإنسان في اختيار ما يناسب مزاجه وما يُناسب صحته وما يُناسب حاجته من تلك الثمار الغنية بالفوائد الصحية والغذائية.
قيمة غذائية متفاوتة
ولان ثمة طيفاً واسعاً من أنواع التمور، وهيئات مختلفة لتوفر الثمار تلك، فإن القيمة الغذائية تختلف فيما بين كل نوع وأخر.
ومعلوم أن القيمة الغذائية هي مُصطلح يُستخدم لعرض مكونات المنتجات الغذائية من الطاقة والماء والألياف والسكريات والبروتينات والدهون والمعادن والفيتامينات والمواد الكيميائية الأخرى.
وبالعموم، يُكون الماء نسبة تبلغ حوالي 30%، قد تزيد أو تنقص شيئاً قليلاً، من وزن ثمار النخيل حينما تكون في مرحلة الرُطب، وتقل نسبة المياه في مرحلة التمر، لتصل إلى ما يُقارب 15%، قد تزيد أو تنقص شيئاً قليلاً.
ولعل من أدق المصادر العلمية المتوفرة لتحليل القيمة الغذائية في مكونات المنتجات الغذائية، هي مختبرات وزارة الزراعة الأميركية USDA Nutrient database.
وبالمراجعة العلمية، أشارت تلك المختبرات إلى تحليل مكونات نوعين من أنواع التمور الشائعة الزراعة في الولايات المتحدة، وتحديداً في جنوبي ولاية كاليفورنيا وفي ولاية أريزونا.
والأول نوع "المجهول"، والذي تم استجلابه للولايات المتحدة من المغرب، وتتم اليوم زراعته في مناطق الجزيرة العربية.
والثاني نوع "دقلة نور"، والذي تم استجلابه من الجزائر وتونس.
وتزن الثمرة الواحدة من الأنواع الفاخرة لتمور "المجهول" حوالي 24 جرام.
ووفق إصدارات عام 2007 لمختبرات وزارة الزراعة الأميركية، فإن في كل 100 جرام من تمر، وليس رطب، "المجهول"، والخالي من نواة البذرة، حوالي 277 كالورى (سعر حراري). ويُشكل الماء نسبة 22%. والبروتينات حوالي 2 جرام. والدهون 0,15 جرام.
وتحتوي على سكريات الكربوهيدرات Carbohydrate بأنواعها بمقدار حوالي 75 جرام. منها حوالي 6,7 جرام من الألياف Fiber، و 66,5 جرام سكريات حلوة الطعم Sugars.
ومن هذه السكريات الحلوة الطعم، 34 جرام من سكر الجلوكوز Glucose الأحادي، و 32 جرام من سكر الفركتوز Fructose الأحادي، و 1 جرام من سكر السكروز Sucrose و سكر المالتوز Maltose ، الذين هما من السكريات الثنائية.
ومن المعادن، تحتوي كمية 100 جرام من التمر الخالص لنوع "المجهول"، على 64 مللي جرام من الكالسيوم، و 0,9 مللي جرام من الحديد، و 54 مللي جرام من المغنيسيوم، و 62 مللي جرام من الفسفور، و 700 مللي جرام من البوتاسيم، و 1 مللي جرام من الصوديوم، و 0,5 مللي جرام من الزنك، و 0,36 مللي جرام من النحاس، و 0,3 مللي جرام من المنغنيز.
ومن الفيتامينات، تحتوي تلك الكمية على النادر جداً من فيتامين سي، لأن الثمار تمر جاف.
بخلاف الرطب، وسيأتي الحديث لاحقاً عن الفروق بين الرطب والتمر. وعلى 1,6 مللي جرام من فيتامين نياسين. و 0,05 مللي جرام من كل من فيتامين ثيامين ورايبوفلافين. و 0,3 ملليجرام من فيتامين بي-6. و 15 مايكروجرام من فيتامين فوليت. و 2,7 مايكروجرام من فيتامين كيه K. و 150 وحدة دولية من فيتامين إيهA .
ومن المواد المضادة للأكسدة، 90 مايكروجرام من “بيتا كاروتين”،و 23 مايكروجرام من مجموع مواد “زانثين” ومواد “ليوتين”.
وبالمقارنة مع نوع "دقلة نور" من التمر، وليس الرطب، وهي الأصغر حجماً وكتلة في ثمارها عن نوع المجهول، تشير نتائج التحليل الكيميائي للمكونات الغذائية، وفق نتائج نفس المصدر الأمريكي السابق، إلى احتوائه على نفس كمية المياه، وبروتينات بمقدار 2,4 جرام، ودهون بمقدار 0,39 جرام.
وبالرغم من أن كمية سكريات الكربوهيدرات تقريباً واحدة، أي حوالي 75 جرام، إلا أن الألياف تبلغ 8 جرام، كما أن كمية السكريات الثنائية، أي سكروز و مالتوز، تبلغ حوالي 24 جرام، والبقية، أي حوالي 43 جرام، هي من السكريات الأحادية.
وكذلك تختلف كمية المعادن والفيتامينات، حيث يقل الكالسيوم، ليبلغ حوالي 39 مللي جرام.
ويقل الزنك، ليبلغ 0,3 مللي جرام، ويرتفع الحديد، ليبلغ 1 مللي جرام.
كما يرتفع الصوديوم، ليبلغ 2 مللي جرام، وتبقى في تمور "دقلة نور" كميات الفسفور والبوتاسيوم والمغنيسيوم والمنغنيز، كما في تمر "المجهول".
وكذلك تختلف كميات أنواع الفيتامينات، زيادة ونقصاً، بين نوعي التمر.
وهذا مثال تفصيلي على أن أنواع التمور ليست سواء فيما تحتويه من الطاقة، ومن السكريات الأحادية والسكريات الثنائية، ومن المعادن والفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة.
وبالمقارنة فيما بين الرُطب والتمر، كثمار طازجة وثمار جافة، فإن الاختلافات تبدو في ثلاث جوانب:
الأول يتعلق بكمية الماء العالية نسبياً في الرُطب، مقارنة بالتمر، والثاني في كمية السكريات الثنائية، التي تعلو نسبياً في غالبية أنواع ثمار التمر مقارنة بالرُطب، والثالث في وجود الفيتامينات التي تتأثر بسهولة بالعوامل البيئية، وتحديداً فيتامين سي C.
هضم السكريات وامتصاصها
وحينما يُقال بالجملة “كربوهيدرات” فإن المقصود هو المركبات الكيميائية المحتوية على الكربون والهيدروجين والأوكسجين، ومن بين أنواع الكربوهيدرات، هناك سكريات أحادية بسيطة التركيب، مثل سكر الغلوكوز وسكر الفركتوز. أي سكريات مكونة من مركب سكري واحد.
وهناك سكريات ثنائية، مكونة من اتحاد وترابط مركبين سكريين أحاديين. مثل سكريات السكروز، كالذي في سكر قصب السكر، والمالتوز.
وهناك سكريات عديدة، أي سلسلة أو سلاسل مكونة من اتحاد عدد كبير من السكريات الأحادية. مثل النشويات الموجودة في البطاطا ولب القمح والذرة وغيرهما من الحبوب.
وهناك السكريات المعقدة، والتي تظهر على هيئة ألياف نباتية، بنوعيها الذي لديه القدرة على الذوبان في الماء لتشكيل سائل غروي، والنوع غير القابل للذوبان في الماء، والذي هو مثلاً في نخالة القمح وغيره من القشور الصلبة للمنتجات النباتية.
وأحدنا حينما يتناول الكربوهيدرات، فإن الجهاز الهضمي يعمل على تفتيت تلك الكربوهيدرات، إن أمكنه ذلك، وصولاً إلى توفيرها على هيئة سكريات أحادية، وهنا فقط تستطيع الأمعاء امتصاص تلك الهيئة البسيطة الأحادية من السكريات.
وما يلزم لإتمام عملية التفتيت والهضم، ثلاثة أمور
- الأول، هو الوقت اللازم للوصول إلى الأمعاء.
- والثاني، توفر الأنزيمات الهاضمة للسكريات، أي التي تفرزها الغدد اللعابية والبنكرياس وخلايا الأمعاء.
- والثالث، توفر أسطح سليمة في بطانة الأمعاء قادرة على إتمام عملية الامتصاص.
ولذا نلحظ أن الوقت يختلف، أي يطول بدرجات متفاوتة، لهضم السكريات الثنائية عن هضم السكريات العديدة.
وهناك سكريات لا تحتاج إلى هضم بل يتم امتصاصها بسرعة متى ما وصلت إلى أسطح الامتصاص في الأمعاء، مثل السكريات الأحادية.
وهناك سكريات لا يملك الجهاز الهضمي في جسم الإنسان القدرة على تفتيتها وهضمها البتة، مثل الألياف النباتية.
كما أن الوقت يختلف، بحسب سرعة إفراغ المعدة لما فيها من أطعمة، ودفعها إلى الأمعاء، ولذا لو تأخر إفراغ المعدة بفعل عوامل عدة، فإن امتصاص الأمعاء، حتى للسكريات الأحادية سيتأخر.
ومن أهم العوامل المُعيقة لسرعة إفراغ المعدة، وجود الدهون في المعدة وامتلاء المعدة بالطعام الكثير.
وعليه، فإن حاجة الجسم إلى السكريات، والوقت الذي نحتاج فيه إلى تواصل واستمرارية إمداد الجسم بالسكريات، هما ما يُحدد نوعية الغذاء السكري الذي علينا تناوله، ولذا، فإن وقت إفطار الصائم، بعد الصيام لساعات، يتطلب تناول سكريات سهلة الامتصاص، كما يتطلب تهيئة الظروف لذلك.
بينما في وقت السحور، الذي يُحاول المرء فيه تناول أطعمة سكرية تتطلب هضماً بطيئاً، كي يُمكن إمداد الجسم طوال ساعات الصوم بالسكريات، يتطلب تناول السكريات العديدة أو الثنائية.
السكريات وصيام المسلمين
ووفق التعاليم الإلهية، مفروض على المسلم البالغ أن يصوم أيام شهر رمضان، من وقت الفجر إلى غروب الشمس، وينقطع الصائم خلال النهار عن تناول الماء والأكل، أي أن لا يدخل جوف جهازه الهضمي أي شيء، من الغذاء أو غيره.
والجسم، خلال هذا النوع من الصيام، يتعامل بطرق طبيعية مع تلك الحالة الفريدة، وبعيداً عن الحديث المباشر عن الماء، فإن سكر الغلوكوز يُعتبر هو المصدر الأولي للطاقة اللازمة لأعضاء الجسم كلها كي تعمل بكفاءة. أي أن تلك الطاقة لازمة لعمل الدماغ والقلب والكبد والكلى والعضلات والمفاصل والجهاز الهضمي والتنفسي والبولي، وغيرهم من أعضاء الجسم وأنظمته الحيوية.
وعادة ما يتم توفير الغلوكوز للجسم من خلال عملية تناول الطعام، التي تستمر طوال اليوم، وذلك إما في أوقات محددة ومتكررة، أي من خلال وجبات تناول الطعام، أو عند الحاجة، أي حينما يشعر المرء بالجوع، أو من خلال التسلية.
قصة الغلوكوز والجوع ك، حينما ينقطع إمداد الجسم بالغلوكوز، عبر الجهاز الهضمي، ولمدة تصل إلى ما بين 4 إلى 8 ساعات، أي الوقت الطبيعي فيما بين الوجبات المعتادة، فإن الجسم يلجأ إلى استهلاك ما يتم خزنه في الكبد عادة من مادة غلايكوجين.
ومادة غلايكوجين هي المصدر الثاني للجسم في إنتاج الطاقة، وهي مكونة من تراكم مركبات الغلوكوز على بعضها البعض بروابط كيميائية.
وخلال الساعات تلك يتم تفتيت الغلايكوجين لانتاج غلوكوز، ومن ثم حرقه لإنتاج الطاقة. وغلايكوجين الكبد بإمكان الجسم الاستفادة منه، كمصدر للطاقة، لفترة قد تصل إلى 12 ساعة.
وذلك عند بذل مجهود بدني متوسط أو خفيف، وإلى هذا الحد الزمني في عدم الأكل، لا يلجأ الجسم إلى استهلاك الغلايكوجين المختزن في العضلات، ولا يلجأ إلى استهلاك البروتينات أو الدهون بشكل مباشر في إنتاج الطاقة، أي لا يتجه إلى استهلاكهم كمصادر للطاقة.
ثم مع استمرار عدم الأكل، أي بعد حوالي 16 ساعة من الصيام، يبدأ الجسم بالالتفات إلى أماكن أخرى يُختزن عادة فيها الغلايكوجين.
وأهم الأماكن تلك هو العضلات، وحينها، بإمكان الجسم الاستفادة من غلايكوجين العضلات، والقليل من بروتينات العضلات، في إنتاج طاقة تكفيه لمدة بضعة أيام.
ولا يضطر الجسم إلى اللجوء لاستهلاك الشحوم أو البروتينات، كمصادر مباشرة للطاقة، إلا حين فراغ الجسم من الغلوكوز ومن الغلايكوجين.
وصحيح أن صيام المسلم لا يستمر إلا ما بين 12 إلى 14 ساعة في الغالب، قد تزيد في بعض المناطق، إلا أنه صيام يتكرر يومياً، ولمدة حوالي 30 يوماً، وهو ما يعني أن عملية إعادة بناء كميات من الغلايكوجين في الكبد وفي العضلات قد لا تتم بشكل كامل يومياً.
كما أن بإمكان الإنسان عدم الإكثار من الأكل وتزويد الجسم بكميات عالية من السكريات.
وبإمكان الإنسان القيام بالحركة والنشاط المعتدلين خلال وقت الصوم، وإذا ما حصلت هذه الأمور، فإن الجسم سيلجأ إلى استهلاك الشحوم المتراكمة في الجسم كمصدر لإنتاج الغلايكوجين أو كمصدر مباشر في إنتاج الطاقة.
والمهم في شأن إفطار الصائم، أن الأولوية هي لتزويد الجسم بالغلوكوز مباشرة من الغذاء.
ولذا فإن الأفضل للتناول عند الإفطار هو منتج غذائي يحتوي على الغلوكوز، ويكون سهل المضغ وسهل البلع وسهل الجريان في المرء والمعدة، كي يصل إلى الأمعاء سريعاً، ولكي تمتص الأمعاء بسرعة ما فيه من غلوكوز سهل الأمتصاص، وهذا المنتج الغذائي هو الرُطب.
سكريات التمور
وإمداد الجسم بسكريات الكربوهيدرات المتوفرة في الرُطب، أو التمر، هو السبب في غالبية تناول الناس لأي منهما، كما أن تلك السكريات من الكربوهيدرات هي المشكلة لدى البعض من عشاق التمر المُصابين ببعض الأمراض أو الاضطرابات الصحية.
ولذا فإن فهم محتوى التمور من تلك الأنواع للكربوهيدرات، يحل الإشكاليات التي تواجه البعض حال تناولها، ويُسهل على الغالبية اختيار الطريقة الأفضل لتناولها أيضاً.
وبالمراجعة لمحتويات بعض من الأنواع الشائعة في الجزيرة العربية لثمار النخيل، وفي هيئة الرُطب أو التمر لبعضها، نلحظ من الجدول المُرفق، اختلاف نسبة السكريات الأحادية السهلة الامتصاص، عن تلك السكريات الثنائية المتطلبة لبعض الوقت في امتصاصها ووصولها إلى الدم.
ومن هنا يتبين التفاوت في محتوى نوعيات وكمية السكريات في أنواع مختلفة من التمر.
ومنه يتبين أن السكريات الثنائية، والمتطلبة للوقت في هضمها وامتصاصها، هي أعلى في التمر مقارنة بالرُطب. ولذا فإن محاولة الإنسان اختيار الأفضل، والأسهل هضماً والأسرع في إمداد الجسم بسكر الغلوكوز والفركتوز، عند الإفطار بعد الصيام وخلو المعدة، هو تناول الرُطب.
أي خلال بضعة دقائق، بخلاف ما يُحاول المرء فعله حال الصباح في الأيام العادية، أي للتزود بكمية من الطاقة شبه السريعة، حيث يُفضل تناول التمر، وهذا لا يعني البتة أن التمر ليس جيداً، بل حين عدم توفر الرطب، فإن الأفضل من بين بقية الأطعمة والثمار هو بلا شك التمر.
وإذا ما أُضيف إلى تناول الرطب، أو التمر، تناول الماء، فإن الجسم سيمتص كمية جيدة وفي وقت قصير، حاجته من السكريات وحاجته من الماء، والسبب أن حتى امتصاص الماء يسهل حال وجود عملية امتصاص للسكريات.
وثمة فائدة أخرى لتناول الرُطب، كمصدر سريع في إمداد الجسم الجائع، بالغلوكوز.
ذلك أن كسر الصوم بتناول بضعة رطبات، ثم أداء الصلاة، يُقلل من احتمالات التهام كميات كبيرة من الأكل عند العودة بعد أداء الصلاة لتناول الجبة الرئيسية.
وكثيراً ما يُلاحظ الصائم أن عدم الاستعجال في التهام الأطعمة، وتناول الرطب والماء فقط أولاً، وأخذ وقت قصير من الراحة، سيُؤدي إلى عدم حصول التناول العشوائي لكميات كبيرة ودسمة من الأطعمة، أي مفيد في منع التلبك المعوي.
للحديث بقية عن فوائد التمور
وعند التركيز في الحديث عن الرطب أو التمر باعتبارهما الأفضل للتناول حال الإفطار من الصوم، فإن المقام لا يتسع لعد الفوائد الصحية الكثيرة الأخرى التي يجنيها أحدنا من تناول تلك الثمار.
والسبب أن هناك الألياف وأنواع من المعادن والفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة ومواد كيميائية أخرى.
والمعروض في أوساط الطب الشعبي والطب الحديث هو الاستفادة من التمر والرطب في معالجة أو منع الإصابة بحالات الإمساك، باعتبار التمر من أعلى المنتجات الغذائية النباتية احتواءً على الألياف الذائبة. كما أن الحديث يستمر عن سهولة استفادة الجسم من أنواع المعادن المتوفرة في التمر، وكذلك الفيتامينات.
وعن فائدة الفلورين ومواد شمعية أخرى في التمر، في عدم تسبب تناول التمور بتسويس الأسنان، حتى لو علقت فيما بينها.
وإشارات أخرى، لا يتسع المقام لعرضها، حول التأثيرات المباشرة لتناول الحوامل والولادات للرطب أو التمر في حركة عضلة الرحم وتنشيط إفراز الحليب من الثدي وتنشيط جهاز مناعة الجسم.
وتظل جوانب تتعلق بمقاومة السموم تحتاج إلى دراسات متعمقة لفهم الآلية التي يتحقق بها الوعد بأن تناول سبع تمرات عجوة يقي المرء منها. وكذلك الحال مع توقعات البعض أن يكون لتناول التمر دور في الوقاية من أنواع من السرطان.
كما لا يتسع العرض للحديث عن الكيفية الأفضل لتعامل عشاق التمر، من مرضى السكري، مع تناول التمر، وستكون تلك المواضيع ضمن الأعداد القادمة.